دراسات في الأقتصاد السياسي الماركسي


جليل شهباز
2008 / 10 / 26 - 10:00     

المقدمـــة

لقد أعددت هذا البحث تحت عنوان دور العمل في تكوين القيمة وتزايدها. ويتناول أربعة فصول يتعلق الأول منه بعملية العمل وتحليل القيمة أما الثاني فيتعلق بمعدلات القيمة وتحولاتها والثالث يتعلق بتكوين الربح على أساس تكاليف الإنتاج في حين أن الفصل الأخير يتعلق بكيفية تكوين الدخل الوطني وعلاقته بالعمل المنتج واللآمنتج. كما وإن كل فصل من تلك الفصول الأربعة يحتوي على عدة مباحث، يعالج مختلف المواضيع، الذي قمنا من خلاله بدراسة وتحليل كل الأفكار والمفاهيم الأقتصادية التي ساعدتني على التوصل لإيجاد الحل العلمي لمشكلة بحثي والذي يتعلق بدور العمل اللآمنتج في تكوين الدخل الوطني. وكما يلي:

الفصل الأول من هذا البحث، يركز على تحليل مقولة العمل وخصائصها، ودوره في تكوين القيم الجديدة التي تساهم في زيادة وتوسع التراكم الرأسمالي، وعلى تأثير العمل في تطور الإنسان بحد ذاته. ويتناول كيف، أن العمل الإنساني في ظل شروط نظام الإنتاج الراسمالي يتحول إلى سلعة تباع وتشترى في السوق أسوة" ببقية السلع والخدمات على أساس قيمتها الأستعمالية والتبادلية، وأن قوة العمل بعد أن يتم دمجها مع أدوات الإنتاج ووسائله، يتم أستهلاكها في مختلف العمليات الإنتاجية، فيولد قيم جديدة تتجسد على شكل عمل أجتماعي متبلور في مختلف السلع المادية، وأن مدة العمل ينقسم إلى قسمين قسم مدفوع الثمن يسمى بمدة العمل الضروري، وقسم غير مدفوع الثمن يسيطر عليه أصحاب العمل على شكل قيمة زائدة، يسمى مدة العمل الزائد.

الفصل الثاني يتطرق، إلى اشكال معدلات القيمة التي يتم بموجبها تحديد مقادير القيم التي يخلقها العمل الإنساني أثناء نشاطه الأقتصادي في مختلف المؤسسات الإنتاجية الرأسمالية والتي تتبلور في القيم المادية المعدة للأستهلاك البشري. وإلى كيفية تحول القيمة من شكل ذات خصائص مادية معينة إلى أشكال أخرى تختلف من حيث خصائصها الملموسة عن أشكالها السابقة، وإلى تحليل عملية تحويل قيمة قوة العمل إلى أجور وأشكال دفعها ويتطرق أيضا" إلى أختلاف مقادير الأجور بموجب اختلاف درجة التطور الأقتصادي في كل بلد. بالإضافة النزاع القائم بين العمل ورأس المال بسبب التناقض بين المصالح المادية للطرفين.

الفصل الثالث يوضح، العلاقة بين القيمة الزائدة التي يخلقها العمل وبين الربح، وتحول القيمة الزائدة إلى ربح، ويفسر ميكانزم تكوين الربح وتوسعه وتعاظمه. وفي هذا الفصل تم التأكيد على، أن الربح هو صورة محولة عن القيمة الزائدة إلا أن طريقة حسابه يختلف عن طريقة حساب القيمة الزائدة. وعلى، دور الربح التجاري في تكوين الربح الوسط، والعوامل المؤثرة على متوسط الربح، بالإضافة إلى التأكيد على ان متوسط الربح يميل إلى الأنخفاض بفعل أرتفاع التركيب العضوي لرأس المال. وإن ثمن السلعة هو صورة محولة لقيمة المنتوج.

الفصل الرابع من هذه الأطروحة يعالج، علاقة الدخل الوطني بالعمل المنتج واللآمنتج، وطرق حساب الدخل الوطني وكيفية توزيعه في بداية الأمر بين ثلاث طبقات أجتماعية أساسية داخل المجتمع ليتكون المداخيل الأساسية ومن ثم إعادة توزيع تلك المداخيل من خلال أستهلاك جزء منها من قبل اصحابها ليتكون المداخيل الفرعية للعاملين في القطاع اللآمنتج.

