الزلزال المدوي الذي هز النظام الرأسمالي


فهمي الكتوت
2008 / 11 / 3 - 09:16     

أشعلت أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية أزمة مالية، وأزمة فيض إنتاج، شملت معظم البلدان الرأسمالية، وعلى الرغم من الإجراءات والتدابير الواسعة التي اتخذتها حكومات معظم البلدان الرأسمالية، إلا أن الأزمة تتصاعد يوما بعد أخر، ومنذ انفجار الأزمة والعالم يشهد حالات فزع وذعر وانبهار بسبب الخسائر الكبيرة التي تشهدها أسواق المال ، والجميع يسعى للتخلص من الأسهم والسندات بأقصى سرعة ممكنة، لكي يتجنبوا أثار الانهيارات المالية في هذه الأسواق، الأمر الذي يؤدي إلى سقوط مريع في أسعارها.
لهذه الأزمة جذورها وتفاعلاتها التي بدأت منذ عدة سنوات وأخذت مظاهرها تطفو على السطح تدريجيا، فمنذ أواخر السبعينيات ومع وصول رونالد ريغان الى الحكم بدأ يجنح بسياسة اقتصادية متشددة حول البرنامج الاجتماعي، تحت ذريعة تخفيض عجز الموازنة ، في الوقت الذي أقدم على تخفيض الضرائب على الاحتكارات الرأسمالية، كما اتجه بشكل ملموس نحو السياسة الاقتصادية المنفلتة " نيو كلاسيك" او ما يعرف اليوم بالليبرالية الجديدة، السياسة الاقتصادية المعتمدة على آلية السوق ، والتحرير المطلق للأسعار، وتحرير التجارة الداخلية والخارجية، وإزالة كافة الحواجز الجمركية والقانونية والسياسية أمام الاحتكارات الرأسمالية، وامام رجال المال لتوفير الحرية المطلقة لانسياب السلع عبر الحدود، وإزالة العوائق أمام رأس المال ، وإنهاء تدخل الدولة بالنشاط الاقتصادي.
ومع انهيار التجربة السوفيتية اتسعت هذه الظاهرة بشكل كبير، حيث ساد شعور عام لدى حكام البيت الأبيض ان انهيار التجربة السوفيتية، انتصار للنظام الرأسمالي ،والليبرالية الجديدة، التي تغولت بسياساتها المتوحشة والمعادية للإنسانية عامة سواء في داخل أميركا ضد العمال والفقراء عامة، أو في الخارج ضد شعوب العالم اجمع . كما شهد الاقتصاد الأميركي ومنذ عدة سنوات تبدلات هيكلية أدت الى اتساع ظاهرة النشاط المالي من سندات واسهم واتساع ظاهرة المضاربات في البورصات والأنشطة المالية على مختلف أنواعها، مع انخفاض نسبة الأموال الموظفة في الاقتصاد الحقيقي - الصناعة والزراعة- وتراجع دور ا لقطاعات المنتجة في الاقتصاد الكلي ، وهذا يوضح مدى تضخم الاقتصاد المالي وضمور الاقتصاد الحقيقي، لدرجة ان نصيب الصناعة والزراعة من الناتج المحلي الإجمالي أصبح لا يتجاوز 21.5% ليعكس مدى هيمنة القطاعات الخدمية والمالية على الاقتصاد ، و يقول د.حازم ببلاوي ما يطلق عليه «الأزمة المالية» مهدد بالانزلاق إلى هاوية الكساد والإفلاس، مِن أكبر وأعرق المؤسسات المالية الدولية في أمريكا وأوروبا، فكيف حدث ذلك؟ ولماذا هي «أزمة مالية» أكثر منها «أزمة اقتصادية»؟ فهي أزمة مالية أو هي أزمة في القطاع المالي يمكن أن تهدد بإغراق الاقتصاد الأمريكي والأوروبي بأكمله إذا تفاقمت وأدت إلى الانهيار المالي الشامل. ويضيف جاء ظهور الأوراق المالية من أسهم وأوراق تجارية وسندات مما زاد من حجم الأصول المالية المتداولة والتي تمثل الثروة العينية للاقتصاد. وساعد وجود هذه الأصول المالية المتنوعة (أسهم وسندات) على انتشار تداولها ظهور مؤسسات مالية قوية تصدر هذه الأصول باسمها، وحيث تتمتع بثقة الجمهور مما أدى إلى زيادة تداول هذه الأسهم والسندات بين الجمهور، فمن ناحية ظهرت البورصات التي تتداول فيها هذه الأصول المالية، ومن ناحية أخرى فإن المؤسسات المالية الوسيطة (البنوك بوجه خاص) حين تمول الأفراد فإنها تحل في الواقع، مديونية هذه البنوك التي تتمتع بثقة كبيرة لدى الجمهور محل مديونية عملائها، ومديونية هذا العميل للبنك تستند إلي ملاءة هذا العميل والثقة فيه . وهكذا لعب القطاع المصرفي - والقطاع المالي بصفة عامة - دوراً هائلاً في زيادة حجم الأصول المالية المتداولة وزيادة الثقة فيها. وبدأت آثار هذه السياسة تبرز ، وبانخفاض نسبة النمو الاقتصادي، وزيادة الاعتماد على الخارج في الاستهلاك المحلي، الأمر الذي أدى الى زيادة عجز الميزان التجاري ، وتصاعد عجز الموازنة حيث قدرت بحوالي 4500 مليار دولار خلال العام الحالي ومن المتوقع زيادة العجز، وارتفاع المديونية التي وصلت الى 10 تريليون دولار، وفقا للتقرير الشهري لوزارة الخزانة الذي نشرته على الانترنت.
