الأزمة المالية العالمية ومؤشرات انهيار النظام الرأسمالي


حزب العمال التونسي
2008 / 11 / 9 - 10:08     

يعيش العالم على وقع الحدث الاقتصادي الهائل وهو الأزمة المالية التي ضربت أغلب بورصات العالم وخاصة مركز الاقتصاد الرأسمالي العالمي "وول ستريت". ويتفق جميع المراقبين والفاعلين في السياسة العالمية بمن فيهم إيديولوجيو الرأسمالية الليبيرالية على وجود أزمة اقتصادية حادة لا يترددون في مقارنتها بأزمة 1929، ولا يجرؤون على التكهن بنهايتها.

ويختلف تقدير الأسباب من طرف إلى آخر حسب المصالح الطبقية التي تقوده: هل هي أزمة عقارية أو أزمة مالية أو أزمة الاقتصاد الأمريكي؟ أو أزمة الاقتصاد الرأسمالي؟ وهل هي حادث عابر وظرفي أم أزمة "شيخوخة" تذكر مرة أخرى بنهاية نمط حضاري يبنى على الاستغلال والاضطهاد ودعوة لتجاوزه؟

أزمة تلو الأزمة

الأزمة الحالية بدأت صيف 2007 بتحطم منظومة القروض العقارية عظيمة المخاطر وهي ديون ذات فائدة عالية للمستثمرين موجهة إلى الفئات والعائلات المتوسطة والفقيرة لاقتناء مساكن بفوائض متصاعدة بدأت من 2و3 % ثم وصلت إلى 16 % وأكثر، لكن في ظل التداين المفرط لهذه العائلات (تطور التداين من 103 % من مداخيل العائلة سنة 2005 إلى 140 % سنة 2007) وعدم قدرتها على تسديد الديون انهارت كامل المنظومة بدءا بـ" مؤسسات إعادة تمويل الديون" إلى شركات التأمين ثم البنوك ومن بينها أكبر بنك بأمريكا "ليمان بروذورز" وعمره 164 سنة ويشغل 25 ألف موظف.

لكن العاصفة المالية التي بدأت بالقطاع العقاري والتي كان بالإمكان أن تحدث في قطاع آخر ليست أصل الأزمة فكلنا يعلم أن الرأسمالية عاشت عدة أزمات بعد السنوات الثلاثين المزدهرة (من 45 إلى السبعينات) وهي أزمات الاقتصاديات الآسوية نهاية الثمانينات وأزمة "الاقتصاد الجديد" سنة 2000/2001 ويعيش العالم على وقع حركة الاندماج والشراء والتأميم للمصارف والمؤسسات المالية والبنكية المنهارة الشيء الذي يذكرنا بأزمة 1929.

إن طبقة الرأسماليين والحكومات في كل العالم تلجأ للتداين لإعطاء الدفع للاقتصاد النيوليبرالي ولتجاوز الأزمات لتجد نفسها في أزمات أعمق واشد، وهي تخفض نسب الفائدة وقت الأزمة للترفيع فيها مجددا حين تمر العاصفة وقد وصل الدين العمومي الأمريكي 9000 مليار دولار أما قيمة الدين الإجمالي بأمريكا (دين عمومي، دين مؤسسات ودين عائلات) فقد فاق 39.000 مليار دولار. كما تعاني أغلب البلدان الامبريالية والمتخلفة على السواء من التداين المفرط.

الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة تتحمل نتائج الأزمة

انطلقت الأزمة بالدولة الرأسمالية النيوليبرالية الأكثر تطورا أي الولايات المتحدة وهي تخفي وراءها تعفن اقتصاد السوق حيث السيادة المطلقة لقوانينه وهي تهدد "الاقتصاد الحقيقي-الإنتاجي" أي إنتاج السلع الاستهلاكية الضرورية وتبادلها لأن الرأسمال المالي يلهث وراء الربح السريع فيوظف الرساميل في البورصات في شكل أسهم ورقع تقدر قيمتها عالميا سنة 2006 بـ50.635 مليار دولار بينما لم تصل قيمة الناتج الداخلي الخام العالمي سوى 48.144 مليار دولار. وفي الولايات المتحدة وحدها. (تحوز بورصة وول ستريت على 20.000 مليار دولار بينما الناتج الداخلي الخام 13.200 مليار دولار).

هذه الجبال الهائلة من الثروات الوهمية قابلة للتهاوي في أي لحظة وهي نتيجة استحواذ حفنة من الرأسماليين والمضاربين على مجهود عمل أغلبية المجتمع لتزيد في تفقيرهم وإفراغ الخزائن العامة من احتياطيها وهي تجبر الطبقات الشعبية على التداين ومزيد التداين ليس من أجل الكماليات بل من أجل مواد استهلاكية ضرورية ومن أجل مسكن لا يقدرون على امتلاكه من مداخيلهم وأجورهم المجمدة والمخفضة من سنة إلى أخرى في ظل العولمة الرأسمالية وانحسار الأسواق، فأصبحت المزاحمة من أجل الثروة والربح تتم أساسا بالضغط على "تكلفة" قوة العمل والهجوم على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للكادحين (ضمان اجتماعي، صحة، تعليم..).

