حديث نادية محمود في بغداد بمناسبة الذكرى الحادية والتسعين لثورة اكتوبر في 7-11-2008


نادية محمود
2008 / 11 / 14 - 08:28     

الحضور الاعزاء:

شكرا لحضوركم في هذا اليوم، الجمعة، يوم عطلتكم و رغم كل التطويق وانتشار القوة العسكرية في المنطقة. انظروا الى الخارج، كيف يشعر المرء بالامن في هذا المكان، يخرج احدنا من بيته و لا يعرف ان كان سيعود. لا يدري ان كان هو الهدف التالي لعملية انتحارية، لعبوة ناسفة. انها مدينة متوترة و اوضاعا متوترة.

الا اننا و مع هذا، جئنا الى هنا، الى ساحة التحرير، في قلب العاصمة بغداد لنتحدث عن ثورة اكتوبر. لماذا؟

لانها تنطوي على معان و دروس كثيرة، لثورة اكتوبر ماثرها، و هنالك الكثير من الدروس المستخلصة منها.

حين نتحدث عن ثورة اكتوبر اليوم، لانتحدث عنها كتاريخ، بل نتحدث عنها لانها ذات صلة و ثيقة باليوم، بالحاضر. حيث شبح الشيوعية لازال يجول ليس في اوربا بل في العالم.

لقد قال لينين في الذكرى الرابعة لثورة اكتوبر، انهم تمكنوا من كنس و تنظيف الاسطبلات، من كنس القوى الرجعية، من كنس البربرية والتخلف. ونحن كم لدينا من اسطبلات في العراق بحاجة الى تنظيف.

ثورة اكتوبر اعطت البشرية الامل، بان حلم العدالة و المساواة، حلم قابل للتحقيق. انها اعطت املا للبشرية باجمعها ان العمال بامكانهم القيام و تاسيس دولتهم اذا ما قرروا القيام بذلك. لقد الهمت ثورة اكتوبر العمال و الكادحين في كل مكان، الشعوب المنكوبة بالاحتلال و الاستعمار، منحتها امل التحرر و الخلاص من العبودية. الهمت الطبقة العاملة في اوربا لتصعيد نضالهم لاجل الحصول على العديد من المكاسب في دول الرفاه في اوربا، حيث اصبحت نظاما سياسيا و اقتصاديا، ان تتكفل الدولة بمسؤولية توفير اوضاعا معاشية مناسبة للبشر، في الحصول على الضمان الاجتماعي، و توفر فرص العمل، تضمين الصحة المجانية والتعليم المجاني، و مسؤولية الدولة عن العناية بالاطفال.

انها ثورة اكتوبر التي قدمت للمرأة و لاول مرة حق التصويت، في الوقت التي كانت النساء فيه يناضلن و ينزفن الدماء، و يدخلن المعتقلات من اجل حق التصويت حتى في اكثر الدول الديمقراطية في اوربا. منحت الجمهورية السوفيتيه في اولى تشريعاتها حق التصويت للنساء، حق الطلاق، و حررتهن من البقاء في علاقات اسرية و زوجية كن فيها عبيدا للرجال، يضطررن للبقاء معهم خوفا على انفسهن من الضياع، و خوفا على اطفالهن، ثورة اكتوبر حررت المرأة بتضمينها فرص العمل لها، و بتولي الدولة لمسؤوليتها بتربية الاطفال.

انظروا الى اوضاع اليوم، الاوضاع التي رددوا فيها انتصار السوق الحر، على اقتصاد رأسمالية الدولة، و اننا وصلنا الى نهاية التاريخ، الى الازمة المالية العالمية، وكيف ستصادر ما حققته الطبقة العاملة في اوربا. جربنا اقتصاد رأسمالية الدولة، فشل وانهار، ثم تحدثوا عن اقتصاد السوق الحر، و نرى الان كم انهياره مدوي، و مؤذ.

تسمعون عن تسريح العمال في الغرب، و ستسمعون اكثر، الهجمة على الضمانات الاجتماعية، التنافس مع قوى اقتصادية عالمية مثل الصين. و حيث ان الصين تتفوق اقتصاديا على الصعيد العالمي بفعل استغلالها المطلق للعمال، و حرمان العمال من ابسط حقوقهم، سيصبح هذا النموذج، نموذجا للاقتداء به من قبل الرأسمالية العالمية من اجل تحقيق او الحفاظ على مكانتها الاقتصادية على صعيد العالم. هنالك خطر اعادة تطبيق نموذج العامل الصيني، الذي يطلق عليه العامل الصامت في اوربا و امريكا. هذا ما يهدد الطبقة العاملة في اكثر الدول الراسمالية تطورا.