أزمة الرهن العقاري
في ظل الأوضاع الاقتصادية والمالية أنفة الذكر برزت أزمة الرهن العقاري، حيث استدرجت البنوك العقارية أصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية وتم توريطهم بقروض عقارية فاقت قدراتهم في الولايات المتحدة الأمريكية، ومع زيادة أسعار الفائدة وارتفاع مستويات التضخم ،وزيادة تكاليف المعيشة عجزت معظم هذه الفئات عن الوفاء بالتزاماتها تجاه المؤسسات المصرفية ، وتبين ان حجم القيمة العقارية في أمريكا تبلغ 50 تريليون دولار وان قيمة القروض العقارية بلغت 150 تريليون دولار1، أي ان الجهة المقرضة أعطت المقرضين أموالا أكثر من القيمة الحقيقية التي تمثلها عقاراتهم ، ونتيجة هبوط النقد لم يستطع المقترض تسديد الدين الذي ارتفعت فوائدة مع انخفاض القدرة الشرائية لصاحب القرض ، فما كان من الجهات المقرضة الا أن استولت على العقار أي إنها بقيت بدون سيولة لان أموالها تحولت الى عقارات ما اضطر الكثير منها إلى إعلان الإفلاس.
جوهر الأزمة المالية والاقتصادية
ان التناقض الرئيس بين العمل ورأس المال يؤدي الى فيض الإنتاج, وتكديس البضائع في المستودعات لعدم قدرة المنتجين (الطبقة العاملة) على شراء هذه البضائع نتيجة انخفاض مداخليهم الفعلية وإغراقهم بالقروض والالتزامات المتعددة, وتبدأ الأزمة بدورتها المعروفة، وقد شهد النظام الرأسمالي منذ القرن التاسع عشر العديد من الأزمات, منها الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 1882 والتي استمرت ثلاث سنوات وكان مركزها أمريكا, وفي عام 1890 نشأت أزمة اقتصادية بلغت ذروتها 1892 - 1893 في ألمانيا وانكلترا, وانفجر فيض الإنتاج في روسيا عام ,1899 سرعان ما انتشرت الأزمة في الدول الأوروبية عام 1900 , أما الأزمة الشهيرة التي اندلعت في عام 1929 - 1933 فقد شملت جميع البلدان الرأسمالية دون استثناء. ان الأزمات المتكررة للاقتصاد الرأسمالي تضع مسألة وجود النظام الرأسمالي موضع بحث, حيث يستذكر العالم في هذه الأيام ما توصل إليه كارل ماركس حول مصير النظام الرأسمالي, وان فشل التجربة السوفييتية لا يعني بحال من الأحوال ان المستغلين لم يواصلوا نضالهم من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية . خاصة وان النظام الرأسمالي سوف يقذف بملايين العمال الى سوق البطالة ، وسوف يؤدي ذلك إلى اتساع جيش العاطلين عن العمل، وتتوقع منظمة العمل الدولية الاستغناء عن خدمات عشرين مليون عامل خلال العام المقبل من مختلف أنحاء العالم، نتيجة حالة الكساد ، وعلى الرغم من إنفاق تريليونات الدولارات لمواجهة الأزمة والمضاربات المالية والفساد الإداري ، فالنظام الرأسمالي يرفض تمويل برنامج الأمم المتحدة لاستئصال الفقر في بلدان العالم الثالث والذي يحتاج إلى ثلاثين مليار دولار سنويا، النظام الرأسمالي الذي نهب خيرات شعوب العالم اجمع يرفض تقديم هذا المبلغ المتواضع أمام الأرقام الفلكية التي تدفع بسخاء لمكافأة مؤسسات تعاني من الفساد وسوء الإدارة والمتاجرة بمصير الأمم .
