تناقضات الراسمالية الكولونيالية المغربية - تابع –


بلكميمي محمد
2008 / 10 / 8 - 09:32     

بعد ان راينا الوجه الاول للتناقض ، فالوجه الثاني للتناقض هو هذا :
في بداية التغلغل الرأسمالي للمغرب ، كان الرأسمال الكولونيالي كولونياليا فعلا ، لانه كان لايزال هامشيا ومعزولا وسط المجتمع المغربي التقليدي ، لكن في نهاية المرحلة الكولونيالية ، اصبح الاقتصاد الكولونيالي اقتصادا وطنيا ، تمتد أبعاد تاثيراته المباشرة والغير مباشرة الى كل الحياة الاقتصادية – الاجتماعية المغربية .
من هنا هذا التناقض : بين الطابع الوطني للاقتصاد المغربي الراسمالي ، وبين الملكية الحقوقية الكولونيالية الاجنبية لذلك الاقتصاد .
هذا من جهة .
من جهة اخرى ، في بداية المرحلة الكولونيالية ، كان العمال المغاربة مجرد فئة اجتماعية صغيرة ، هامشية وسط قوة العمل الفلاحية التقليدية . لكنهم في نهايتها ، اصبحو يشكلون طبقة عمالية وطنية ، تقوم على اكتافها الدولة الكولونيالية برمتها .
من هنا هذا التناقض : بين الطابع الوطني للطبقة العاملة المغربية ، وبين الطابع الكولونيالي للطبقة البورجوازية الفرنسية السائدة ، التي تقوم بتحويل وتهريب الجزء الاعظم من ارباح الراسمال الى الخارج .
ان التناقض المذكور بكل أوجهه وجوانبه السالفة ، هو التناقض الجوهري الذي حكم المجتمع المغربي في نهاية المرحلة الكولونيالية ، لكن رغم جوهريته ، لم يكن لوحده كافيا للقضاء على الاستعمار الكولونيالي وتخليص الوطن من نيره .
اذ من اجل ذلك ، كان لابد ان تتناقض مع الوجود الكولونيالي ، مصالح كل طبقات وفئات المجتمع ، او على الاقل اغلبيته الساحقة . وهذا بالضبط ما تحقق في تلك الفترة :

اولا : بلترة الفلاحين بدون ان تتوفر لهم بدائل جديدة للعمل .

ثانيا : افلاس الحرفيين والتجار الصغار ، بسبب انهيار القوة الشرائية للفلاحين ، وبسبب مزاحمة المنتوجات المصنعة المستوردة . وهذه المزاحمة زاد في تفاقمها ، ظهور الصناعة الراسمالية المحلية .

ثالثا : الازمة المزدوجة للمثقفين التقليديين ، فهم من جهة ، عانوا مرارة ازمة ابائهم الفلاحين والحرفيين ، المتمثلة في سقوطهم الاجتماعي ، ومن جهة ثانية ، عانوا ازمتهم الذاتية الخاصة بهم كفئة مثقفة ، فقدت الامتيازات الاجتماعية التي كانت تتمتع بها في عهد سيادة الدولة المخزنية .

رابعا : ازمة البورجوازية المغربية ، فلقد استطاع الراسمال المغربي الخاص ، الذي كان ينشط في مجالات التجارة والعقار ( بشكليه الزراعي والحضري ) ، مراكمة اموال هامة ، جعلته يتطلع لتنميتها وتوسيعها . وبعد انتقال الراسمالية الكولونيالية من شكلها العمومي الى شكلها الخصوصي ، كان الراسمال المغربي الخاص يعتقد بامكانية الاستفادة من الامكانات الجديدة التي فتحتها تلك المرحلة جنبا الى جنب مع الراسمال الفرنسي الخاص . لكنه سرعان ما أدرك أوهامه . فالدولة الكولونيالية ، وموظفوها المحافظون ، والراسماليون الفرنسيون العنصريون ، لم يقبلوا ولا يمكن لهم قبول خلق مساواة في الفرص بين الراسمال الفرنسي والراسمال المغربي . ولذلك اعتبر الراسمال المغربي ، القوانين والتشريعات المالية والتجارية والاقتصادية ، التي كانت تسنها السلطات الكولونيالية ، كلها حيف وجور ضده .( ان بعض الراسماليين الفرنسيين القلائل جدا الذين حاولوا الانفتاح على الراسمال المغربي ، قد تمت تصفيتهم جسديا من قبل منظمات ارهابية فرنسية عنصرية . وهذه حال رجل الاعمال الشهير « جاك دوبروي» المعروف بدفاعه عن اطروحة الانفتاح ، والذي كانت تربطه مصالح اقتصادية بعائلة السبتي الراسمالية ، حيث تم اغتياله سنة 1955 ).
ان انسداد الافق الذي عانت منه البورجوازية المغربية ، قد عانت منه ايضا نواة الملاكين العقاريين المتبرجزين المغاربة .

خامسا : الازمة المزدوجة للمثقفين العصريين ، لقد عانوا من جهة ، من ازمة ابائهم البورجوازيين المنبوذين من طرف الدولة الكولونيالية والراسمال الخاص . ومن جهة ثانية ، عانوا من ازمتهم الذاتية الخاصة بهم كفئة من الاطر العليا ، الذين ترفض لهم السلطات الكولونالية حق المساواة مع الفرنسيين ، في ولوج نفس المناصب في أجهزة الدولة والادارة .