تخيلوا اذا كان هنالك خطر من هذا القبيل على العامل الاوربي و العامل الامريكي، ماذا عساه ان يكون مصير العامل العراقي؟

الطالباني والمالكي، يتحدثون عن الخصخصة و السوق الحر، انهم يريدون تطبيق نموذجا ينهار في عقر دارة، يتهاوى في اكثر الدولة الراسمالية تطورا، يريدون تطبيقه في العراق. كلكم رأيتم كيف رفعت الحكومة الرواتب في الشهر السادس من هذا العام ثم سحبت الزيادات بعد شهرين فقط وتراجعت عنها، مما ادى بالعمال الى ان يخرجوا تظاهرات للشوارع من جديد.

الازمة المالية العالمية اعادت الناس مرة اخرى الى قراءة ماركس. الناس تقكر لا بد من طريق اخر. بعد فشل الرأسمالية، في اقتصاد السوق الحر،و راسمالية الدولة، يطرح السؤال، الى اين سنذهب؟ و كيف يمكن الاجابة على حاجات الناس.

لا اقتصاد رأسمالية الدولة استجاب لحاجات الناس، و لا اقتصاد السوق الحر.الانهيار لن يصيب الاقتصاد فقط، بل سيلوح كامل المنظومة السياسية المرتبطة معها من حقوق الانسان،و دولة الرفاة و الديمقراطية، كلها ستكون عرضة للانهيار.

اذا امكن لي وصف الراسمالية بانها كجدار مائل آيل للسقوط، الا انه لن يسقط بدون ان يكون هنالك معول يعمل على اسقاطه. الرأسمالية بامكانها اعادة انتاج نفسها، بامكانها ان تواصل وجودها و لكن هذه المرة، ستكون دولة فاشية ان لم تتحرك الطبقة العاملة لايجاد بديل.

كل الذين يقولون بان الديمقراطية هي الحل، لننظر ماذا اعطتنا الدول الديمقراطية، الحروب، الافقار، انعدام الامن، و القلق على مستقبل اطفالنا.

لا بد من ثورة اكتوبر جديدة، من ثورة اشتراكية، ثورة الطبقة العاملة من اجل الاشتراكية، و ليست الثورة البرجوازية الديمقراطية، او الترهات الديمقراطية.

كل الذين يتحدثون عن عدم توفر الشروط الموضوعية، او ان الوقت لازال مبكرا، او ان المجتمع لا يملك ما يكفي من الوعي و الادراك لتقبل الشيوعية. نقول لهم، ان هذا ليس صحيحا. لقد كانت الاشتراكية ممكنة منذ اوائل القرن المنصرم، و ليس في القرن الحالي.

لا يمكن الحديث عن المساواة بين البشر، مع بقاء النظام الراسمالي، لا يمكن الحديث عن المساواة بين المرأة والرجل دون ان نقضي على هذا النظام الطبقي، والذي يقوم على اساس التمييز الجنسي ضد النساء.

لا يمكن الحديث عن انهاء الاضطهاد القومي، و اضطهاد قومية لقومية، اذا لن ننهي انهاء اضطهاد النظام الطبقي، وانهاء اضطهاد الانسان للانسان.

ان درس ثورة اكتوبر الاول هو ان على الطبقة العاملة ان تقوم بثورتها، ان تمسك بالسلطة السياسية كشرط اولي و مسبق من اجل احداث ثورتها الاقتصادية و الاجتماعية و الاخلاقية ايضا. انظروا الى الاخلاق والقيم السائدة في المجتمع، الغش، الخداع، اللصوصية، الانانية، المنافسة، كل هذه الاخلاق هي وليد طبيعي للنظام الرأسمالي، اخلقوا وضعا انسانيا لائقا بالبشر، سترون اي قيم واية اخلاق يمكن ان تسود بين الناس، سسترون اخلاقا جديدة حقا.

لا يمكن الحديث عن التعايش السلمي، في وقت تشن الرأسمالية نتيجة تناقضاتها و صراعاتها و ازماتها حربا طبقية ضروس ضد الطبقة العاملة. اي حديث عن حقوق المواطنة و المجتمع المدني،و حقوق الأقليات القومية والإثنية في ظل حرب اقتصادية طبقية يشتد وطيسها؟

لا بد من النظام الاشتراكي، و لهذا لا بد من ورة عمالية اشتراكية. لا بد من ثورة اكتوبر اخرى.