الرأسمالية تحمل في طياتها أسباب الأزمة
قدم ماركس نظريته حول نقد الرأسمالية في أواسط القرن التاسع عشر في مرحلة تاريخية معينة من تطور الرأسمالية ، ثم جاءت التجربة السوفيتية التي وصلت الى طريق مسدود ، والظواهر التي درسها ماركس في حياته هي في تحول مستمر ، بفضل الانجازات التي حققتها البشرية في مجال العلم والتكنولوجيا والتي كشفت عن مظاهر جديدة للنظام الرأسمالي الذي يحتاج إلى دراسة معمقة لاستيعاب آثار المستجدات العلمية عليه ، وهي بمثابة انقلاب على المفاهيم الكلاسيكية ، لكن ذلك لم يغير في جوهره الاستغلالي، وتجلى هذا بقدرته على التكيف مع مواجهة المستجدات، وكان أبرزها مواجهة الأزمات الاقتصادية التي شهدها النظام الرأسمالي في بداية القرن العشرين خلال أعوام 1929_1933 والتي كادت تعصف به في معظم الدول الصناعية ، ما حدا بالمفكرين الاقتصاديين في النظام الرأسمالي بالتدخل لإنقاذ النظام الرأسمالي من الانهيار . وقد برزت الفلســفة الاقتصادية الكنزية كبديل للفكر الكلاسيكي ومنقذ للنظام الرأسمالي، وشكلت انقلابا جوهريا في الفكر الاقتصادي تتمثل في تدخل الدولة في مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، متخلية عن محرمات الفكر الرأسمالي الكلاسيكي ومن ابرز خطواتها إنشاء اقتصاد مختلط من القطاعين العام والخاص وتأميم قطاعات اقتصادية رئيسية، وزيادة الإنفاق الحكومي لتخفيض معدلات البطالة، وإنشاء منظومة من التشريعات والمؤسسات في مجــال التأمينات الاجتماعية والصحية للعمال.
أدخلت النظرية الكنزية النظام الرأسمالي في مرحلة جديدة وهامة في تاريخه، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وحققت إصلاحات جوهرية في النظام الرأسمالي ، دون المساس في جوهره ، وعمقت البعد الاجتماعي وخففت من الاحتقانات الطبقية ، وشكلت حالة توازن نسبي في المجتمع ، مستفيدة من سيطرة البلدان الرأسمالية على معظم بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ونهب خيراتها ، ومستغلة أسواق هذه البلدان لتصريف فائض إنتاجها ، ساهم ذلك في امتصاص الأزمات الاقتصادية وتباعد دورتها، ووفر ربحية عالية وإمكانيات ضخمة سهلت على الاحتكارات الرأسمالية إمكانية الوصول الى صيغ واتفاقيات مع النقابات العمالية ، لزيادة أجور العمال وتحقيق خدمات صحية واجتماعية ، مما خفف من حدة الصراع الطبقي ، الذي برز بصورة جلية في بداية القرن الماضي وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها السياسة الاقتصادية الكنزية ، فقد أفرزت نتائج غير محسوبة لدى أصحابها وكان من أهمها، زيادة عجز الموازنة، الناتجة عن تخصيص مبالغ إضافية للإنفاق الحكومي، مما ترتب على ذلك، زيادة الضرائب لتغطية النفقات وتخفيض العجز، وقد تعالت أصوات النقديين ( نيوكلاسيك) مشككة بإمكانية الاستمرار في البرنامج الاجتماعي، بسبب الثمن الباهظ لهذه السياسة من وجهة نظر النقديين. شكل الانهيار الدراماتيكي للنظام السوفيتي وأوروبا الشرقية انتصارا للاتجاه المتشدد فــي البلدان الرأسمالية، وبدأ الهجوم الكاسح على السياسة الكنزية والسياسة الاشتراكية على حد سواء، وعلى القطاع العام، وعلى كافة أشكال تدخل الدولة في إدارة الاقتصاد وعلى المكتسبات العمالية ومختلف أشكال الدعم للخدمات.
صحيح ان الرأسمالية نجحت بالتكيف خلال القرن الماضي، والإفلات من العديد من الأزمات إلا ان ذلك لا يعني بحال من الأحوال ان الرأسمالية انتصرت، وهي نهاية التاريخ وفقا للنظرية الرجعية لفوكوياما، الرأسمالية تحمل في طياتها أسبابا موضوعية لبروز الأزمة الاقتصادية الدورية, هذا ما أكده كارل ماركس في كتابه الشهير رأس المال, وهذا ما نشاهده في هذه الأيام، لقد كشف بوضوح ان الرأسمالية تتعرض لازمات دورية ومتعاقبة مشبها أزمتها الدورية بالأجرام السماوية التي ما ان تأخذ حركة التوسع والتقلص التناوبية حتى تتجدد بشكل متواصل. وان النتائج تصبح بدورها أسبابا, ومراحل العملية المتعاقبة هذه تجدد باستمرار شروطها الخاصة وتأخذ شكلا دوريا, موضحا ان المراحل الأساسية في دورة رأس المال هي (الأزمة، الانحطاط ، الانتعاش ، النهوض). وما يجري في هذه الأيام دليل ساطع على صحة هذا التحليل الذي حافظ على جوهره .
فمنذ سنوات وتتعرض شركات عملاقة في الولايات المتحدة الأمريكية لازمات حادة تصل أحيانا الى حد الإفلاس ففي عام 2000 تم إفلاس شركة وورد كوم للاتصالات التي بلغت ديونها 41 مليار دولار، وفي عام 2001 أعلن عن إفلاس شركة انرون وهي أكبر شركة في قطاع الطاقة التي تجاوزت إيراداتها 100 مليار دولار،وهما أكبر حالتي إفلاس في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، كما تعرضت مؤسسة "جي-بي مورجان تشيس" ثاني أكبر شركة مصرفية قابضة في الولايات المتحدة، ، وقدر حجم الخسائر بحوالي 8.6 تريليون دولار،وقد سجلت الولايات المتحدة الأمريكية خلال تلك المرحلة أعلى حالات إفلاس في تاريخها المعاصر ، (أكثر من 700 ألف حالة إفلاس) وفي حزيران عام 2007 أعلن عن أول بنك كبير يعاني من خسائر قروض الرهن العقاري. " مصرف الاستثمار الأمريكي Bear Stearns، وفي اب 2007 ضخ البنك المركزي الأوروبي 94،8 مليار يورو من السيولة، والخزينة الفدرالية الأمريكية تضخّ من جانبها 24 مليار دولار، كما تدخّـلت العديد من البنوك الأخرى، مثل بنك اليابان والبنك الوطني السويسري2.