وعلى أساس المعطيات الواردة في الفصول السابقة لهذا الفصل تم التوصل إلى أن الدخل الوطني، هو في الحقيقة، ناتج من العمل المنتج فقط. كما وتم التأكيد، على إن أية دراسة علمية للدخل الوطني إذا لم ينطلق من تحليل المنتوج الأجتماعي تحليلا" علميا" سوف لا يتوصل إلى أستنتاجات صحيحة بغية تفسير مقولة الدخل الوطنية وكيفية تكوينه وتوزيعه.



الفصل الأول: العمل وتكوين القيمة وتحولاتها

المبحث الأول

العمل وتحليل القيمة



أولا": سياق العمل وعناصره الأساسية

يظهر دور العمل في حياة الإنسان من خلال الأنشطة والفعاليات العضلية والذهنية، التي يبذلها أثناء نشاطه الأقتصادي الهادف إلى أنتاج الخيرات المادية الضرورية لبقائه وتطوره، وتظهر ذلك من خلال التأثير المتبادل بين الانسان والطبيعة.عندما يقوم الإنسان بمختلف العمليات الإنتاجية. وترافق تلك الأنشطة والفعاليات، بالضرورة، ظهور مجموعة من العلاقات والروابط الاجتماعية، المشروطة بدرجة معينة من تطور قوى الإنتاج، تنشأ بين الناس، أثناء قيامه بعمليات الانتاج.

وبذلك فإن الخاصية الأساسية التي تتميز بها الإنسان عن الحيوان تتجسد في ذلك التأثير المتبادل والمستمر بين الإنسان والطبيعة. وينطوي ذلك على أن الإنسان مضطر دوما" ليتبادل ذلك التأثير مع الطبيعة بصفته فردا" من أفراد المجتمع. وعلى هذا فإن المجتمع هو الذي يقوم بذلك التأثير ويتحمل نتائجه في نهاية المطاف. في حين أن التأثير المتبادل، يسمى في علم الأقتصاد، بسياق العمل.، أو عملية العمل، وهذا السياق يحدث دائما" بشكل اجتماعي محدد تاريخيا" ومستقل عن إرادة الإنسان وبعكسه لا يمكن أن يظهر أي شكل من أشكال الإنتاج الأجتماعي.

وبهذا فإن العمل هو خاصية ينفرد بها الإنسان فقط، وبمجرد القول أن الإنسان يعمل، فذلك يعني أن إحدى الفوارق الأساسية التي تميزه عن الحيوان يستقر في ذلك، وكذلك يدل على أن الإنسان يستخدم مختلف الوسائل المادية في التأثير المتبادل بينه وبين الطبيعة. وهو في الوقت نفسه ( أي الإنسان ) ينظم ذلك التأثير ويراقبه. وعلى هذا الأساس فإن الإنسان ينتج ما يحتاج إليه من الخيرات المادية لكي يستهلكها لتلبية مختلف حاجاته، بيد أن الإنسان لا بد له من حيازة مسبقة للمنتوج حتى يستطيع استهلاكه وبدونه سوف لن يكون هناك أستهلاك ولا يوجد الإنتاج وسوف لا يستطيعون حتى الظهور في سياق العمل ولذلك فإن الناس يسعون دوما" بهذا الشكل أو ذاك إلى حيازة وسائل الإنتاج العاملة في سياق العمل مثل مادة العمل ووسائله. وعليه فإن حيازة وسائل الإنتاج أمر لا بد منه، « إن أي إنتاج هو حيازة الفرد لأشياء الطبيعة في حدود شكل اجتماعي معين وبواسطته. وبهذا المعنى يصح القول بأن الحيازة هي شرط الإنتاج (1)

أما عالم الحيوان فيتلائم عفويا" مع الظروف الطبيعية، ويتعذر عليه أن يتجاوز تلك الظروف. في حين أن سياق العمل يمثل النشاط الواعي والهادف للإنسان والذي يتمكن الإنسان من خلاله أن يبدلوا أشياء الطبيعة ويغيرونها وفقا" لحاجاتهم. ولكن، بالضرورة، أهداف العمل مشروطة بالطبيعة. وبهذا فعندما يقوم الإنسان بإنتاج ماهو ضروري من أشياء بالنسبة لحياته ومعيشته، فأنه يتعرف، في الوقت نفسه، على قوانين الطبيعة وأتجاه تأثيرها وبعد التعرف عليها، يتمكن من إخضاع مختلف قوى الطبيعة لإرادته وخدمة مصالحه.

