الأزمة المالية: نقطة تحول حرجة في عصر امبريالية العولمة


تاج السر عثمان
2008 / 12 / 1 - 07:36     

في تناولنا للأزمة المالية الراهنة، ننطلق من المنهج الماركسي في نقد الاقتصاد السياسي للرأسمالية، ومن خلال هذا النقد نستبين الطريق الذي يجب ان نسلكه، وبحكم ان النظام الرأسمالي هو مصدر الشرور ويعيد انتاج الأزمات باستمرار، ومن خلال هذا النقد من المهم استعادة الثقة في البديل الاشتراكي من خلال التقويم الناقد للتجارب الاشتراكية الماضية حتي نستند علي ايجابياتها ومنجزاتها وننبذ ماهو سلبي وعفي عليه الزمن في تلك التجارب.
أولا: نقد الاقتصاد السياسي للرأسمالية:
كما هو معروف، فان ماركس هو الذي ابتدر النقد المنهجي والعلمي للاقتصاد السياسي الرأسمالي، كتب ماركس في مقدمة الطبعة الأولي لمؤلفه(رأس المال): (انني انظر الي تطور التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية كعملية تاريخية طبيعية وهدف مؤلفي النهائي هو اكتشاف القانون الاقتصادي لحركة المجتمع المعاصر).
يواصل ماركس ويقول(المجتمع المعاصر ليس بلورة صلبة، بل كيان عضوي قادر علي التحول وهو يتحول بصورة دائمة). وهذا مااكدته الأحداث في مابعد في التحولات المختلفة التي مرت بها التشكيلة الرأسمالية.
كان صدور المجلد الأول من كتاب (رأس المال) المؤلف من اربعة مجلدات حدثا مدويا في نقد الاقتصاد السياسي للرأسمالية، في ذلك المؤلف درس ماركس الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في انجلترا التي كانت اكثر البلدان الرأسمالية تطورا في عصره، كما استند علي الاستنتاجات العلمية التي خرج بها الكلاسيكيون في الاقتصاد السياسي البورجوازي مثل: آدم سميث، ريكاردو، وليم بيتي وغيرهم واعاد النظر فيها بشكل انتقادي، ولذا جاء عمله الرئيسي يحمل عنوانا فرعيا هو (نقد الاقتصاد السياسي)، وكانت فكرة ماركس الأساسية هي انه لايمكن التوصل الي استنتاجات علمية الا عن طريق تحليل الواقع الاجتماعي والممارسة العملية، وكانت ثمرة دراسة ماركس العينية للمجتمع الرأسمالي في انجلترا هو اكتشاف نظرية فائض القيمة التي شكلت حجر الزاوية لنظرية ماركس الاقتصادية.
وبحكم تصور ماركس للمجتمع الرأسمالي باعتباره كائن عضوي يتحول باستمرار، فقد حدث تحول في المجتمع الرأسمالي من مرحلة المنافسة الحرة الي مرحلة الامبريالية، والتي درسها بعض الاقتصاديين مثل: هوبسن في مؤلفه (الامبريالية 1902م) ، والاقتصادي هليفردنك في مؤلفه(رأس المال المالي). استند لينين الي تلك الابحاث وغيرها في نظرية الامبريالية، وأشار الي سمات الامبريالية الخمس في مؤلفه(الامبريالية أعلي مراحل الرأسمالية 1916م) وهي:
- دخول الرأسمالية مرحلة الامبريالية التي اصبحت صورة المجتمع منذ ذلك الحين لاتحددها المنافسة الحرة، كما كان الحال في عهد ماقبل الاحتكارات.
- أشار لينين الي أنه رغم المتغيرات الاقتصادية الاجتماعية الهامة في ظل الرأسمالية، فان هذه المتغيرات لم تؤد الي نشؤ مجتمع جديد، اذ أنها تمت في داخل الرأسمالية وسيطرة الاحتكارات والكارتلات والسنديكات والكونشرتات والتروتستات، وهي عبارة عن أشكال جديدة لتجلي علاقات الانتاج الرأسمالية، ومازالت تعمل كالسابق قوانين حركة اسلوب الانتاج الرأسمالي الأساسية: قانون فائض القيمة.
- ان اتساع سلطة الاحتكارات في الاقتصاد والسياسة استتبع تغيرات هامة في الاشكال الملموسة لفعل القوانين الاقتصادية الموضوعية في الرأسمالية والاحتكارات الامبريالية خلافا لمؤسسات ماقبل المرحلة الاحتكارية لاتحقق الربح المتوسط، بل تستأثر بفعل وضعها المهيمن بالربح الاحتكاري، وهذا يعتبر من حيث الجوهر فائض قيمة شان الربح المتوسط، ولكن الشكل الذي يتجلي فيه يختلف.