اما خلال العام الحالي فقد شهدت أميركا إفلاس عشرات المؤسسات المالية ومن أبرزها بنك »ليمان براذرز« والذي قدرت قيمته قبل إفلاسه ب 209 مليارات دولار, والذي كان يستخدم 25 ألف موظف, وقيام الحكومة بشراء أبرز مؤسسات الرهن العقاري »فاني ماي« و »فريدي ماك« واكبر شركة تأمين في العالم, وقيام قطاع النقل الجوي في أمريكا بالتخلص من 22 ألف وظيفة بعد خسائر قدرت بعشرات المليارات من الدولارات, كل ذلك تعبيرا عن الفشل الذريع للسياسات الليبرالية. ان ألازمة المالية العالمية دفعت شركات أميركية وأوروبية إلى إعلان خفض كبير في الوظائف وتخفيض الإنتاج3.وقالت شركة كرايسلر إنها ستلغي 5 الاف وظيفة مع نهاية هذا العام وقال المتحدث باسم كرايسلر ديفد إلشوف إن الشركة ستلغي 25% من الوظائف الإدارية والأعمال الإضافية المؤقتة. وأن كل الوحدات التابعة للشركة في العالم قد تتأثر بهذا الخفض ، وكشفت شركتا فولفو وسكانيا السويديتان لإنتاج الشاحنات الكبيرة عن خطط لخفض الإنتاج لتراجع الطلب. وجاء ذلك خلال إعلان الشركتين نتائجهما للربع الثالث من العام الحالي حيث تراجعت أرباح فولفو قبل خصم الضرائب بنسبة 37% مسجلة 2.86 مليار كرون (370 مليون دولار) مع تباطؤ الاقتصاد في أسواقها الرئيسية مقابل 4.57 مليارات كرون في الفترة نفسها من العام الماضي.
وقالت شركة "أوه أن أوه" الإسبانية لخدمات الإنترنت وتلفزيون الكابل إنها تبحث مع الاتحادات العمالية خفض عدد العاملين فيها بنسبة تصل 30% بسبب التباطؤ الاقتصادي الحاد. وأضافت الشركة في بيان أن الظروف السيئة والتوقعات لضعف الاقتصاد الكلي أجبرتها على اتخاذ القرار المؤلم. جاء ذلك بعد إعلان بيانات رسمية تضمنت ارتفاع معدل البطالة في إسبانيا إلى أعلى مستوياته في أكثر من أربع سنوات خلال الربع الثالث من العام الحالي عندما بلغ 11.3%، وهو أعلى معدل في منطقة اليورو -بعدما شهدت ازدهارا طيلة عقد في قطاع العقارات- جراء ارتفاع أسعار الفائدة والأزمة المالية العالمية والزيادة في العرض. لقد واجه الاقتصاد الأميركي منذ بداية العام الحالي ما عرف بحالة "الركود التضخمي "، قبل الانهيارات التي نشهدها في هذه الأيام ، وقد وصفت الأدبيات الماركسية الأزمات الاقتصادية التي شهدها النظام الرأسمالي :
" تبدأ بارتفاع أسعار السلع ثم هبوطها كدليل على بروز الأزمة ففي الوقت الذي تحافظ المؤسسات على عملها تواجه عجز في تصريف إنتاجها مما يبرز هبوطا مفاجئا بالأسعار ، وتتكدس البضائع في المؤسسات التي تعجز من تحويل سلعها إلى نقد، وتتوقف هذه المؤسسات عن الوفاء بالتزاماتها تجاه البنوك ، ويدب الذعر في أسواق المال ورجال البورصة والبنوك والمضاربين ، ويصف ماركس هذه المرحلة، حتى الأمس كان البرجوازيون الذين أسكرهم ازدهار الصناعة ينظرون الى النقد من خلال مرآة فلسفة تفاؤلية ويعلنون ان النقد سراب براق ويقولون ان السلعة وحدها هي النقد ، ثم يصرخ هؤلاء البرجوازيون في جميع أنحاء العالم ان النقد وحده هو السلعة "
محاولات الخروج من الأزمة
