نظرية الراسمالية المغربية عند عبد السلام المؤذن 1


بلكميمي محمد
2008 / 9 / 23 - 05:10     

حفاظا على ذاكرة عيد السلام المؤذن اليسارية والاشتراكية ، واحتراما لروحه الطاهرة واستثمارا كذلك للحاضر اود ان انقل الى منبر الحوار المتمدن تراث عبد السلام المؤذن عضو منظمة العمل الديمقراطي الشعبي سابقا مكونا لليسار الاشتراكي الموحد حاليا بالمغرب .
ساقدم مقالاته عبر هذا المنبر وارجو ادارة المنبر وهي مشكورة ان تنشر هذا الارشيف بالتوالي .
محمد بلكميمي /بولمان .


فكر وحوار : نظرية الراسمالية المغربية – عبد السلام المؤذن –
واصل الرفيق الفقيد عبد السلام المؤذن منذ نونبر 1974 ، يعد ان ادى ضريبة الراي والنضال الديمقراطيين وراء القضبان انذاك . لفترة 18 سنة من السجن
ومن وراء القضبان ، واصل الرفيق عبد السلام المؤذن في السبعينيات مجهوداته العلمية في استكناه قوانين تطور المجتمع المغربي ، في هذا السياق ، جاء بدراسة جادة تستحق النشر في منبركم الشريف ، تناولت هذه الدراسة الراسمالية المغربية حيث تطرق لنشاتها والاشواط التي قطعتها والقوى المحلية التي تستند اليها ... كما تطرق وهذا لب هذه الدراسة التي ستقرؤونها على منبر الحوار المتمدن الى اتجهات تطورها المستقبلي وما يفرضه على القوى الديمقراطية المغربية .
تنشر هذه الدراسة في ثلاث حلقات : تتناول الاولى مقدمات منهجية وكذا جوهر الراسمالية الكولونيالية المغربية .
وتتناول الثانية تطور الراسمالية الكولونيالية المغربية وتناقضاتها وتحولها الى راسمالية تبعية .
وتتناول الثالثة ظهور راسمالية الدول التبعية وتحول راسمالية الدولة الى طبقة برجوازية ثم اتجاه تطور الطبقة البورجوازية .
الا انني لطول الدراسة ساتناولها عبر محاور . يقول اذن عبد السلام المؤذن ،
ان السؤال الاول هو التالي : في أي اتجاه تسير الراسمالية المغربية ؟ بمعنى ، اين تتجه تلك الراسمالية موضوعيا ، وفق قوانينيها الضرورية الخاصة بها ، وليس وفق هذا المسؤول الحكومي او ذاك ، اورغبة هذا المعارض السياسي او ذاك ؟
هذا سؤال مركزي على الصعيد النظري ، وحاسم على الصعيد السياسي . لماذا ؟ لان المعارض السياسي التقدمي ، لايمكنه ان يمتلك ارادة سياسية فعالة في الوضع ، الا اذا كان يمتلك وعيا نظريا عميقا لذلك الوضع ، ان المناضل في حقل السياسة ، مثل ُربان السفينة داخل البحر .
فكما ان الربان الذي يفتقد الى البوصلة المغتاطيسية ، سيظل تائها وسط الامواج ، وربما سيلقى حتفه ، رغم قوة عضلاته المفتولة ، كذلك فان المناضل الذي يفتقد الى البوصلة النظرية التي توجهه في الاتجاه السليم ، سيظل هو الاخر تائها وسط الصراع الطبقي ، وربما سينتهي الى الغرق السياسي ، رغم قوة وصدق ايمانه النضالي .
لكن كيف يمكن بناء نظرية علمية للراسمالية المغربية ، ومن ثمة بناء تلك البوصلة المنشودة ؟ .
ان هذا الامر يتطلب شرطين ضروريين ، لا غنى لاحدهما عن الاخر ، شرط موضوعي ويعني ان الراسمالية المغربية نفسها ، يجب ان تكون قد بلغت مستوى من التطور والنضج ، يجعلها قابلة للاختراق الفكري وللتنظير العلمي . اذ بدون ذلك الشرط ، فان أي فكر مهما كانت موهبة صاحبه وقدرته التحليلية ، فانه سيبقى مجرد فكر اجوف ، لاتتعدى قيمته حدود الذات التي انتجته .
ان الراسمالية المغربية في اللحظة التاريخية الراهنة(80) قد تفتحت براعمها واتضحت معالمها ، واصبحت بالتالي قابلة للاستيعاب النظري .

