افتتاحية العدد الثاني


فنزويلا الاشتراكية
2008 / 10 / 15 - 09:12     

مع اقتراب الثالث والعشرين من شهر نوفمبر القادم، موعد الانتخابات المحلية في الولايات الفنزويلية، تزداد شدة خطورة الأعمال التي تقوم بها المعارضة لقطع الطريق أمام الثورة البوليفارية-بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية-لتحقيق نصر جديد يعيد لها الثقة "الانتخابية" التي تزعزعت إلى حد ما بعد إفشال الاستفتاء على الدستور المقترح للعام 2007.

لم يكن تزامن التخطيط لمحاولة انقلابية يقوم بها عسكريون فنزويليون مع أعمال الانفصاليين النازيين في بوليفيا بمجرد صدفة. فما كان تنفيذ المخطط الانقلابي بالإطاحة بالرئيس تشافيز وإقامة نظام حكم عسكري قمعي لينجح دون زعزعة استقرار البلاد التي يرأسها أقرب حلفاء الرئيس تشافيز، الرئيس إيفو موراليس. فإشاعة الفوضى في بوليفيا ووضعها في موقف تتعرض فيه للتمزق إلى عدة دويلات كان ليحبط أي محاولة قد يسعى الرئيس موراليس للإتيان بها لإنقاذ الثورة الفنزويلية.

إلا أن مخططات المعارضة الفنزويلية والطغمة المالية البوليفية الانفصالية بالتنسيق مع الامبريالية الأمريكية باءت بالفشل لأسباب تجعلنا ندرك أننا أمام حقبة تاريخية نادرة لا يمكن أن ندعها تمر دون أن نستثمرها إلى أقصى حد. فالثورة الفنزويلية قد أثبتت بأنها باتت أقوى من ذي قبل ومحاولة الانقلاب عليها بغية الردة للرأسمالية لم تعد بنفس مستوى الصعوبة الذي كانت تبدو عليه من قبل كما كانت خلال محاولة العام 2002 الانقلابية التي كاد الانقلابيون فيها أن يقدموا على إعدام الرئيس تشافيز وتمكنوا من دخول القصر الرئاسي لعدة ساعات، إلا أنهم في هذه المرة وبالرغم من وضعهم نصب أعينهم التخلص من الرئيس المنتخب ديمقراطياً كهدف رئيسي للتمرد فإنهم فشلوا حتى في نقل مخططهم إلى مرحلة التطبيق وظل متواجداً في مخيلاتهم وعلى أجهزة تسجيل الأمن الفنزويلي.

وبالإضافة لذلك، فإن البوليفيين من جهتهم ليسوا على استعداد لإعادة تجارب سابقة بالتنازل عن الديمقراطية وعن نضالهم الطبقي، فقد سارعوا للنزول إلى الشوارع للتصدي للانقلابيين ورجالاتهم القتلة وعطلوا مخططاً إجرامياً كانت تعد له زعامات المعارضة ومرتزقتهم المأجورون ليعلموا عبيد رأس المال وأعداء الديمقراطية الإمبرياليين بأن شعوب أمريكا اللاتينية بدأت بالنهوض وأن هذه اليقظة مستمرة والتشبث بها وباستمراريتها مسألة مصيرية بالنسبة لتلك الشعوب.

أما الامبريالية الأمريكية الشمالية فلا تزال تتخبط في إعصار الأزمة المالية الذي فتك بها، ولم تستجمع قواها بعد لتبحث عن حلول قد يكون من ضمنها إزاحة المأزق الداخلي مؤقتاً بنقله إلى صراع عسكري في مناطق جديدة من العالم. ومرحلة التضعضع هذه التي تعيشها أعنف الامبرياليات وأكثرها دمويةً على الإطلاق تتيح فسحةً زمنية لشعوب أمريكا اللاتينية التي تبحث عن استقلالها بعيداً عن الاستعباد الأجنبي والاستبداد الوطني لتستمر بثورتها البوليفارية وتتقدم بخطوات أوثق وأسرع باتجاه اتحاد أقطارها وحرية شعوبها ببنائها لاشتراكية القرن الواحد والعشرين.
وهذه "الفسحة الزمنية" التي تكون فيها الامبريالية في إحدى حالات ضعفها هي فرصة أخرى يقدمها التاريخ للثورة ومنحة نادرة إن أضاعتها ثورة بوليفار في فنزويلا لتنوير وتثوير المجتمع وتصدير الثورة قارياً وحتى عالمياً فستكون في حينها قد ارتكبت جريمةً ليس فقط في حق نضالات فقراء فنزويلا وتضحيات الشعوب اللاتينية الثائرة بل بحق الإنسانية جمعاء الباحثة وبعطش عن بديل للظلام الذي تعيش فيه.

