التغيير والتجديد في الفكر الماركسي الخلاق


فلاح أمين الرهيمي
2008 / 6 / 28 - 12:42     

إذا نظرنا الى حياة الإنسان منذ ظهورنا ونشوؤها وتطورها الى يومنا هذا وكيف انتقل الأحياء من طور الى طور وكيف تحول المجتمع الإنساني من مرحلة الى أخرى وكيف انبثقت الشرائع والأنظمة والحضارات ؟ وما هو الإنسان اليوم بالنسبة الى إنسان التاريخ ؟ وما هي القيم الإنسانية وماذا كانت نتيجة التحول العضوي للإنسان ؟ وماذا كانت تأثيره في حياة الإنسان وأوضاعه الاجتماعية والنظامية ؟ أن ما يتمتع به إنسان اليوم من حضارات وعمران وتقدم وتطور في العلوم والتكنولوجيا وثورة في المعلوماتية والاتصالات ليس وليد العفوية بل هو وليد سلسلة من التفاعل العضوي والطبيعي ووليد سلسلة من التفاعل العقلي والإدراكي . هي قصة بدأت منذ ملايين السنين ولما تنته بعد وليس طبيعياً أن تنتهي أو تقف عند حدّ .
كان يعيش الجد الأول للإنسان في الأدغال والغابات ويأكل من حينئذ الحيوانات ومن ثمار الأشجار والحشائش ويسكن في الكهوف والمغاور وتكلم بنيرات صوتية تشبه الحيوانات هذا ما استنتجه وتوصل أليه الباحثون والعلماء في بحوثهم ودراستهم وما عثر عليه من آثار في غابات ألامزون وغيرها في أمريكا الجنوبية وفي غابات روديسيا وأفريقيا . ثم دفعته الحاجة الى الاشتراك مع أبناء جنسه كي يشيع رغباته وشهواته ثم دله إدراكه الفطري على انه ينال ما يشبع فيه هذه الشهوات والرغبات إلا إذا سعى إليها للحصول عليها فجعلت تنمو من جراء هذا الإدراك تلافيف دماغية أكثر فأكثر حتى أصبح الإنسان يمتاز عن أعلى الأنواع الحية بميزته الإدراكية التي تسمى العقل الدبر و الخلاق التي استطاع بواسطته ان يغلق جميع القيم والمستلزمات والحاجيات المعنوية والمادية لحياة الإنسان ومن هذا يعتبر العقل اذن وليد المادة الدماغية وأصبح الانسان يستنبط منه الأفكار تبعاً للحاجة الضرورية واصبح عقل الانسان يتطور وينمو كلما تغيرت حاجاته ورغباته ولذلك اصبح هذا العنصر الجديد في الانسان أي العقل هو الذي جعل منه الكائن العلى بين الأحياء وهو الذي يستنبط كل فكرة سواء كانت دينية ام اجتماعية ام عقائدية ينتج عنها نسقاً معرفياً كلياً يرتبط بعملية إنسانية واسعة تشكل من خلالها رؤية أكثر حداثة وانسجاماً للعالم بما يخدم تطور وتقدم المجتمع والإنسان نحو الحياة السعيدة والرغيدة والمستقبل الأفضل من خلال هذا المنظار الذي جعل للأنسان دور فعال في الحياة والتأريخ اصبح للأنسان موقف وفعل فالموقف يستنبط منه الرؤيا والاجتهاد من خلال الواقع الموضوعي للمجتمع الذي يدفع الانسان الى فهم وجوده والتي من خلالها يقهم ذاته عن طريق معرفة مجتمعه وانصهاره به والذي من خلال ذلك يلتزم به التزاماً أخلاقيا فتكونت شخصيته في عملية الصيرورة من الوعي والإدراك لمأساة مجتمعه وآلامه المزرية مما جعلته يعيش في حالة من الإرهاصات النفسية والتأثر والانفعالات وفي صراع وجدل مع الذات الانسانية نتيجة الوعي الفكري والإدراك الذي يفرزه ويتحكم بمعطياته العقل الذي والذي يكون له القرار الأخير في تغيير الذات الإنسانية ويدفعها الى التقدم والتغيير من مرحلة الى اخرى حسب ظروف جدليته نحو مجتمع جديد ومن اجل ان تبلغ هذا الذات سموها وطموحها وكمالها فجعلت منه انساناً نموذجياً يمتاز بموقف تتجسد فيه كل الصفات الانسانية . انما الفعل فهو حركة الانسان واندفاعه وديناميكيته الى أمام التي تؤدي الى مسيرة التأريخ نحو التقدم والحياة الأفضل لأن التقدم والتطور الاجتماعي يحدث من خلال الانسان وذاته ومن خلال حركته ووجوده ومن خلال عقله ومحيطه ومن خلال هذا السياق لابد من الإشارة ان أية ظاهرة في الوجود تؤكد حقيقتها من خلال سلوكها وممارستها وكما يقول ماركس : ( ان البشر هم الذين يصنفون تأريخهم بأنفسهم)
ان الطبيعة تعلمنا ان الماء يفسد إذا بقي راكداً في مكان واحد لفترة طويلة في حين يحتفظ الماء الجاري بعذوبته ونقاوته ويكون ملائماً وصالحاً للاستعمال العام .
