تجديد البرنامج


تاج السر عثمان
2008 / 11 / 10 - 09:12     

معلوم ان كل برنامج جديد للحزب يستند علي ايجابيات البرنامج السابق ويأخذ في الاعتبار المستجدات المحلية والعالمية، فماهي أهم سمات البرنامج الذي أجازه المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي السوداني؟.

انعقد المؤتمر الرابع في اكتو بر 1967 ، وأجاز وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية وبرنامج الحزب ونظامه الداخلي والذي نشر باسم دستور الحزب الشيوعي ، جاء برنامج ( 1967 ) في ظروف عالمية كانت تتميز بوجود المعسكر الاشتراكي وتحالفه مع حركة التحرر الوطني ، كما تناول البرنامج قضايا حركة التحرر الوطني في الستينيات من القرن الماضي مثل التعاون مع المعسكر الاشتراكي لتحقيق استقلالها السياسي ، كما أشار البرنامج إلى التنمية غير الرأسمالية التي تتلخص أهدافها في : -
الانعتاق من التخلف ، دعم الاستقلال الوطني ، الارتفاع في مستوى معيشة الجماهير ، الاعتماد على القطاع العام والتعاوني والتخطيط ، الإصلاح الزراعي ، بناء صناعة وطنية ، نشر العلم والمعرفة .
كما أشار البرنامج إلى قضايا ما زالت حية في ص 7 مثل : ً النظرية الماركسية علم مفتوحة لمساهمة الإنسان وترفض الجمود الذي يحولها إلى عقيدة لاتقبل المعرفة الجديدة ، إنها علم المجتمع الذي تضيف إليه الشعوب والفكر الإنساني ما يكتشف من المعرفة ، تماما كما يضيف عمل الإنسان في الطبيعة معارف أوسع للفروع المختلفة للعلوم الطبيعية ، ومن هذه الزاوية ، فإن الاشتراكية العلمية – أي الماركسية متجددة لاتقبل الانغلاق إلا إذا قبل عقل الإنسان التوقف ، إلا إذا عجزت المعرفة عن الصعود في سيرها الذي لا يتوقف والذي لاتحده حدود . غير أنه مهما اختلفت الطرق التي تصل بها الشعوب ، فإن للنظام الاشتراكي معالم مشتركة وثابتة وهى تلبي حاجتين ظلت الإنسانية عبر التاريخ تناضل من أجل تلبيتهما في طريق اختطته تحيط به الآلام والتضحيات : تحرير الإنسان من الحاجة ، وتحقيق حريته كانسان ً .
كما أشار البرنامج إلى أن: -
ً الديمقراطية الاشتراكية مرتكزة على ما حققت الشعوب من حرية للفرد والجماعة في التعبير وحرية الفكر.. الخ ، ستكمل هذا البناء بتحرير الإنسان من سيطرة رأس المال ، ومن اغترابه عن مراكز النفوذ بإلغائها للميزات الطبقية وبتحويلها لثروات المجتمع للشعب المنتج للثروة فتحقق المساواة وفق قدرة الإنسان على إثراء مجتمعه ماديا وأدبيا ، وتحقق لأول مرة في تاريخ البشرية مكافأة الإنسان حسب عمله ، وبهذا تتحول أيضا الديمقراطية إلى حقوق في العمل والتعليم والراحة وتوفير الفراغ اللازم لتنمية حياة الإنسان الروحية ( البرنامج ص 8- 9 ) .
كما أشار البرنامج إلى أن :
ً النظام الاشتراكي يستوجب توفير الشروط اللازمة لتصبح المرأة عضوا فعّالا في المجتمع ومركزا لبناء العائلة المتحررة من الخوف، من المستقبل ومن الجهل. ولا تقوم هذه المساواة بين المرأة والرجل في المجتمع الاشتراكي على طريقة النفاق، بل بتهيئة فرص التعليم والرزق الشريف للمرأة، وبتهيئة الظروف الملائمة لها لمواصلة نمو الجنس البشري ً ( ص 9- 10، البرنامج ).