كما تعرفون اكد برنامج حزبنا على النضالين الاصلاحي والثوري، يساند و يدعم و يساهم حزبنا في تصعيد الصراع الاقتصادي، يساند العمال في نضالاتهم اليومي، الا اننا نعرف ان لا الاتحادات العمالية، و لا الاعتراضات العمالية، و لا قانون عمل يمكن له ان يحقق العدالة للعمال. يجب ان يكون هنالك حزب سياسي للطبقة العاملة يخوض النضال لاستلام السلطة السياسية كسبيل وحيد و شرط اول للحديث عن نيل العمال لحقوقهم و لحياة لائقة بالبشر.

لسنا بحاجة الى قول الكثير، بل بحاجة الى عمل الكثير. لسنا بحاجة الى تسويد المزيد من الاوراق حول المعرفة النظرية لتحليل النظام الرأسمالي، و تحليل ازماته فقد حللنا و حلل غيرنا بما فيه الكفاية، مرة اخرى، ليس وظيفتنا تفسير العالم فقط، بل مهمتنا، تغييره. كما قال الرفيق كارل ماركس.

لقد سأم الناس من كل شيء، و يريدون بديل. اليوم اكثر من اي وقت مضى هجمة تشن على العمال، في اكثر الدول البرجوازية ديمقراطية، فما الذي ننتظره؟

في الوقت الذي نعرف الان جميعا كم انتجنا، و كم من الثروات انتجنا وهو ما يساوي تريليونات من الدولارات ، نراها تحول الى الجيوب الخلفية لعدد من المصرفيين.

من يمتلك القوة الاقتصادية يمتلك القوة السياسية، هذا ما نعرفه حق المعرفة. ولكن لماذا نحن الذين خلقنا كل تلك الامكانيات الاقتصادية، نحن اكثر الناس عزلة عن صنع القرار؟ لماذا يهمش العمال و يمنعون من التدخل في السياسة و في ادارة شؤونهم بانفسهم؟ وكأن الحديث في السياسة لا يجب ان يكون من شأن العمال، كأن صنع القرار السياسي و العمل السياسي امر ليس من شأننا. هل العمال عاجزون؟ هل يشكون من نقص ولادي؟

يجب ان يتوقف كل هذا.

حقوق العمال التي اكتسبوها بنضال العشرات من العقود، تتعرض للتهديد و فرض اسوأ الاوضاع، فرض الصمت على العامل من اجل ان لا يطالب بحقوقه.

لقد فاجئ العمال في ثورة اكتوبر، الراسمالية العالمية ، لم تكن اجهزتها وقوتها الاعلامية والمخابراتية على هذه الدرجة التي نراها اليوم، ان كانت الراسمالية العالمية قد سعت لاحباط ثورة اكتوبر، فانها تعلمت على امتداد قرن اضعافا مضاعفة من اجل ان تشوه صورة الشيوعية و تجمل صورتها، لتخدع الناس و لتضللهم حول خطر الشيوعية، انها تتخذ الحيطة و الحذر و ترتعب كل الرعب من ان يرفع العمال قاماتهم للمطالبة بعالم و حياة تليق بهم.

لقد فعلت كل ما امكن لها ان تفعله، من ارهاب و قمع العمال و شن الحروب، و محاولة غسل الادمغة و التضليل والخداع، والكذب على الجماهير، حاولت ان تضع جدرانا و حواجز بين العمال و الشيوعية، حاولت ارعاب الجماهير من الشيوعية، الا انهم لم يستطيعوا، لازلنا نحن، بعد احدى و تسعون عاما نحتفي بهذه الثورة، ونتعلم الدروس منها في نضالنا الجاري.

تحت رحمة تناقضاتهم و صراعاتهم ينهارون يوما بعد يوم. ما نريد عمله هو وضع المسامير الاخيرة في نعوشهم.

نعم ان الازمة المالية العالمية لن تسقط الرأسمالية كما لا يسقط الحائط المائل لوحده، بل يحتاج الى عامل و مطرقة، ليهدم، و ليضع لبنات بناء اخر.

