ظهور راسمالية الدولة التبعية


بلكميمي محمد
2008 / 10 / 13 - 09:22     

لقد سجلنا سابقا بان الراسمالية التبعية المغربية ، قد مثلت التجاوز التاريخي للراسمالية الكولونيالية ، لكن الراسمالية التبعية ، ماهي ؟
ان عبارة « راسمالية تبعية » لاتعبر سوى عن مفهوم عام مجرد ، شانه شان كل المفاهيم المجردة الاخرى مثل ، الانسان ، المادة ، الوطن ، الحياة ... الخ
فانا مثلا عندما اكتفي بالقول : الانسان ، فاني بذلك ابقى في المجردات ، ولايمكنني الانتقال من المجرد العام الى الملموس المعين ، الا اذا تقمص المفهوم المجرد مضمونا ملموسا ، كمثل تجاوز مفهون الانسان بشخص جمال عبد الناصر ، او شخص فيروز ، او أي شخص محدد اخر .
كذلك هو الحال تماما بالنسبة لمفهوم الراسمالية التبعية المغربية اذ لكي يمكن تجاوز ذلك المفهوم المجرد ، لابد من مضمون ملموس محدد ، فماهو اذن المضمون بالنسبة للراسمالية التبعية المغربية ؟ .
ان هذا المضمون لم يتحدد تاريخية بطريقة اعتباطية ، من طرف هذا الزعيم السياسي او ذاك ، او وفق رغبة هذه القوة الاجتماعية او تلك ، ولكنه تحدد بفعل الضرورة التاريخية ، لان الذي حدده هو الراسمالية التبعية المغربية نفسها ، انسجاما مع واقعها القائم حينئذ ، وهذا الواقع نفسه ، قد انجبه التناقض الموضوعي الذي كان قائما في نهاية المرحلة الكولونيالية / كيف ذلك ؟
ان التناقض الذي جاءت الراسمالية التبعية لحله ، لم يكن بين طبقة بورجوازية مغربية مكتملة النمو ، وبين الراسمال الكولونيالي المعيق لذلك النمو ( فالبرجوازية المغربية كانت في ذلك الوقت ، لاتزال في بدايات تطورها) ، ولكنه كان بين الاقتصاد الراسمالي المغربي الذي اصبح ذا طابع وطني ( بحكم انتشاره وتوسعه على الصعيد الوطني ) ، وبين استمرار السيطرة السياسية الكولونيالية عليه ، من هنا فان حل ذلك التناقض حلا موضوعيا تاريخيا ، كان يقتضي احداث التطابق بين الاقتصاد والسياسة ، أي تحول الاقتصاد الراسمالي الوطني الى اقتصاد وطني حقا ، عن طريق تحريره من السيادة السياسية الكولونيالية ، وهو التحرير الذي كان يقتضي بدوره تحويل الدولة الكولونيالية الى دولة وطنية مغربية .
ان التطابق بين الاقتصاد والسياسة ( او وحدة الاقتصاد بالسياسة ) ، هو نفسه الذي حدد موضوعيا الشكل الذي ستكون عليه الراسمالية التبعية الخارجة حديثا من احشاء الراسمالية الكولونيالية ، ذلك ان الدولة المغربية الوطنية ، في غياب طبقة بورجوازية مكتملة النمو ، لم تكتف فقط بتأميم السياسة ( الغاء الدولة الكولونيالية وتحويل السيادة السياسية للدولة الوطنية ) ولكنها عمدت ايضا الى تاميم الاقتصاد نفسه ، عبر اخضاع المرافق الاقتصادية الاساسية لسيطرتها ضمن القطاع العام ، ومن هنا كان الشكل الاول الذي ظهرت به الراسمالية التبعية المغربية ، هو راسمالية الدولة التبعية .
ان الراسمالية المغربية التي تجسدت اقتصاديا في شكل راسمالية الدولة ، قد تطورت وتوسعت أيضا على اساس ذلك الشكل نفسه . هكذا كان شكل راسمالية الدولة حاضرا وممثلا في كل شيء ، في الزراعة ، في الصناعة ، في التجارة ، في المال ، في النقل ، في المعادن ، في الكهرباء ، في الماء ، في البريد ، في السياحة ، وغيرها .
لذلك ليس من قبيل الصدفة ، اذا كانت راسمالية الدولة المغربية تعتبر اول مستثمر ، واول مشغل لقوة العمل ، واول زبون واول مصدر .
ان القوة الاقتصادية لراسمالية الدولة ، يعبر عنها عدد المؤسسات الخاضعة لها ، وفي سنة 1983 ، بلغ عدد مؤسسات القطاع العمومي 600 مؤسسة .

في الجزء المقبل : تحول راسمالية الدولة الى طبقة بورجوازية .