الحزب الشيوعي السوداني وقضية المرأة(1)


تاج السر عثمان
2008 / 11 / 19 - 10:09     

تناولت أدبيات الحزب الشيوعي السوداني قضية المرأة في مناسبات عديدة باعتبارها من القضايا المركزية في الثورة الوطنية الديمقراطية وترتبط بتحرير نصف المجتمع من ظلام الجهل والتخلف وأن قضية تحرير المراة تهم الرجل والمراة معا، ومن اهم الوثائق التي ناقشت قضية المرأة في ادبيات الحزب الشيوعي السوداني:
1- مقال الزميلة هاجر والذي صدر في مجلة الكادر(الشيوعي فيما بعد) العدد 62 الصادر بتاريخ: ابريل 1954م، والذي لخص تجربة سبع سنوات من تأسيس رابطة النساء الشيوعيات التي تأسست عام 1947م، وتجربة نضال المراة السودانية واهمها تجربة الاتحاد النسائي الذي تأسس عام 1952م، أشار المقال الي أنه في تلك السنوات الباكرة من تأسيس الحركة النسائية كانت المراة مضطهدة ومحرومة من أبسط حقوقها الاجتماعية والسياسية، ولم تعط حق الانتخاب، اعطي دستور الحكم الذاتي خريجات الثانوي اللائي لا يتعدي عددهن الخمسة والعشرين حق الانتخاب ليوهم الشعوب الأخري ان المرأة السودانية قد نالت حقوقها السياسية، كما طرح المقال مهام رابطة النساء الشيوعيات التي تتلخص في استنهاض المرأة السودانية لانتزاع حقوقها في توسيع تعليم المرأة بكل درجاته، وتحقيق الأجر المتساوي للعمل المتساوي بين المرأة والرجل، ورفع مستوي معيشة الجماهير وانتزاع الحقوق الديمقراطية للشعب، وتوسيع الحركة الجماهيرية والاهتمام بالنساء العاملات في المدينة والريف وتنظيم ربات البيوت، والاهتمام بالجانب الفكري بالتسلح بالنظرية الماركسية ومحاربة الافكار الاقطاعية والرجعية التي تكرس دونية المراة، وخلق اوسع تجمع نسائي من اجل: قيام المدارس المسائية ومحو الامية، وتنظيم النساء العاملات في نقابات للدفاع عن حقوقهن بمساعدة حركة الطبقة العاملة والحركة النقابية، ورفع وعي النساء بحقوقهن، وان مطالب النساء المشار اليها سابقا لايمكن ان تتحقق مالم تؤمن النساء بعدالة قضيتهن، وضرورة أن تضع الرابطة والاتحاد النسائي اهم مطالب النساء كواجب عاجل يجب العمل علي تحقيقه.
2- كما تناولت دورة اللجنة المركزية(14/يناير/ 1965م) المنشورة في مجلة الشيوعي العدد(121) الصادر بتاريخ 25/3/1965م، الانعطاف الكبير الذي حدث في حركة المرأة السودانية بعد ثورة اكتوبر 1964م، بعد أن نالت حقوقها السياسية وفازت أول أمراة سودانية في البرلمان السوداني الاستاذة فاطمة احمد ابراهيم عن دوائر الخريجين عن الحزب الشيوعي، وكان ذلك يعبر عن اتساع دور المرأة السودانية ونضالها ضد الديكتاتورية العسكرية ومشاركتها الفاعلة في ثورة اكتوبر وقدمت الشهيدات مثل: بخيتة الحفيان.
أشارت دورة ل.م في يناير 1965م الي ان(بين النساء تطلع حركة ثورية بعد ان نلن حقوقهن السياسية، والرجعيون لايريدون ذلك بالطبع، فموقفهم من المرأة وحقوقها السياسية واضح بالطبع، فعلي حزبنا ان يفضح تلك المواقف ، وأن يبدأ باكتشاف الوسائل لجذبهن للعمل الوطني الشريف. وتساءلت الدورة (نبدأ برابطة النساء الشيوعيات ووضعها في الظروف الجديدة، وهل هي تتلاءم فعلا مع منح المرأة حقوقها السياسية؟). تواصل الدورة وتقول: ( ان العمل بين جماهير النساء معقد في ظروف بلادنا، ولكن المعركة الانتخابية يمكن ان تكون وسيلة لتطوير حركتهن والارتفاع بمستوي الوعي بهن، وفي هذه المعركة علينا ان نهتم بالنساء العاملات في القري ، فهن يعملن بالانتاج ولديهن امكانيات التقدم وكذلك النساء العاملات في المكاتب اضافة لربات البيوت)( الدورة ص 18).
