الاشتراكية والرأسمالية وجها لوجه! فمن الرابح ومن الخاسر إذا؟ (الجزء الأول)


محمود سلامة محمود الهايشة
2008 / 10 / 17 - 09:14     

• هناك دب سائب في الغابة. بعض الناس يسهل عليهم أن يروه، وآخرون لا يرونه على الإطلاق، بعض الناس يقولون إن الدب أليف، وغيرهم يقولون إنه ضار وخطير. ولما كان من الصعب أن نعرف أيهم على صواب، ألا يكون من الفطنة أن تكون قوتنا مساوية لقوة الدب- إن كان للدب وجود؟! (بيان للرئيس ريغان في التليفزيون – خريف عام 1984).
• من يملك ناصية فن الحياة لا يفرق كثيراً بين عمله ولعبه، بين كدحه وفراغه، بين عقله وبدنه، بين تعليمه واستجمامه، بين حبه ودينه. لا يكاد يعرف هذا من ذاك، إنه ببساطة يتبع رؤيته للتفوق في أي شيء يفعله، تاركا للآخرين أن يقرروا ما إذا كان يعمل أو يلعب. أما هو فإنه دائما يفعل كليهماً (نص بوذي).
• على خلاف الحال في الولايات المتحدة، فإن لدى كل من اليابان وأوروبا برامج واسعة النطاق ترمي إلى تحسين الأداء التجاري... ومادامت اليابان وغيرها من البلدان تساعد الشركات التي تنتج سلعا تستوردها الولايات المتحدة، مثل المنسوجات والصلب، فإن الأرجح أن تحقق الولايات المتحدة كسبا من وراء ذلك. ولكن الولايات المتحدة بدأت تتضرر عندما شرعت البلدان في دعم منتجات تتنافس مع صادرات الولايات المتحدة، مثل الطائرات والأقمار الصناعية والحاسبات الآلية. ولاشك في أن استهداف صناعات معينة من جانب البلدان الأجنبية قد أخذ بعين الجد عندما أصبحت تلك الصناعات تتنافس مع الولايات المتحدة (روبرت لورانس، باحث اقتصادي، بروكينجز بمعهد مساشوستس للتكنولوجيا)[1].
• اقتراحي الشخصي هو أن نطبق سياسة صناعية أمريكية صريحة ولكنها محدودة. أي أن تتخذ الحكومة الأمريكية قرارا بالدعم الصريح لعدد قليل من القطاعات، وبخاصة في مجال التكنولوجيا الرفيعة والتي يمكن أن يطلق عليها بحث وصف "الإستراتيجية".. ومن الأهداف الأساسية لهذا الاقتراح أن يوجد بديل للتجارة الموجهة.. وعلى ذلك، فإذا نظر إلى السياسات الصناعية الأمريكية المحدودة من الزاوية الصحيحة، فإنها يمكن أن تكون طريقا قليل التكلفة نسبيا لمواجهة الضغوط الناشئة عن التراجع الأمريكي النسبي، ولمواجهة المشكلة المحددة المتعلقة بالتعامل مع اليابان (بول كروجمان، باحث اقتصادي، معهد مساشوستس للتكنولوجيا)[2].
• ومن نواح كثيرة، فإن تراجع الشيوعية لا يقل غموضاً عن تراجع جنكيز خان عن غزو أوروبا منذ سبعمائة وثمانين عاما. ولئن كان من الواضح خطأ نظرة الخمسينيات إلى الاتحاد السوفييتي على أنه قوة اقتصادية عظمى، فإن اقتصاده في السبعينيات وبداية الثمانينيات، إذا أخذنا بتقديرات وكالة المخابرات المركزية – لم يكن مليئا بالثقوب ظل ينمو بمعدل 2.1% في الفترة من عام 1975 إلى عام 1985 – وهو معدل أبطأ قليلا من مثيله الأمريكي على امتداد الفترة نفسها، ومقداره 2.9% - ولكن لم يكن هناك ما يلزمه بإجراء إصلاحات جذرية[3].
• إن أي انتصار مفاجىء غير متوقع يخلق مشكلات نفسية للمنتصر. فجماهيره تريد أن تُروى لها حكايات مجيدة عن الكيفية التي تحقق بها النصر. وبعد سقوط سور برلين كُثر في أمريكا الحديث عن "نهاية التاريخ"[4]و[5]، فالنظام الأمريكي سوف يطبق في كل مكان وسوف يدوم إلى الأبد. غير أنه لن يكون على أي إنسان أن ينشغل بمشكلة انتهاء التاريخ. فما أبعد التاريخ عن الانتهاء، إذ إن حقبة من المنافسات الجديدة قد بدأت الآن بالفعل.

