التغيرات الدولية والنزاعات الوطنية / الإقليمية


لطفي حاتم
2008 / 5 / 28 - 10:35     

تعرضت ولازالت دول الشرق الأوسط وتشكيلاتها الاجتماعية إلى كثرة من الحروب الإقليمية والتداخلات الدولية فضلا عن نزاعاتها الاجتماعية وما أنتجه ذلك من عدم تمكن دول المنطقة من بناء أمن إقليمي مستند على مصالحها الوطنية وضمان مستقبل مكوناتها الاجتماعية.
إن أسباب النزاعات الإقليمية والتوترات الاجتماعية الوطنية متعددة المصادر منها عوامل متعلقة بنشأة الدول الوطنية ومنها طبيعة بناء أنظمتها السياسية ومنها النزاعات العرقية/ الدينية فضلا عن تناقضات مكوناتها الاجتماعية، لهذا بات من الصعب على الباحث رصد تلك الأسباب وتحليلها في دراسة واحدة. لذلك وارتكازاً على تعدد مصادر النزاعات الوطنية / الإقليمية أحاول التعرض لها ارتباطاً بـالمفاصل التالية: ـ
أولاً: التطلعات الأيديولوجية والنزاعات الوطنية / الإقليمية.
ثانياً: ـ التوسع الرأسمالي وتأثيراته الوطنية / الإقليمية.
ثالثاً: السياسة الدولية وآفاق تطور الأمن الوطني /الإقليمي.
على أساس تلك العدة المنهجية أتعرض إلى مفاصل البحث برؤية تحليلية/ نقدية مستنداً إلى الوقائع التاريخية.

أولاً: التطلعات الأيديولوجية والنزاعات الوطنية / الإقليمية.