كما أشار البرنامج إلى أن الديمقراطية الاشتراكية تشترط ً تحرير الإنسان من لعنة الاضطهاد القومي والتمييز بين الأجناس القائم على الاستغلال، فالاشتراكية لا تقبله، بل تقيم مكانه اتحادا اختياريا بين القوميات في داخل الشعب الواحد ( ص 10 ). كما أشار البرنامج إلى تنوع الطرق للوصول إلى الاشتراكية واعتماد كل بلد على تقاليده السياسية والاجتماعية والثقافية ً البرنامج ص 10 ).
كما أشار البرنامج إلى نقطة هامة هي: -
ً أن قيادة الحزب الماركسي للنظام الاشتراكي لايعني وجوب نظام الحزب الواحد ، فعلى الصورة التي تصل بها الجماهير إلى السلطة ومدى اتساع الدوائر الاجتماعية التي تقتنع بالنضال من أجل الاشتراكية ، فإن طرق الاشتراكية تتعدد ومنظماتها السياسية تتنوع ً ( البرنامج ص 12 ) .
أشار البرنامج إلى سياسة التفتيت التي سلكها الاستعمار في بلادنا والرامية لفصل جنوب البلاد عن شمالها ، إن وحدة السودان ليست قضية محلية ، بل لها أثر كبير بين حركتي التحرر الوطني العربية والإفريقية ، ومن هذه المواقع يجب أن نعالج هذه القضية على الوجه التالي : -
أ – سير البلاد في طريق الثورة الوطنية الديمقراطية .
ب – تحالف قوى الثورة السودانية في الشمال مع شعوب وقبائل جنوب البلاد على أساس ديمقراطي ومناهض للاستعمار بقيام حكم ذاتي في الجنوب تحت قيادة جنوبية ربطت مصيرها بهذا التحالف ً ( البرنامج ص 19 ) .
أشار البرنامج إلى الاشتراكية والدين بقوله :
ً تواجه حركة الثورة العربية محاولات دائبة من قبل الإمبريالية العالمية وحلفائها المحليين من كبار الرأسماليين والإقطاعيين والعناصر العميلة لوقف تطورها ولهدم استقلالها الوطني لتحريف الدين الإسلامي الذي تؤمن به أغلبية الجماهير في هذه الحركة ، إنهم يحاولون تصوير الدين الإسلامي بوصفه عقيدة تؤمن بالفوارق الطبقية وتعادي الاشتراكية ، ينحاز إلى جانب الاستعمار الحديث ويرفض الاستقلال الوطني ، يدفع شعوبه إلى قبول العيش تحت ظل الاستعمار ً المؤمن ً ضد الاشتراكية ً الملحدة ً .. الخ . وعلى الأرض العربية نشب هذا الصراع حادا ، وما زال خدمة للمصالح الطبقية والاستعمارية القائمة ، إن الشعوب العربية ترفض هذا التزييف للإسلام ، وترى في دينها قوة للجماهير الكادحة المناضلة في سبيل الكرامة والحرية الوطنية ، وفي سبيل الاشتراكية بوصفها النظام الوحيد الذي يسمو بالقيم الروحية ويقيم العدالة والمساواة بين البشر ، والحزب الشيوعي السوداني يقف إلى جانب قوى الثورة السودانية والشعوب العربية في نضالها ضد هذه المحاولات الاستعمارية والرجعية ويجاهد بحزم وبصبر لتحرير الدين ن هذه الصورة القاتمة بوضعه في مجري تطوره الحقيقي – دينا يناضل ضد التمييز الطبقي وحكم الطاغوت ، ومن أجل السير بالحضارة الإسلامية إلى عالم القرن العشرين ( البرنامج ، ص 19 – 20 ) .
كما أشار البرنامج إلى الآفاق الجديدة التي ولجتها الثورة السودانية بعد ثورة اكتو بر 1964.
أشار البرنامج أيضا ، إلى الوزن الكبير للقطاع التقليدي في الاقتصاد ، كما أشار إلى حصيلة التنمية الرأسمالية وأوجه قصورها وضعف قاعدة القطاع الحديث الزراعي والصناعي والاعتماد على تصدير المنتجات الأولية ، والقروض وتراكمها ذات الفوائد العالية والهجوم على القطاع العام ، وتبلور الفئات الرأسمالية في المشاريع الزراعية المروية وفي الزراعة الآلية والاستثمار في العقارات ، في تجارة الصادر والوارد ، وفي الصناعة ، وانتقال كبار البيروقراطيين من المناصب الحكومية إلى النشاط الرأسمالي في التجارة أو الزراعة أو الصناعة .