حاولت الحكومات الرأسمالية جاهدة لإنقاذ اقتصادها من أزمته الطاحنة بضخ أكثر من ثلاثة آلاف مليار دولار لإنقاذ المؤسسات المالية وشركات التأمين من الانهيار, فبعد القرار الأمريكي بتخصيص 700 مليار دولار تبعه قرارات أخرى أوروبية بتخصيص أكثر من 2300 مليار دولار وهناك توجه أميركي لضخ 150 مليار دولار إضافي, سوف تدفع هذه المبالغ الضخمة من جيوب دافعي الضرائب, وعلى حساب بؤس وإفقار وتجويع ملايين البشر في بلدان العالم الثالث, وقد تبرز نزعات فاشية لدى الطغمة المالية الحاكمة واحتكارات الصناعات العسكرية في أمريكا للقيام بمغامرة عسكرية على غرار العدوان الأمريكي على العراق الشقيق, للهروب من الأزمة مؤقتا, لكن ذلك لن يضع حدا لازمة النظام الرأسمالي, كما ان تدخل الدولة بشراء مؤسسات مالية متعثرة خشية من انهيار النظام المصرفي, وتجنيب النظام الاقتصادي من الانهيار, لن تفلح في إنقاذ النظام الرأسمالي من الوقوع في أزماته, فكافة المعطيات تشير الى ان الأزمة في صلب الاقتصاد الحقيقي للنظام الرأسمالي, ولم تنحصر بالسياسة المالية ونقص السيولة وانهيار عشرات المؤسسات المصرفية وشركات التأمين فحسب, بل تعمقت الأزمة وأصبحت أزمة النظام الرأسمالي, فعلى سبيل المثال يعاني قطاع صناعة السيارات من خسائر فادحة قد تعرضه للإفلاس, فقد حذر تقرير في مجلة نيوزويك الأمريكية من ان مدينة ديترويت عاصمة صناعة السيارات في العالم على حافة الإفلاس بسبب الأزمة المالية التي تعاني منها الولايات المتحدة الأمريكية, وأوضح التقرير ان شركة جنرال موتورز وفورد تفتقران الى السيولة النقدية, وان خسائر جنرال موتورز لعام 2007 تقدر بحوالي 38.7 مليار دولار علما ان الشركة حققت إرباحا في جميع مصانعها في العالم باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية, بسبب ضعف الاقتصاد الأمريكي, وقد أغلقت 12 مصنعا واستغنت عن 30 ألف وظيفة. وان معظم الصناعات الأمريكية ليس أفضل حالا من قطاع صناعة السيارات. وصندوق النقد الدولي يرسم صورة قاتمة لاقتصاد أمريكا وكندا ،وان معدل نمو الاقتصاد الأمريكي سيشارف الصفر او السالب4 بقية عام 2008 وقد سجل معدل النمو السنوي في الولايات المتحدة أقل من مستوياته في 33 عاما، وقد أعلن عن انكماش5 الاقتصاد الأمريكي بنسبة 0.3% في الربع الثالث من العام الحالي، علما ان النمو كان في الربع الثاني من العام 2.8%، وأعلنت شركة موتورولا عملاق الالكترونيات عن خسارة قدرها 397 مليون دولار خلال هذه الفترة مقارنة بربح حققته العام الماضي قدره 60 مليون دولار ، كما خسرت شركة سي بي أس الإعلامية 12.4 مليار دولار، وأعلنت شركة أمريكان اكسبريس التي تصدر بطاقات الائتمان عن خطط لتخفيض عدد الوظائف كجزء من خطة لتوفير 8.1 مليار دولار نهاية عام 2009 ، ويصف غرينسبان رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق (المصرف المركزي الأمريكي)1987-2006 ما يجري في أمريكا " تسونامي ائتماني" في حين صنفت بيانات الاقتصاد البريطاني بأنه على حافة الركود، حيث انكمش بنسبة 0.5% خلال الربع الثالث من العام الحالي . وتتواصل الاجتماعات في مختلف أنحاء العالم للتباحث في الأزمة تجنبا من الانهيار وبحثا عن خشبة الخلاص، ويسعى مصرف باركليز 6لبيع 32% من رأسماله حوالي 11.5 مليار دولار لصناديق استثمار والأسر الحاكمة في دبي وأبو ظبي ، وكانت الحكومة البريطانية قد ضخت 60 مليار دولار لإنقاذ عدة بنوك ، ولم ينحصر هذا النشاط بالدول الصناعية السبع بل امتد ليشمل الدول الأسيوية ،ومن ثم الخليجية، للبحث عن مخرج للازمة ، ومع ذلك تتوالى الانهيارات في البورصات العالمية، تاركة خلفها خسائر تقدر بآلاف المليارات.
