الدولة في خدمة الطبقة الرأسمالية


سهر العامري
2008 / 10 / 15 - 09:09     

بعد عبث عتاة الرأسماليين الجدد بأموال الناس ، ليس في الولايات المتحدة وحدها ، وإنما في أصقاع كثيرة من العالم ، حيث امتد اخطبوط العولمة في أسواق كثيرة من العالم ذاك ، وتحت رعاية مباشرة من اليمين الجديد الممسك بزمام السلطة في واشنطن ، بعد العبث هذا أصيبت تلك الأسواق بخسائر مالية جسيمة تخطت مئات المليارات من الدولارات ، تهاوى على إثرها مؤشر أسعار ألأسهم في أكثر من بورصة ، وفي أكثر من دولة ، ولا فرق في هذا بين غني تلك الدول ، وفقيرها .
لقد وقف الاقتصاد العالمي كله على حافة هوة سحيقة من انهيار تام خلال أيام من تصاعد وتائر الأزمة الرأسمالية العميقة التي شهدها العالم في مغرب الدنيا وفي مشرقها ، وصار أولي ألأمر يبحثون عن علاج مسكن يهدئ من الروع الذي أصاب الناس في أكثر من مكان ، خاصة أولئك الذين استثمروا ودائعهم في هذا المصرف أو ذاك من المصارف ، ومع هذه الفاجعة لم يتعرض رؤساء الدول الرأسمالية الذين عقدوا الاجتماعات الكثيرة ، وأطلقوا التصريحات المطمئنة للمسبب الرئيس لهذه الجريمة البشعة على وجه التحديد ، أو للعقوبة التي تنتظر عتاة رأس المال في الولايات المتحدة الأمريكية ، باستثناء ذاك التصريح البائس الذي جاء على لسان الرئيس الأمريكي ، جورج بوش ، والذي هدد به بعضا من المضاربين ، دون وعد بمحاسبتهم ، وما عدا ذلك فقد هب رؤساء الدول في أمريكا وفي أوربا لنجدة الطبقة الرأسمالية التي طوقتها أزمة عميقة من أزماتها المستديمة والمتكررة أبدا ، والسبب في ذلك أن السلطة في هذه الدول هي بيد ممثلي تلك الطبقة ، هؤلاء الذين هم على استعداد تام على جعل الدولة بما فيها خادما مطيعا بإخلاص للرأسماليين العتاة أولئك .
لقد تجسدت فكرة ماركس في كون أن الدولة أو السلطة السياسية هي ( الإفصاح الرسمي عن تضاد الطبقات في قلب المجتمع البرجوازي ) أو أنها ( لجنة تنفيذية ) بيد الطبقة الرأسمالية الحاكمة خلال هذه الأزمة الرأسمالية بوضوح ، وليس ذاك فقط ، وإنما هي اللجنة التنفيذية التي تهب للدفاع عن الرأسماليين في حالة تعرضهم لأية خسائر مالية مثلما هي الحال في الأزمة المالية التي تمر بها الطبقة الرأسمالية الآن ، وذلك حين نهضت أكثر من دولة لضخ مليارات الدولارات في حسابات البنوك المفلسة ، والمعروف أن هذه الأموال هي أموال عامة الناس ممن يسمونهم في الدولة الرأسمالية بدافعي الضرائب ، والغريب في الأمر أن الرأسماليين العتاة هؤلاء غير راضين عن هذه الخدمة المجانية التي تقدمها لهم الدولة تلك جزاء لهم على جريمتهم التي شملت بحريقها أكثر من صقع من الكرة الأرضية . ها كم أقرؤوا هذا الخبر :
(سيعلن الرئيس بوش عن تفاصيل الخطة اليوم الثلاثاء بعد أن فشلت خطته السابقة في إعادة الثقة الى الأسواق.
