ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى اول انجاز واع للبشرية في تحويل حلمها بالتحرر من الاستغلال الى واقع


سعاد خيري
2008 / 10 / 18 - 08:23     

انتقلت البشرية عبر قرون من نظام استغلال طبقي الى اخر من خلال ثورات اجتماعية جبارة قدمت فيها ملايين الضحايا املا في تحقيق حلمها بالتحرر من جميع اشكال الاستغلال وبناء النظام القائم على العدل والاخوة بين سائر البشر. لانها لم تكن تدرك الاسس التي يقوم عليها كل من الانظمة الطبقية ولا مستلزمات تحقيق حلمها وتحويله الى واقع الا بعد ما حققته ثوراتها من تطور في علاقات الانتاج وتطور القوى المنتجة وبالتالي تطوير وعيها وتنظيم كفاحها . فكانت الثورة البرجوازية وقيام النظام الراسمالي اخر هذه الثورات واكثرها اسهاما في تطور علاقات الانتاج القائمة على الاستغلال الطبقي بل وتحوله الى استغلال وافقار عموم البشرية من جهة وتطوير القوى المنتجة القادرة على توفير المستلزمات المادية لتحرير البشرية من الاستغلال الطبقي وبالتالي تطور وعي البشرية وتنظيم كفاحها . فتطورت النظريات الطوباوية حول بناء المجتمع الخالي من الاستغلال الطبقي وفشل التجارب الطوباوية لبناء مجتمعات اشتراكية صغيرة خالية من الاستغلال الطبقي. وتوصلت البشرية الى الماركسية القائمة على اساس المادية الدايلكتيكية والمادية التاريخية التي اكدت حتمية زوال النظام الراسمالي وتحرر البشرية من جميع اشكال الاستغلال والتمييز ووضعت الاسس لتحقيق حلم البشرية هذا، لاسيما وقد نهضت الراسمالية بمهمتها التاريخية في تطوير قوى الانتاج في ركضها وراء الارباح في تحقيق المستلزمات المادية لتحرير البشرية، وطور الصراع الطبقي الحركة العمالية وتنظيمها النقابي ووعيها السياسي . واكدت الى جانب ذلك وعلى اثر فشل كومونة باريس بان الراسمالية لايمكن ان تنتهي مهما تفسخت الا من خلال ثورات اجتماعية تقودها طليعة منظمة مسلحة بالماركسية المتطورة وفقا لتطور الواقع في كل مرحلة من مراحل الكفاح الطبقي، ولاسيما بعد تحقيق كل انتصار للبشرية يشعر اقطاب النظام الراسمالي بالخطر ويضاعف من جرائمهم في قتل كل طموح انساني نحو التحررومن وحشية استغلالهم استعبادهم لعموم البشرية . الامر الذي يفرض تطوير النظرية وفقا للظروف المتجدة التي لم تعشها البشرية من قبل.
وتجمعت كل هذه المتطلبات في روسيا لتنتصر ثورة اكتوبر وفي مقدمتها الحزب الماركسي بقيادته المسلحة بالماركسية والمتمرسة بالنهج المادي الديالكتيكي لتتمكن من قيادة جميع فئات الشعب الرازحة تحت مختلف اشكال الاستغلال الطبقي، وليس الطبقة العاملة فقط، نتيجة للتخلف الذي كانت روسيا تعيشه. فطور الماركسية التي بنيت على اساس المجتمعات الراسمالية المتطورة . وكان شعار" السلم والارض وثماني ساعات عمل" بدل شعار "تحرير الطبقة العاملة" الذي يلائم المجتمعات الراسمالية المتطورة، هو الشعار الذي فجر طاقات عموم الشعب الروسي الذي ارهقته الحرب وكبدته الاف الضحايا وعموم الفلاحين الحالمين بالارض والرازحين تحت نير الاقطاع والعمال المستعبدين باقل الاجور وبيوم عمل طويل . فقاد حزب لنين ثورة كل الشعب وطور حزب لينين النظرية الماركسية في مجال السلطة ايضا لتلائم ظروف روسيا المتخلفة اقتصاديا واجتماعيا ليضمن تكوين السلطة التي تستطيع انهاض جميع الشعب للدفاع عن الثورة وتحقيق اهدافها . فلم يدع الى دكتاتورية البروليتاريا وانما دعا الى السلطة لكل الشعب من خلال نظام السوفيتات لانجاز المرحلة الديموقراطية من الثورة .
