نظرية الديمقراطية المغربية : حقيقة المجتمع المدني المغربي - تابع –


بلكميمي محمد
2008 / 10 / 23 - 08:25     

ان العمل المصروف في انتاج السكر ، هو عمل ملموس . هذه اذن هي النتيجة الاولى لذلك التحليل وهذا هو الوجه الاول للمسالة .
قلنا العمل الملموس ، لكن ماهو العمل الملموس ؟ انه هو قوة العمل المتحركة صوب انتاج منتوج معين . وما هي الطاقة المحركة لقوة العمل تلك ؟ انها هي العضلات والاعصاب التي يستهلكها ويحرقها جسم العامل ، من اجل توليد تلك الطاقة .
الاصل اذن هو الاعصاب والعضلات ، التي هي بمثابة الوقود لتوليد طاقة العمل ، ان طاقة العمل ، في منشئها الاصلي ، هي اذن طاقة مجردة غير مرتبطة بشكل محدد للعمل . ولذلك فان ارادة العامل ، هي التي تضفي عليها شكل العمل المجسد في السكر ، او المجسد في القطران فقبل ان يصبح العمل ملموسا ، كان اذن مجردا ، والمجرد هو هو حقيقة الملموس وجوهره .
لكن لايجب الفهم من ذلك القول ، بان هناك نوعين من العمل : عمل ملموس والآخر مجرد ، بل هناك عمل واحد فقط ، انما هو متعارض مع ذاته ومنقسم على نفسه بين قطب ملموس وقطب مجرد . ان قطعة السكر هي في نفس الوقت ، نتاج لعمل مجرد ولعمل ملموس . لعمل مجرد : « قوة العمل الضرورية لانتاج السكر تتطلب في حد ذاتها استهلاك كمية معينة من الاعصاب والعضلات ، لتوليد طاقة العمل كعمل في حد ذاته . ولعمل ملموس : لان العامل وضع نصب عينيه تحقيق هدف محدد ، هو انتاج السكر .
ان الخلاصة النظرية العامة ، التي يجب استخلاصها من التحليل السابق ، هي التالية : لايجب النظر الى قطعة السكر بنظرة واحدة الجانب ، بل النظر اليها في انشطارها الى اثنين متعارضين . النظر اليها في وحدتها المتناقضة .
هذه خلاصة حاسمة على الصعيد المعرفي . وعلى فهمها يتوقف فهم كل العرض اللاحق . لذلك من المستحسن ، ومن اجل المزيد من ترسيخها في الذهن ، توضيحها ببعض الامثلة المركزة الملموسة .
ان التفاحة ، مثلا ، التي اعضها واتلذذ باكلها ، هي بالنسبة لي ، في صورتها المباشرة ، مجرد كيف ، لكن وراء الكيف الظاهر المباشر ، يوجد الكم الباطن اللامباشر . فالتفاحة قبل ان تكون كبفا ، هي في الاصل كم . وهذا الكم يعبر عن نفسه بواسطة ملايير الملايير من الذرات التي تتشكل منها التفاحة .
مثال اخر : المثلث . في صورته المباشرة ، هو شكل هندسي مكون من اضلاع وزوايا ومساحة . لكن وراء تعبيره الهندسي المرئي الملموس ، يوجد تعبيره الرياضي المجرد الذي هو : نصف حاصل ضرب القاعدة في الارتفاع .
مثال اخر : في القرن التاسع عشر ، الف الموسيقار النمساوي يوهان شتراوس ، موسقى فالسية سماها : الدانوب الازرق الجميل ( نسبة الى نهر الدانوب المار من فينيا ومن عواصم اوربية اخرى ) ان فالس شتراوس هذا ، كله يقطر جمالا ومرحا وسلاما ، لكن وراء الدانوب الازرق الجميل ، يوجد الدانوب الاحمر القبيح ، الذي صنعته دماء الحروب الاوربية المدمرة ، من نابليون الى بسمارك .
ويمكننا ان نستمر في جرد هذه الامثلة ، بدون ان نصل الى نهاية ، لان كل ماهو موجود – بالمطلق- هو عبارة عن وحدة ضدين .
والان لنعد الى مجتمعنا المدني المغربي .
في صورته السطحية المباشرة ، ان المجتمع المغربي هو كل مظاهر حياة المجموعة البشرية المشكلة له . لكن ماذا وراء السطح ؟ .
ان المجتمع المدني المغربي ، لكي يوجد ويستمر في الوجود ، لابد له من وسائل العيش المادي والروحي . لكن وسائل العيش تلك هي بدورها في حاجة الى من ينتجها .. في حاجة الى وسائل الانتاج .. اين توجد وسائل الانتاج هذه ؟ انها من حيث الاساس ، ليست تحت مراقبة المجتمع المدني ككل ، بل تحت سيطرة طبقة اجتماعية هي البورجوازية . واذن فالبرجوازية هي القطب الثاني النقيض للاول لان ما وراء المدني يوجد الطبقي . وما وراء السطح الملموس ، يوجد العمق المجرد . معنى هذا ان المجتمع المدني يمكن تجريده في طبقته السائدة .
لكن ذلك التجريد الطبقي هو شيء مثالي ، موجود فقط في الخيال والفكر والتحليل ، اما في الواقع فان الطبقة المجردة لا وجود لها ، لانه يستحيل فصلها عن جسم المجتمع المدني الذي توحدت معه توحدا تاما . بهذا المعنى يصح القول بان المجتمع المدني هو طبقته السائدة ، وان الطبقة السائدة هي المجتمع المدني ولذلك فان الوسيلة الوحيدة لفصل الطبقة عن المجتمع ( وهو شرط ضروري لامتلاك الواقع بشكل ملموس ) ، هو التجريد . من هنا رغم ان التجريد شيء مثالي ، لا وجود له خارج دائرة الفكر ، الا انه تجريد يعكس واقعا فعليا .
والخلاصة : ان الطبقة السائدة – التي تعارض ، وتتميز عن وتختلف عن المجتمع المدني المغربي ، لكن في نفس الوقت تتوحد معه توحدا مطلقا -- هي حقيقة المجتمع المدني المغربي . وهذا الاخير هو وحدة الملموس ( المدني ) والمجرد ( الطبقي ) .