عندما يقوم الناس بالتأثير على الطبيعة فأنهم في الوقت نفسه يؤثرون على أنفسهم أيضا". وعلى أثر ذلك يتطور قدرتهم على العمل ويتنامى معارفهم بماهية قوى الطبيعة وتساعدهم ذلك على سهولة استخدام تلك المعارف لتسخير المزيد، والمزيد، من قوى الطبيعة العمياء لخدمتهم. في حين إن الحاجات المتجددة والمتنامية تجر الناس دائما" إلى توسيع دائرة نشاط عملهم. وهذا بدوره يؤدي إلى تكديس التجارب الإنتاجية وتحسين سياق العمل باستمرار.وعلى هذا فإن العمل هو أهم عنصر في تطور الإنسان في ظل كل الأنظمة الاقتصادية، لا، وبل، فإن العمل هو الذي أوجد الإنسان نفسه.« العمل هو خالق الثروة وخالق الإنسان (2) حيث أن الإنسان يؤثر على مواد الطبيعة وهذه المواد في سياق العمل يشكل موضوعا" للعمل. أما مادة العمل التي تخضع لتأثير الفعل الإنساني، فيسمى بالمادة الأولية

إن مادة العمل هي مقولة تاريخية. فأثناء تطور المجتمع البدائي كان نطاق الأشياء التي تدخل في مادة العمل محدد للغاية. أما في المجتمع الحديث فإن نطاق تلك الأشياء قد توسع بشكل مذهل.

ولكن الناس لا يؤثرون على الطبيعة من خلال عملية العمل باستخدام اليدين فقط، بل يقومون بذلك من خلال أستخدام وسائل العمل التي أوجدها في الطبيعة. ومن أهم تلك الوسائل هو أدوات العمل. وبذلك فإن تلك الأدوات تقوم بدور الوسيط بينه وبين مواد العمل وهي تساعده، في نفس الوقت، على التأثير في هذه المواد.

إن التكنيك هو المؤشر الأساسي على مستوى تطور قوة العمل وودرجة سيطرته على قوى الطبيعة ومستوى إنتاجيتها و« نفهم إنتاجية العمل على أنها فعالية ( وثمرة أو فائدة ) عمل ما، عند مستوى معين من تطور التكنيك ووسائل الإنتاج (3) وبهذا فمع تحضير أدوات العمل تنشأ التمييز بين الإنسان وعالم الحيون. حيث أن أدوات العمل، التي لا يمكن من دونها القيام بعملية الانتاج، هي دائما" منتوج للعمل الماضي. وعليه فإذا فقدت هذه الأدوات إمكانية امتصاص العمل الحي، فستفقد أي معنى لها من الناحية الاقتصادية. وبهذا فإن أدوات العمل ومادة العمل يشكلان معا" وسائل الانتاج الاجتماعية. وبنفس المعنى فإن نشاط الإنسان أو عمله من دون وسائل الانتاج سوف لا يمكن لها من أن يمارس أي تأثير يذكر.

يقوم الإنسان بتكييف مادة العمل وفق حاجاته وأثناء قيامه بمختلف العمليات الانتاجية يخلق الخيرات المادية، التي تمثل منتوج العمل. وبهذا فإن النشاط الإنساني، يتحول بالضرورة، إلى عمل منتج ويصبح سياق العمل سياقا" للانتاج، وبهذا الصدد يقول ماركس « إذا اعتبرنا مجموع هذه الحركة من حيث نتيجتها، أي المنتوج، فوسيلة العمل وغرضه يظهران عندئذ، بمثابة وسائل انتاج، والعمل نفسه بمثابة عمل منتج (4).