نشأت الدول العربية بعد دخول التوسع الرأسمالي مرحلته الثانية المتسمة باقتسام العالم جغرافيا وسياسيا حيث عمدت دول الحلفاء المنتصرة في الحرب الوطنية الأولى إلى تقسيم ولايات الإمبراطورية العثمانية إلى مناطق نفوذ فيما بينها، وارتباط بالتوسع الكولونيالي المتسم بتقاسم النفوذ أحاطت الدول الكولونيالية تلك المناطق بسيادة وطنية شكلية بهدف حصر استثمار ثرواتها الوطنية، واحتكار أسواقها الداخلية والأشراف على علاقاتها التجارية الدولية .
لقد أفرزت الحرب العالمية الأولى حزمة من التغيرات الدولية / الإقليمية تجسدت في جملة من الوقائع أهمها:ـ
1: ـ انقسام العالم إلى ازدواجية خيار التطور الاجتماعي رأسمالي / اشتراكي.
2: ـ انبعاث الموجة القومية الثانية بعد إعلان مبادئ الرئيس ولسن ونداءات الثورة الاشتراكية في روسيا السوفيتية.
3: ـ تنازع الدول الرأسمالية وتشكل المحاور العسكرية الهادفة إلى وأد التجربة السوفيتية.
4: ـ ظهور وتنامي حركات التحرر الوطنية المناهضة للهيمنة الكولونيالية.
إن تغير العلاقات الدولية وظهور دول جديدة فاعلة على مسرح السياسية الدولية يكتمل عند تفحصنا لطبيعة الدول الوطنية ومنظومتها السياسية الناهضة في كنف الهيمنة الكولونيالية والمتصفة بالسمات التالية: ـ
ـــ ظهور ازدواجية الهيمنة الخارجية / الداخلية على السلطة السياسية للدول الجديدة.
ــ تفكك التشكيلات الاجتماعية المحلية القديمة وإعادة بناءها على النمط الرأسمالي بهدف تشديد تبعيتها للدول الكولونيالية وما نتج عن ذلك من ظهور شرائح وطبقات اجتماعية جديدة تتطلبها المصالح الاستراتيجية للرأسمال الكولونيالي، مثل الطبقة العاملة في ــ السكك الحديدية، مشاريع النفط الموانئ ــ والطبقة الإقطاعية بعد توزيع الأراضي الأميرية عليها ناهيك عن الطبقة التجارية الكمبورادورية المتصفة بترابط نشاطها التجاري مع الشركات التجارية في الدول المسيطرة.
ـــ تنامي الدور السياسي / الأيديولوجي للطبقة الوسطى كونها (الطبقة التاريخية ) البديلة عن البرجوازية الوطنية المعاق تطورها بسبب السيطرة الكولونيالية ونتائجها على البنية الاجتماعية.
إن فحص التغيرات السياسية / الاجتماعية في الدول الوطنية يشترط التوقف عند التطلعات الأيديولوجية لأحزاب الطبقة الوسطى ومساهمتها في النزاعات الوطنية / الإقليمية. وبهذا السياق أحاول التوقف عند دور الطبقة الوسطى في دول الشرعية الانقلابية وسماتها السياسية في الدول المحافظة.
دور الطبقة الوسطى وسماتها التاريخية
عند دراستنا للطبقة الوسطى لابد لنا من رصد مواقعها الاجتماعية وسماتها السياسية في المنظومة السياسية للدول الوطنية المتصفة بالعناوين التالية: ـ
العنوان الأول ــ نهوض الطبقة الوسطى كقوة تاريخية بديلة عن البرجوازية الوطنية المعاق تطورها في المرحلة الكولونيالية.
العنوان الثاني ـ الروح الأيديولوجية لفئات الطبقة الوسطى الهادفة إلى بناء دولة عربية واحدة، أو تلك الساعية إلى بناء دولة وطنية بمضمون اشتراكي. ( 1 )
العنوان الثالث: ـ النزعة الانقلابية لغرض الوصول إلى سلطة الدولة والاعتماد عليها كرافعة للتحولات الاجتماعية والسياسية.
لغرض تزكية السمات المشار إليها لابد من إكسابها ملموسية تاريخية الأمر الذي يشترط دراسة تحولاتها في دول الشرعية ( الثورية ).
1: ــ الطبقة الوسطى وتحولاتها التاريخية.
لنزعتها الأيديولوجية وروحها الانقلابية واعتمادها الدولة أداة للتحولات الاجتماعية استلمت الطبقة الوسطى سلطة الدولة لغرض تحقيق شعاراتها القومية / الاشتراكية، وبهذا المسار أقدمت الشرائح الحاكمة على إحداث سلسة من التحولات الاجتماعية / الاقتصادية أثرت لاحقاً على البنية الفكرية / السياسية لفئات الطبقة الوسطى الحاكمة.
إن تغيرات البنية الفكرية / السياسية التي طالت الفئات الوسطى الحاكمة يمكن تأشيرها في ثلاث مفاصل تاريخية كبرى: ـ
أ: ـــ أفضت هيمنة الدولة على وسائل الإنتاج والتحكم بالثروة الوطنية إلى تمايزات طبقية في بنية الشرائح الحاكمة من الطبقة الوسطى إذ تحولت تلك الفئات وبسبب سيطرتها الاقتصادية / السياسية إلى برجوازية بيروقراطية منتفعة من الثروة الوطنية بعد احتكارها السلطة السياسية.
ب: ــــ انتقال الفئات الوسطية الحاكمة إلى برجوازية بيروقراطية أدى إلى تحولات فكرية/ سياسية وما نتج عنها من مراجعة شاملة في مساراتها السياسية والاجتماعية عبر منهجين الأول منهما الاستمرار في تطوير النزعة البوليسية للدولة بعد تحولها إلى دولة استبدادية. وثانيهما البحث عن مساومات خارجية للتخلص من نزعتها القومية عبر تنازلات وطنية. ( 2)
ج: ـ بعد المراجعة الأيديولوجية وترسيخ النزعة الاحتكارية للسلطة حدث تغيرات جديدة في بنية السلطة السياسية من خلال تحول جهازها البيروقراطي العسكري / المدني إلى جهاز سياسي عامل على توطيد العلاقات الاقتصادية / السياسية بين الرأسمال الوطني والرأسمال الدولي. ( 3 )
إن تحولات الطبقة الوسطى وتعدد انتقالاتها الفكرية / السياسية أفضت إلى ضياع فرص واقعية لبناء دول قوية قادرة على حماية حقوقها الوطنية.

2: ــ الطبقة الوسطى في دول الشرعية العشائرية.

