دفاتر يسارية تقاوم السقوط بالتقادم (3).. عناصر موالية لعبد الناصر داخل الحركة الشيوعية


سعد هجرس
2008 / 10 / 17 - 09:13     

رأينا فى المقال السابق أن الخط الاساسي لمنظمة حدتو تجاه " الضباط الاحرار " كان هو التأييد . بل أن الدكتور احمد القصير يذهب أبعد من ذلك فى كتابه المهم
" حدتو.. ذاكرة وطن " ليقول ان " حدتو كانت هى صاحبة التأثير على تنظيم الضباط الاحرار و برنامجه"
ويستند هذا الخط السياسي الى تحليل فكرى تبنته منظمة حدتو خلاصته ان نظام جمال عبد الناصر – الذى شيدته حركة الضباط الاحرار – " يمثل البرجوازية المتوسطة الوطنية المعادية للإستعمار " على عكس التنظيمات الشيوعية الاخرى التى كانت ترى أن عبد الناصر " يمثل البرجوازية الكبيرة المرتبطة بالاستثمارات الاجنبية "
ومع مشاركة عبد الناصر فى مؤتمر باندونج الذى دعا الى تصفية الاستعمار ،وبعد اعلان الدستور فى عام 1956 تقدم الحزب الشيوعي المصري الموحد اى حدتو، بميثاق لجبهة وطنية يتوافق مع المرحلة الجديدة
و يلخص احمد القصير نهج حدتو السياسي بقوله أن هذا النهج قد " اعتمد دوما" على تكوين جبهات وطنية لها برامج محددة، تشير هذه البرامج الى ان سياسة حدتو تجاه عبد الناصر كانت تقوم على مبدأ الوحدة من جانب ومبدأ الصراع من جانب اخر . كان مبدأ الوحدة يهدف الى حماية الوطن و دعم سياسة الاستقلال المناهضة للاستعمار . أما مبدأ الصراع فكان ينهض على عدة محاور . اولها محود المطالب الديموقراطية و الحريات العامة . ويتمثل المحور الثانى فى الدعوة الى الاصلاحات الاقتصادية الاجتماعية.
و كان هذا الموقف تجاه نظام تجاه نظام عبد الناصر والذى يؤكد على طبيعته الوطنية المعادية للإستعمار و يعلى من شأنها عمليا على باقي الاعتبارات و نقاط الخلاف – هو الاساس أيضا فى موقف حدتو من قضية أخرى بالغة الاهمية هى قضية وحدة الحركة الشيوعية ،حيث يقول احمد القصير أن دعوة حدتو لتوحيد الحركة الشيوعية جاءت " بعد أن تخلى حزب الراية و منظمة طليعة العمال عن سياستهما السابقة وأيدا حكومة جمال عبد الناصر . فقد كان حزب الراية يعتبر أن ثورة 23 يوليو 1952 " انقلابا فاشيا امريكيا " بينما اعتبرته منظمة طليعة العمال " ديكتاتورية عسكرية اميركية " . وقال نداء حدتو المشار أليه أنفاً.
" إننا نعتقد ان الالتقاء السياسي الحادث بيننا اليوم بالنسبة للموقف من الحكومة ووجوب تأييدها وحمايتها و أهمية تعبئة الشعب كله فى جبهة شاملة ضد الاستعمار ومن أجل السلام ، هذا الالتقاء يحطم خرافة عدم إمكانية الاتفاق التى طالما فرقتنا وبعثرت قوانا"
باختصار كان جوهر الدعوة الى "الوحدة" هو " وجوب تأييد الحكومة و حمايتها "!!
فماذا كان مصير الوحدة التى قامت على هذا الاساس ؟!
تحطمت الوحدة بعد فترة قصيرة ،بل انها ماتت قبل أن تولد و الوقائع التى ذكرها " القصير " مؤسفة
وهذه الوقائع – على ذمة "القصير" – تفيد أن ازمة الحزب الوليد بدأت منذ أول اجتماع للجنة المركزية فى 8 يناير 1958 ، حيث " تم فى ذلك الاجتماع استبعاد قادة حدتو من المسئوليات الاساسية داخل الحزب .. كما تم رفض اقتراح قادة حدتو الذى طالب بتشكيل لجان الاقسام و المناطق بالانتخابات .. كما اتضح أن حجم العضوية الفعلية لحزب الراية و العمال و الفلاحين يقل كثيرا عن الارقام التى اعلنوها فقد اتضح – و العهدة ايضا على احمد القصير – أن بعض كشوف العضوية و همية و غير حقيقية .. كما تم تكريس مسالة عدم تجانس القيادة مع قواعد الحزب وتم خلق أوضاع غير منطقية . و اعتماداً على "تكتل" قادة الراية مع قادة العمال و الفلاحين تم استبعاد قادة حدتو من تولى المسئوليات الرئيسية فى الحزب الجديد "
لكن احمد القصير بعد رصده لهذه المشاكل " التنظيمية" – من وجهة نظره ووجهة نظر حدتو بالطبع – يعود الى السبب " السياسي" لانهيار الوحدة حيث يقول ان حزب الراية و منظمة طليعة العمال التى تحولت الى حزب العمال والفلاحين – اللذان تخليا عن موقفهما الخاطىء – حسب قول القصير – من ثورة يوليو - عادا رسميا بشكل سريع بعد 1958 اى بعد الوحدة – الى سياستهما القديمة و الى اعتبار عبد الناصر كممثل للبرجوزاية الكبيرة المرتبطة بالاستثمارات و الاحتكارات الدولية"
و هذا يعنى أن الوحدة لم تستمر سوي ستة اشهر ، وان السبب " السياسي" لقيامها - كما كان السبب السياسي لتحطمها – كان هو الموقف من جمال عبد الناصر و نظامه، لدرجة أن احمد القصير يتحدث فى كتابة عن مطالبة من الحزب الشيوعي العراقى وقتها – اى عام 1958 – بضرورة استبعاد عناصر حدتو من الحزب الشيوعي المصري ، و يعلق القصير على ذلك بنقله عن محمود أمين العالم قوله " انه كان وراء ذلك الرأى ايحاء بل كلام شبه صريح حول ضرورة استبعاد العناصر الموالية لعبد الناصر من الحركة الشيوعية المصرية "
هكذا بصريح العبارة .. " العناصر الموالية لعبد الناصر" !!
وللحديث بقية