اما الشرط الثاني ، فهو شرط ذاتي محض ، لانه يتعلق بالمنهج المعرفي ، لكن ذاتية المنهج المعرفي نفسها ، لايجب فهمها على انها ذاتية مطلقة ، بل كذاتية نسبية . ان الاولى : وهي السائدة في اغلب مناهج المعرفة ، تفهم الفرق بين ذات المعرفة وموضوع المعرفة ، على انه فرق مطلق . بمعنى ان الذات التي تفكر في موضوع ما ، لها وجود قائم الذات ومستقل كليا عن الموضوع الخاضع للتفكير ، كما ان الموضوع بدوره له وجود مستقل قائم بذاته ، فالعلاقة اذن بين الذات المفكرة وموضوع التفكير هي علاقة خارجية ، لانه اثناء عملية التفكير ، يظل كل طرف من الطرفين يحتفظ بتمايزه وانفصاله عن الطرف الاخر . ولذلك فان الحقيقة العلمية بالنسبة لذلك المنهج المعرفي ، لاتتطلب اكثر من بلورة التصور الذاتي المطابق للموضوع .
ان ذلك المنهج له فعلا مشروعيته العلمية ، لكنها مشروعية محدودة جدا ، لانه لايدرك الحقيقة في عمقها وشموليتها ، بل فقط في بعض جوانبها المعزولة والمجردة ، وهذا لسبب بسيط : فهو ينظر للموضوع كشيء معطى فانه يجرده عن سياقه العام ، مما يؤدي الى تفكيكه ، وبالطبع فان الموضوع المفكك ، لايمكن ان ينتج بدوره الا فكرا مفككا ، والفكر المفكك لايمكنه الوصول الى جوهر الحقيقة .
ان النقيض للفكرالتفكيكي ، هو الفكر العقلاني الجدلي ، فهذا الاخير لا ينظر الى موضوعه من الخارج ، كما يفعل الاول ، بل يدخل فيه ويغوص فيه ويتوحد معه توحدا تاما ، بحيث يصبح الفرق بين الفكر وموضوعه مجرد فرق نسبي ، لان الفكر يبحول الى موضوع والموضوع يتحول الى فكر . وحين يتحقق الاندماج بين الطرفين النقيضين ، ويصبح الموضوع نفسه ذاتا فاعلة تتحرك بمحض ارادتها الخاصة ، وتتطور من طور الى اخر ، ومن حالة الى اخرى ، وليس كشيء معطى ، مجرد ، جامد ، كما يتخيله الفكر التفكيكي ، حينئذ تصبح مهمة الفكر كلها هي الغاء الفكر كفكر ذاتي ، ونبذ كل الافكار الغريبة عن الموضوع التي تحاول ان تتسلل اليه من ذات الشخص ، وبالتالي حصر دور الفكر في هذا الدور : التقيد الصارم بعدم التدخل في الحركة الذاتية الحرة للموضوع ، والاكتفاء برصدها وعكسها – في ضرورتها وموضوعيتها – عكسا نظريا .
من هنا يصبح معيار الحقيقة العلمية ، ليس هو تطابق تصور الفرد مع الموضوع / كما هو الشان بالنسبة للفكر التفكيكي / ، بل هو تطابق الموضوع مع ذاته .. مع مفهومه .
انطلاقا من ذلك الاساس النظري ، تطرق عبد السلام المؤذن بالتحليل ، في العرض التالي الى موضوع الراسمالية المغربية .
***
من اعداد : بلكميمي محمد / بولمان /المغرب