أزمة الرأسمالية ونجاح الاشتراكية


فنزويلا الاشتراكية
2008 / 10 / 21 - 09:27     

بالرغم من الضرر الذي ألحقته الأزمة المالية بأسعار النفط فإنها قد أفادت الثورة الاشتراكية بحثها على العمل الثوري نحو دولة التصنيع كما قدمت شهادة فشل الرأسمالية ووضعتها بين يدي أنصار الثورة الذين يحملون من نجاحاتها في كافة القطاعات ما يضاهي نجاحات الرأسمالية ليتقدموا بثبات وعزم نحو الترويج لبديل جديد، بديل اشتراكية القرن الواحد والعشرين !
"ارقد بسلام" قالها الرئيس تشافيز لبنك "ليمان بروذرز" رابع أكبر بنك استثماري في الولايات المتحدة الأمريكية. البنك المذكور اعتاد أن يوجه انتقاداته لفنزويلا مصنفاً، وفق معاييره الخاصة، بلاد بوليفار دائماً في المراتب الأخيرة من حيث التشجيع على الاستثمار فيها معتبراً أن حكومتها لا تحترم العقود من خلال قيامها بعمليات التأميم "المجحفة" بحق المستثمرين. كما كان يشكك بالنمو الاقتصادي الفنزويلي الذي وبحسب البنك المفلس يعتمد على النفط بشكل أساسي، لكن من الواضح أن المفلسين ركزوا انتقاداتهم باتجاه فنزويلا "ونسووا أنفسهم..ثم (بووم) أفلسوا" حسب تعبير الرئيس تشافيز.

الأزمة المالية العالمية، أو الأصح أن نقول "أزمة الرأسمالية العالمية"، لن تصيب فنزويلا التي ومنذ عام انفصلت رسمياً عن البنك وصندوق النقد الدوليين بتسديدها كل الديون المستحقة عليها والتي كان بإمكانها أن تستمر بتسديدها حتى العام 2012، إلا أن الرئيس تشافيز كان قد اتخذ قراره بتخليص فنزويلا من لعنة المقامرات الرأسمالية العالمية وبالبدء تدريجياً وبشكل مخطط بتحصين فنزويلا وكذلك القارة اللاتينية من أي أزمات مالية وجعلها مستعدة دوماً لمواجهة تحديات قد تهدد وجود الحكومات الديمقراطية فيها التي لن يستمر وجودها في أمريكا اللاتينية في حال سادت الفوضى التي لن تتوانى القوى المعادية للديمقراطية عن استثمارها بالانقضاض على النظم الديمقراطية الثورية تحديداً لتعيد مجدداً إلى القارة نظم الحكم العسكرية القمعية.
الأثر السلبي الذي قد يصيب الاقتصاد الفنزويلي هو الانخفاض المستمر في سعر النفط، إلا أن الرئيس تشافيز طمأن إلى أن "هذا ليس بالأمر الجديد" وأن مايحدث لم يصل بعد إلى خانة الخطر، منبهاً إلى أن حكومته تتابع التطورات الخاصة بأسعار النفط بشكل دقيق لتتمكن من معالجة أي معضلة قد تواجهها. وقد أثار هذا "الأثر السلبي" على الاقتصاد دافعاً جديداً نحو ضرورة تحويل فنزويلا إلى دولة صناعية، وهو طريق تسلكه حكومة الرئيس تشافيز انطلاقاً من أسس تعتمد على رؤية مستقبلية وطبقية. فكما أن النفط ينظر إليه كثروة وطنية وذخيرة مالية لتطوير فنزويلا والقارة ومساعدة مناطق الفقر في العالم، فإنه يثير القلق باتجاه إيجاد بدائل لتنويع سلة فنزويلا الإنتاجية، وبما أن الثورة الفنزويلية هي ثورة اشتراكية تعي بأن الطبقة العاملة وحدها هي القادرة على قيادة الثورة نحو الأمام بشكل مستمر فقد تم التركيز على التحويل الصناعي لزيادة عدد أفراد هذه الطبقة من جهة ولتحسين مستواها المعيشي من جهة أخرى لتكون على قدر المسؤولية بتولي مهامها الثورية الوطنية والقارية والأممية.

إن التركيز على الأزمة الحالية وكأنها مجرد "أزمة مالية" دون الإشارة إلى أنها أزمة الرأسمالية إنما يراد به الترويج لليأس والاستسلام للرأسمالية الأبدية، وترسيخ المعتقد القائل بأنه ما من بديل للرأسمالية وأن المشاكل التي تعاني منها البشرية إنما هي مشاكل حتمية لا يمكن تجاوزها وتخطيها نحو مستقبل أفضل. لكن المطلعين على أحداث الثورة الفنزويلية والتغييرات التي تحدث في القارة اللاتينية يدركون على الأقل أن الرأسمالية لم تحقق نصرها النهائي وأن التاريخ لم ينتهي بوجود الثورة الاشتراكية في فنزويلا التي تقدم خيارات اقتصادية ليست فقط خالية من مآسي الرأسمالية بل حتى باتت ولأول مرة تقدم نموذجاً بديلاً وأكثر نجاحاً.

