دفاتر يسارية تقاوم السقوط بالتقادم1 ..الشيوعيون.. حدوتة مصرية


سعد هجرس
2008 / 10 / 15 - 09:11     

اليسار المصرى – بجميع فصائله- جزء أصيل من الحركة الوطنية والديمقراطية وحركة النهضة والتنوير فى تاريخ مصر الحديث.
وقد استطاع اليسار المصرى ان يضع بصماته على أدبيات البلاد الثقافية والسياسية والاقتصادية ، التى تبقى بوصلة مرجعية فى كل الأوقات رغم تقلبات السياسة وتغير الأحوال وتصاريف الزمن.
ولا يكتسب اليسار المصرى أهميته من دورة فى "الماضى" والأيام الخوالى فقط، وإنما يظل يكتسب أهميته من دوره فى "الحاضر" والمراهنة على دور أكبر فى "المستقبل" رغم ما يعترى هذا الدور من ضعف ووهن وتراجع فى الوقت الراهن.
وقد أثبتت الأحداث أن محاولات قتل السياسة على مدار أكثر من نصف قرن لم تسفر فقط عن إضعاف "اليسار" بل أدت أيضا إلى خلق فراغ مخيف كان هو الثمرة المرة لسياسات الاستبداد وتأميم السياسة ووضع أقفال من حديد على أفواه البلاد والعباد. وبما أن الطبيعة تكره الفراغ فانه كان لابد من ملئه . ولم يكن هناك جاهزا لهذه الوظيفة سوى "الدين" و"المال". وعلى هذا النحو وقعت البلاد بين مطرقة الاستبداد السياسى وسندان الاستبداد الدينى، أو بعبارة أخرى بين البيروقراطية المستبدة والفاسدة وبين جماعات الإسلام السياسى المتزمنة والمتعصبة التى يهدد مشروعها الحريات العامة والشخصية والوحدة الوطنية ووحدة التراب الوطنى كما يهدد بالنكوص عن القدر اليسير الذى تحقق من مكتسبات النهضة الحديثة ومنجزات الكفاح الوطنى والديمقراطى.
ولهذا.. فإن إيقاف عجلة هذا التراجع المخيف الذى يهدد مصر ومستقبلها يتطلب – بالضرورة – عودة الروح الى السياسة، وبالتحديد عودة النبض إلى قلبها الحى الذى تشكله التيارات اليسارية والليبرالية التى تتبنى خيار إقامة دولة مدنية حديثة تقوم على القانون، وليس على الفتوى، كما تقوم على رفض التجارة بالأديان أو تسييس الدين أو تديين السياسة، كما تقوم على احترام الحريات وحقوق الإنسان.
وهذا بدوره يعيدنا الى المربع رقم واحد، ألا وهو أهمية إعادة الاعتبار إلى اليسار.
وفى هذا السياق تاتى أهمية كتاب الدكتور أحمد القصير، "حدتو.. ذاكرة وطن". وتنبع الأهمية الاستثنائية لهذا الكتاب من عدة اعتبارات .
الاعتبار الأول.. هو ما اشرنا إليه فى السطور السابقة بسرعة عن أهمية دور اليسار فى الحياة السياسية المصرية، حضوراً وغياباً.
الاعتبار الثانى.. هو أن تاريخ الفصائل اليسارية، وبخاصة الماركسية منها، تعرض لتشويه كبير، نتيجة للجهل النشيط حينا، وسوء القصد المتعمد أحياناً.
ومن هنا فان أى محاولة نزيهة ومنصفة لكتابة هذا التاريخ المجنى عليه تعتبر إسهاماً مطلوباً ويلبى احتياجاً حقيقياً لجميع المشتغلين بالعمل الوطنى العام وليس لليساريين منهم فقط.
الاعتبار الثالث.. أن الدكتور أحمد القصير الذى تصدى لهذه المهمة الصعبة يعرف ماذا يكتب عنه ويؤرخ له.
فهو "شاهد شاف كل حاجة"، لأنه ليس أستاذاً مرموقاً لعلم الاجتماع فقط، وإنما هو أيضا مناضل يسارى بارز واحد الكوادر الرئيسية للحركة التى تصدى للكتابة عنها ، ألا وهى "الحركة الوطنية للتحرر الوطنى" المعروفة اختصاراً باسم "حدتو" الذى يتكون من الحروف الأولى للاسم المطول المكون من أربع كلمات.
ليس هذا فقط، بل إن أستاذ علم الاجتماع والمناضل احمد القصير، عندما عكف على الكتابة عن تاريخ "حدتو"، توفرت لديه كمية كبيرة من "الوثائق" الأساسية التى جرى كتابتها داخل المعتقلات مثل سجن القناطر ومعتقل الواحات خلال السنوات الأولى من ستينات القرن العشرين لكن هذه الوثائق والتقارير لم تطبع، ومن الصعب العثور على نسخ منها على الرغم من تهريبها من المعتقل".
لكن من حسن الحظ ان الدكتور احمد القصير كان فى معتقل الواحات مسئولا عن حفظ تلك التقارير والوثائق. كما اشرف على نسخ وإعداد نسخ منها تم إرسالها إلى خارج المعتقل، وكانت معه بعد الإفراج عنه فى عام 1964 نسخاً منها مكتوبة على ورق بافرة، اى ورق لف سجائر. وللأسف فانه فقدها مرة ثانية حيث صودرت منه عند اعتقاله ثانية عام 1969 ضمن حملة الاعتقالات التى تعرض لها "التيار الثورى" .
وربما يخفف صدمة الاستيلاء على هذه الوثائق أن "حدتو" على وجه الخصوص لديها أرشيف يعتبر من أهم مصادر المعلومات حول تاريخها وهو المعروف باسم أرشيف "مجموعة روما" بباريس. هذا الأرشيف يضم وثائق ومطبوعات صادرة من حدتو أساساً علاوة على بعض النسخ من مطبوعات تنظيمات شيوعية مصرية أخرى. فقد كانت حدتو ترسل مطبوعاتها وتقاريرها بشكل منتظم الى باريس ليتم حفظها هناك.
واستمر تجميع تلك الوثائق وتصنيفها وحفظها بدءا من وجود مجموعة روما فى باريس عام 1951 حتى تسعينيات القرن العشرين. واشرف على ذلك الأرشيف يوسف حزان الشخصية الثانية فى مجموعة روما بعد هنرى كورييل الذى تم إبعاده عن مصر فى أغسطس 1950، لكنها انتقلت إلى باريس فيما بعد. وفى الفترة من 1992 إلى 1995 تم إيداع ذلك الأرشيف بالمعهد الدولى للتاريخ الاجتماعى بأمستردام بهولندا.
وقد عكف احمد القصير على هذا الكنز عندما كان فى باريس عام 1992 .
ومن خلال إعادة قراءة الوثائق المحفوظة به جاء كتاب "حدتو.. ذاكرة وطن" الذى أهداه مؤلفه الى "كل من يتطلع إلى تحرر مصر ونهضتها وإيقاف عملية تفكيك اقتصادها وتاريخها وحياتها العقلية وثقافتها الوطنية".