الوعي أداة قوية وضرورية لإحداث ثورة حقيقية


فنزويلا الاشتراكية
2008 / 11 / 20 - 10:02     

أطلق الفشل الذي ألحقه الاستفتاء على الدستور المقترح من قبل الرئيس تشافيز في العام 2007 موجة من التحليلات التي بحثت في سبب التراجع الانتخابي الأول الذي يصيب الثورة الفنزويلية. وكان الرئيس تشافيز على رأس من بحثوا في أسباب امتناع عدد كبير من أنصار الثورة عن النزول والتصويت لصالح الدستور المقترح، وبعدها أطلقت حملة ضد المشاكل التي كانت تواجه الفنزويليين في حينها، كالنقص في المواد الغذائية الذي تسببت فيه البرجوازية من خلال قطع الإمدادات عن الأسواق. فقامت الحكومة ببناء عدد من المعامل الاشتراكية لإنتاج الغذاء بكميات كبيرة من أجل سد العجز الذي خلقته فعلة البرجوازية بالإضافة لإقرار عدد من القوانين التي تجرم هكذا أفعال بعقوبات سجن ومصادرات لمرتكبيها.

إلا أنه وبالرغم من فتح جبهات داخلية عدة لمواجهة المشكلات وإبقاء الثورة على الدرب الصحيح والمحافظة على شعبيتها، أكد الرئيس تشافيز على أن المشكلة الأساس إنما تكمن في "الوعي الأيديولوجي". فلم تقم المعارضة بحشد عدد من الأصوات القائلة "لا" للدستور أكثر مما كانت تحشد عادةً، إلا أن التراجع كان في أن جزءاً كبيراً من أنصار الرئيس بقوا في منازلهم واكتفوا بهذا الامتناع دون رفض الدستور معبرين عن أنهم لم يقولوا "لا" لاقتراحات الرئيس تشافيز بل إنهم وبكل بساطة لم يفهموا هذه التعديلات ولم يدركوا على ماذا سيصوتون.
لأجل هذا طالب الرئيس تشافيز مراراً وتكراراً أنصار الثورة بالتركيز على الجانب الأيديولوجي الاشتراكي وشدد مطلبه هذا مؤخراً خلال انطلاق الحملة الانتخابية للحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا بتوضيحه أن الاشتراكية هي الدرب الذي لا يمكن للثورة البوليفارية أن تمضي بقوة وديمومة من دونه كما أنه لا يمكن أن تكون تلك الاشتراكية بدون "وعي ثوري ووعي اشتراكي".

قرأت في إحدى المرات تعليقاً بأن الرئيس تشافيز يتمنى لو كان الفنزويليون كالكوبيين يعلمون معنى الاشتراكية فلا يضطر لصرف جهد في "شرح الأفكار"، إلا أن قول كهذا ينم عن جهل بحقيقة أحداث الثورة الفنزويلية. فاشتراكية القرن الواحد والعشرين مختلفة إلى حد كبير عن النظم الاشتراكية التي سادت في القرن الماضي والتي لا تزال بعضها مستمرة كما في كوبا، فالكوبيون يعرفون ما تعنيه الاشتراكية إلا أنهم لا يجيدون ممارسة اشتراكية القرن الواحد والعشرين.

قبل تناول الوعي الشعبي في فنزويلا، علينا أن نفهم طبيعة الثورة التي تحدث أمامنا، فنحن لسنا أمام ثورة تقودها أقلية وتفرض ديكتاتورية البروليتاريا بأن تجعل من أيديولوجيتها الفئوية الأيديولوجيا الوحيدة والمفروضة على المجتمع، فحتى المفاهيم التي اعتدنا عليها وعلى معانٍ محددة لها كالثورة وديكتاتورية البروليتاريا وحتى العلاقة مع الدين، نجدها في فنزويلا بشكل آخر، نجدها كما تطرحها اشتراكية القرن الواحد والعشرين من خلال "النشاط الثوري، النقدي-العملي" كما وصفه كارل ماركس.

