التطور بين الهيغيلية والماركسية 1


جهاد علاونه
2008 / 7 / 31 - 10:55     

معظم النظريات الحداثية تؤمن بالتطور ولكن ليس من الضروري أن يتفق معظم التطوريين مع هيغل ولا (ماركس) مع( كونت) ولا (كونت) يتفق مع( أمنوائيل كانت)ولا (سبنسر )مع ...إلخ .
ومعظم التطوريين لا يتفقون مع هيغل إطلاقا إنطلاقا أيضا من مقولته :كل ما هو عقلي واقعي وكل ما هو واقعي عقلي .
أي أن لهيغل مسلمات عقلية ليس من الضروري أن تكون صحيحة .
يرى هيغل بعينه الثاقبة أن مجموعة الفنون الرومنسية لا ترقى إلى مستويات الفنون الكلاسيكية لغة ومعنى .
ويرى كذلك أن كل الفنون المسرحية وغيرها لا تصل إلى مستوى الفنون التعبيرية الكلاسية .
هنا يؤكذ هيغل أنه لا يوجد رابط بين الجمال والتطور إطلاقا ويحدد ثلاث مراحل للتطور عبر العصور وهي :
-الرمزية الشرقية ..والتي بدأت بالفنون النحتية التعبيرية والتي تعبر من خلال إيمآت حركية للمنحوتات الفنية .
-الكلاسية اليونانية ,وتتمثل بجميع الفنون الأدبية الشعرية المسرحية وكافة المتفرعات عنهن .
-الرومنسية المسيحية ,وتتمثل بحركات القداس وحضور المسيح بالخبز المقدس وولادته وبعثه وإنتساب أبوة الرب له وكلها ذات معاني رومنسية .

والتطور: هو التقدم والإرتقاء والصعود والنهضة والثورة والتغيير في كافة المجالات والتطور لا يكون في الإنسان وحده بل بالانسان والحيوان والنبات والشارع والبحار والكواكب وفي الأرض والجيولوجيا والبيولوجيا وفي التاريخ والآداب والشعر والفنون بكل أشكالها وألوانها، وهو علمٌ له قانون ديالكتيكي واحد، تتخذ مادته من الصراعات والاطماع والفضول العلمي وحب الاستكشاف، وكل شيء يجب أن يتطور والا فإنه سينقرض، ويمتاز بهذا الإنسان عن غيره بالخبرة والتجربة وهناك بعض المخلوقات تحاول أن تطور في كسب لقمة عيشها ولكن هذا التطور لا يدوم، مثال ذلك أن بعض أنواع القردة تطور طريقة جديدةً لكسب عيشها ولكن هذا التطور يموت مع موت صاحبه بعكس الإنسان الذي يستفيد من تجاربه وتجارب غيره وكل هذه التطورات وضعت من أجل هدفٍ واحد وهو خدمة الإنسان الذي تصاغ من أجله كل مشاريع البناء.

ولكن الحرية وحدها من حق الإنسان وحده .
وبذلك من حقه أن يتطور للأفضل وإذا نظرنا لنظرية هيغل حول التطور فإننا سنقف أمام أبناء يقفون ضد آبائهم وآباء يقفون ضد أبنائهم وضد مشاريعهم التطورية وأمام دول قمعية تقف ضد كل حركات الإصلاح والتطوير .

و الرمزية والكلاسية والرومنسية التي يتحدث عنها هيغل كل ذلك يبتز بعضه البعض لنصل بالنهاية مع هيغل إلى الرومنسية المسيحية والتي يراها أنها لا تصل إلى مستوى عظمة الكلاسيكية , أدبيا وإجتماعيا وسياسيا ودينيا فهو يرى أن المجتمعات القديمة أفضل من المجتمعات الحديثة ويرى أن التطور قد ظلم الحياة القديمة .
وكأننا هنا أمام إنسان مغرم بالتراث وبالفلكلوريات الشعبية ويجلس على باب داره وهو يتحدث لأحفاده عن الحياة القديمة بكل تفاصيلها وليقنعهم من أن حياته هو التي عاشها بالماضي أفضل من حياتهم هم اليوم ..وهيغل هنا يشبه شاعر عربي شعبي يتحدث عن الميجنا وأيام الميجنا والطرب القديم والدبكات الشعبية وغير ذلك ليصل بنا جميعا إلى نقطة أن التطور لا يعني الأفضل .

وذكر هيغل مرارا وتكرارا في معظم كتاباته من أن الحياة البرجوازية معادية للفن الرفيع .
أي أن هيغل يقصد من أن المجتمعات الحديثة البرجوازية قد مارست بترفها فنونا حديثة وحياة حديثة بسبب الترف وعوامله التي أظهرت عادات وتقاليد جديدة إستنادا إلى النظرية القائلة : من أن الكتب تغير العقائد ومن أن الثراء يغير العادات والتقاليد , والمناخ يغير الطبائع ...إلخ .

فالشعر الرومنسي الذي يراه هيغل أقل روعة وجودة وأناقة من الشعر القديم ليس من الضروري أن ينطبق على كافة الفنون بدليل أنه هنالك أعمال أدبية كلاسيكية تافهة المعنى وهنالك أفلام تلفزيونية بالأبيض والأسود ليست بمستوى جيد من ناحية الإخراج والإنتاج والتمثيل وهنالك مسرحيات أدبية قديمة وأشعارا أدبية قديمة ليست بمستوى الأشعار والأعمال الأدبية الحديثة وأن هنالك اليوم عندنا أعمال رومنسية أيضا تافهة ولكن هل نستطيع أن نفضل الشاعر إمرأ القيس على نزار قباني , ؟
إن نزار قباني أفضل وأحمد شوقي أفضل من إمرأ القيس وأمرأ القيس بنفس الوقت أفضل من شعراء حداثيين غير نزار قباني ...إلخ .

وإن البناء المعماري القديم لا توجد به خدمات صحية ومرافق صحية كتلك الموجودة بالأبنية المعمارية الحديثة وإن الخدمات الصحية والتي يحصل عليها المواطن اليوم هي أكثر دقة وجودة من تلك التي كان يحصل عليها الإنسان قبل 100عام أو أكثر وهلما جرا .
وإن الحياة الحديثة اليوم والمجتمعات الحديثة اليوم هي أفضل من المجتمعات القديمة أي أن المجتمع المدني الحديث لا يضطر به المواطن بأن يعيش على الزكاة والصدقة لأن الدولة تكفل للمواطن الحياة الكريمة بفضل الحرية أيضا وإن ما تحصل عليه المرأة اليوم من حرية هو أفضل بكثير مما تحصل عليه المرأة المتخندقة بزوايا المجتمعات التقليدية الكلاسية .
إن الحرية اليوم والمصانع قد منحت الشعوب حقوق مدنية تشريعية ماكان ليحلم بها أبناء الملوك والإنسان اليوم أي المواطن يسكن في منازل من حيث التدفئة والتكييف والخدمات الصحية والمنافع والمرافق الصحية ماكان هارون الرشيد ولا الأباطرة ولا كسرى عظيم الفرس نفسه يصل لمستواها وإن الفقير والغني جميعهم يتناولون اليوم أغذية لاتختلف عن بعضها .