الراسمالية المحتضرة تخنق البشرية بازماتها في غياب القيادة الثورية للحركات الوطنية والعالمية


سعاد خيري
2008 / 9 / 26 - 09:27     

دخلت النظام الراسمالي اعلا مراحل تطوره في نهاية القرن التاسع عشر التي تجسدت بتشكيل الاحتكارات الكبرى والمنافسة لاقتسام الهيمنة الامبريالية على بلدان العالم بدل الهيمنة على الاسواق فقط. وبفعل قوانينه ولاسيما قانون التطور غير المتناظر لاطرافه لجأ الى الحروب لاعادة اقتسام العالم . فسجل بذلك بداية انتهاء دوره في خدمة البشرية بل واصبح خطرا يهدد وجود ها، بما الحقته حروبه من تدمير لمنجزات البشرية ومن ابادة لملايين البشر. وإذ ادى استغلاله الطبقة العاملة في مراحله السابقة الى تطور وعي وتنظيم الطبقة العاملة والى نشوء حركتها النقابية والشيوعية ، فان انتقاله الى المرحلة الامبريالية ادى الى تفجير اول ثورة اشتراكية عظمى ترمي القضاء على علاقات الانتاج الراسمالية وبناء المجتمع الانساني الحقيقي المتحرر من جميع اشكال الاستغلال والحروب. ولتؤكد امكانية البشرية العيش والتطور بدون علاقات الانتاج الراسمالية، وبدء عصر جديد، عصر الانتقال من الراسمالية الى الاشتراكية. ورغم محدودية مجال تلك التجربة الرائدة في تاريخ البشرية، فانها قادت الصراع الوطني والطبقي على الصعيد العالمي ولعبت دورا كبيرا في تطوير وعي البشرية وفي قيادة نضالها ضد اخطر جرائم الراسمالية للخروج من ازماتها، الفاشية الهتلرية. وقادت الانتصار عليها. وطورت المؤسسات الدولية بتأسيس هيئة الامم المتحدة ومجلس الامن. وفرضت القوانين والمواثيق الدولية التي اسهمت في تطوير حركة التحرر الوطني وتحرير الكثير من بلدان العالم من الهيمنة الامبريالية . ولكنها بقيت طوال سبعين عاما الهدف الاستراتيجي لجميع ادوات ووسائل الراسمال العالمي بدءا بحرب التدخل وبالحصار الاقتصادي والحروب الايديولوجية والاعلامية وصولا الى استنزافها في سباق التلسح . وفي خضم هذا الصراع المتصاعد مع تصاعد ازمات النظام الراسمالي اغفلت قيادتها تطوير نهجها المادي الديالكتيكي ونظرياتها وابتعدت عن الجماهير عامة والطبقة العاملة خاصة ودخلت في مساومات على حساب الشعوب بل واسهمت في تشويه الحركة الشيوعية العالمية ومعظم احزابها التي دخلت في مساومات مع فئات معادية لشعوبها. فانهارت وانهارت معها الحركة الشيوعية العالمية ومعظم الاحزاب الشيوعية تحت ثقل انحرافاتها الايديولوجية وسياساتها المفرطة بحقوق شعوبها.
ورغم تفاجؤ اقطاب الراسمال العالمي بهذا الانهيار السريع، الا انهم استغلوه الى اقصى حدود الاستغلال لقتل الوعي الوطني والطبقي والثقة بالماركسية ونهجها المادي الديالكتيكي، باعتبار انهيار المنضومة الاشتراكية، دليل على خطأ الماركسية ونهجها المادي الديالكتيكي القاضي بحتمية زوال الراسمالية وانتقال البشرية الى الاشتراكية وترويجها لنظرية نهاية التاريخ ودوام علاقات الانتاج الراسمالية ونهاية الحركة الشيوعية . واستغلوا خيبة الامل لدى عموم البشرية جراء فشل هذه التجربة التاريخية التي بقيت مبعث ثقة وسند لكل جهد وطني وطبقي نحو التحرر ، لتعميق اليأس وخيبة الامل لتتقبل الشعوب لما يروجوه من المفاهيم السلفية وإلهائها بمختلف النزاعات العرقية والطائفية لتنسيها كل تجاربها وخلق مختلف الاعداء من ارهابيين وقتلة ومختلف التنظيمات بدءا من منظمات الجريمة المنظمة والمليشيات المسلحة لتشويه وعي الشعوب بانهم هم اعداؤها الرئيسيون وما هذه المنظمات الاادوات من صنعهم .
واذ قدم انهيار التجربة الاشتراكية العظمى الى النظام الراسمالي دفقة انعاش، لكنها لم تستطع تغيير قوانينه الاساسية وفي مقدمتها الاستغلال الطبقي والذي تطور بفعل قوانين مراحله المتقدمة الى استغلال عموم البشرية. ولا التخفيف من ازماته المتفاقمة، وعجز كل وسائل الخروج منها كالحروب وما تتركه من تدمير لحياة البشرية بل وتهديده لوجودها وللكرة الارضية بفضل ما سخره من طاقات علمية وتكنولوجية لانتاج افتك اسلحة الدمار الشامل، فضلا عن رمي اثقالها على عموم البشرية بما يفرضه من ازمات مالية وازمات غذائية ووقود ومصادرة كل مدخراتها وصولا الى مصادرة لقمة عيشها .
واليوم تشهد البشرية افضع ازمات النظام الراسمالي حيث يجهد قطبه الاكبر الامبريالية الامريكية لاخراج النظام منها وتجند الادارة الامريكية كل ممثلي الاحتكارات الكبرى في برلمانها من جمهوريين وديموقراطيين لتبرير الاستيلاء على جميع مدخرات الشعب الامريكي ومدخرات دول العالم التي جمعتها من دماء وعرق شعوبها لتضخها في الاقتصاد الامريكي لانعاش شركاتها وبنوكها المنهارة . وتعمل في نفس الوقت على تستير احتضار النظام الراسمالي العالمي باشغال البشرية بل وارعابها باختلاق المشاكل وصولا الى الحروب. فهي اذ تصعد من تهديد ايران وسوريا فجرت ازمة القفقاس. وتصعد عمليات القتل والتفجيرات في العراق لاثبات قدرتها على ترويض شعبنا وفرض اتفاقية استعباده .
ويشكل عدم نضوج القيادات الثورية المسلحة بالفكر الماركسي ونهجه المادي الديالكتيكي المدركة لحقيقة المرحلة التي يمر بها النظام الراسمالي العالمي وزيف ادعاءاته بالقوة ، لقيادة النضال الوطني والطبقي على الصعيد الوطني والعالمي لرفض كل اجراءات الادارة الامريكية اليائسة للخروج من ازماتها وتطوير النضال الوطني والطبقي على الصعيد الوطني والعالمي وصولا الى انهاء النظام الراسمالي واقامة المجتمع الانساني الحقيقي، هو السبب الرئيس لاطالة فترة احتضار النظام الراسمالي وما يمكن ان يعرض البشرية الى كوارث ومحن .