لقد بدأت نهاية زمن الديمقراطية و حقوق الانسان و دول الرفاه، انه وقت المضي الى التنظيم نحو مطلب الاشتراكية، نحو هدف الاشتراكية. الاشتراكية هي البديل،و لا مراحل بعد اليوم، لقد انجزت المرحلة البرجوازية الديمقراطية مهمتها و اعطيت الوقت الكافي لذلك، و ذقنا ثمارها المرة.

و نحن نتذكر ثورة اكتوبر، لا نتذكرها من اجل انعاش ذاكرتنا، وتذكر قصص تلك الثورة العظيمة. بل هي فرصة للتاكيد على اننا ماضون الى القيام بثورتنا.

ثورة اكتوبر، ثورة هزمت في المطاف الاخير، الا ان مكاسب تلك الثورة و تاثيراتها لما تزل يشعر بها الناس في كل مكان. انها طبعت قرن باكمله بطابعها، تخيلوا تلك منجزات لثورة انهارت، ثورة لم توفق في الوصول الى اهدافها بالغاء النظام الاقتصادي و علاقاتها الاقتصادية. فماذا سيكون تاثيرها على وجه الكرة الارضية لو كانت قد نجحت للنهاية؟

اذا كان هنالك شيء تؤكده ثورة اكتوبر فهو: لا يمكن ان تكون هنالك ثورة عمالية يرتجى منها الوصول الى اهدافها العظيمة بدون حزب سياسي. الطبقة العاملة لوحدها، مهما بلغت درجة وحدة نضالاتها الاقتصادية، مهما كانت حية و ناشطة و تنظم اعتراضاتاتها و احتجاجاتها، اذا لم تضع نصب اعينها استلام السلطة السياسية بايديها، اذا لم ترتبط و تنظم نفسها في حزب سياسي، لا يمكن ان تحلم بتحقق المساواة الاقتصادية، تحقيق العدالة في التوزيع، القضاء على كل شكل من اشكال الظلم و الاضطهاد الاقتصادي، لا يمكن احداث التغييرات التي يتطلع اليها الملايين، الامان الاقتصادي، انهاء الخوف الدائم من المستقبل، الرفاه. لا يمكن.

كما ترون قطعت البشرية شوطا بعيدا وطويل، منذ كانت تتصارع مع قوى الطبيعة، و تقف حائرة حيالها، كانت تتلاعب القوى الطبيعية بحياة البشر، و هم عاجزين، لا يفهمون ما الذي يجري لهم، و لا يدركونه. بذلت البشرية جهودا هائلة من اجل ان تفهم، ان تدرك ما هي القوى التي تتحكم بحياتها، و كيف يمكن ان تتحكم بها و تسيطر عليها، بدأت البشرية تتدخل، و لا تستسلم بشكل اعمى لما تساق اليه، ونحن لا تتحكم بنا بشكل اعمى قوى خارجية ونحن نقف حيالها عاجزين، بل نحن نفهم وندرك ما الذي يجري حولنا، و كيف يمكن ان نتدخل بتغيير مساره.

لقد قطعت البشرية شوطا كبيرا شوطا في فهم الطبقات الاجتماعية و صراعاتها، و ها نحن نتدخل اليوم بشكل واعي، لسنا اسرى لقوى خفية، نحن قوى فاعلة، قوى واعية، قوى قادرة على ان تساهم في رسم مصيرها.
ما نحتاجة هو ان نقرر ما نريد فعله و ان ننظم انفسنا للقيام بما نريد.

ان الفرصة قائمة امامنا، و نحن نقوم بعملنا.

الشيوعيون ليسوا فرقة من الناس، المشغولة بنفسها، بصراعاتها، و باختلافاتها، الشيوعية العمالية قوة متطلعة الى تحرير العمال من استغلال و ماسي الطبقة الراسمالية.

أوكد قبل ان انهي حديثي ان الثورة العمالية كانت ممكنة بل و حدثت قبل 91 عاما،و ان الظروف مهيئة منذ القرن المنصرم. نحن ماضون الى ثورتنا، الى ثورة العمال، قمنا بها في اكتوبر في روسيا، و سنقوم بها في العراق.

العمل المنظم للثورة العمالية، العمل اليومي العمل الدؤوب و المتواصل، يجب ان يكون منهجنا في العمل و في الحياة. ان اجتماعنا و لقائنا اليوم، هو لتثبيت حقيقة اننا ماضون الى تنظيم ثورتنا العمالية.

شكرا لاصغائكم.