ومن ابرز النتائج الأولية للازمة التي يعاني منها النظام الرأسمالي سقوط الليبرالية الجديدة النظرية الرأسمالية القائمة على الحرية المطلقة لرأس المال, وإطلاق العنان لآلية السوق ووقف تدخل الدولة في كافة النشاطات الاقتصادية, وسقوط الإيديولوجية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على معظم دول العالم, مستغلة تفردها بالنظام العالمي ، مستخدمة ثقلها السياسي والاقتصادي وكذلك العسكري لإخضاع العالم لمصالحها ولرؤيتها الفكرية والسياسية، مسـتغلة المؤسسات الدولية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية كأذرع لفرض سياستها بالقوة، دون أدنى اعتبار للنتائج الكارثية التي أفرزتها هذه السياسة، وقد برزت مفاعيلها بالآثار الناجمة عن سياستها هذه في البلدان النامية، بالجوانب الاقتصادية والمالية والنقدية، بدءا من تحميل الفئات الشعبية أثار ونتائج ألازمات الاقتصادية، برفع الدعم عن مختلف الخدمات الأساسية من التعليم والصحة وزيادة العبء الضريبي وانتهاء بفــرض سياسة الخصخصة، وتحرير التجارة وتحرير الأسعار، وما تعنيه هذه السياسات من نتائج مؤلمة على الفئات الشعبية. والتي أدت إلى تجويع وإفقار مئات الملايين من البشر في مختلف أنحاء المعمورة, كما أدت إلى قتل وتشريد الملايين في الحروب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية لفرض سياساتها، هذه السياسات تنهار الآن أمام سمع وبصر شعوب العالم, هذا الانهيار المدوي هو النتيجة الحتمية للسياسة العدوانية التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية ضد شعوب العالم بما في ذلك الشعوب العربية, هذا الانهيار النتيجة الحتمية للسياسة المالية والاقتصادية التي أفرزت تمركز رأس المال بأيدي حفنة من رجال المال والمتحكمين في الاقتصاد .
ان الأزمة التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي خلقت وقائع جديدة على الأرض, أهمها تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية وفقدانها لدورها الأوحد في العالم وفرض شروطها على القارات الخمس دون منازع, فقد حان الوقت لطرح الملفات الثلاث على طاولة المفاوضات, الملف الاقتصادي بإعادة صياغة السياسات النقدية وطرح سياسات جديدة تنهي الدور المتميز للدولار الأمريكي ، والملف الأمني بطرح اتفاقيات جديدة في العالم تحرم احتلال أراضي الغير وتحرم حمايتهم من قبل متنفذين وتردع المحتلين ، والملف السياسي إعادة تكوين مجلس الأمن وإدخال دول جديدة للعضوية الدائمة وإلغاء حق الفيتو وإنهاء هيمنة أميركا على الأمم المتحدة والمنظمات المنبثقة عنها . وإجراء تعديلات على دور وعمل المؤسسات الدولية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، بما يخدم تحقيق تنمية اقتصادية شاملة في البلدان النامية ، وإعادة النظر بالديون على البلدان الفقيرة التي ورثتها من السياسة الليبرالية التي فرضتها أميركا .
انهيار التجربة السوفيتية ليس انهيارا لمبادئ العدالة الاجتماعية
منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي ويجري البحث عن إجابة على سؤال جوهري، حول أسباب انهيار التجربة السوفيتية، فبعد أكثر من سبعة عقود على انتصار ثورة أكتوبر وقيام الدولة السوفيتية، والاعتقاد أن التجربة الاشتراكية قد انتصرت في وجه الظلم والاستغلال والطغيان، جاء الانهيار المدوي الذي كــــان أثره كالصاعقة ليس فقط على شعوب الاتحاد السوفيتي فحسب بل على شعوب العالم اجمع وبشكل خــــاص على الــــدول النامية وفي عدادها الدول العربية، فمن لم يقدر أهمية وجود الاتحاد السوفيتي قبل انهياره، اعتقد انه اكتشف أهمية ذلك خلال العقدين الماضيين ، وما مدى الضرر الذي لحق بمختلف شعوب العالم من تفرد الولايات المتحدة الأمريكية وهيمنة الليبرالية المتوحشة على أرجاء المعمورة والتحكم بمصيرهم، وما مدى أهمية وجود دولة عظمى تحمل مبادئ وأفكار سامية وتؤمن بحق تقرير المصير لشعوب العالم، وهذا لم يقلل من الرؤية النقدية للجوانب السلبية التي مرت بها التجربة السوفيتية، وخاصة غياب الديمقراطية والتعددية السياسية في الاتحاد السوفيتي، وغياب الحوافز الحقيقية للتطور الاقتصادي، والتي أسهمت بانهيار التجربة. فإذا كان انتصار الثورة في عام 1917 قد هز العالم على حد تعبير الكاتب الأمريكي جون ريد في كتابه الشهير عشرة أيام هزت العالم فالانهيار أيضا قد هز أركان العالم، وكان صدى وأثار ونتائج الحدث الثاني عكس تماما صدى وأثار ونتائج الحدث الأول على مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية في كافة أركان المعمورة، من هنا اختلفت الاجتهادات والآراء في الإجابة على السؤال الرئيسي حول أسباب الانهيار:-
هل هذه الأسباب لها علاقة في نظرية ماركس حــــول نقد الرأسمالية والبحث عن سبل تجاوزها، أم في التجربة السوفيتية ذاتها، وإذا كان الجواب يتصل بالتجربة، هل يكمن السبب بفكرة قيام الثورة في روسيا، أم بالأسلوب الستالينيي البيروقراطي المركزي الذي طبق في الاتحاد السوفيتي، وهنا أود أن اطرح بعض الاضاءات والأفكار لأبرز قادة الفكر الاشتراكي في العالم حول هذا الموضوع.