- تستأثر الاحتكارات بالربح نتيجة استغلال العاملين في مؤسساتها، ولكن ايضا هناك جزء من القيمة تعتصره عن طريق الأسعار الاحتكارية من العمال غير العاملين في هذه المؤسسات ومن سائر الفئات والطبقات خاصة المستعمرات.
- انتهي التقسيم الاقتصادي للعالم بين الدول الرأسمالية، ضمن الصراع حول المستعمرات والمناطق الاقتصادية.
وبعد ذلك حدثت متغيرات في التشكيلة الرأسمالية، بفعل الثورة العلمية التقنية حتي دخلت مرحلة العولمة الحالية، وحتي دخولها في الأزمة المالية الراهنة والتي نعتبر من اكبر الأزمات في عصر امبريالية العولمة.
معلوم ان الازمات الدورية كامنة في النظام الرأسمالي منذ نشأته، وقد مر هذا النظام بأزمات كثيرة سابقة مثل:أزمة عام 1825م، 1857م واللتين حدثتا في مرحلة المنافسة الحرة من الرأسمالية، وازمة عامي 1907م، و 1929م، والتي تعتبر من اكبر الأزمات التي مرت بها الرأسمالية، فأزمة 1907م، كانت اول ازمة كبيرة بعد تحول الرأسمالية من مرحلة المنافسة الحرة الي مرحلة الاحتكارات والتي ازداد فيها التنافس بين الدول الرأسمالية الكبري من اجل السيطرة علي موارد المستعمرات والبحث عن اسواق جديدة، وكان من نتائج هذه الأزمة وغيرها الحرب العالمية الأولي التي نشبت عام 1914م ووضعت اوزارها عام 1918م، وكان من نتائج هذه الحرب تغييرات سياسية كبيرة في العالم، مثل اندلاع الثورة الروسية عام 1917م ونهوض ثورات حركات التحرر الوطني في بلدان المستعمرات وخلق وعي تحرري عارم وسط الشعوب، امتد اثره الي السودان حيث اندلعت ثورة 1924.
أما ازمة 1929م فقد كان من نتائجها صعود النظم الفاشية والنازية في ايطاليا والمانيا ونشوب الحرب العالمية الثانية والتي وضعت اوزارها عام 1945م، ونتجت عنها تحولات كبيرة مثل ظهور المعسكر الاشتراكي في بلدان شرق اوربا، ونهوض حركات التحرر الوطني في بلدان آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية حيث نالت اغلب المستعمرات استقلالها بعد كفاح مسلح وسلمي حسب ظروف كل بلد، كما ظهرت حركة عدم الانحياز بعد ظهور الحرب الباردة.
كما تعتبر ازمة 1973- 1974م ايضا من اكبر الأزمات بعد السياسة الاقتصادية الكينزية والتي كان يعتقد ان الرأسمالية بعدها سوف تودع أزماتها ، وبعد هذه الأزمة تم تطبيق مايعرف بالتاتشرية والريغانية والتي تم فيها الاندفاع في اقتصاد السوق والخصخصة ورفع الدولة يدها عن تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين.
اذن أزمات الرأسمالية الدورية ظلت مستمرة رغم الاصلاحات والتعديلات التي تمت في النظام الرأسمالي، وسوف تستمر الأزمات باعتبارها من الافرازات الطبيعية للنظام الرأسمالي.
هذا ومن المتوقع ان تحدث الأزمة الراهنة تغييرات كبيرة في الاوضاع الاقتصادية والسياسية في العالم، وهذه التحولات سوف تنتج من حدة الاستقطاب الطبقي، والتنافس بين اقطاب الدول الرأسمالية، وباعتبار أن هذه الأزمة تمثل نقطة تحول حرجة في عصر امبريالية العولمة.