مشكلات الرأسمالية:
• لئن كانت غالبية مشكلات الراسمالية مشكلات نجاح، فإن هناك بعض الإخفاقات. وإذا نظرنا إلى معدل نمو العالم غير الشيوعي نجده قد انخفض من 4.9% سنويا في الستينيات إلى 3.8% في السبعينيات، ثم انخفض ثانية إلى 2.9% في الثمانينيات[6]. وفي عقد التسعينيات كان متوسط النمو في الناتج القومي الإجمالي 40% فقط مما كان عليه في الستينيات (1.1% مقابل 2.8% سنويا)، كما أن متوسط الدخل الحقيقي في غالبية بلدان العالم الثالث كان في انخفاض مستمر على امتداد العقد.
• ومن المفارقات أنه بينما تقوم أوروبا الشرقية بعمليات "خصخصة" تقوم الولايات المتحدة بعمليات تأميم. فمع انهيار جانب كبير من قطاعها المصرفي اضطرت الحكومة الأمريكية في بداية عام 1991 إلى الاضطلاع بإدارة أصول خاصة قيمتها مائتا مليار دولار، ومن المتوقع أن ينتهي الأمر بتملكها أصولا خاصة قيمتها ثلاثمائة مليار دولار، قبل أن يتوقف النزيف[7].
• وسوف تحتاج حالات الإفلاس المترتبة على ما حدث من تجاوزات مالية في عقد الثمانينيات إلى مليارات من المعونة الحكومية لكفالة دفع المعاشات التقاعدية المقررة للأفراد. مثال ذلك أن صناديق المعاشات التقاعدية لموظفي شركات الطيران التي أفلست بالفعل في منتصف عام 1991 ستحتاج وحدها إلى أكثر من ملياري دولار من أموال دافعي الضرائب[8].
• ويواجه قطاع التأمين المشكلة نفسها. وفي هذه الحالة جاءت الضمانات من حكومة الولايات المتحدة. فسبع وأربعون ولاية تضمن عقود "بوالص" التأمين على الحياة التي تصل غالبيتها إلى 300 ألف دولار للفرد. وفي بداية عام 1991 انتزعت ولايتا كاليفورنيا ونيويورك إدارة شركة Executive Life، وهي شركة تبلغ قيمة أصولها ثلاثة عشر مليار دولار، وتستثمر ثلثي أصولها في أوراق مالية مشكوك في سلامتها[9].

القوة العسكرية والقوة الاقتصادية:
• ويوجد في اليابان أو ألمانيا من يقول إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون قوة عظمى عسكرية مستقلة ما دامت "ستعتمد على بلدان أخرى في الوفاء بالجانب الأكبر من تكاليف حروبها"[10]، أو يعتقد أنه إذا "باعت اليابان الرقائق الإلكترونية إلى الاتحاد السوفيتي، وأوقفت بيعها إلى الولايات المتحدة، فإن ذلك سيقلب التوازن العسكري بأكمله"[11].
• والمنافسات العسكرية هي في نهاية الأمر متلافة ومدمرة، ففيها ينبغي أن تكرس الموارد لأنشطة هي في أفضل الأحوال (إذا لم تستخدم) لا تسهم في الرفاهة البشرية المقبلة، وفي أسوأ الأحوال (إذا استخدمت) مدمرة للرفاهة البشرية. أما المنافسات الاقتصادية فعلى النقيض تماما. فهنا تكون الحكومات ملزمة بالتركيز على الكيفية التي تمكنها، بأكبر قدر من الكفاءة، من جعل الحياة أفضل لمواطنيها. "فالحرب الاقتصادية" لا تستوي على الإطلاق مع "الحرب العسكرية"، على الرغم من أن كلمة الحرب مستخدمة في كلا المصطلحين، وإذا ما استطاع اعالم تخفيض إنفاقه على السلاح فلابد أن يتحقق "ربح السلام" في كل من العالمين المتقدم والمتخلف"[12].