ونجح حزب لنين في تنظيم وتعبئة جميع فئات الشعب ولاسيما الطبقة العاملة في بناء اول نظام اقتصادي اجتماعي لا يقوم على الاستغلال الطبقي واثبت قدرة البشرية على اقامة الحياة الحرة وتوفير بل وتطوير كل مستلزمات تطورها علميا وثقافيا وصحيا بدون الراسمالية وتحررها من جميع اشكال التمييز في العرق او الدين او الجنس. فحقق الاتحاد السوفيتي اكبر الانجازات العلمية والثقافية على الصعيد العالمي وشكل مثالا لطموحات عموم البشر
فسجلت ثورة اكتوبر اول اختراق جبار للنظام الراسمالي وبدء عصر جديد عصر الانتقال من الراسمالية الى الاشتراكية وبرهنت ان النظام الراسمالي هو اخر الانظمة الطبقية القائمة على استغلال الانسان لاخيه الانسان. ولم يقتصر تأثيرها بما حققته على الاتحاد السوفيتي بل وشمل تكوين المنضومة الاشتراكية. ولم يقتصر تاثيرها على الطبقة العاملة في جميع انحاء العالم بل وعلى حركات التحرر الوطني . وليس من خلال الدروس التي قدمتها في سبل ووسائل توعية وتعبئة جماهير الشعب في النضال من اجل التحرر الوطني وربطه بالنضال من اجل الاشتراكية بل ومن خلال الدعم المباشر اقتصاديا وعسكريا وثقافيا ودعم قضاياها في المحافل الدولية . كما كان لتأثير المثل الذي قدمته لشعوب العالم فيما حققته من قوانين لضمان حقوق مختلف فئات الشعب تاثيره على صياغة الكثير من المواثيق والقوانين الدولية .
ولكن حققت ثورة اكتوبر كل هذه الانجازات التاريخية الجبارة داخليا وعالميا في ظل صراع مع اقطاب النظام الراسمالي بقي يتصاعد منذ اليوم الاول للثورة مرورا بسقوط اهم منجزاتها النظام السوفيتي وحتى يومنا هذا .وبدأ بحرب التدخل الذي خاضته 14 دولة راسمالية لقبرها في المهد واستمر بحصارها اقتصاديا وتكنولوجيا وبحرب ايديولوجية بقي اوارها يتصاعد، وتعاون جميع اقطابها مع الفاشية الهتلرية لغزوها الاتحاد السوفيتي . فاضافت بجريمتها انجازا تاريخيا جبارا اخر لثورة اكتوبر بتحرير الاتحاد السوفيتي البشرية من الفاشية. فقد ادى ضغط هذا الصراع المتصاعد وطول آماده وتنوعه الى ارهق جماهير الشعب السوفيتي، ولاسيما الطبقة العاملة ، وافقد القيادة السياسية امكانية تطوير النظرية وافقدها البوصلة فتهاوت طبقيا وتهاوت معها الحركة الشيوعية العالمية التي تتلمذت على تلك القيادة وانهار الاتحاد السوفيتي. ولكن لم تنهار انجازات ثورة اكتوبر التاريخية وفي مقدمتها امكانية تحرير البشرية من جميع اشكال الاستغلال، وادراك مستلزمات تحقيق ذلك من خلال ما قدمته من دروس. بل وحتى سقوط اهم منجزاتها الاتحاد السوفيتي نتيجة فقدان القيادة لهويتها الطبقية بسبب فقدانها لهويتها الايديولوجية، يقدم اهم الدروس لعموم البشرية، وهو رغم كل التقدم الذي حققته البشرية في مجال تطوير القوى المنتجة ورغم كل الازمات التي يعانيها النظام الراسمالي وما تشكله من مخاطر على البشرية، لايمكن تحريراي شعب وصولا الى تحرير البشرية وبناء المجتمع الانساني الحقيقي، بدون نضوج القيادة السياسية للحركات الوطنية والعالمية المسلحة بالنظرية الماركسية في تطورها وفقا لنهجها المادي الديالكتيكي.