ويعتقد أن وزارة الخزانة " المالية " الأمريكية ستشتري أسهما في أكبر 9 بنوك أمريكية بقيمة 250 مليار دولار، في خطوة مشابهة لما قامت به بعض الدول الأوروبية. وتفيد تقارير ان البنوك لم تكن متحمسة للخطة وأن ضغوطا مورست عليها للقبول. )
ويضيف الخبر كذلك قول الرئيس الأمريكي جورج بوش أمام رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني ، أنه أي الرئيس بوش ( يرتب اجتماعا لقادة الدول الثماني الكبرى خلال الأسابيع القادمة لمناقشة الأزمة المالية العالمية. وامتدح بوش الخطوات الأخيرة التي كشفت عنها الدول الأوروبية لاحتواء أزمة الائتمان العالمية، كما امتدح الخطوات التي أعلنت خلال اجتماع وزراء مالية الدول الصناعية السبع الكبار الأسبوع الماضي. وقال بوش إن " الولايات المتحدة ستظل تعمل على تطبيق الاجراءات المالية التي تتفق مع خطة السبع الكبار وأهمها مساعدة المصارف على الحصول على رأس المال، وتقوية النظام المالي وتفعيل أسواق الائتمان وإعادة الثقة إلى نظامنا المالي." )
وعلى أساس من تصريح بوش ذاك فأن مهمة تلك الخطة في حقيقة الأمر هي (مساعدة المصارف على الحصول على رأس المال ) تلك المصارف التي تسببت بتلك الجريمة والتي تسعى الدولة بقمة هرمها ، الرئيس بوش ، على مساعدتها في جرم اقترفته بحق الملايين من بني البشر . أريتم كيف تكون الدولة عبارة عن ( لجنة تنفيذية ) بيد الطبقة الرأسمالية المتحكمة برقاب بني البشر في دولة صارت تبسط نفوذها بالمال على كثير من الدول ، وبالسلاح إن عجز المال عن تحقيق ذاك الهدف ؟
ولكي يعرف القارئ مقدار السرقة الجديدة التي قام بها العتاة هؤلاء وعن طريق نهب الدخل القومي لكل دولة من الدول التي يتواجد فيها هؤلاء أضع هذا الخبر نصب عينه ليرى بنفسه كيف تصبح السرقة شرعة ( اتخذت البنوك المركزية في أوروبا والولايات المتحدة خطوات منسقة فيما بينها لتزويد البنوك بقروض بغرض تأمين السيولة النقدية في النظام البنكي.
وشارك في هذه الخطوات الاحتياطي الاتحادي " البنك المركزي الأمريكي " والبنك المركزي البريطاني والبنك المركزي الأوروبي والبنك الوطني السويسري. وسيقدم البنك المركزي البريطاني مبلغ 30 مليار دولار إضافية على مدى أسبوع.
أما في اليابان فقد ضخ البنك المركزي مبلغ 1،5 تريليون ين في النظام البنكي، الا أنه عاد وسحب 300 مليار ين منه.
وقالت البنوك المركزية ان الهدف من عملية الضخ هذه مساعدة البنوك مع اقتراب نهاية الربع الثالث من السنة الأسبوع القادم. ولجأت البنوك الى البنوك المركزية للتمويل بسبب المصاعب التي واجهتها في محاولة الاستدانة من بعضها البعض.
وقد أدى انهيار بعض البنوك الى وضع العراقيل في سبيل الاستدانة بسبب الخوف من انهيارات بنكية جديدة. وستتمكن البنوك من استخدام رهوناتها العقارية كضمان للقروض. )
في نهاية الخبر يكتشف القارئ الكريم الكيفية المزيفة التي صارت بها هذه الجريمة الجديدة فعلا شرعيا قامت به الدولة ، العبد الذليل ، وخادم الرأسمالية الجديدة ، وذلك من خلال ضخ المليارات الضخمة من الدولارات في حسابات المصارف المفلسة ، ومقابل ماذا ؟ مقابل ضمان يتجسد برهوناتها العقارية التي هي في الأساس بيوت وعمارات شيدتها المصارف المفلسة بأموال مستدانة من البنوك المركزية ، والتي استردتها من مشتريها بعد أن عجزوا عن تسديد أثمانها نتيجة لضعف في دخولهم السنوية أو نتيجة لمرض البطالة المستشري الذي يلازم النظام الرأسمالية ما بقي النظام هذا . وعطفا على أولئك البشر الذين ينتظرهم سكن الشوارع بعد أن راحت المصارف المفلسة تلك بإجراءات استرداد البيوت منهم فقد أعلن مرشح الرئاسي الأمريكي الجديد عن الحزب الديمقراطي ، باراك أوبا ، أنه في حالة فوزه سيمهل أصحاب البيوت المستردة ثلاثة أشهر كي يتدبروا أمرهم فيها ، وهي - لعمري - منة ما بعدها منة كما تلاحظون ! فدليل القوم الجديد هذا حاله حال الغراب في بيت شاعرنا :
إذا كان الغرابُ دليلَ قوم ٍ.....يمرّ بهم على جيف الكلاب ِ