دولة السوق الحر، الدولة التي تقاس ديمقراطيتها بمقدار امتناعها عن التدخل في تسيير الشؤون الاقتصادية، أقحمت نفسها فيها لحد أن النيويورك تايمز نشرت مقالا تحت عنوان "الاشتراكية، أنموذج القرن الواحد والعشرين" ليصف ما قامت به دولة المذهب الحر بتأميمها للبنك المفلس. إلا أن التأميم الذي تقوم به حكومة تسيرها رؤوس الأموال يختلف تماماً عما تقوم به حكومة تقودها مصلحة الفئات الفقيرة.
فالمبلغ الهائل الذي ضخته حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لمحاولة تفادي الأزمة، إنما هو مبلغ سيؤخذ من جيوب الطبقة العاملة الأمريكية ويدفع لإعانة الأثرياء على الاستمرار بسيادتهم الاقتصادية. إن تقديم هكذا مبلغ هو لطمة على كلا خدي البروليتاريا الأمريكية، فمن جهة سيتعرض الكثير من الأمريكيين للطرد من أعمالهم، إذ بحسب النيويورك تايمز إن 6 ملايين أمريكي مهددون بخسارة أعمالهم خلال الخمسة عشر شهراً القادمة، ومن جهة أخرى فإن هذه الطبقة ستسدد لحكومة الأقلية الثرية الخسائر التي لحقت بها عن طريق الضرائب العمياء التي تساوي بين من يمتلك ملايين الدولارات ومن هو مدين بآلاف الدولارات. فحل الأزمة، بدء بتأميم بنك خاسر، وانتقل لضخ مبالغ طائلة من جيوب المواطنين الأمريكيين لصالح المقامرات الرأسمالية.

أما على الطرف الآخر، الطرف الاشتراكي، الطرف الذي تقود فيه السياسة حكومة عمالية، يتم فيه اتخاذ قرارات التأميم والخطوات التدخلية في سير العملية الاقتصادية بناءً على مصلحة الغالبية الفنزويلية التي انتخبت تلك الحكومة. فمثلاً، شركة الاتصالات الفنزويلية CANTVتم تأميمها بتكلفة بلغت 1,6 بليون دولار أمريكي، ولم يكن التأميم مجحفاً كما كان يردد عملاء البنك المفلس، إذ بعد التأميم تم تسيير الشركة بما يضع مصلحة المواطن الفنزويلي أولاً، ولم يكن هذا فقط بل حققت الشركة أرباحاً هائلة خلال السنة الأولى من الإدارة الحكومية لها، فقد بلغ ربحها الصافي في العام الأول 400 مليون دولار أمريكي، فحقق التأميم كل الغايات المرجوة منه، وكان أفضل من الملكية الخاص من كافة النواحي، إذ زاد من دخل الخزينة الحكومية وقدم خدمة أفضل للمواطنين بما لا يقاس وحقق أرباحاً ممتازة، فكان مثالاً للتدخل الحكومي لأجل من انتخب الحكومة لا لإنقاذ قصور الرأسمالية من الهلاك والإبقاء على الجسد الكهل المتعب حياً وبأي طريقة ممكنة عن طريق سرقة الأموال من الطبقة العاملة مرتين: مرة عن طريق الضرائب ومرة بسرقة حقها فيما تنتج بنفسها.

إن التأميم الاشتراكي في فنزويلا، يتم وفقاً لشروط وأسباب عدة، وإن مصالح البرجوازية ليست على تلك القائمة.ونحن هنا أمام مسألة بالغة الأهمية حتى وإن عمل الإعلام الرأسمالي على إخفائها، هي أن الرأسمالية العالمية قد وقعت في أزمة جديدة سيدفع ثمنها من لم يرتكبها، في وقت يتواجد فيه نظام لا يدعي العدالة بل يحققها فلا تتحمل فيه طبقة الغالبية أخطاء طبقة الأقلية، ولم يتوقف عند ذلك بل كان حتى من الناحية الاقتصادية أكثرنجاحاً، وهو ديمقراطياً أكثر ديمقراطيةً بما لا يقاس. وبذلك لم يتبقى للرأسمالية ما تتباهى به على اشتراكية القرن الواحد والعشرين، لم يتبقى لاقتصاد موضوع بين أيدي "مضاربين" ما يتنطح به، لقد تراجع سياسياً واقتصادياً أمام البديل الجديد.

علق الرئيس تشافيز مقتبساً من البيان الشيوعي المقطع الذي جاء فيه أن شبح الشيوعية يجول في أوروبا مستهزئاً بالرأسمالية وما أصبحت عليه اليوم قائلاً: "حسناً، علينا أن نقول اليوم أن خيالاً يجول في هذه البلاد، تحديداً أمريكا الشمالية، خيال الرأسمالية والنيوليبرالية"، فبحسب الرئيس، إنه ما من حل للأزمة بوجود الرأسمالية المنهكة التي لم يتبقى منها إلا الخيال والوهم بالنسبة لمؤيديها في حين أن اشتراكية القرن الواحد والعشرين تتهدد ما تبقى للولايات المتحدة من بقايا متناثرة في القارة الجارة الجنوبية وبدأت بنشر أفكارها في بقاع أخرى من العالم لتعيد الأمل لشعوب تعمدوا إعمائها بأوهام الرأسمالية وإغفال وجود بديل اشتراكي أكثر نجاحاً.