كما أشارت الدورة الي ان الاحزاب التقليدية التي كانت دائما تقف ضد نشاط المراة تتكالب اليوم لاحتكار حركتهن بدافع الكسب السياسي بعد أن منحت المراة حقها في التصويت، ان علينا مساعدة المرأة في التحرر ةاستخدام حقوقها السياسية لمصلحة تطورها ونشر حركتها لتضم المرأة العاملة والعاملات في الريف وربات البيوت(ص 34- 35).
ومواكبة للتطورات الجديدة ونتيجة لاتساع دور المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، رأت اللجنة المركزية أن وجود تنظيم منفصل للشيوعيات باسم رابطة النساء الشيوعيات لم يعد ملائما للفترة الجديدة التي دخلتها البلاد بعد ثورة اكتوبر 1964م، ووقررت اللجنة في تلك الدورة(يناير 1965م) حل رابطة النساء الشيوعيات علي أن تعمل الزميلات مع الزملاء في فروع الاحياء ومجالات العمل والدراسة، وكان ذلك في اتجاه أن قضية المرأة لاتهم المرأة فقط بل تهم الرجل ايضا، وفي اتجاه توسيع مشاركة النساء في العمل الحزبي وفي العمل القيادي، و هذا الاتجاه جاء تكوين اللجنة المركزية في المؤتمر الرابع في اكتوبر 1967م ليضم أربع زميلات هن: فاطمة احمد ابراهيم، محاسن عبد العال، سعاد ابراهيم احمد، نعيمة بابكر.
3- ومن أهم الوثائق التي ناقشت قضية المرأة في ادب الحزب الشيوعي السوداني بعد المؤتمر الرابع مقال عبد الخالق محجوب بعنوان(الماركسية وتحرير المرأة) والذي نشر في مجلة الشيوعي العدد(131) بتاريخ يناير 1968م، ودارت حوله مناقشات في عدد الشيوعي(132): مقال هاجر وفي مجلة الشيوعي العدد 133: مقال ملكة والذي تم تلخيص له في العدد نفسه. أشار مقال عبد الخالق محجوب الي أن( الحزب الشيوعي أول تنظيم سياسي في السودان يعمل بشكل منظم بين جماهير النساء، وكان في كثير من الحيان- وفي النطاق الذي يؤثر- معبرا عن التقدم بين تلك الأوساط، ولكن رغم هذا العمل المتواصل الذي ظل لأكثر من اربعة عشر عاما – في شكل ربابطة النساء الشيوعيات بداية – فان الحزب الشيوعي بعيد جدا عن تلبية الحاجات التاريخية لحركة النساء السودانيات وينعكس هذا الجدب في شح العضوية النسوية التي لاتزيد عن 3% من مجموع عضويته(ص 47 احصاء المؤتمر الرابع). كان من المفروض أن يجري بحث عميق خلال التحضير للمؤتمر الرابع لهذه القضية، ولكن حالت دون ذلك ظروف المؤتمر الرابع نفسها وتشعب عمل اللجنة التحضيرية.
كما أشار الكاتب الي تصور الماركسية لقضية المرأة وخلص الي أن: الماركسية تنظر لقضية المرأة كجزء من تحرير العمل، وخلافا لنظرة البورجوازية تخترق المراة ستار المؤسسات القائمة علي امتياز الرجل علي المراة وتحلله من زاوية التطور التاريخي وترجع اصول التفاوت بين الجنسين الي القوانين التي ادت الي تطور المجتمع من باطنه.
كما أشار عبد الخالق الي محصول نضال الحزب الشيوعي السوداني في الاتي:
- قضايا الثورة لايحلها الرجال وحدهم، علي نظرية تبعد المراة نهائيا عن هذا الميدان.
- تم تقديم عموميات الماركسية بعد عام 1947م لنفر من النساء باعتبار أن الاقتراب من النساء لايتم الا بواسطة المراة الشيوعية، تعرفن علي حقيقة قضية المراة كجزء من الصراع الطبقي والاصول التاريخية للتفاوت بين المراة والرجل، وان حل هذه القضايا يتحقق في المجتمع الاشتراكي.