وهكذا هي طبيعة الحياة الحركة والديناميكية والتقدم والتطور والتغيير والسير الى أمام وليس من طبيعتها الجمود والثبات لأن ذلك يخالف قانون الحياة ومسيرة التاريخ وتطوره ومن خلال هذه المسيرة يشاهد ويلمس أشياء جديدة وغير معروفة للأنسان سابقاً وغريبة ومستقلة عن حياته ومشاعره ووجدانه وكان يجهل حقيقة وطبيعة هذه الأشياء ومع مرور الوقت تطورت مداركه العقلية ومعرفته نتيجة التوسع والاكتشاف والتي أدت بالإنسان الى الارتقاء الى مستوى تطور شروط جدليته التي لها تفصيلاتها نتيجة توسع معارفه وتراكم عوامل ومؤثرات أدت بدورها الى الانتقال من مرحلة الى اخرى بشروط جديدة وصراع جديدة تتحرك به عجلة التأريخ الى أمام .
أن الانسان الذي يعيش في مكان واحد وخطط مجموعة من الناس في محيط ثابت في كل يوم يشاهد فيه نفس الشجرة ونفس النهر ونفس الحيوان ونفس الوجوه من البشر الذي يلتقي بها ويجلس معها كل يوم مثل هذا الانسان يكون جامد الوعي والتفكير ويصبح إنسان متأخر وغير قابل للتطور والتقدم بعكس الانسان الذي يسير ويسلك طرق وأماكن مختلفة يشاهد أشجار مختلفة ومتنوعة ويشاهد انهار ومجاري مياه مختلفة أنواع مختلفة من البشر كما أنه يشاهد في طريقه المطبات والحفر والحجر والمرتفعات والهضاب وغيرها فيتطور عقله ومداركه حينما يشاهد هذه المظاهر من الأرض والنبات والحيوان والإنسان ومما يؤدي الى نمو وتقدم وتطور ماركه وعقله وهذه الظاهرة تنطبق وتتناسق مع كل مجتمع ومع كل حزب او عمل او مهنة او إنسان فإذا كان سليم التفكير يؤمن بالتقدم والتطور والتغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي ومن هذا المنطلق ايضاً يعالج ويرسم الفكر الماركسي من خلال جدلية الفكر والواقع الموضوعي فيعتبر ان ليس هنالك صيغة معينة او تصور تام وكامل من كافة الجوانب يمكن تطبيقه على عدة مجتمعات في زمان واحد ومكان معين فالفكر الماركسي الذي يعتمد ويعتبر المطلق الوحيد في هذا المجال هو نسبية الأفكار ويعتبر الفكر الصحيح والناجح والأكثر فا علية وتأثير هو ذلك الفكر الذي تكون متغيراته أكثر من ثوابته وهو يعتبر ان لكل عصر متطلباته ولكل مجتمع احتياجاته وعاداته وتقاليده . ولنسبة الفكر ثلاثة أبعاد هي :
1ـ النسبية المكانية : فما يصح ويكون مقبولاً وشائعاً في مجتمع معين قد لا يصح في مجتمع اخر في الزمان ذاته وذلك بسبب اختلاف الواقع الموضوعي .
2ـ النسبية الزمنية : اذ ان ما يكون صحيحاً اليوم قد لا يكون غداً بسبب تبدل الواقع .
3ـ النسبية الشخصية : لا يوجد في العالم شخص يشبه شخص آخر من حيث الشكل والطباع والمزاح والتكوين والنفسي والنشأة والتكوين البيئي فكل إنسان ان كان باحث او مفكر او مجتهد او أمي يفهم الحياة وفق منظاره الخاص ويفهم الفكر وفق خصائصه الشخصية وتكوينه العقلي والنفسي والرؤيا والاجتهاد . وان جميع هذه الضوابط والثوابت ذات طابع وعلاقة ومفهوم نسبي وليس مطلق .1وقد وضح العبقري (لينين) الجدلية بين الأفكار من حيث الواقع المكاني والزمني والشخصي .
فقال : ( ان المفاهيم التي تبدو ثابتة في المظهر تتغير بشكل جذري في مضمونها عندما تنتقل من سياق تجربة تاريخية اجتماعية الى سياق تجربة اخرى ) .
وجسد جوهر الفكر الماركسي بما يلي :
1ـ ان الأشياء وجدت مستقلة عن الانسان وعن شعوره ووجدانه .
2ـ لا فرق بين الأشياء وما ينتج عنها .
3ـ الاختلاف مرهون بما يعرف عن الحقائق وما لم يصل الانسان لمعرفته
4ـ المعرفة بنت الجدل وهي كغيرها من العلوم ليست محدودة ولا مطلقة بل نسبية وقابلة للبحث والاستكشاف .
5ـ لا عصمة بالمعرفة ان الجهل بالشيء لا ينفي وجوده ولا صحته .
مما تقدم يتبين بجلاء ا التجديد والتغير هي حالة صميمية ملازمة ومنصهرة بالفكر الماركسي وعلى ضوء الزلزال الذي أدى الى تفكك الاتحاد الســوفيتـي وبلدان المعسكر الاشتراكـي أدت الى البحث والدراسات عن سبب الزلزال ونتائجه عكفت عليها وقامت بها الأحزاب الشيوعية في كثير من دول العلم فبرزت خصوصياتها في الرؤيا والاجتهاد وفي الاختيار الذي يسلكه كل حزب ويترجم فيه أفكاره في الوصول الى عدالة اجتماعية ترفع الظلم والجور والحرمان والاضطهاد عن أبناء الشـــعب وتحقيق السعادة والرفاه والمستقبل الأفضل لجماهير الشعب .