نظرية الديمقراطية المغربية : الشكل الديمقراطي لدولة الطبقة الواحدة


بلكميمي محمد
2008 / 11 / 5 - 08:49     

في النصف الثاني من السبعينات ، وقع تحول كيفي على الشكل السياسي للدولة المغربية ، اذ في هذه الفترة ، تم الانتقال من الشكل الاستبدادي الذي عرفته مرحلة حالة الاستثناء الى شكل ديمقراطي .
ان الشكل الديمقراطي الجديد ، يتجلى في الحد من سلطة الحكم المطلق ، الامر الذي سمح للمجتمع المدني بالمشاركة في تسيير شؤون الدولة ، عن طريق انتخاب مؤسسة برلمانية ، مكلفة بسن القوانين التشريعية ، وتحديد الميزانية العامة والمخططات الاقتصادية ، ومراقبة موظفي الدولة ... الخ .
ان هذا الوضع الجديد ، هو الذي سمح للحزب الشيوعي المغربي ، بتطبيع علاقته مع الدولة ، ويرفع المنع الذي تعرض له الاتحاد الاشتراكي بعد احداث مارس 1973 ، والغاء الحظر عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، ومنح الشرعية القانونية لمنظمة مثل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، التي تشكل الان تيارا داخل حزب الاشتراكي الموحد ، والسماح لصحافة المعارضة بالنشاط ، والسماح بتاسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ( ك.د.ش)
والسماح ايضا لجمعيات ثقافية متنوعة .
هذه المظاهر الديمقراطية واقعية ، ولايمكن لاي احد ، يريد تحليل الواقع بشكل علمي ، ان ينكرها .
ذلك ان منطق « إما .. وإما » الذي سخر منه هيكل عن حق ، منذ حوالي ثلاثة قرون من الزمن ، هو منطق تجريدي لاقيمة علمية له .
ان اصحاب ذلك المنطق ، يسقطون بالضرورة ضحية لهذا الخطا النظري الكبير : الخلط بين الديمقراطية كواقع مجرد ، وبين الديمقراطية كشكل ملموس ، يتقمصه ذلك الواقع المجرد في لحظة محددة . وحين يحصل ذلك الخلط، يتم اختزال الديمقراطية كلها في شكلها المثالي الاوحد ، بحيث يصبح ذلك الشكل المثال هو معيار التمييز بين وجود الديمقراطية وانعدامها .
لكن مقولة الديمقراطية ، شانها في ذلك شان كل المقولات الاخرى ، المنطقية والغير منطقية ، لايمكن ابدا ان تسجن نفسها في شكل وحيد وواحد . فالديمقراطية تغير جلدها باستمرار . ولذلك ليس هناك الديمقراطية ، بل هناك اشكال الديمقراطية . هناك الشكل الديمقراطي ذو هذا المضمون الطبقي او ذاك ، كما ان هناك الشكل الديمقراطي البدائي ، والمتطور ، والمتكامل .
والعلاقة بين تلك الاشكال الثلاثة ، هي علاقة صيرورة تاريخية ضرورية ، لاعلاقة ارادة سياسية مجردة . فالقول مثلا بامكانية الانتقال المباشر ، للنظام المغربي ، من طور الاستبداد الى طور الديمقراطية ، بدون حلقات وسطى ، كالقول بامكانية تحويل الطفل الرضيع الى رجل كامل النضج ، بواسطة قفزة نوعية سريعة . فهذا النوع من القفزات ، ان كان موجودا فعلا في عالم السحر والاسطورة ، فلا وجود له ، لسوء الحظ او حسنه في العلم والتاريخ .
ان الشكل السياسي للدولة المغربية الحالية هو شكل ديمقراطي ، هذا واقع موضوعي قائم . لكن اية ديمقراطية نقصد ؟ تلك هي المسالة .
هناك فعلا الحد من سلطة الحكم المطلق لكن في نفس الوقت فان ذلك الحد ، نسبي جدا .
هناك برلمان ، لكن صلاحياته محدودة جدا .
هناك حرية الصحافة ، لكن ايضا الرقابة عليها وحجزها .
هناك حرية التنظيم الحزبي والنقابي ، لكن ايضا عدم الترخيص بتنظيم التظاهرات السياسية ، وقمع الاضرابات النقابية .
هناك حرية التعبير ، لكن ايضا الاعتقال بسبب الراي والموقف . وهذا الاعتقال السياسي قد يصل الى حد ، دفن ضحاياه الابرياء طيلة حياتهم في الكهوف الباردة ، بل والى القتل والجنون .
ان دولة هذه طبيعتها المزدوجة ، تقر الديمقراطية وتلغيها ، تقبل المعارضة وتحد من نشاطها ، تسطر القانون وتخرقه .. هي دولة ليست لكل المجتمع المدني ، ولكن للطبقة السائدة فيه فقط ، وبالتالي ان شكلها الديمقراطي ، هو شكل دولة الطبقة الواحدة ، لاشكل كل طبقات المجتمع .
ان الشكل الديمقراطي لدولة الطبقة الواحدة ، كان وراءه تاريخ ، ولذلك وبالضرورة سيكون امامه ايضا تاريخ ، لقد ظهر كنتيجة لسبب سابق ، واصبح هو نفسه سببا لنتيجة قادمة .
لقد تحول الشكل الاستبدادي لدولة الطبقة الواحدة ، وسيتحول بالضرورة هذا الاخير بدوره ، الى شكل ديمقراطي جديد : دولة طبقات المجتمع المدني . هذا حكم التناقضات الموضوعية التي تحرك المجتمع . وليس هناك على وجه الاطلاق ، اية قوة بشرية ، مهما بلغ سلطانها وجبروتها ، اقوى من حركة تلك التناقضات الموضوعية .
وهنا نصل الى بيت القصيد : ماهي التناقضات الموضوعية التي جعلت الانتقال من الشكل الاستبدادي السابق ، الى الشكل الديمقراطي الحالي ضروريا ، وماهي التناقضات التي تجعل الانتقال من الشكل الديمقراطي الحالي ، الى الشكل الديمقراطي الارقى ضروريا ايضا ؟