إن تحولات البنية الداخلية للطبقة الوسطى الحاكمة في دول الشرعية الانقلابية قابلتها تغيرات أخرى في دول الشرعية الأسرية حيث نمت وتطورت شرائح برجوازية طفيلية اتسمت بضعف مساهمتها السياسية وغياب روحها الانقلابية وبهذا المعنى ساهمت هذه الشرائح في ديمومة السلطة السياسية المبنية على الروابط العشائرية من خلال الوقائع التالية: ـ
ــ تحول أقسام من أبناء العشائر والأسر المرتبطة بمركز القرار السياسي إلى شرائح تجارية / خدمية تترابط مصالحها مع السلطات الحاكمة من جهة والشركات الدولية من جهة أخرى.
ـــ تطورت وبسبب طفرة البناء والتعمير الشرائح العقارية التي شكلت قاعدة إضافية للسلطة السياسية.
ـــ نتيجة لوفرة الأموال المتأتية من الريوع النفطية نمت شريحة أخرى متمثلة بالفئة المالية المتشابكة مع المؤسسات المالية الدولية.
ــ إن التغيرات الاجتماعية / السياسية المشار إليها ناهيك عن تباين الأصول القومية لبعض الشرائح الطبقية الوافدة أدت إلى إبعاد الطبقة الوسطى عن الانغمار بالحياة السياسية والمشاركة في النزاعات الوطنية.

استناداً إلى تلك المؤشرات نستطيع القول أن الشرائح الطبقية المتشكلة في حضن السلطات العشائرية ورغم مكانتها الاقتصادية إلا أنها تفتقر قدرة الانتقال إلى ضفاف الشريك المتوازن مع الحليف الخارجي. بكلام أخر إن استقرار دول الشرعية العشائرية وتطورها الراهن لم يأت نتيجة لتطورها الداخلي المعتمد على بنية اقتصادية وطنية بل ارتبط نموها واستقرارها السياسي من خلال لحمتها القرابية والحماية السياسية / العسكرية الخارجية.
بعد هذه الرؤية المكثفة لطبيعة القوى الاجتماعية التي تحكمت بمصائر التطور السياسي الاقتصادي في البلدان العربية يواجهنا السؤال التالي: ما هي أشكال النزاعات الوطنية /الإقليمية في الحقبة التاريخية التي جرى رصدها في مرحلة المعسكرين ؟.
لغرض الإجابة على ذلك السؤال يتحتم علينا حصر تلك الإشكالات في حقولها الأيديولوجية / السياسية المتمثلة بــ: ـ
أولاً: ــ ترابط ظهور النزاعات الأيديولوجية بالموجة الثانية من التوسع الرأسمالي المتسم بالتنافس حول خيار التطور الاجتماعي رأسمالي / اشتراكي الأمر الذي أعطى دفعاً لتفجر النزاعات الوطنية / الإقليمية وانعدام المساومة التاريخية المفضية إلى بناء ركائز الأمن الوطني / الإقليمي.
ثانياً: ـ. تجلت النزاعات الأيديولوجية بمشروعي التنمية المستدامة وفك الارتباط من جهة ومشروع التنمية المترابطة والتحالفات الخارجية من جهة أخرى.
ثالثاً: استقطاب النزاعات الداخلية حول خيارات التنمية الوطنية وما نتج عنها من امتدادات أيديولوجية إقليمية / دولية

