الماركسية بين الهداية والغواية- ثورة أكتوبر في ميزان البدايات.


غسان المفلح
2008 / 10 / 20 - 08:59     

هل الماركسية نسبة لشخص أم هي دوائر تتسع من المفاهيم وكأنها دوار بحر نابذ نحو الخارج؟ هل هي قوة مفاهيمية من خارج المجتمع الإنساني، وبالتالي هي فاعل مطلق لقوة مطلقة، من حيث قدرتها على معرفة الدرس الإنساني بكل مستوياته وأعماقه وسطوحه؟ هل الماركسية درس اجتماعي يستقي مواده من عمق الظواهر الاجتماعية أم أنها درس الدروس كلها وهل لديها حل لكل مشاكل هذا العالم؟ في دوغمائية بعد ماركس كلنا أتباع وهذا بالضرورة سيخلق عالما من المريدين المخلصين، والمريدين الانتهازيين، والمريدين المجددين لكنهم في النهاية مريدين، والمريد بطبيعة الأشياء لا يمكن أن يكون إلا تابعا. فكيف خرج ماركسيي بعد ماركس من التبعية؟ وهل خرجوا؟ كنت في فترة ماضية أحب تروتسكي لأنه كان يمتلك حس الخروج من الدوائر الكبرى التي صنعها ماركس ويلتفت إلى شؤون الحياة اليومية، بتفاصيلها، حتى مستوى الأخلاق الذي لم يكن ذا بال بالنسبة للكثيرين من معاصريه. تروتسكي حاول أن يجد ملاذا في الاجتهاد لكنه كان مريدا أكثر من اللازم من جهة أخرى! كيف يمكن لنا أن نحل هذه الدائرة المغلقة للأيديولوجيات في التاريخ؟ بين المريد وبين الذي يحاول أن يعيش نبض الحياة فيترك للظواهر الاجتماعية أن يراها كما هي تجري وفق نهر هيراقليطس، قبل أن يتدخل لتحويلها أرادويا. ويرسم لها نسقا يريحه من عناء التعب من جهة! لأن الاجتهاد في عالم الأفكار والأديان مخيف وربما يلوث صاحبه بألف لوثة ولوثة. أليس من قبيل المفارقة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أن يعيد الكثير منا الاعتبار لكارل كاوتسكي؟ كارل كاوتسكي الذي ربما خرج من دائرة المريدين مبكرا، رغم أنه لم يخرج تماما! صعب الخروج من هذه الدائرة! هل مازلنا نريد إحياء ذكرى ماركس أو ثورة أكتوبر لمجرد أن نمجد أو نصور أين أخطأت وأين أصابت؟ الرأسمالية انتصرت أم الإنسانية جمعاء وربما من باب الكبرياء المجروح وربما المهزوم! نقول أن ماركس قد انتصر على حد تعبير أحدهم عندما انهار جدار برلين في عام 1990بين الألمانيتين؟ وهل نحيي ذكرى ثورة أكتوبر لكي نبقى محتمين من هذا العالم بكل ما فيه من مآس، نحتمي بذكرى. في نوستالجيا تقينا شر الانغماس من جديد في دورة الحياة. السياسي هو الذي انتصر في ثورة أكتوبر السياسي مجسدا بلينينية جافة وصلدة ومقتحمة لكل تابوات الأيديولوجية في ذلك الوقت، وهذا يفرض علينا سؤالا هو: هل السياسي هو الدرس الذي يجب أن نتعلمه من ثورة أكتوبر؟ والسياسي بالضرورة حتى يكون منتجا وخصبا عليه أن يكون مفارقا للأيديولوجي وفق نهر الحياة نفسه، وهذا ما ميز كاوتسكي ومن ثم لينين من بعده. فلينين كان يجر كل الأيديولوجية نحوه بقوة السياسي الراهن ونبضه المتحرك والملوث بألف داء وداء في أعماق المجتمعات التي لم يكن بمقدور لا ماركس ولا مريديه المقربين الإحاطة بظواهرها.. ولهذا لنعيد الاعتبار للسياسي في الفكر الراهن وخاصة في بلداننا المتعبة من مريدي الأيديولوجيات سواء منها الكبير أم الصغير وبذلك نحيي الدرس الذي يجب أن يحيا من ثورة أكتوبر. وكل ذكرى والعالم أحسن.