القراءات الأولى للتجربة الروسية في بداياتها خلصت ألى أن الثورة ضد "منطق رأسمال " أي منطق ماركس حسب تعبير المفكر الإيطالي غرامشي، كونها جاءت في أكثر الدول الرأسمالية تخلفا، وان نظرية لينين بإمكانية قيام الثورة في روسيا باعتبارها اضعف حلقات الإمبريالية، حققت غرضها في استيلاء الطبقة العاملة على السلطة، وكان التطور الرأسمالي في روسيا بمراحله الأولى، والطبقة العاملة أقل خبرة وتجربة ولكنها الأكثر تنظيما من الناحية السياسية بفضل دور حزب البلاشفة.
كانت الطبقة العاملة متواضعة من حيث الحجم، وكاد ينحصر وجودها بشكل رئيسي في مدينتي موسكو وسان بطرسبرغ أمام جماهير غفيرة من الفلاحين الذين اجتذبتهم الثورة في مواجهة الإقطاع وملاكي الأراضي، لا شك إن شعار تحالف العمال والفلاحين والجنود في ظروف الحرب الذي طرحه لينين شكل قوة محركـــة ومـــؤثرة وفاعلة من اجل انتصار الثورة، والوصول الى السلطة السياسية، إلا أن الحلم تبدد بعد ذلك بسبب العقبات الرهيبــــة التي واجهت الدولة الحديثة، مما اضطر القيادة السوفيتية بزعامة لينين من إجراء تعديلات على مسارها، وقد طرح لينين بوضوح في المؤتمر العاشر7 للحزب في عام 1921
" اشرنا في عدد من مؤلفاتنا ، وفي جميع خطاباتنا وأحاديثنا ، وفي عموم الصحافة إلى ان الحالة تختلف في روسيا حيث عمال الصناعة أقلية وحيث صغار المزارعين أغلبية كبيرة ففي بلد كهذا ، لا يمكن للثورة الاشتراكية ان تنتصر نهائيا الا بشرطين . الشرط الأول ان تدعمها في الوقت المناسب الثورة الاشتراكية في بلد او عدة بلدان متقدمة ، وتعلمون إننا بذلنا من الجهود أكثر بكثير مما مضى من اجل تحقيق هذا الشرط ، ولكننا لم نبذل الجهود الكافية لكي يغدو هذا الشرط امرأ واقعا. " الشرط الثاني:- التفاهم بين البروليتاريا التي تتسلم زمام السلطة وبين أغلبية السكان الفلاحين، إن الفلاحين مستاءون من شكل العلاقات وإنهم لا يريدوا أن يعيشوا بعد اليوم على هذا النحو، وينبغي لنا أن نأخذ رغبتهم بعين الاعتبار"
وكانت هذه التوجهات هي المقدمة لطرح السياسة الاقتصادية الجديدة" النيب " في عام 1922 والتي انطلقت من إعادة النظر بالتوجهات المبكرة التي تبناها لينين في بداية الثورة، وخاصة ما يتعلق بالتـأمين والمصادرة وإلغاء الإنتاج البضاعي الصغير، وقدم رؤيته الجديدة التي انطلقت من حفز وتشجيع رأس المال الأجنبي والمحلي للإسهام في بناء اقتصاد الدولة الفتية كمرحلة انتقالية لمحاولة إنجاز ما لم تنجزه البرجوازية الروسية قبل الثورة.
أدرك لينين لهذه الحقيقة وكان ينتظر الثورات العمالية في القارة الأوروبية وبشكل خاص في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا لقد زكى لينين هذا الاتجاه في كتاباته بمناسبة الذكرى الرابعة لثورة أكتوبر حيث قال في صريح العبارة. " كنا نفترض دون حساب كاف، بأننا سنتمكن بالأوامر الصريحة التي تصدرها الدولة البروليتارية من أن ننظم على الطريقة الشيوعية في بلد من صغار الفلاحين، إنتاج وتوزيع المنتجات من جانب الدولة إلا ان الحياة بينت خطأنا وتبين انه لا بد من سلسلة من الدرجات الوسطية رأسمالية الدولة
قرر المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الاستعاضة عن التأمين والمصادرة بالضريبة العينية8.
حققت المرحلة الانتقالية السياسة الاقتصادية الجديدة " النيب" نجاحات ملموسة في مجال إعادة بناء الاقتصاد السوفيتي المدمر من أثار الحروب الداخلية والخارجية، لم تدم هذه المرحلة طويلا فقد أعاد ستالين اقتصاد شيوعية الثكنات من جديد، ورافق هذا التوجه حملة واسعة من القمع والإرهاب طالت ملايين البشر لفرض النموذج الستاليني بالقوة، باستيلاء الدولة على مختلف إشكال الملكية في الأرياف والمدن، وإدارة الاقتصاد بأسلوب أوامري بيروقراطي.