ثورتنا، الثورة الفنزويلية، نجحت حتى الآن بالاستفادة من الأزمة المالية العالمية والمتغيرات على الساحة الدولية. فمن جهة تعمل على الترويج لنظامها الاقتصادي البديل الذي تبنيه ولأيديولوجيتها الاشتراكية كخيار يحقق للشعوب العيش الكريم والسلام بالتخلص من الأنظمة الرأسمالية سواء "الديمقراطية" منها أو الاستبدادية.
ومن جهة أخرى نجحت بالاستفادة من حاجة روسيا، القوة الصاعدة على الساحة الدولية، بالحصول على حلفاء في مناطق عدة من العالم يعيدون إليها نفوذها الضائع. وبالرغم من أن التقارب مع روسيا لا ينال رضا كافة زعماء اليسار الثوري تحديداً في القارة اللاتينية، فينظر البعض إليها على أنها امبريالية أخرى ستحل مكان الامبريالية الأمريكية والبعض الآخر يراها تهديداً للقارة بجلب الويلات عليها من الولايات المتحدة. إلا أن الرئيس تشافيز بتقربه من روسيا لم يتخذ أي خطوات ولا يمتلك النية لجعل فنزويلا تابعةً لها، فهو يعلم بأن روسيا تحكمها طبقة سائدة إن تقاطعت مصالحها في هذه المرحلة مع مصالح الثورة الفنزويلية فإنها لاحقاً قد تعارضها وبشكل حاد جراء تناقض واضح بين بلاد ظفرت الطبقة العاملة فيها بالسيادة السياسية وبلاد أخرى يحكمها رجال الأعمال. فاختلاف النظم الاقتصادية بينهما واختلاف أهدافها الطبقية يضمن ألا تقوم أي تبعية لا اليوم ولا غداً وأن المسألة ما هي إلا تقاطع مصالح مرحلي سيكون من الغباء المطلق تضييع الاستفادة منه خصوصاً في الوضع الحالي الذي أكثر ما تحتاج إليه فنزويلا فيه هو التقنية غير المتوفرة وطنياً والتي تشكل روسيا مخزناً هائلاً لها.
وكما كانت الثورة الفنزويلية هي السباقة في القارة اللاتينية لطرح الإصلاحات الاجتماعية وترك النيوليبرالية، بالرغم من معارضة باقي الدول لهكذا خيار في حينها، فإنها اليوم كذلك السباقة بالسعي، من خلال رؤية سياسية جريئة، لتحقيق أقصى المكاسب من هذه المرحلة واقتناص الفرصة بما يخدم ثورتها الاشتراكية.

مع هكذا تغيرات دولية وتراجع في نفوذ الولايات المتحدة مما يعني بالضرورة تراجع إمكانيات المعارضة العنفية التي لا تؤمن بالوسائل الديمقراطية واستمرار النهوض الثوري اللاتيني بازدياد شعبية الرؤساء الذين يتبنون هذا الطريق كما في بوليفيا والإكوادور، تزداد فرص الثورة الاشتراكية في فنزويلا وفي القارة اللاتينية جمعاء بالاستمرار والتقدم والرقي في ظل ظروف ما كان يمكن أن تكون أفضل مما هي عليه الآن، مما يزيد من الآمال التي تنتظر المزيد من الثورة من جهة وترفع من سقف المسؤوليات الملقاة على عاتقها من جهة أخرى وذلك من خلال مطالبتها بأن تكون على مستوى الوقائع التي أثبتت حتى الآن بأنها قادرة بروحها الثورية على التعامل معها ومع الظروف كافة لتحقيق ما فيه مصلحة الفئات الفقيرة الحاكمة فيها والتي تحدد طبيعة وغايات السياستين الداخلية والخارجية لتبرهن من جديد على البعد الطبقي والأممي للثورة وابتعادها عن كل انعزال وتقوقع.