والواقع أن الازمة الحالية كانت نتاج لتراكم كمي من الأزمات الصغيرة كان يلاحظها الاقتصاديون في الاقتصاد الامريكي باعتباره من اكبر الاقتصادات في العالم، فقبل الأزمة كانت حوالي 700 شركة قد اعلنت افلاسها ، كما كان الاقتصاديون يلاحظون ان ازمة الديون العائلية قد ارتفعت من 680 مليار دولار عام 1974م الي 14 تريليون دولار. وفي عام 1990م كانت الديون الوطنية في امريكا تصل 3 ترليون دولار، حاليا وصلت الي 10,2 تريليون دولار. كما اتسع حجم القطاع المالي حيث كانت 30% من ارباح الشركات المدرجة علي مؤشر ستاندرد آندبورز 500 العام الماضي حققتها مؤسسات مالية. كما كان الاقتصاديون يلاحظون ان جملة المال في اسواق التداول العالمية تصل الي ثلاثة تريليون دولار، اي اكثر بكثير من حصيلة التجارة العالمية في عام بكامله، واكثر بكثير من مخزون المصارف العام بأسره، وان ذلك مضاربة خارج المراقبة سوف تؤدي الي عواقب وخيمة، وبالفعل وقعت المصيبة بانفجار الأزمة المالية الراهنة.
كما تضخم الاستهلاك في امريكا: علي سبيل المثال: المستهلكون الامريكيين ينفقون 800 مليار دولار اكثر مما ينتجون كل عام.كما امتدت آثار الأزمة لبقية البلدان بحكم ترابط وتشابك الاقتصاد في عصر العولمة.
كما دخلت الرأسمالية مرحلة جديدة في تطورها هي: امبريالية العولمة التي ليس هدفها فقط الاستيلاء علي اراضي واقامة مستعمرات، بل السيطرة علي اقتصاد العالم ككل في كل مكان وطيلة الوقت، وعلي سبيل المثال اصبحت الولايات المتحدة قوة كونية مسطرة علي العالم(روما الحديثة) علي حد تعبير الاقتصادي بول سويزي، وهي تخوض صراعا للحفاظ علي مكانتها وحتي توسيعها، كالقوة الأولي عسكريا واقتصاديا وسياسيا في العالم، وتنفق ثلث مجموع ماينفق العالم علي التسليح، وهي اهم بائع سلاح في العالم.
كما تحمل امبريالية العولمة في جوفها كل سمات وتناقضات الرأسمالية وأزمتها وبشكل أوسع واعمق مما كانت عليه في السابق مثال: يزداد تركز الثروة وتتسع الفروق بين البشر والدول اتساعا لامثيل له، وتشير الاحصاءات الي أن 358 ملياردير في العالم يملكون ثروة تضاهي مايملكه 2.5 مليار من سكان المعمورة، وأن هناك 20% من دول العالم تستحوذ علي 85% من الناتج العالمي الاجمالي وعلي 84% من التجارة العالمية، ويمتلك سكانها 85% من مجموع المدخرات العالمية(انظر مؤلف: فخ العولمة، للكاتبين هانس بيترمارين، هارالد شومان، الكويت 1998م، ص 11). كما تشير الاحصائيات الي أن 95% من ثروات وموارد العالم الاقتصادية مركزة في يد أقل من 15% من سكان العالم.
وهذا التفاوت القائم بين الدول يوازيه تفاوت داخل كل دولة حيث تستأثر قلة من السكان بالشطر الأعظم من الدخل الوطني والثروة القومية، في حين تعيش أغلبية السكان علي الهامش مثال: في امريكا 1% من السكان يملكون 40% من الثروة، وفي بلد متخلف كالسودان 94% من السكان يعيشون تحت خط الفقر حسب الاحصاءات الرسمية، 10% يستحوذون علي اكثر من 60% من ثروة البلاد.
ورغم نتائج العولمة السالبة مثل: ازدياد البطالة والتبادل غير المتكافئ مع بلدان العالم الثالث والديون الثقيلة، الا اننا نلمس تصاعد الحركات الجماهيرية والديمقراطية المطالبة بالغاء الديون الثقيلة علي بلدان العالم الثالث(المظاهرات ضد اجتماع دول الثمانية الكبار)، وحماية البيئة، الامراض الفتاكة(مثل الايدز)، حقوق المراة، وتحسين اوضاع العاملين المعيشية.
علي أن من ايجابيات العولمة هي ثورة المعرفة وارتباط العالم ببعضه البعض: الانترنت، الموبايل، البريد الالكتروني، واتساع دائرة المطالبة بالديمقراطية واحترام حقوق الانسان، ومقاومة اهداف امريكا للسيطرة الاقتصادية والعسكرية علي العالم.
هذ ويقف العالم الآن علي شفا جرف هار من جراء: التهديد النووي، الجوع والامراض في بلدان العالم الثالث، التهديد البيئي(دفن النفايات النووية واتساع ثقب الاوزون..الخ)، مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية، اضافة لأزمة البطالة(بلغت في الدول الرأسمالية المتطورة اكثر من اربعين مليون عاطل عن العمل، وفي الدول الاشتراكية السابقة دفعت عودة الرأسمالية اكثر من 37 مليون الي البطالة اضافة الي انهيار ذريع في اجور العاملين الفعلية ومستوي معيشتهم اضافة لمصادرة الحريات).