وتوصل البرنامج إلى تدني وتائر نمو الإنتاج والخل القومي ونصيب الفرد من السكان ، كما تناول البرنامج النمو العددي والنوعي للطبقة العاملة بفضل قيام صناعات خفيفة مثل النسيج وغيره .
كما أشار البرنامج إلى أهم أركان برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية وقضاياها وسبل إنجازها ، حيث كان واقع الاقتصاد السوداني يومئذ يتميز بسيطرة البنوك الأجنبية ( رفع البرنامج شعار تأميم البنوك ) وتصدير الأرباح للخارج ، انخفاض الدخل القومي ، التكلفة العالية لجهاز الدولة ، الاستهلاك التفاخري ، وخلص البرنامج إلى ضرورة تصفية السيطرة الأجنبية .
كما أشار البرنامج إلى الدور القيادي للقطاع العام واشراك العاملين في إدارته ، وأن يؤدي القطاع العام وظيفته حسب طبيعة السلطة ، أشار البرنامج إلى ضرورة التخطيط ، ودور الدولة في توجيه التجارة الخارجية ، ودور القطاع الخاص والمختلط والتعاوني في التجارة الداخلية . كما طرح البرنامج الإصلاح الزراعي ، وضرورة شروط أفضل في التعامل مع رأس المال الأجنبي ، أشار البرنامج إلى الثورة الثقافية التي تسهم في بعث التراث القومي ، وخلق ثقافة سودانية معادية للتعصب تستند إلى الفكر الإنساني العلمي ، ومحو الأمية وتستمد الثورة الثقافية جذورها من التراث العربي الإسلامي ومحاربة التفسخ والانحلال .
كما أشار البرنامج إلى الثورة السياسية ، بتناول الحياة السياسية وأشكال الحكم ، وأشار إلى أن القضية المحورية أن السلطة الوطنية الديمقراطية تخرج من بين حركة العاملين بأجر والمزارعين والمثقفين والرأسمالية الوطنية ، وتوسيع الديمقراطية في قاعدة الحكم المحلي وتطوير النظام البرلماني ودعم الديمقراطية السياسية بالديمقراطية الاقتصادية وأشكال الديمقراطية المباشرة ، وإعادة بناء جهاز الدولة ليصبح أداة لخدمة مصالح الشعب . عموما ، كان المؤتمر الرابع وما صدر عنه لوثيقة ً الماركسية وقضايا الثورة السودانية ً والبرنامج ، قد وضع المنهاج للعمل النظري – على حد تعبير الشهيد عبد الخالق محجوب – استرشادا بالماركسية كمنهج ، وليست عقيدة جامدة ، وخلافا للمؤتمر الثالث الذي عالج قضية التكتيك ، عالج المؤتمر الرابع قضايا الاستراتيجية والتكتيك ، وتوصل إلى أنه من المستحيل أن نرسم استراتيجيتنا اعتمادا على المنقول من الكتب أو النقل الأعمى لتجارب البلدان الأخرى ، كما وضعت وثيقة ً الماركسية وقضايا الثورة السودانية ً منهاجا لدراسة الطبقات من الباطن ، ودراسة استراتيجية الثورة السودانية بناءا على دراسة الطبقات في البلاد ، كما عالجت قضايا الخط التنظيمي وقضايا بناء الحزب على أساس العلم والتخطيط .
ومنذ انعقاد المؤتمر الرابع جرت مياه كثيرة تحت الجسر وحدثت متغيرات عاصفة محليا وعالميا استوجبت تجديد البرنامج، وصدر مشروع البرنامج المقدم للمؤتمر الخامس والذي اخذ تلك المستجدات في الاعتبار والذي يحتاج لمناقشة عميقة، حتي يخرج المؤتمر الخامس ببرنامج يلبي احتياجات وتطلعات الشعب السوداني في الديمقراطية والتنمية والوحدة والسلام.