يواصل المقال ويشير الي ضرورة اسهام المرأة في الثورة الديمقراطية والنضال من اجل حقوق المراة كمواطن علي قدم المساواة مع المواطنين الآخرين ووضعها في مقدمة النضال الديمقراطي، اضافة الي قضية تحرير المراة تعني اشتراكها في الانتاج واكتسابها لحقوق تستهدف تقريب الشقة بينها وبين الرجل(ص 63). كما أشار الكاتب الي ان الاشتراك في الانتاج كان يهم نساء المدن، ولكن المرأة في الريف ايضا كانت عاملة وتعاني من التقاليد البالية والعمل غير المنتج، ولكن المراة في الريف ايضا تعاني من الحرمان من حقوقها الديمقراطية: في وضعها العائلي، في فرصها للتعليم، في الارهاق الشنيع تحت وطأة العادات البالية المضرة بالصحة عموما وكيانها كانسان.
يواصل عبد الخالق ويقول في ص 66 (المرأة السودانية المتحررة من التقاليد البالية والنذلة لكيانها والمشتركة في الحياة الاجتماعية المثمرة والمتمتعة بحقوق طيبة في ميدان الاحوال الشخصية هي قوة تهئ جيش النساء المنتج وعنصر فعّال في جلب دوائر اوسع من النساء في حركة النضال السياسي والاجتماعي).
يواصل ويقول:(علي رغم الحدود الفاصلة بين وجهة نظر الشيوعيين في تحرير المرأة ووجهة نظر البورجوازيين، الا انه في حركة النضال من اجل حقوق المرأة يوجد منبر مشترك لهذا العمل ولفترة طويلة، وأن الاتحاد النسائي عبر عن جبهة واسعة هدفها النضال من اجل اعلان حقوق المرأة في حيز الحقوق الديمقراطية البورجوازية).
يواصل المقال ويقول: ( ان ظهور المرأة السودانية في المدن والقري المتقدمة في حقل النشاط السياسي بجرأة بعد اكتوبر قافزة فوق سور التقاليد البالية، لم يات فجاة، بل هو وليد تغيرات كثيرة كانت تجري في بطن المجتمع السوداني: من تغير في الوضع الاجتماعي للمرأة، الي تحسن نسبي من وضع المجتمع المنفصل انفصالا تاما..الخ، ولكن كل هذه العوامل وغيرها لم تنعكس في تنظيمات الحزب الشيوعي، ولا في أساليب عمله واشكال تنظيم الحزب للطلائع ولا في الاقتراب من الطلائع الجديدة(ص 69). يواصل ويقول : لم ناتفت بالقدر الكافي الي مشاكل المرأة كجنس والتناقض القائم بين وضعها ووضع الرجل في بلادنا، وحقيقة أن النضال من اجل حقوق المراة يتجه ضد الوضع الممتاز الذي يتمتع به الرجل، اضافة الي انه من المهم اعلان موقف مبدئي من حقوق المرأة ثم النضال المتواصل لايقاظ جماهير النساء للنضال من اجل تلك الحقوق.
يواصل عبد الخالق ويقول: اعتقد أن الدفاع المبدئي عن حقوق المرأة الديمقراطية هو مانثبت عليه، وهذا طبيعي بالنسبة لمهام الثورة الديمقراطية وطبيعتها وجوهرها القائم علي مستوي الحقوق الديمقراطية للجماهير، ومثل هذا الموقف من شأنه أن يدفع بعوامل الاصلاح في ميدان الأحوال الشخصية وفي دفع الدين في مجري التقدم ومصالح الجماهير(ص 73).
يواصل ويقول: ان تنظيم النساء في حقل النشاط السياسي والاجتماعي يأخذ اشكالا مختلفة بدا من الجمعيات التعاونية الي مستويات النضال السياسي والاجتماعي من اجل الحقوق الديمقراطية للمرأة، وانه من غير الملائم تنظيم جامد ووحيد للعمل الديمقراطي بين النساء).
ويشير الكاتب الي قول لينين: اننا نستمد افكارنا التنظيمية من مفاهيمنا الايديولوجية، نحن لانريد تنظيمات منفصلة للنساء الشيوعيات، ان المرأة الشيوعية تنتمي كعضو في الحزب علي قدم المساواة مع الرجل الشيوعي، لها نفس الحقوق والواجبات، لايمكن ان يكون هناك خلاف في الرأي حول هذه القضية. كما أشار الكاتب الي ضرورة توحيد اعضاء فروع الحزب من النساء في مجال السكن لعمل بين جماهير نساء الحي.
ويختتم الكاتب بقوله: ان جماهير النساء عبرت عن تأييدها للحزب الشيوعي اكثر من تأييدها للاحزاب الأخري، وان النقائص الذاتية في عمل الحزب الشيوعي يمكن أن تؤدي الي اندثار هذا المعلم، مالم ينظر الحزب الشيوعي في هذا الميدان بجدية وجرأة وحكمة(ص 83).