ولأجل هذا فإن صعوبة رفع وتيرة الوعي الشعبي في فنزويلا بخصوص الاشتراكية تحديداً تكمن بأنه لا يمكن فرض تدريسها كما لا يمكن أن تقر من السلطة السياسية لتصبح أمراً واقعاً مفهوماً، ففي فنزويلا أي قانون لا تفهمه الغالبية سيكون ضعيفاً من الناحية التطبيقية أولاً ومن الناحية الشرعية ثانياً. فالسلطة ستكون عاجزة عن حماية قوانينها ذات الطابع الاشتراكي أمام معارضة تعتبر العنف وسيلةً ديمقراطيةً، فإن لم يدرك التشافيزيون أهمية أي قانون بالنسبة لهم فإنهم لن يرهبوا أعداء الثورة بإصرارهم على إقراره والدفاع عنه، بل سيتراجعوا عن حمايته أو يعبروا عن عدم فهمه بالامتناع عن تأييده بأي صورة كانت. وإن أقر أحد القوانين دون ثورة القطب المعارض فإن هذا لا يعني بأنه سيطبق بشكل سليم، فمن يطبق القانون ليس عليه فقط أن يفهم القانون بل أن يفهم روح القانون وغاياته وأسبابه والآثار التي قد تترتب عليه. وكمثال قريب، لدينا حزمة القوانين التي أقرها الرئيس تشافيز بمراسيم رئاسية في اليوم الأخير من فترة الصلاحية التي منحته إياها الجمعية الوطنية لإصدار مراسيم تشريعية، فعقب إقرار تلك المراسيم المأخوذة من الدستور الذي لم يتم إقراره، أجري مباشرةً استطلاع للرأي للوقوف عند مستوى فهم هذه القوانين وكانت النتيجة بأن الغالبية الفنزويلية لا تعارض ولا توافق عليها لأنها لا تفهمها ولا يعلمون ما الذي تعنيه، فشرع الحزب الاشتراكي الموحد مباشرةً بإقامة منتديات نقاشية في الشوارع والأحياء الفنزويلية في المناطق كافة وحث أعضاؤه على شرح تلك القوانين للرأي العام الفنزويلي، علماً بأن هذه القوانين قد أقرها الرئيس وإن رأي الشعب فيها، في ظل أي نظام آخر سواء أكان ديمقراطياً أو استبدادياً، لن يقدم ولن يؤخر على مصيرها إلا أننا في ظل حالة خاصة.

نحن أمام ثورة تفهم بأن القانون لا تحميه السلطة فحسب، وتعي بأن القانون ليس حبراً على ورق دمغت عليه مجموعة من الأختام، بل هو تشريع لا يضمن خروجه للحياة ولا يحقق غاياته سوى شرعية القبول الشعبي، وهذه شرعية لا تمنح إلا بعد فهم القانون وأهدافه وفوائده، وهكذا وعي لا يكون بالقمع والإرهاب والإكراه فيكون وعي يمهد لردة نحو الرأسمالية، بل هو وعي اشتراكية القرن الواحد والعشرين، وعي بقدر ما يتطلب من صعوبة ليترسخ في العقول بقدر ما يكون عنيداً في الثبات فيها.

إن الوعي في ظل الثورة الاشتراكية في فنزويلا، الوعي في خضم ثورة اشتراكية القرن الواحد والعشرين، هو وعي ينمو وينضج ويستمر بالرقي من خلال الممارسة الثورية التي تصنع من تجارب الماضي قاعدة لكل استيعاب وتضيف لتلك القاعدة بناءً مصنوعة حجارته من تجاربها الثورية وممارساتها الملموسة البعيدة عن أوهام وترهات الماضي لتشطب من قاموسها أي ذكر لعبارة "الإكراه لترسيخ الوعي الطبقي" وليحل مكانها كما قال الرئيس سعي لإثراء "الوعي الذي لا يتوقف عن النمو" بطرائق ثورية تحفظ الثورة من التقهقر والتقوقع "بتغذية ذاك الوعي بالنقاش والمعرفة ونقد الذات، فالوعي أداة قوية وضرورية لإحداث ثورة حقيقة".