مجرد المساس بقدسيّة قوانين السوق لا يعني الإشتراكية!


سنان أحمد حقّي
2008 / 10 / 21 - 09:13     

الإحتكار ! هو أوّل من يعبث بقوانين السوق ويُعطّل قوانين العرض والطلب، في سبيل التحكم بالأسعار السائدة في السوق لغرض تحقيق أكبر الأرباح.
نعم !إن الإشتركيّة تعني فيما تعنيه الحط من قدسيّة قوانين السوق وقوانين العرض والطلب وما إلى ذلك وبالرغم من أنني لست اقتصاديا فإنني اعلم أن الإحتكار مثلا هو نوع من أنواع تجاوز قوانين السوق والعرض والطلب أيضا كما أن هناك نمط آخر من الرأسماليّة يُدعى رأسماليّة الدولة وهو المطب الذي وقع فيه معظم الذين تبنّوا أفكار الإشتراكيّة وخصوصا أولئك الذين حاولوا الإنتقال من نمط الإنتاج الإقطاعي أو اقتصاد الرعي إلى الإشتراكيّة لأنهم لم يجدوا طبقة رأسماليّة قد نشأت بعدولا قاعدةً صناعيّة متقدّمة، واعتقدوا أن بإمكانهم أن يقوموا بمهمة خلق طرق وسطى أو بديلة أو (Short Cut) للخروج إلى فجر الإشتراكيّة وتجاوز القهر الإجتماعي الذي كان يضرب أطنابه في بلدانهم.
إن النظام الإقتصادي الرأسمالي كما يعرف أهل العلم يُتيح ملكيّة أدوات الإنتاج لأرباب العمل ويحمي رؤوس الأموال بل ويقدّسها وبستغل العمال استغلالا أمثلَ بل وأقصى لتحقيق أعلى الأرباح وفي الوقت نفسه طرح الفكر الإشتراكي إمكانية تفادي القهر والأستغلال عن طريق تمليك وسائل الإنتاج إلى المستحقين الشرعيين وهم قوى العمل أو الطبقة العاملة وفق منطوق ومفهوم نظرية ماركس بشأن فائض القيمة بسبب من كون العمل هو أساس قيمة كل سلعة وبضاعة أو بتعبير آخر فإن قيمة كل سلعة هي مقدار العمل المبذول في إنتاجها،
وقد تنبّأ ماركس بان الرأسماليّة ستخوض كل ما يمكنها من صراعات من أجل مواجهة مصيرها (المحتوم) عندما ستُحاول أن تحتكر الأسواق فتتحول إلى الكولونياليّة وأن الإشتراكيّة برأيه (ماركس طبعا) ستقوم بتطبيق نفس المفاهيم التي تنطلق منها الرأسماليّة عندما تبلغ ذروتها فتقوم بعملية احتكار للسوق مشابهة عن طريق تأميم وسائل الإنتاج وتعمل على إلغاء قوانين السوق وتّخضعها إلى عمليّة مغايرة تقوم على أساس من اعتبار أسعار السلع بموجب ما مبذول فيها من عمل في سبيل إنتاجهاوهناك ستتوقف قوانين العرض والطلب أو ما يُسمّى بقوانين السوق بسبب التدخل في تصميم عمليّة الإنتاج وفق تخطيط ودراسة تحليليّة من طراز جديد، لا سيما وأن ما يُدعى قوانين السوق ستواجه نهايتها في كل الأحوال سواء بالإحتكار أو بما ذكرنا على يد الإشتراكيين .
ولكن المطب الذي وقع فيه كثير من مريدي تطبيق الإشتراكيّة قبل أوانها جعلهم يقعون في ما يُدعى برأسمالية الدولة إذ اعتبروا أن مشاركة الدولة في رأسمال المؤسسات الإنتاجيّةكليا أو جزئيا سيحل محل تمليك وسائل الإنتاج للعمال وهكذا وشيئا فشيئا أصبحت الدولة هي ربّ العمل ونما وتطور طفيليون جدد يقومون ويعيشون على جهود العمال والمنتجين الحقيقيين كما أن الدولة أصبحت مستغلاًّ كبيرا وبالتالي مضطهدا لحقوق العمال وأصبح من اليسير أن تُصبح رب عمل أو على الأقل أن تتمتّع بمميزات أرباب العمل الرأسماليين في اللحظة التي تحظى فيها على أمر إداري بتعيينك رئيسا لمجلس إدارة أو مديرا عاما لأحد المؤسسات الإنتاجيّة ولن يحتاج هذا الأمر إلى رأسمال بل إلى ورقة مطبوعة فقط
وقد ساهم أولئك الرأسماليون الطفيليون في اضطهاد العمال أبلغ اضطهاد بسبب تحججهم بالدفاع عن المصلحة العامّة ومصالح البلاد وثروات الشعب وبدأوا يُطالبون العمال بالواجبات أولاًوبذلك قلبوا لقوى الإنتاج ظهر المجنّ! وسوى ذلك كثير، وبذلك خسر العمال قضيتهم ومصالحهم بدون أن يكسبوا شيئا بالمقابل وكل ما حصل هو أن أصبح هناك راسمالي أو رب عمل واحد كبير مدجج بالسلاح ،يصعب اقتحام إرادته وليس كما كان أيام وجود أرباب عمل متعددين واتجه هؤلاء إلى بناء أنظمة دكتاتوريّة لضمان بقائهم على هرم السلطة أطول فترة ممكنة، وهكذا تنامى صنع الديكتاتوريات في العالم ، فقد وحّد نظام رأسماليّة الدولة كافة أرباب العمل في جهة واحدة قوية واعطاها سوطا وسلاحا لا يُقهر بسهولة.
إن ما يحدث اليوم من مشاركة الدول في رأسمال المصارف التي تُعاني من أزمات مالية يعطي النظام الرأسمالي العالمي فرصة مؤسفة لنمو رأسمالية السلطة وليس خطوة ذات صفة اشتراكيّة أبدا وهذا الأمر سيدفع بالنظام الرأسمالي العالمي نحو التفكير بالعودة إلى النظام الكولونيالي البائد لأنهما يشتركان في كون النظام الإقتصادي العالمي يجب أن يُعبّر عن مصالح أرباب العمل وأن النيل من قوانين السوق والعرض والطلب إنما هو بسبيل إقامة أو إعادة أنظمة الإحتكار الإستعماريّة!وهو النظام الكولونيالي المقبور!وسيصبح رأس المال بيد السلطة فوق ما كانت السلطة بيد رأس المال وقد يتّجه العالم إلى عصر الكولونيالية العالميّة وتقاسم ثروات العالم من مواد خام ومن قوى عمل !..إلخ
هذه مجرّد وجهة نظر ، وتحذير فقط وتنبيه! رغم أنني أرى أن ما يحتاجه النظام الإقتصادي الحالي هو توفر بعض القيم الأخلاقيّة والتي بدونها سيتحوّل الأمر إلى عمليات سرقة وانحرافات وفساد فائق في ظل العمل الإفتراضي الواسع والذي يُدعى النظام المالي العالمي الحالي.
وعلينا أن نتذكّر أن أسلافنا كانوا يؤكدون أن الثقة هي اساس التجارة ونحن اليوم نسخر من كل من يضع ثقته في أي جهة وهذا يوضّح حجم ما فقدناه في ظل الفساد العالمي الواسع والإحتيال المتنوع من أسس اخلاقيّة وهذا ما نحاول أن نبين في بعض جوانب مقالنا هذا.