لقد عاد.. كشاهد وليس كشبح ..عن صورة ماركس في غلاف ملحق جريدة التايمز


شاكر الناصري
2008 / 10 / 28 - 09:40     

(لقد عاد) .. إنه عنوان هلعي بكل معنى الكلمة، هذا الذي اختاره محرر ملحق جريدة التايمز البريطانية ، تايمز 2 الصادر في 23 أكتوبر الجاري، هلعي إلى حد الارتباك وضياع أي معلم لعودة الأمور إلى نصابها ، حيث نشرت صورة كبيرة لماركس على صدر الصفحة الأولى للملحق المذكور وتحته عنوان رئيسي ( لقد عاد) ثم تضع عنوانا فرعيا ربما يكون مثيرا للجدل لكنه يدلل على مدى الارتباك الذي أصاب الإعلام البرجوازي جراء الازمة المتفاقمة «هل تثبت أزمة الأسواق المالية أن كارل ماركس كان حقا طوال الوقت؟» نقول عنوان هلعي لأنه يدلل على درجة الهلع الذي يصيب البرجوازية وأعلامها من فكر ماركس وتحليلاته الاقتصادية للنظام الرأسمالي فهي التحليلات التي تذكرهم بنهاياتهم دائما ، أو التحليلات التي تذكرهم بضرورة العودة ومراجعة ما يحدث وإلا فأن الكارثة واقعة لا محالة وهذا ما تحقق الآن بعد تفاعل الأزمة المالية التي أصابت الرأسمالية وحكوماتها ومفكريها بحالة من الارتباك وانعدام الحيلة لمواجهة ما يحدث ، فالرأسمالية تأكل نفسها وهذا ما يجعلهم يصابون بهلع من أن ماركس قالها يوما ومضى.
ماركس عاد ويعود في كل حين فهو شاهد على البؤس الذي يصيب العالم جراء ممارسات الرأسمالية الساعية دوما نحو الأرباح ، بالحروب أو المخدرات أو الاتجار بالبشر أو المتاجرة بالعقارات والمضاربات المالية المذهلة التي جعلت هذا النظام يواجه واحدة من أشد أزماته . أن الاقتصاد العالمي وثروته لاتقوم على مضاربات البورصة أو أسواق الأسهم ، بل يقوم على الصناعة التي باتت تنحسر أمام انفلات مد المضاربات وتجارة العقارات وإرباحها الخيالية . التي أكدت حقيقة أن الرأسمالية لايعنيها سوى الأرباح.
ليس شبح ماركس أوأطيافه التي تحوم الآن حول العالم لتذكره بعمق الأزمة وبضرورة وجود نظام يحمي كرامة الإنسان وأمنه الاقتصادي ومعيشته ولا يجعله عرضة للضياع وسط الأزمات ، بل هو فكره الحي الذي قالوا انه مات وانتهى وأن ازدهار الليبرالية الجديدة والاقتصاد الحر والعولمة قد وضعت نهاية للتاريخ وفق منطق فوكوياما لكنه منطق مقلوب ولا يشكل سوى حلقة في الدعاية الفكرية والإعلامية لليبرالية ونهجها الذي قاد العالم إلى مزيد من الكوارث التي باتت تهدد وجوده بشكل أساسي.
لقد عاد.. عاد ماركس بفكره وبالآمال التي تعلق على الحركة الاجتماعية التي تنتهج فكره . لقد عاد رغم أنه لم يغب يوما أو رغم كل محاولات تغييبه وتشويه فكره الذي يستمد قيمته وقوته من الإنسان وآماله وطموحاته للعيش في مجتمع يليق به. عاد حتى يثبت انه على حق في كل ما قال بخصوص النظام الرأسمالي وأزماته وآثارها المدمرة على العالم. عاد كشاهد أساسي وليس كشبح.
عاد ماركس لكن الحركة السياسية والاجتماعية التي يمكنها أن تكون بديلا للرأسمالية ونظامها، أي الشيوعية، تمارس غيابا مريرا. فالأزمة الحالية وكل الأزمات التي تعرض لها العالم تحدث بفعل غياب الشيوعية وبديلها الاجتماعي والسياسي. لقد تم تشويه الشيوعية وبديلها مثلما تم تشويه ماركس وفكره تماما . تم تصويرها كحركة تسعى لإخضاع الإنسان بقوة الاستبداد والدكتاتورية وتجعله يعيش حياته فاقدا لإرادته وكرامته.
العالم اليوم أحوج من أي وقت مضى لبلورة بديل شيوعي ماركسي ، ينزع عنه الإرث الذي جعل من الشيوعية مرادفا للاستبداد والقمع وامتهان كرامة الإنسان ، وان يعيد النظر بالأطر السياسية والحركات الاجتماعية التي يمكنها أن تجعل من الشيوعية والشيوعيين مصدر آمان وطمأنينة وليس مصدر خوف ، بديل يكون قادرا على إعادة صياغة المعادلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم وليحيل الشبح الذي يحوم منذ عقود إلى حقيقة.
للاطلاع على صورة الملحق يمكن العودة للرابط التالي
http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=37&article=491812&feature=1&issueno=10922