اما في العالم الثالث فتشير الاحصائيات الي أن اكثر من 800 مليون انسان يعانون من الجوع والبؤس، و16 مليون طفل يموتون كل عام من الجوع أو من أمراض قابلة للشفاء.هذا اضافة للنمو السرطاني للفساد المرتبط بالافراط في تداول المال واقتصاد السوق.
ومن خلال نقد الاقتصاد السياسي للرأسمالية والتقويم الناقد للتجارب الاشتراكية الماضية تستعيد الحركات الجماهيرية الثقة في البديل الاشتراكي القائم علي الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وأن الاشتراكية تتخلق في احشاء الرأسمالية، وسوف تخرج بعد مخاض طويل باعتبارها ضرورة تاريخية لحل تناقضات ومآسي الرأسمالية، وبالتالي فان الاشتراكية اصبحت ضرورة من اجل بقاء وازدهار البشرية.
ثانيا: استعادة الثقة في الاشتراكية
اضطرت أمريكا وغيرها من البلدان الرأسمالية بسبب الاعصار المالي الذي حدث الي اتخاذ اجراءت مثل: ضخ للسيولة بكميات كبيرة، تخفيض معدلات الفائدة، تأميم جزئي لبعض المؤسسات المالية، وسوف تواصل النظم الرأسمالية في اصلاح هياكلها التي عفي عليها الزمن لمواكبة المتغيرات التي حدثت بعد الثورة العلمية التقنية والتي تتطلب انظمة ديناميكية وحية ومتجددة ومتطورة، وبعد ان انفشعت سحابة الفترة الريغانية والتاتشرية التي اندفعت بطريقة جنونية في اقتصاد السوق وتقليص دور الدولة والخصخصة وتصفية مؤسسات القطاع العام وتشريد الملايين من العاملين، أي ان النظام الرأسمالي سوف يتكيف مع المتغيرات التي حدثت بهدف اطالة عمره، وقد حدثت عوامل كثيرة ادت الي تجديد الرأسمالية وفك اختناقاتها مثل: التوجه الي الخارج بشكل واسع في نهاية القرن التاسع عشر بعد تحول الرأسمالية الي مرحلة الامبريالية(الاحتكارات)، بهدف البحث عن اسواق جديدة وموارد خام وايدي عاملة رخيصة من بلدان المستعمرات، وبالتالي استطاعت الرأسمالية ان تخفف الضغط علي حركة العاملين في مراكز الرأسمالية من خلال توسيع مصادر ارباحها، فاصبحت كما أشار لينين اضافة لنهب فائض القيمة من العاملين باجر، نهب شعوب المستعمرات اضافة للارباح الاحتكارية والطفيلية الأخري.ولكن التوجه للخارج كان حلا مؤقتا سرعان مابرزت حركات التحرر الوطني، وصراع اقطاب الرأسمالية من اجل اقتسام موارد المستعمرات، فنشبت الحربين العالميتين الاولي والثانية والتي نتج عنهما ثورات مثل: الثورة الروسية 1917 وظهور المعسكر الاشتراكي بعد الحرب العالمية الثانية والثورات الصينية والفيتنامية والكوبية ونهوض حركات التحرر الوطني حيث نالت اغلب المستعمرات في افريقيا وآسيا استقلالها.
ومع شدة الحرب الباردة واندفاع الثورة العلمية التقنية بعد الحرب العالمية الثانية اضطرت الرأسمالية الي زيادة التركيب العضوي لرأسمال واندفعت بشكل اوسع في الصناعات الالكترونية، وتراجعت الصناعات التقليدية، واستطاعت الرأسمالية أن توجد متنفسا لاستثماراتها وفك اختناقاتها، وفي السبعينيات من القرن الماضي اندفعت الرأسمالية في سياسة مايسمي بالريغانية والتاتشرية، والتي تم فيها الاندفاع في اقتصاد السوق وتقليص دور الدولة والقطاع العام.
وجاءت الأزمة الراهنة لتؤكد نهاية حقبة الربغانية والتاتشرية ومدرسة شيكاغو، بتدخل الدولة لانقاذ مؤسسات الرأسمالية بالاجراءات التي تم اتخاذها والتي أشرنا لها سابقا، ولكن تلك الاجراءات لايمكن وصفها بالاشتراكية بالفهم الدقيق لها، فالتاميم لايعني الاشتراكية، وليست هذه هي المرة الاولي التي تتدخل فيها الدولة في النظم الرأسمالية لحماية النظام، فقد تم ذلك من قبل بالاجراءات الكينزية في الثلاثينيات من القرن الماضي والتي تم بها انقاذ النظام.