إن ما تم ذكره هو بصورة عامة، جوهر العمل وخصائصه ومؤشراته العامة بغض النظر عن اختلاف طبيعة الأنظمة الاقتصادية المتعاقبة تاريخيا".

ثانيا": تحديد يوم العمل

إن يوم العمل: هي تلك المدة التي يضع فبها العامل قواه الجسدية والذهنية لخدمة صاحب العمل، أثناء دورة الانتاج لتندمج مع وسائل الإنتاج بغية الخيرات المادية، أو الخدمات الشخصية في مختلف المؤسسات الأقتصادية بغض النظر عن طول تلك المدة، قصرها. ولكن « في جميع الأحوال، إن يوم العمل،أقل من يوم طبيعي (5). وبما إن يوم العمل ليس مقدارا" ثابتا"، بل أنه متغير. فإن تبدله سيكون محصورا" ضمن حدود معينة. كما وأنه ليس هناك مجالا" للنص يوكد على الحد الأدنى للعمل، أو ليوم العمل. في حين يمكن القول بأن ذلك القسم من يوم العمل الذي يجدد فيه العامل قوة عمله هو الحد الأدنى ليوم العمل. ولكنه يجب أن نعلم بأنه إذا اقتصر عمل العامل على ذلك الحد فقط فأنه سوف لا ينتج قيمة زائدة لصاحب العمل، « وعلى هذا الأساس إن الوقت الذي يعمل العامل خلاله هو الوقت الذي يستهلك خلاله الرأسمالي قوة العمل التي إشتراها فإذا إستهلك العامل الأجير، لنفسه الوقت المتيسر له، يكون قد سرق الرأسمالي (6). وبذلك فإن يوم العمل لا يمكن على الإطلاق أن يتقلص إلى ذلك الحد الأدنى من يوم العمل. بيد أن ليوم العمل حدا" أعلى ذات طبيعة مزدوجة:

أ ـ جسمانية.

ب ـ اجتماعية.

إن بمقدور الإنسان أن ينفق خلال يوم العمل حدا" معينا" فقط من قواه الجسمانية. وفي، نفس الوقت، لا يمكن على الاطلاق أن يشتغل العامل على امتداد 24 ساعة في اليوم. ذلك لأنه يجب على العامل أن ينال وقتا" محددا" ليجدد فيها قوة عمله، أي أنه يحتاج إلى فترة معينة للراحة والنوم وتناول الغذاء. وعليه فإن كل ذلك يتطلب حدا" فيزيكيا" ليوم العمل. وعلى هذا الأساس فإن إطالة يوم العمل يصطدم دوما" بحدود طبيعية أخلاقية وكذلك بالحدود الاجتماعية المشروطة بدرجة التطور الحضاري والأجتماعي في كل بلد أيضا". حيث أنه لا بد للعامل من وقت محدد للقيام بمختلف حاجاته الحياتية والروحية والفكرية، وبهذه الصورة يتم تحديد يوم العمل المعنوية والاجتماعية. ولكن تبدل يوم العمل من حيث الطول يتم وفقا" للحدود الفيزيكية، أي وفقا"، للطبيعة الجسمانية للعامل وكذلك بالحدود الاجتماعية المذكورة أيضا". غير أن هذه الحدود تتفاوت من حيث الأبعاد والمدد.

أما بهذا الصدد، فإن صاحب العمل يقوم في سوق العمل بشراء قوة العمل بقيمتها اليومية، ( وسيتم توضيح هذه المسألة لاحقا" )، ومن ثم يقوم باستخدام هذه القوة باعتبارها قية استعمالية خلال يوم العمل. ومن الطبيعي أنه سيحاول أن يسلب من العامل أكبر ما يمكن من العمل الفائض وسيحاول إطالة يوم العمل إلى أبعد الحدود.

