لينين ويلتسين:من رأسمالية الدولة إلى اقتصاد السوق


محمد سيد رصاص
2008 / 9 / 18 - 09:46     

لم يطبق الماركسيون منهج التحليل الماركسي في تفسير انهيار البناء الإقتصادي-الإجتماعي-السياسي الذي أقامته ثورة أوكتوبر1917بعد أربع وسبعين عاماً من انشائه،هاربين من الموضوع إما إلى القول بنظرية المؤامرة،أو للحديث عن"غياب الديموقراطية"و"أخطاء التطبيق"كتفسيرين لذلك،فيما يقول منهج كارل ماركس بأن التحولات السياسية الكبرى في نظام معين(التي تتضمن إما ثورة أوانهيار معين أوالإثنين معاً)هي حصيلة تغيرات بطيئة في البنية الإقتصادية-الإجتماعية تقود في مرحلة "ما"(وربما يجتمع آنذاك العامل الدولي مع المحلي أو لا)إلى نشوء تناقض بين تلك البنية والبنية السياسية- الدولتية،مايؤدي في النهاية إلى التصادم حتى الوصول(مثلما رأينا في ثورة1688بإنكلترا وفرنسا1789وروسيا1917)لإزالة الأولى للثانية،من أجل إقامة شكل شكل سياسي - دولتي جديد يعبر عن غالبية مصالح الفئات أوالطبقات- المتبلورة أوالمتجهة نحو التبلور- في المجتمع المعين،التي تميل إلى إقامة بنية اقتصادية-اجتماعية-ثقافية(وقانونية وأيديولوجية)أخرى تتظلل بذلك الشكل الجديد.
بدون هذا لايمكن تفسير سقوط نظام حزب كان يضم عضوية تسعة عشر مليوناً،وكان يمثل نظامه أحد قطبي العالم،بآلية تشبه سقوط أي بناء كرتوني في شهر آب من عام1991،بعد تلك المحاولة الإنقلابية الفاشلة من قبل شيوعيي الحزب المحافظين،الذين كان يذكر أدائهم بذلك الذي أبداه أرستقراطيوا فرنسا المهزومين أمام الطبقات الجديدة المنتصرة في ثورة1789.
من خلال ذلك يمكن القول بأن يلتسين كان هو الوريث الشرعي للينين،ولمسار ثلاثة أرباع القرن من عمر ثورة أوكتوبر،وليس بريجنيف أوأندروبوف.والواقع أن المسار الذي اختطَه لينين،وعارضه أغلب كبار ماركسيي عصره من كاوتسكي وبرنشتين وبليخانوف ،قد كان على تعارض جبهي مع ماوضعه ماركس كأسس لقيام الثورة الإشتراكية ،التي كان يرى بأنها لايمكن أن تقوم إلافي مجتمع رأسمالي متقدم يستنفذ فرص تقدمه عبر الشكل الرأسمالي حتى يصبح الأخير معيقاً لتطور القوى المنتجة من خلال علاقات انتاجه،لتأتي الإشتراكية كحل لذلك،وفي هذا الإطار تأتي ملاحظة مؤسس الحزب الشيوعي الإيطالي أنطونيو غرامشي بأن ثورة أوكتوبر،التي قامت في بلد متخلف تختلط فيه الرأسمالية الجنينية مع أنماط انتاج وعلاقات ماقبلها،هي"ثورة ضد كتاب(رأس المال)لماركس".
إن عضو المكتب السياسي للحزب البلشفي ،بين عامي1919-1921،(أوجين بريوبراجنسكي)،قد كان واعياً ،بكتابه"الإقتصاد الجديد"عام1926،بأن البلاشفة وبسبب ظروف وشروط روسيا المتأخرة مضطرون للمرور في مرحلة التراكم الأولي،وأنهم سيضطرون،من أجل ذلك ولوعبر وسائل عنيفة،لإنشاء نظام شبيه بنظام دولة الحكم المطلق،كما مارسه هنري الثامن في انكلترا(الذي حجَم قوة الأرستقراطية وأمم ممتلكات الكنيسة والأديرة جاعلاً نفسه رأس الكنيسة بعد فصلها عن روما في عام1534)أولويس الرابع عشر الفرنسي الذي قال ،بثمانينيات القرن السابع عشر،عبارته الشهيرة:"أنا الدولة".