القرن الحادي والعشرين:
يذكر القرن التاسع عشر بأنه قرن بريطانيا العظمى، فقد كانت القوة الاقتصادية المهيمنة. وسيذكر القرن العشرون باعتباره قرن الولايات المتحدة، فقد كانت، ولا تزال، القوة الاقتصادية المهيمنة، ومن زواية التقويم فإن القرن الحادي والعشرين لم يمضي على بدايته إلا تسعة سنوات، ولكن إذا نظر مؤرخ اقتصادي مقبل إلى الوراء فإنه سيؤرخ القرن العشرين مبكراً بعض الشيء. ومثلما كان سقوط سور برلين في نوفمبر 1989 إيذانا بنهاية الصراع القديم بين الرأسمالية والشيوعية، فإن اتحاد السوق الأوروبية المشتركة في أول يناير 1993 سيكون إيذانا ببداية صراع اقتصادي في قرن جديد هو بداية الألف عام الثالثة[13].

المراجع:
• لستر ثارو: "الصراع على القمة.. مستقبل المنافسة الاقتصادية بين أمريكا واليابان"، ترجمة: أحمد فؤاد بلبع، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت، سلسلة عالم المعرفة – العدد (204)، كانون الأول/ديسمبر 1995م.
• د. علي خليفة الكواري: "دور المشروعات العامة في التنمية الاقتصادية"، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت، سلسلة عالم المعرفة – العدد (42)، حزيران/ يونيه 1981م.
• د. عبدالحميد براهيمي: "أبعاد الاندماج الاقتصادي العربي واحتمالات المستقبل"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، نيسان/أبريل 1980م.
• مجموعة من المؤلفين: "دراسات في التنمية والتكامل الاقتصادي العربي"، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة كتب المستقبل العربي – العدد (1)، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، أيلول/سبتمبر 1983م.
• د. سامي خليل: "النظريات والسياسات النقدية والمالية"، شركة كاظمة للنشر والترجمة والتوزيع، الكويت، الطبعة الأولى، 1982م.

الهوامش:
(1) روبرت د. لورانس: Innovation and Trade: Meeting The Foreign Callenge ، ورد في العمل الجماعي الذي أعده تشارلز شولتز Setting National Priorities: Policy For The Nineties (واشنطن: مؤسسة بروكينجز، 1990)، الصفحتان 149 و 162.
(2) بول كروجمان: "Japan Is not Our Nemesis"، NPQ ، صيف عام 1990، الصفحة 45.
(3) إدارة الاستخبارات بوكالة المخابرات المركزية: Handbook of Economic & Statistics (واشنطن، 1986)، الصفحة 65، مجلس المستشارين الاقتصاديين، Economic Report of the President 1986 (واشنطن، مكتب النشر الحكومي، 1986)، الصفحة 254.
(4) فرانسس فوكوياما: The End of History، في مجلة ناشونال انترست، عدد صيف عام 1989، الصفحة 4.
(5) رتشارد ماكنزى ، دوايت لي: Should the End of History Have ever Been in Doubt ، ورقة عمل CSAB، أكتوبر 1990 (واشنطن، مركز دراسة دوائر الأعمال الأمريكية، 1990)، الصفحة 1.
(6) صندوق النقد الدولي International Financial Statistics, Yearbook 1990 (واشنطن، صندوق النقد الدولي 1990)، الصفحتان 162، 163. صندوق النقد الدولي World Economic Outlook مايو 1991، الصفحة 4.
(7) ستيفن ليباتون: Then Bailout Agency Becomes a Highly Motivated Seller، جريدة نيويورك تيمس، عدد 31 مارس 1991، الصفحة E-1.
(8) كيث برادشر: Airling Woes May Damage Pension Units، في جريدة نيويورك تيمس، عدد 23 مارس 1991، الصحفة 29. كارين بول، U.S. Seizes Pun Am Pensions، في جريدة ذي تينسيان عدد 25 يوليو 1991، الصفحة E-1.
(9) ريتشارد و. ستيفنس: California Seizes Insurer Burdened With junk Bons، في مجلة ذي نيويورك تيمس، عدد 12 أبريل 1991، الصفحتان A-1، D-5.
(10) ماساهتيو إيشيزوكا: End This Laissez-Fair Relationship With U.S. ، في جريدة ذي جابان غيكونوميك جورنال، عدد 16 مارس 1991، الصفحة 9.
(11) شينتارو إيشازوكا: That Can Say No: Why Japan will Be First Among Equals، (سيمون آندشوستر، نيويورك، 1991)، الصفحة 31.
(12) إدارة الاقتصاد في دويتش بنك: Then Peace Dividend: How to Pin it Dow?، (فرانكفورت، دويتش بنك، 1991)، الصفحة 1.
(13) لستر ثارو: The World at a Turning Point، زاهد حسين، المحاضرة التذكارية، رقم 8، يوليو 1985 (كراتشي، باكستان: بنك الدولة في باكستان، 1985)، الصفحة