ثانياً: ـ التوسع الرأسمالي وتأثيراته الوطنية / الإقليمية.
اتسمت الموجة الثالثة من التوسع الرأسمالي بوحدة وترابط مستويات التشكيلة الرأسمالية العالمية المستندة إلى السيادة الدولية لأسلوب الإنتاج الرأسمالي الأمر الذي أفضى إلى تغيرات دولية تمثلت في شبكة من النتائج السياسية / الاقتصادية منها: ـــ
ــ سيادة الليبرالية الجديدة بعد انهيار المنافسة الأيديولوجية المرتكزة على ازدواجية خيار التطور الاجتماعي.
ــ ظهور دول رأسمالية جديدة ــ الصين والهند وروسيا الاتحاديةــ فضلا عن نهوض مراكز إقليمية مثل تركيا وإيران ونزوعها نحو تبؤ مواقع إقليمية متميزة بهدف بناء علاقات متوازنة مع المراكز الرأسمالية الكبرى.
ــ المراكز المالية واشتراطاتها على الدول الوطنية وما أفرزه ذلك من تفكك سيطرة الدول على مسار تنميتها الوطنية من جهة، وتزايد الفوضى الاجتماعية من جهة أخرى.
ــ تنامي ازدواجية الهيمنة الداخلية / الخارجية على السلطات السياسية في الدول الوطنية بسبب ترابطاتها السياسية / الاقتصادية / العسكرية مع المراكز الرأسمالية والشركات الاحتكارية.
ـــ تفتت الوحدة الإقليمية لدول الشرق الأوسط عبر محاولة ربط دوله الغنية بتوجهات الشركات الاحتكارية وحمايتها الخارجية وصولا إلى ترسيخ تبعيتها للتكتلات الاقتصادية.
ــ إقصاء الدول الفقيرة عن عملية الاندماج الرأسمالي وما يحمله ذلك من تخريب تشكيلاتها الاجتماعية وتحويل نزاعاتها الاجتماعية إلى نزاعات طائفية / عرقية.

إن وحدة التشكيلة الرأسمالية العالمية بطوابقها المتعددة وتناقضات مسار تطورها المرتكز على التفكك والاندماج أنتجت أشكالاً جديدة من النزاعات الدولية نتعرض إلى بعضها بمعايير فكرية عامة: ــ
المعيار الأول:ــ التنافس بين الدول على قاعدة رأسمالية تتمثل بين مشروع الهيمنة والتفكك الهادف إلى تغذية المصالح الاحتكارية ومشروع الاندماج على أساس الارتباط المتوازن.
ثانيا: ـ يتبدى نزاع المنافسة بين المراكز الرأسمالية وبين الدول الناهضة بأشكال مختلفة منها أشكال قومية كما روسيا والصين ودول جنوب شرق أسيا ومنها أشكال أيديولوجية ذات مضامين دينية كما في منطقة الشرق الأوسط.
ثالثاً: ـ تفتقر الدول الإقليمية الناهضة ذات الأيديولوجية الدينية إلى برامج إصلاحية / سياسية ترتكز على الوطنية الديمقراطية وما ينتج عن ذلك من تعثر مشروعها الرأسمالي المرتكز على الارتباط المتوازن.
على ضوء ما جرى تناوله من آراء وأفكار يمكننا صياغة الاستنتاج التالي: ـ
إن الصراعات الأيديولوجية ذات الصبغة القومية وخيار التطور الاجتماعي التي وسمت حركة التحرر الوطني العربية تتحول في مرحلة المنافسة الرأسمالية إلى نزاعات قومية / دينية / طائفية.
لإضفاء شرعية فكرية / سياسية على مضمون الموضوعة المثارة نلقي نظرة تحليلية على طبيعة الأنظمة السياسية وأغطيتها الدينية لبعض المراكز الإقليمية.