ولكن صاحب العمل يصطدم دوما" في مساعيه الهادفة إلى إطالة يوم العمل بمقاومة العمال الذين يكافحون هم بدورهم بغية تقصير مدة العمل إلى أدنى حد ممكن، أو جعلها في حدودها الطبيعية. حيث أن كل ما يملكه العمال في هذا الأثناء هي قوة عملهم ولهذا السبب فينصب كل اهتمامهم على استخدام هذه القوة في حدود معينة. فأنهم يستخدمون حقهم كبائعين لقوة العمل ويساعدهم ذلك في النضال من أجل جعل يوم العمل في حدوده الطبيعية. أما صاحب العمل فيستخدم حقه كمشتري بغية إطالة يوم العمل إلى ما هو أبعد من حدوده الطبيعية. ولكن تنظيم يوم العمل يبرز في تاريخ النظام الاقتصادي الرأسمالي، كنضال من أجل تحديد مدته، كنضال بين الرأسمالية عموما"، أي طبقة الرأسماليين من جهة، وبين العمال بصفة عامة، أي العمال بوصفهم كطبقة اجتماعية من جهة أخرى. وبهذا فإن الطول الواقعي ليوم العمل يتحدد على أعقاب ذلك النضال الطبقي بين الرأسماليين والعمال. « ومن الجهة الاخرى فإن الطبيعة الخاصة للبضاعة المباعة تقتضي أن لا يكون استهلاكها من قبل المشتري غير محدود، والعامل بحكم حقه، كبائع، يدافع من أجل أن يحصر نهار العمل في مدة محدودة بصورة طبيعية، فثمة هنا ـ إذن ـ تناقض بين قانونين قانون إزاء قانون، وهما كلاهما يحملان سمة القانون الذي ينظم تبادل البضائع. وبين قانونين متساويين، إذن فمن منهما هو الذي يحكم ؟ القوة. لهذا السبب كان ضبط نهار العمل بقوانين يعرض ذاته في تاريخ الانتاج الرأسمالي بمثابة نضال تاريخي في سبيل تحديد يوم العمل بحدود، وهو نضال بين الرأسمالي، يعني الطبقة الرأسمالية، والشغيل، يعني الطبقة العاملة (7).

إن النضال في سبيل يوم العمل قد عرف من خلال مرحلتين :

أ ـ مرحلة إطالة يوم العمل بفعل القانون.

ب ـ مرحلة تقليص يوم العمل وتحديده، أيضا"، بالقانون.

ففي المرحلة الأولى تمت إطالة يوم العمل، عندما كان اسلوب الانتاج الرأسمالي لا يزال في مرحلة النشوء، فعمدت الدولة على إطالة يوم العمل عن طريق القانون، ونصت على مدة تواصله.

فكما هو معلون إن اسلوب الانتاج الرأسمالي قد ولد من أحشاء النظام الاجتماعي الاقطاعي. وهو في البداية لم يغير شيئا" من عملية العمل. حيث أن كل ما فعله هو استخدام تكنيك الحرفة القديمة القائمة على العمل اليدوي. وفي هذه المرحلة لم يظهر بعد اسلوب الانتاج الرأسمالي بالمعنى التاريخي للكلمة، لأن الرأسمالية تطورت عند بدأ ظهورها، على أساس التكنيك الحرفي. ذلك التكنيك البدائي الذي لم يكن يسمح في زيادة صنع المنتجات من غير إطالة يوم العمل. في حين لم يتمكن الفلاحين والحرفيين الذين حرروا بالقوة من وسائل انتاجهم أن يتحدوا دفعة واحدة مع انضباط العمل الرأسمالي لهذا « كانت إطالة يوم العمل هي الوسيلة الأساسية لزيادة استثمار الرأسماليين. للعمال، والسمة المميزة لتلك المرحلة. كانت السلطات الملكية الانكليزية، منذ المنتصف الثاني من القرن الرابع عشر، وحتى المنتصف الثاني للقرن الثامن عشر، تصدر القوانين المطيلة ليوم العمل، وتفرض الانضباط الرأسمالي للعمل، وعلى هذا المنوال سارت الأمور في البلدان الاخرى (8). إلا أن أطول إطالة لمدة العمل حدثت مع نمو الصناعة الآلية الكبيرة، حيث كان كل رأسمالي يعمد، مع إدخال التكنيك الآلي في العمليات الإنتاجية، إلى إطالة يوم العمل خارقا" بذلك كل الحدود المعنوية والفيزيكية للعمل.

