نظرية الراسمالية المغربية – عبد السلام المؤذن ... الجزء الثاني


بلكميمي محمد
2008 / 9 / 24 - 10:12     

1- جوهر الراسمالية الكولونيالية المغربية .

ان الراسمالية الكولونيالية ، هو الشكل الاول الذي ظهرت به الراسمالية بالمغرب . لذلك سينطلق بحثنا من هذا الشكل البدائي التاريخي .
في مطلع السبعينات من القرن الماضي وبالتحديد سنة 1873 ستدخل اوربا الراسمالية في ازمة اقتصادية عميقة وطويلة ، دامت اكثر من 22 سنة ، لم تعرف خلالها سوى سنتين من الانتعاش الاقتصادي العابر ، هما سنتا 1889 و 1890.
ان تلك الازمة قد فجرها التطور الكبير للراسمالية التنافسية الحرة ، وهو التطور الذي بلغ اوجه في السبعينات من ذلك القرن ، وعبر تلك الازمة ، طرح التاريخ هذه الحقيقة : لم يعد بالامكان ان تستمر الراسمالية في العيش على نفس النمط التنافسي الحر الذي سارت عليه حتى الان .
لكن هذه الحقيقة التاريخية ، لم يلمسها ولم يعها سواء رجال الاعمال المنخرطون في النشاط الراسمالي العملي ، او علماء الاقتصاد البورجوازين المنظرون لذلك النشاط اذ كان الجميع يحلم بامكانية استئناف النشاط الاقتصادي ، على نفس الارضية التنافسية السابقة ، ولان التاريخ لا تتحكم في حركته ، رغبات الناس واحلامهم الذاتية ، بل قوانينه الموضوعية المستقلة ، لذلك وجد الراسماليون انفسهم ، وبدون وعي منهم ، يتكيفون شيئا فشيئا مع الضرورة التاريخية ، هكذا بدا العالم يشهد بالتدريج ، حدوث ظاهرة التمركز الاقتصادي ، هذه الظاهرة التي ادت بدورها في نقطة معينة من التطور ، الى بروز ظاهرة الاحتكار ، لانه كلما تقوى التمركز ، كلما قل بالمقابل عدد الراسماليين ، وبالتالي اصبح في الامكان التفاهم فيما بينهم ، وتحويل صراعاتهم التنافسية الى اتفاقات احتكارية .
ان صيرورة الانتقال من نظام التنافس الحر الى نظام الاحتكارات الكبرى ، التي كانت في البدء تسير ببطء ، وتردد سرعان ما امسب تتحرك بخطى حثيثة سريعة ، اذ ما ان اقبل مطلع القرن العشرين ، حتى تحقق التحول النهائي للراسمالية الغربية ، من راسمالية تنافسية حرة الى راسمالية احتكارية .
ان الظاهرة الجديدة التي احدثها ذلك التحول الاحتكاري ، هي ظاهرة الراسمال التمويلي ، الناجمة من جهة ، عن التمركزالضخم للصناعة والابناك ، ومن جهة ثانية عن اندماج وتحكم الابناك في الانتاج الصناعي ، والنتيجة الحتمية لذلك التمركز المالي- الصناعي ، هي بروز فائض هائل من الراسمال التمويلي ، اين يمكن صرفه وتوظيفه ؟ بالتاكيد ليس داخل بلد المنشأ . وهذا ليس لان البلد مستغن عنه ، بل بالعكس من ذلك تماما ، فهو في امس الحاجة اليه ، لان الزراعة كانت ولاتزال في ذلك الوقت تعاني من تخلف كبير بالنسبة للصناعة المتطورة .
ثم ان الصناعة نفسها ، لم تكن متطورة في مجموع قطاعاتها ، بل كانت الصناعة الخفيفة متخلفة عن الصناعة الثقيلة ( وفي الحقيقة ان تفاوت التطور هو قانون عام ينتمي لصلب النظام الراسمالي ، وهذا القانون لايمس فقط العلاقة الداخلية بين قطاعات الانتاج للبلد الواحد ، بل يمس كذلك العلاقة الخارجية بين الدول ، فالمانيا مثلا التي كانت في منتصف القرن 19 تعتبر كمية تافهة من ناحية التطور الصناعي بالنسبة لبريطانيا ، اصبحت في نهاية القرن اكثر البدان الاوربية تطورا ) .
ولان الراسنال هو بالضبط راسمال ، وليس شيئا اخر، فلذلك لم يكن هم الفائض من الراسمال التمويلي ن هو استثماره ، في القطاعات المتخلفة ، ولا هو تسخيره لتحسين الشروط المعيشية للشعب ، بل البحث عن مجالات افضل تدر ربحا اكبر ، وتلك المجالات ذات الامتيازات الجيدة ، قد مثلتها تاريخيا البلدان الزراعية الماقبل راسمالية الزاخرة بالثروات الطبيعية المتنوعة ، وبقوة العمل الرخيصة ، هكذا سيصبح الراسمال التمويلي وطنه الاصلي ، ليحط عنوة فوق اوطان الاخرين .
في عصر ماقبل الراسمال التمويلي ، كانت اوربا تكتفي فقط بتصدير المنتوجات المصنعة الى البلدان الزراعية ، ولذاك كانت العلاقة بين الاثنين مجرد علاقة تجارية ، اما في عصر بزوغ الراسمال التمويلي ، فقد اصبح تصدير ذلك الراسمال نفسه ، هو الذي يحظى بالمقام الاول . لقد حدثت اذن قفزة نوعية عبر الانتقال من تصدير ناتج التجارة الى تصدير مصدرها ذاته .