الماركسيون العرب والإسلام


محمد سيد رصاص
2008 / 7 / 9 - 10:56     

لم يكن البعد الفلسفي في الماركسية هو المقرِر لسياسة الماركسيين العرب- منذ بداية نشوء الأحزاب الشيوعية في العالم العربي عام1923في مصر- حيال الدين بشكل عام،والإسلام بشكل خاص،وإنما كانت حيثيات العمل السياسي ،والإستراتيجيات والتكتيكات المرحلية،هي المحددة لذلك.
في هذا الإطار تجنب الماركسيون العرب الدخول في صدام مع المقدسات،ومع المحرمات،ولم يدخلوا في مواضيع مثيرة للرأي العام،أوللإعتقادات السائدة،كما فعل الليبراليون مثل علي عبد الرازق في كتابه"الإسلام وأصول الحكم"1925لما شكك في المستندات الدينية للخلافة بعد عام من الغائها من قبل أتاتورك،أوطه حسين في كتابه"في الشعر الجاهلي"1926 الذي أعطى رؤية شكيَة عن جوانب من التاريخ العربي،مبيناً،عبر طرق بحثية استخدمت منهج ديكارت،أسساً للشكوك في أن يكون الشعر الجاهلي قد نُظم فعلاً قبل الإسلام.على العكس من هذا،نجد الماركسيين يتجهون إلى تقديم سياسات تراعي البنى الإجتماعية والثقافية السائدة،من دون طرح قضايا فكرية تثير الجدل أوتصدم الرأي العام،مثل العلمانية أوالدخول في نقد فلسفي للدين وبناه المعتقدية،مع اتجاه عندهم إلى تقديم قيادات آتية إما من عائلات دينية= حسين محمد الشبيبي+ سلام عادل(حسين أحمد الرضي)بالعراقأومن عائلات وجيهة اجتماعياً=خالد بكداش+يوسف فيصل،كماأنهم ومع تقارب عبد الناصر والسوفييت، منذ عام1955،قد حرصوا على أن يكون في "منظمات السلم"،الرديفة لهم،أشخاص لهم مكانتهم مثل المجاهد السوري محمد الأشمر في ثورة1925ضد الفرنسيين أوالشيخ عبد الله العلايلي.
بالمقابل فإن من دخل في صدام فلسفي مع الدين قد كان من بعض الداخلين حديثاً إلى الماركسية،بعد أن أتوا إليها من مواقع قومية إثر هزيمة 1967،مثل الدكتور صادق جلال العظم في كتابه"نقد الفكر الديني"الذي كان أقرب إلى أفكار مادية عصر الأنوار الفرنسي=ديدرو+دوهلباخأكثر من قربه من نقد ماركس للدين.
على جانب آخر ،نشأ جو فكري- سياسي ،كحصيلة لإصطفافات الحرب الباردة سواء على ماأتى من بعدها الدولي أوعلى صعيد انعكاساتها عربياً لماوقف الإسلاميون الإخوانيون في صف الغرب وفي صف معادٍ لحلفاء موسكو العرب، ولدَ-أي هذا الجو- بالتزامن مع ذلك أولاحقاً تنظيرات ماركسية جديدة تناولت الشأن الإسلامي:بدأ أحمد عباس صالح ذلك منذ النصف الأول للسبعينيات،عبر كتابه"اليمين واليسار في الإسلام"،طارحاً طروحات تقول ب"تقدمية"أبوذر الغفاري والشيعة والقرامطة والزنج وب"رجعية"مخالفيهم،في اتجاه تبنى أطروحة روجيه غارودي عام1966"من أن الجزائري ذا الثقافة الإسلامية يستطيع أن يصل إلى الإشتراكية العلمية من منطلقات أخرى غير سبل هيجل أوريكاردو أوسان سيمون،فقد كانت له هو الآخر اشتراكيته الطوباوية ممثلة في حركة القرامطة،وكان له ميراثه العقلاني والجدلي ممثلاً في ابن رشد،وكان له مبشر بالمادية التاريخية في شخص ابن خلدون""ماركسية القرن العشرين"،دار الآداب،بيروت1968،ص 15،حتى وصل هذا الإتجاه إلى ذروته مع كتاب الدكتور حسين مروة"النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية"الصادر في عام1978،الذي حاول فيه تطبيق نظرية فريدريك إنجلز حول(حزبية الفلسفة بين المثالية والمادية)على التاريخ والفكر الإسلاميين،حتى الوصول إلى حدود لم تكن فيها عبارة مهدي عامل عنهعن"ذلك الشيوعي الشيعي"ببعيدة عن الواقع.
أتى كتاب الدكتور مروة في وقت كانت ثورة ايران مشتعلة في بحر عامي 1978-1979،وقد حصلت آنذاك موجة فكرية- سياسية،شملت شيوعيي(وماركسيي) العالم العربي من القاهرة إلى بيروت ودمشق وصولاً إلى بغداد التي بدأفيها الصدام بذلك العام(1978)بين الشيوعيين ونظام البعث الذي كان متوجساً من صعود الخميني،لتطرح تلك الموجة "ضرورة" التلاقي بين"الإسلام الثوري الآتي من طهران" والماركسية،حتى حدود وصلت بصحيفة الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي)للقول بأنه"من مآثر مدرسة الخميني أنها لم تطرح برنامجاً يقوم على أساس ديني بحت بل طرحت بديلاً اجتماعياً وقومياً في إطار ديني ثوري""نضال الشعب"،العدد206،آذار1979،قبل أشهر قليلة من فتكه بماركسيي منظمة"فدائيي خلق" ثم ب"حزب تودة"،وبالليبراليين والقوميين العرب والأكراد والأذربيجانيين والبلوش.
عزز هذا الإتجاه اصطفاف اسلاميي الحركة الإخوانية العالمية في صف"مجاهدي أفغانستان"الذين قاوموا،بالتحالف مع الغرب،النظام الشيوعي المحليمنذ27نيسان1978والدبابات السوفياتية الغازية لأفغانستانمنذ27كانون أول1979،لتأتي هذه التنظيرات الفكرية حول التاريخ الإسلامي،القائلة ب"رجعية"الأكثرية وب"تقدمية" الأقليات الإسلامية،كحصيلة وكغلاف نظري للإصطفافات السياسية الدولية والإقليمية والمحلية،وإن كان أيضاً لايمكن عزلها عند الكثيرين عن محمولات اجتماعية وذهنية يحملها( من محيطه) المتحزب والمتأدلج العقائدي إلى حزبه واتجاهه الفكري-السياسي،ليختلط الجانب الأول مع الثاني في نسب لكل منهما تكبر أوتصغر.
مازال الكثير من هذا المسار التاريخي يلقي بترسباته الذهنية،وتصوراته وطريقة نظرته للأمور،عند الكثير من الماركسيين العرب المعاصرين في فترة مابعد سقوط السوفييت،كماأن ذلك يلمس بسهولة عند الكثير من الليبراليين العرب الجدد،الذين أتى معظمهم من الماركسية في فترة مابعد تحولات عام1989،أثناء تناولهم للموضوع الإسلامي،حيث حملوا الكثير من أفكارهم هناك ونقلوها إلى موقعهم الليبرالي الجديد،مغيِرين اللون فقط.
ألم يحن الوقت لكي يقوم كل تيار فكري-سياسي عربي بالنظر إلى نفسه عبر مرآة المراجعة،سواء التي تشمل كافة المواضيع،أوكل موضوع على حدة؟..............