كان لتصدي شعوب الاتحاد السوفيتي للعدوان النازي، والتحام الدولة والحزب والشعب في معركة واحدة ضد المحتلين النازيين، والانتصار العظيم الذي حققته الدولة السوفيتية، اكبر الأثر على خروج الاتحاد السوفيتي من العزلة التي فرضها النظام الرأسمالي عليها بعد فشل حرب التدخل من إسقاط النظام الاشتراكي، وإعطاء الدولة السوفيتية دعما وزخما هائلا, مكنها من البروز كقوة عظمى لا يمكن تجاهلها في أي قضية تطرح على بساط البحث، وكاتجاه رئيسي في الصراع الدولي والحرب الباردة التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، وتعزز هذا الدور بفضل الدعم الذي قدمه الاتحاد السوفيتي لشعوب الدول المستعمرة في أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية في نضالها من أجل الاستقلال والتحرر الوطني، كل ذلك اكسب الدولة السوفيتية شرعية وطنية وأممية، إلا ان أحلام خورتشوف الوردية بإقامة النظام الشيوعي قبل نهاية القرن العشرين قد تبددت، ودخل الاتحاد السوفيتي في كوما في عصر بريجينيف وخاصة في المرحلة الأخيرة، ولم يتمكن من إحراز أي تقدم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وبدأت مظاهر الأزمة في الربع الأخير من القرن الماضي في البروز دون علاج ، وقد أسهم كل من غوربتشوف ويلتسن بالتسريع في انهيار الدولة السوفيتية، والسؤال الهام هل كان الانهيار حتمية تاريخية ..؟ والسؤال الأخر هل كان من الممكن تحقيق الاشتراكية التـــي كتب عنها لينين عشية الثورة او في بداياتها الأولى وقبل طرحه السياسة الاقتصادية الجديدة النيب ..؟ ، اعتقد ان الانهيار لم يكن حتمية تاريخية وكان من الممكن تفاديه لو توفرت الإرادة السياسية لدى قيادة الدولة السوفيتية في وقت مبكر بتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تخرج الدولة السوفيتية من ألازمة، ليس بإتباع سياسات حقبة شيوعية الثكنات، كما إنها ليست المساواتية التي تفقد القدرة على التنافس الحر في ظل تكافؤ الفرص، ولن تقوم على التأميم والمصادرة لكافة الفروع والقطاعات الاقتصادية بغض النظر عن حجمها، وتحويل الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين والمبدعين الى موظفين في مؤسسة بيروقراطية، فالثروات الأساسية للدولة هي ملك للشعب وينبغي عدم التفريط بها ، كما ان للدولة دور هام يجب القيام به في مجال التنمية الاقتصادية، وفي مجال تحسين وتطوير الخدمات العامة للمجتمع، ووضع الضوابط الكفيلة لمنع الجشع والاستغلال، لكن لا بد من تحرير وإطلاق قدرات الإنسان الإبداعية لدى الأجيال، وتوفير الآليات الديمقراطية لإيجاد المناخ الملائم لتطور الفكر والسياسة والاقتصاد والعلوم وكافة مجالات الحياة، ليس هناك صيغة محددة لتحقيق العدالة الاجتماعية ، وليس هناك قوالب وقوانين مسبقة ملزمة للتطبيق اقترحت في مرحلة تاريخية معينة ، حتي يحمل صاحبها لقب الاشتراكي، القضية الجوهرية إنهاء الاستغلال وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهذا لن يتحقق في ظل الرأسمالية المتوحشة ، كما لم يتحقق بظل رأسمالية الدولة البيروقراطية، فالحياة نفسها كفيلة بتقديم الصيغ التي تتلاءم مع مستجدات العصر وتضمن تحقيق نمو مضطرد بالاقتصاد يحقق الوفر في الإنتاج، والاستفادة من تكنولوجيا المعلومات وثورة والاتصالات ، ويؤمن رقابة شعبية حقيقية على مؤسسات الدولة لضمان استمرار الحوافز الكفيلة في تطوير المؤسسات العامة ، وتحقيق إصلاح كامل في مختلف مجالات الحياة ، وذلك بوجود ديمقراطية حقيقية تعكس نبض الشارع ، وتشكل صمام أمان لحماية المنجزات وتصويب الإخفاقات سواء في الوضع الاقتصادي او الاجتماعي، وقد برزت حركات سياسية واسعة في طول العالم وعرضه من اجل ذلك وفي مواجهة" الرأسمالية المتوحشة والعولمة الرأسمالية " وكان أبرزها الحركات الاجتماعية التي برزت في أمريكا اللاتينية حيث نجحت هذه الحركات في العديد من الدول في الوصول الى السلطة عبر صناديق الاقتراع، و تحت شعارات اجتماعية بتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والسكن المناسب للجميع ، وتحقيق رفاهية المجتمع .
ان الأزمة الحالية هي الأسوأ في تاريخ النظام الرأسمالي ،وســــوف تدفع العمــــال والمقهورين والمشردين والمتضررين في العالم البحث عن سبل مواجهة نظام الظلم والاستبداد والاستغلال ، مما يطرح على بساط البحث موضوع آليات العمل في المرحلة الجديدة، أمام قوى التقدم والحرية والديمقراطية في العالم، أحزابا ونقابات عمالية ومهنية ومنظمات اجتماعية، لأوسع حوار فكري وسياسي وديمقراطي بهدف الوصول الى مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. الفرصة التاريخية مهيأة لتوحيد المستغلين بحركات سياسية اجتماعية ،ان شــعار وحدة اليســار يكتسب أهمــية تاريخية في هذه الأيـــام لا بد من تقديم برنامج لتحقيقــه