لم يؤد هذا كله إلى أكثر من نظام أحدث تأميمات للصناعة،وتجميع زراعي،ماجعل الدولة هي الرأسمالي الوحيد في المجتمع السوفياتي،وكذلك أجرى تحديثات وتطويرات تقنية ودخول في الحداثة لم يُستطع من خلالها"الدخول في الإشتراكية"،وإنما كان(اقتصاد السوق)و(الديموقراطية السياسية)بديلين بالنهاية عن(رأسمالية الدولة)و(الحزب الواحد).
في الصين أيضاً كان الرأسمالي الصيني الجديد الحالي هو الوريث لماوتسي تونغ،ولومر هذا عبر سلطة الحزب منذ اصلاحات دينغ سياو بينغ الذي خطَ طريقاً منذ عام1980 أصبح فيه الحزب الشيوعي ،المتفرد بالقرار السياسي،هو قائد الثورة الرأسمالية،فيمالم يستطع الشيوعيون السوفييت ذلك مع غورباتشوف.
هنا،في العالم العربي وعبر تجربتي النظامين الناصري والبعثي،يحصل شيء قريب من ذلك:قام عبد الناصر وحزب البعث بثورة اقتصادية-اجتماعية،عبر الوصول للسلطة السياسية والتفرد بها،استطاعا من خلالها ،بعد إزالة الرأسمالية القديمة وبقايا الإقطاع،إعادة صياغة الإقتصاد من خلال التأميمات للمصارف والصناعة وعبر الإصلاح الزراعي ومن خلال سيطرة الدولة على التجارة الخارجية،ليوضع مسار اقتصادي جديد كانت(رأسمالية الدولة)هي عنوانه.عبر هذا المسار،ومن خلال عباءة السلطة السياسية المتحكمة بالقرار الإقتصادي- الإجتماعي،تبلورت- أوهي على وشك التبلور- طبقة رأسمالية جديدة،أتت من أفراد في السلطة أومن جنوبها أوأطرافها أومن المتشاركين اقتصادياً مع أفراد منها من بقايا الرأسمالية القديمة أوالأغنياء الجدد.
في مصر كان هذا المسار أسرع من سوريا،بسبب أن تحولات الأيديولوجيا والسياستين الداخلية والخارجية،منذ فترة 1974-1979،قد أمنَت مظلة كبرى ملائمة للتحول الإقتصادي- الإجتماعي نحو رأسمالية اقتصاد السوق:رغم هذا لايمكن القول بأن هذه الطبقة الرأسمالية الجنينية هي التي تحكم القاهرة الآن،حتى ولوأتى نصف عدد مجلس الوزراء المصري الحالي من وسط رجال الأعمال وكذلك"مجلس الشعب"،بل يمكن القول أن الجيش،ومعه فئة بيروقراطية الإدارة،مازالا يمسكان بالحصة الكبرى من القرار.
من جهة أخرى،نجد في سوريا الآن أن التحولات الإقتصادية باتجاه الليبرالية قد تسارعت خلال السنتين الماضيتين بمايعادل - بل ويفوق - تحولات استغرقت ثلاثة عقود من الإنفتاح الإقتصادي الذي بدأ بعد حرب1973.حالياً،أصبح صوت رجال الأعمال والصناعيين والتجارأكثر سماعاً في دمشق،إلاأنهم أقل قوة من نظرائهم المصريين الراهنين،ولهم حصة أقل في صنع القرار،وهذا ربما عائد ،لحد بعيد،إلى أن مظلة الأيديولوجيا "الملائمة"لم تؤَمن بعد في نظام مازالت بنيته العقائدية-الأيديولوجية هي نفسها التي كانت في الستينيات،فيمامازالت دمشق - على الأقل منذ عام2003مع سقوط العراق بيد الإحتلال الأميركي - على تصادم مع عاصمة الليبرالية العالمية في واشنطن.
السؤال:هل هذه التحولات- من رأسمالية الدولة نحو اقتصاد السوق- هي تعبير عن اتجاه حتمي ،مادام الأول يفرز البنى الاقتصادية الاجتماعية للتحول نحو الثاني ؟