تقدر خسائر الأزمة الحالية في الولايات المتحدة بـ1000 مليار دولار وسيلقى بـمليونيْ عائلة على قارعة الطريق نتيجة عدم تسديد الديون العقارية المتخلدة بالذمة وقد فقد بعد 63 ألف موظف بالقطاع المالي وظائفهم وسيلحق بهم 20 ألف قريبا. كما سيتطور عدد العاطلين في المستقبل لأن الأزمة الحالية لها انعكاسات على كل اقتصاديات العالم المترابطة في سلسلة واحدة. فقد ضربت الأزمة الاتحاد الأوروبي وطالت أخيرا الصين التي كان البعض يظن أنها في مأمن من انعكاساتها. كما طالت بلدان الخليج النفطية. ولن تفلت من انعكاساتها أية بلاد بما فيها تونس التي يزعم البعض أنها في مأمن منها. إنه هجوم جديد على الطبقة العاملة ليتم إرجاعها إلى حالة ما قبل عشرات السنين.

وحول آفاق الأزمة يجمع المحللون الاقتصاديون أنها ستتفاقم وتمس الصناديق الاجتماعية خاصة مع نهاية 2008 مع وصول أول دفعة من مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية للتقاعد حين سيجد ملايين العمال المتقاعدين بأمريكا وأوروبا واليابان إلخ.. أنفسهم بدون جرايات تقاعد مما سيتسبب في كارثة إنسانية حقيقية.

يا رأسماليي العالم اتحدوا

تلك هي صيحة الفزع التي أطلقها رأسماليو كل العواصم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مطالبين بضخ الأموال وحصر الأزمة اين اندلعت.

تراجع منظرو العالم الرأسمالي وفقدوا الثقة في حسن تصرف المؤسسات المالية وتراجعوا عن شعارات "اقتصاد السوق" وعن " لا لتدخل الدولة" إلخ.. وهم يدعون الدول لانتشالهم بالاعتماد على احتياطي الخزائن العامة وقد سارعت هذه الأخيرة بتأميم عديد البنوك المفلسة بضخ الحقن المالية. عملية "الإنقاذ" هذه من طرف الدول هي إنقاذ لمصاصي دماء الشعوب، حفنة المضاربين والسماسرة، وليست عملية إنقاذ للطبقة العاملة والمفقرين والشعوب التي تكتوي بالبطالة والفقر وتتحمل الأزمة كاملة. يتم التأميم أو ما يسمى "اشتراكية الأغنياء" هذه بالمال العام وبمجهودات أجيال من العمال والفلاحين تقدم على طبق من ذهب للمتسببين في الأزمة.

إنها أزمة هيكلية لم تقدر حيل ومناورات وتقليعات منظرو النيوليبرالية والامبريالية على تجاوزها فلا المضاربات ولا توجيه الاقتصاد للسلع ولا الحروب ونهب الشعوب واستعمارها نجحت في تحقيق مجتمع الرفاه. لقد مست المضاربات المواد الأولية وخاصة النفط ليصل ثمن البرميل الواحد إلى 140 دولار كما وقعت تغذية الحروب والحفاظ عليها، إذ تكلف احتلال العراق 1200 مليار دولار ستعود على صقور البيت الأبيض (بوش، ديك تشيني...) بالكثير من موارد النفط وقد أنفق على التسلح سنوات 2004/2005/2006 على التوالي 1035 مليار دولار و1118و1204 مليار دولار نتيجة المزاحمة بين الامبرياليات وعودة اليابان وألمانيا لسباق التسلح بعد الحرب العالمية الثانية والتحاق روسيا بالزريبة الرأسمالية مما ينبئ بأن الحروب ستتواصل وتكون الشعوب لحم مدافعها.

الخلاص في الثورة الاشتراكية

إن التاريخ يثبت مرة أخرى صحة تنبؤات ماركس حول الأزمات الرأسمالية وحتمية انهيارها وأثبت الواقع بما لا يدع مجالا للشك نجاح التجربة الاشتراكية بقيادة لينين وستالين حيث وفرت للشعوب الرفاهية والنهضة العلمية وكان الاقتصاد الاشتراكي المخطط في خدمة الطبقة العاملة والجماهير المعدمة وعمت شعوب الاتحاد السوفيتي الطمأنينة إذ نالت حرية تقرير مصيرها. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي صمّ الليبيراليون آذاننا بمقولات "نهاية الاشتراكية" و"نهاية التاريخ" وأعلنوا الرأسمالية نظاما أبديا، غير قابل للتعرض مستقبلا للأزمات والهزات. وكان هذا الانهيار عبارة عن شحنة من الأوكسجين للامبريالية وللاقتصاد النيوليبرالي لكن إلى حين، إذ أن التناقض بين التملك الفردي لوسائل الإنتاج والطابع الاجتماعي للعمل وللإنتاج ما فتئ يحتد وينعكس في تمرد الجياع في كامل المعمورة ضد الفقر والبطالة والتهميش والظلم والعنصرية والعبودية الرأسمالية وعاد الحنين إلى الفترة الاشتراكية، إلى الديمقراطية الشعبية وانعدام الاستغلال الفاحش. لقد فقدت الشعوب الثقة بنمط الإنتاج الرأسمالي ولن تكون الإجراءات وعمليات الإنقاذ والتأميم إلا مخرجا آنيا من الأزمة فما على عمال العالم وطلائعها وأحزابها الماركسية اللينينية إلا العمل على نشر الوعي الاشتراكي لتجاوز الرأسمالية المنهارة من أجل مشركة الاقتصاد وإقامة سلطة العمال والكادحين وعليها استغلال الأزمات الاقتصادية للدعاية وتسليح الطبقة العاملة بالوعي الثوري لقلب موازين القوى. فليس للعمال ما يخسرونه سوى الأغلال التي تكبلهم.

عاشت الطبقة العاملة
عاشت الاشتراكية
يسقط المضاربون والسماسرة والطفيليون
تسقط الامبريالية