وبذلك فإن الرأسمالي، من حيث تعطشه الذي لا يرتوي أبدا"، إلى القيمة الزائدة، يستخدم فضلا" عن إطالة يوم العمل المباشر، وسائل أخرى أيضا"، لينال قيمة زائدة أعظم. حيث إن أصحاب العمل كانوا ينهبون العمال بوضوح فقاموا بتقصير الفترة المخصصة للوجبات الغذلئية أثناء عملية الانتاج، كما وأجبروا العمال على البدء بالعمل قبل أوانه وعلى إنهائه بعد مدته المقررة، وذلك بغية إعداد الآلات والأدوات والمواد، لعملية الانتاج في أوقات اضافية.حتى لا تكلفهم شيئا" وكان كل رأسمالي يحاول استخدام وسائل انتاجه باستمرار ودون توقف، ذلك لأن هذه الوسائل تقوم بوظيفة امتصاص العمل الحي باعتباره رأسمالا"، لأنه بعكس ذلك سيكون الراسمالي مجبرا" على تحمل بعض الخسائر بشكل مباشر، وهذا ما يدفعه إلى تبني نظام الشفتات أو التناوب على العمل الليلي. وكان هذا العمل في الليل يؤثر تأثيرا" كبيرا" على صحة العمال.

يتجه الرأسمالي إلى استثمار قدرة العامل على العمل في كل ساعة ممكنة، لا وبل في كل دقيقة ممكنة، كما ويميل إلى إطالة يوم العمل بمختلف الذرائع. وكما هو معلوم فأن استغلال الطبقة العاملة بشكل مفرط وإطالة يوم العمل إلى ما فوق حدوده الطبيعية يؤدي إلى هدم قوة العمل إلى حد كبير وبطبيعة الحال يزداد على أثر ذلك معدل الوفيات بين العمال، وبالإضافة إلى ذلك يؤدي أيضا" إلى قصر معدلات أعمارهم.

أما مرحلة تقليص يوم العمل بالقانون. فقد بدأت مع تزايد الطبقة العاملة من حيث الكم، وتشكلها كطبقة اجتماعية، وتزايد وعيها الطبقي، الذي أدت بدورها إلى اشتداد مقاومة العمال وازديادها أكثر فأكثر من أجل تقليص يوم العمل بشكل قانوني « فما أن استشعرت الطبقة العاملة التي أصمها ضجيج الانتاج، بوجودها بعض الشيء، حتى بدأت مقاومتها، وقبل كل شيء في انكلترا، أرض الصناعة الضخمة (9) وعلى هذا الأساس فإن مدة العمل يتحدد عمليا" وفي كل مرة بموجب نسبة القوى الطبقية ونضال الطبقة العاملة المستمر ضد الرأسماليين. ومع تعاظم مقاومة العمال المنظمة أصبح من الصعب بالنسبة للراسماليين أن يزيدوا القيمة الزائدة بمعدلات أكثر فأكثر، من خلال إطالة يوم العمل.

وبهذا فإن يوم العمل ينقسم إلى قسمين، ففي أحدهما يجدد العامل انتاج قيمة قوة عملهم، وفي الثاني ينتج القيمة الزائدة للرأسمالي. حيث أن ذلك القسم من يوم العمل الذي يجدد فيه العامل انتاج قيمة قوة عمله، يسمى بالوقت الضروري للعمل، في حين أن العمل الذي ينفقه العامل من أجل انتاج القيمة الزائدة للراسمالي فيسمى بمدة العمل الفائض.



الهوامش:



(1) ماركس . أنجلس, "المؤلفات"، الجزء 12، ص 713, موسكو 1988

(2)أنجلس, "دور العمل في تحول القرد إلى إنسان"، ص 11 موسكو 1972.

(3) م. سنك, "أقتصاديات المنشأة الصناعية الأشتراكية"، ص 16 بغداد 1977.

(4) ماركس, "رأس المال"، ص 723، بيروت 1982

(5) ج. كورسيل, "المشروعات الصناعية", ص 63، باريس 1857

(6) ن. لانغيه, "نظرية القوانين المدنية"، الجزء الثاني، ص 96، لندن 1767

(7) ماركس، المصدر السابق ص 320

(8) مجوعة من الأساتذة السوفييت, "الاقتصاد السياسي"، ص 416، بيروت 1973

(9) ماركس، المصدر السابق، ص 284



متابعة البحث في الاعداد القادمة