دفاتر يسارية تقاوم السقوط بالتقادم (5) ..النهاية: صفقة غير متكافئة


سعد هجرس
2008 / 10 / 19 - 09:33     

طالما أن الحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى "حدتو" قد اتخذت قراراً بوجود "مجموعة اشتراكية" فى قمة السلطة يقودها جمال عبدالناصر شخصياً، فانها تكون قد اتخذت بذلك قراراً استراتيجياً ضمنياً بـ "التماهى" مع هذه "المجموعة الاشتراكية" حتى من الناحية التنظيمية. أى أن هذا القرار، الذى اتخذ فى النصف الثانى من عام 1960، كان خميرة التخلى عن الوجود المستقل للتنظيم "الشيوعى" وهو القرار الذى تم اتخاذه بعد ذلك بالفعل بنحو أربع سنوات.
وهذا هو ما يؤكده الدكتور أحمد القصير، فى كتابه المهم "حدتو.. ذاكرة وطن" حيث يسجل أن ظلال قرار المجموعة الاشتراكية وما حمله من أفكار كانت حاضرة عند إقرار وصياغة الوثائق السياسية والفكرية اللاحقة (أى اللاحقة لعام 1960).
وشدد "القصير" على النقاط التالية بهذا الصدد:
1- أن الزملاء الذين كانوا فى القضية التى كان المتهم الأول فيها شهدى عطيه هم الذين يتحملون مسئولية قرار المجموعة الاشتراكية. وكان هو شخصيا – أى أحمد القصير – ضمن هذه المجموعة التى ضمت أغلبية أعضاء اللجنة المركزية لحدتو.
وكان معظم المشاركين فى اتخاذ القرار يرون أن إجراءات التأميم التى اتخذها عبدالناصر تساعد على الانتقال السلمى للاشتراكية. وقد وافقت قيادة حدتو بأكملها على هذا القرار فيما بعد.
2- تم اتخاذ القرار بعد مناقشة مفتوحة وبدون ورقة عمل حول قرارات عبدالناصر الاقتصادية آنذاك خاصة تأميم بنك مصر وشركاته. لكن إبراهيم عبدالحليم وعادل حسين تقدم كل منهما بتقرير. واتفق التقريران على أن خطوات عبد الناصر تعنى أنه يبنى الاشتراكية. فى حين تقدم محمد عباس فهمى بتقرير ثالث يرى فيه أن قرارات عبدالناصر المعنية لا تؤدى إلى بناء الاشتراكية وإنما هى قرارات فى إطار النضال الوطنى.
3- أوضح القرار أن الاشتراكية التى يتبناها جمال عبدالناصر ومجموعته ليست "علمية"، أى ليست ماركسية، لكنه أوضح حرفياً أن مجموعة عبدالناصر تقترب "رويدا رويداً من الاشتراكية العلمية". ويلاحظ أيضاً ان القرار تجنب استخدام كلمة الماركسية.
4- أشار القرار إلى ضرورة أن تتبنى "المجموعة الاشتراكية"، أى مجموعة عبدالناصر، الاشتراكية العلمية كأساس لوحدة القوى الاشتراكية.
5- طالبت التقارير والوثائق الصادرة بعد هذا "القرار" بأن ينبذ نظام جمال عبدالناصر سياسة معاداة الشيوعية.
6- تم تتويج هذه الأطروحات بالدعوة إلى حزب واحد للثورة على أساس مبادئ الاشتراكية العلمية وعلى أساس أن يتخلى عبدالناصر ومجموعته عن سياسة معاداة الشيوعية.
ورغم أن هذه الأهداف وتلك المطالب لم تتحقق، وخاصة تلك التى نادت بضرورة نبذ السلطة لسياسة معاداة الشيوعية، فان "حدتو" قدمت تنازلا من جانبها على أمل ان يتخذ الطرف الأخر مواقف عملية فى اتجاه الحزب الواحد الذى يضم كل القوى الاشتراكية على أساس الاشتراكية العلمية والابتعاد بالكامل عن سياسة معاداة الشيوعية.
وجاء ما يلى حرفياً فى البيان الذى وضعه كمال عبدالحليم فى 14 مارس 1965: "أن ما تحقق حتى الأن لا يكفى أساساً لقيام الحزب الواحد بمفهومه الثورى الذى يستبعد معاداة الشيوعية، ويضم كل التيارات الثورية. ولكن حزبنا يضع دائماً وحدة كل القوى الاشتراكية فى حزب واحد للثورة فوق كل اعتبار".
ومن هذا المنطلق قرر مؤتمر 14 مارس 1965 اسقاط العضوية قبل أن تتوفر الشروط المشار إليها آنفا التى من بينها تبنى الاشتراكية العلمية والتخلى كلية عن سياسة معاداة الشيوعية. كما اعلن المسئول السياسى الذى انتخبه المؤتمر، وهو كمال عبدالحليم، إنهاء الشكل المستقل للتنظيم، أى حل الحزب. لينتهى بذلك فصل مهم من فصول ملحمة كفاح "الشيوعيين" المصريين.
ويعقب الدكتور أحمد القصير على هذا القرار الخطير بقوله أن "ضغوطاً كثيرةً تمت للتخلص من الوجود المستقل للشيوعيين. وشمل ذلك إعلان السلطة عن استعدادها للموافقة على مطالبهم، وبعد أن تم إنهاء الوجود المستقل جرى التراجع عن الموافقة على "شروط" حدتو لقيام حزب واحد للاشتراكيين بزعامة عبدالناصر، فإن عبدالناصر لم يتخذ إجراءات علمية أساسية تلبى دعوة حدتو ماعدا تكليف بعض أركان حزبه السرى "طليعة الاشتراكيين" بإجراء اتصالات بالشيوعيين للدخول فى الحزب بشكل جماعى. لكن سرعان ما تراجع عن ذلك الموقف تراجعا حاسما وطلب إيقاف تلك العملية. وقرر أن يتم انضمام الشيوعيين إلى ذلك الحزب بشكل فردى.
ويرى الدكتور أحمد القصير أن كل "طرف" كان يبدى استعداده للتعاون مع "الطرف" الآخر والتجاوب مع مطالبه دون تغير الموقف الأساسى. فمن جانبه استجاب عبدالناصر فيما بعد إلى بعض المطالب مثل إلغاء العزل السياسى وإلغاء الأحكام التى صدرت ضد الشيوعيين، وبالتالى سقط العزل السياسى كما سقطت عملية المراقبة. لكن الموقف من معاداة الشيوعية لم يتغير. كما أعلنت حدتو من جانبها عن تنازل وأسقطت العضوية وأنهت الشكل المستقل بالرغم من تأكيدها بأن شروط قيام حزب ثورى واحد لم تتحقق، لكنها من جانب آخر لم تكف عن النشاط المستقل، بل واصلته باسم "التيار الثورى".
فهل كان ما تم "صفقة متكافئة" حسبما توحى كلمات الدكتور احمد القصير؟!
للحديث بقية.