ولكن كما أشرنا في مقالات سابقة أن الأزمة كامنة في طبيعة النظام الرأسمالي الذي يفرز الأزمات باستمرار، وان الرأسمالية دخلت مرحلة الشيخوخة حتي اصبحت البشرية مهددة بكوارث مثل: الحروب النووية، الجوع والامراض في البلدان النامية، التهديد البيئي، مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية، البطالة وتشريد الملايين من اعمالهم، ازمة ديون بلدان العالم الثالث،...الخ، وبالتالي، فان النظام الرأسمالي لامستقبل له مهما اتخذ من اجراءات لاطالة عمره، وكل خطوة يتخذها تزيد من ازماته وتناقضاته. خذ مثلا احتلال امريكا للعراق بفرية اسلحة الدمار الشامل والتي كان ردفعلها مقاومة واسعة في العراق ونهوض جماهيري واسع في مراكز العالم الراسمالي من اجل سحب القوات الاجنبية من العراق ومن اجل عراق حر ديمقراطي يتمتع بكامل سيادته الوطنية وسيطرته علي موارده، وكانت حرب العراق من أسباب الأزمة المالية الراهنة، والجدير بالذكر أن امريكا انفقت اكثر من ترليون دولار في حرب العراق خلال الخمسة اعوام الماضية.
وكما تؤكد تجارب التاريخ أن الامبراطوريات الكبيرة عندما تصل مرحلة الشيخوخة والاضمحلال مثل: الامبراطورية الرومانية تصبح اكثر شراسة من اجل الاحتفاظ بامتيازاتها ومصالحها بشن الحروب، فلا تتورع عن ارتكاب الحماقات والاعمال العدوانية ضد الشعوب من اجل تعويض خسائرها. وبالتالي نتوقع في الفترة القادمة المزيد من شراسة امريكا من اجل الاحتفاظ بسيطرتها الاقتصادية والعسكرية علي العالم،كما نتوقع فترة مخاض طويلة سوف تعاني منها البشرية، وأن التغيير لن يتم بين يوم وليلة، بل سوف ياخذ فترة طويلة،رغم ان جنينه يتخلق الان في حركة جماهيرية واسعة تجري تحت ابصارنا تطالب بعالم جديد خالي من: التهديد النووي والامراض الفتاكة، وضد الفقر والجوع والبطالة وتحسين اجور العاملين ومستواهم المعيشي والثقافي وتوفير احتياجات الناس الأساسية في التعليم والصحة والخدمات وضمان حقوق الامومة والطفولة والشيخوخة...الخ، توفير الحقوق والحريات الديمقراطية.
وهناك عوامل موضوعية تصب في صالح البديل الاشتراكي منها:
1- فشل النظام الرأسمالي في حل مشاكل البشرية.
2- التقويم الناقد للتجارب الاشتراكية السابقة، والتي رغم انجازاتها في توفير احتياجات الناس الأساسية في التعليم والصحة والضمان الاجتماعي..الخ، الا ان تلك التجارب صاحبتها اخفاقات وسلبيات مثل مصادرة الحقوق والحريات الأساسية باسم الاشتراكية وفرض نظم الحزب الواحد والشمولية والبيروقراطية. ومن خلال التقويم الناقد لتجارب الاشتراكية السابقة، تتجاوز الحركات الديمقراطية الجماهيرية سلبيات تلك النظم، وتستعيد الثقة مرة أخري في الاشتراكية، واستعادة الثقة نفسها تتطلب الانطلاق من احتياجات الجماهير في التعليم والصحة والخدمات والقضاء علي الفقر والامراض ومحو الامية وتوفير السكن الذي يليق بالبشر، وتوفير أوسع الحريات الديمقراطية، ومن خلال استعادة الثقة في الاشتراكية تتبلور اهداف النظام الاشتراكي المقبل المواكب لاحتياجات العصر والذي يوفر للناس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ويراعي ظروف وخصائص كل بلد.
3- اتسعت حركة العاملين بأجر في العالم وتطور مستواها العلمي والثقافي اضافة لتطور المعرفة والقوي المنتجة التي اطلقتها الثورة العلمية التقنية، مما يشكل التربة الخصبة للبديل الاشتراكي الذي يحل التناقض بين الطابع الاجتماعي للانتاج والتملك الخاص لوسائل الانتاج، هذا فضلا أن الاشتراكية اصبحت ضرورة لانقاذ الجنس البشري من الفناء.