1: ـ الجمهورية التركية: ـ
رغم وصول الإسلام السياسي المعتدل إلى السلطة بتفويض وطني مساند من قبل الطبقة البرجوازية بأغلب شرائحها استناداً إلى التوجهات الجديدة للنظام الإسلامي الضامنة لمصالح الأمة التركية إلا أن النظام الجديد واجهته جملة من الصعوبات أهمها اعتراض المؤسسة العسكرية التركية المترابطة والمنظومة الأطلسية على توجهاته السياسية فضلاً عن اعتراض الاتحاد الأوربي على سياسة النظام الإسلامية.
أن طموحات القومية التركية المغلفة بأيديولوجية إسلامية تهدف إلى بناء علاقات إقليمية / دولية تتناسب ومصالحها الوطنية المنطلقة من: ـ
: ــ ضمان الوحدة الجغرافية للدولة التركية من خلال ربط قومياتها المختلفة بخيمة إسلامية.
: ــ السعي إلى شراكة تركية فاعلة مع الدول العربية والإسلامية.
: ـ العمل على تحول الدولة التركية إلى جسر لربط العالم العربي الإسلامي مع أوربا رغم التحفظات الأمريكية.
2: ـ الدولة العبرية: ـ
تشكل دولة إسرائيل مركزا إقليميا يستمد قوته السياسية / العسكرية من التحالف الاستراتيجي القائم بينها وبين الولايات المتحدة الساعية بدورها إلى بناء تكتل اقتصادي شرق أوسطي تابع للاحتكارات الدولية برعاية أمريكية، وبهذا الاتجاه الإستراتيجي فإن الطموح الإسرائيلي المرتكز على شعارات توراتية يهدف إلى: ـ
ـ الاستعانة بالقوة العسكرية وأغطيتها الدينية للتوسع الجغرافي لغرض بناء دولة قومية كبرى، تتمتع بمواقع قوية في المنظومة الإقليمية القادمة.
ــ تطوير الدولة العبرية إلى مركز قياديً في التكتل الاقتصادي القادم المرتكز على التبعية، وبهذا فان السياسية التوسعية المبنية على الضم والإلحاق تتعارض ومصالح مراكز إقليمية ناهضة.
3: ـ إيران الإسلامية: ـ
مرت سياسة الدولة الفارسية بطورين أساسيين الأول منهما السياسة الشاهنشاهية المتحالفة والإدارة الأمريكية وما نتج عنها من أنشطة مناهضة لدول الشرعية الانقلابية بهدف منعها من بناء امن إقليمي بخيمة عربية.أما الثاني فتبلورت ملامحه بعد الثورة الإسلامية واديولوجيتها الشيعية المعبرة عن مصالح شريحة البازار المتحكمة في سير التطور السياسي / الاقتصادي الإيراني.
إن الطموح الفارسي الراهن يتمثل كما أرى بهدفين أساسيين أحدهما يكمن في اعتماد سياسة داخلية تتضمن وحدة الجمهورية الإسلامية ومنع تفككها القومي. وثانيهما يتمثل بانتهاج سياسية إقليمية /دولية مطالبة بضمان الأمن الإقليمي على قاعدة توازن مصالحها الإقليمية مع المراكز الرأسمالية. ( 4)
4: ـ العربية السعودية: ـ
تنبع المكانة التاريخية للدولة العربية السعودية من مواقعها الإسلامية وثرواتها النفطية ورغم مظاهر القوة وتعدد التحالفات الدولية إلا أن تأثيرات السياسة العامة للمملكة على العالمين العربي / الإسلامي تبقى محدودة بسبب كثرة من الصعوبات التي أجدها بالمؤشرات التالية: ـ
ــ انتفاء المساند الأساسية لتحول المملكة العربية السعودية إلى قاعدة قومية عربية جاذبة بسبب مكانتها الإسلامية المتجاوبة مع عالمية الدين الإسلامي.
ــ اعتماد المملكة على المذهب الوهابي منعها من التحول إلى دولة وطنية راعية لمكوناتها الاجتماعية وحامية لمذاهبها الدينية.
ـ ــ هشاشة المنظومة السياسية للمملكة العربية السعودية الناتجة عن: ـ
أ: ـ ازدواجية الهيمنة الداخلية / الخارجية المتمثلة بالعشيرة الحاكمة وحلفاءها الدوليين.
ب: ـ اعتماد الشرائح الاجتماعية برجوازية / خدمية / عقارية / تجارية / مالية على العلاقات القرابية المترابطة والطواقم السياسية / العسكرية / الإدارية الحاكمة.
ج: ـ عجز تلك الشرائح على بناء هيمنة وطنية قادرة على انتهاج سياسة الارتباط المتوازن والمنافسة الإقليمية.
ـ تعثر قيادة المملكة العربية السعودية لدول الخليج العربي بسبب اندماج الدول الخليجية مع الشركات والمؤسسات المالية الدولية وكذلك تحالفاتها العسكرية مع الدول الكبرى.( 5 )
على أساس تحليل النزعات الدينية لبعض المراكز الإقليمية فضلا عن قواها الاجتماعية يمكننا صياغة الاستنتاج التالي: ـ
بسبب الميول المتناقضة لمسار حركة التوسع الرأسمالي الحاملة لنزعتي التفكك والاندماج وغياب التناقضات الأيديولوجية المرتبطة بخيارات التطور الاجتماعي تصطبغ النزاعات الإقليمية بصبغة قومية / دينية / طائفية.

ثالثاً: السياسة الدولية وآفاق تطور الأمن الوطني /الإقليمي.
الحديث عن مستقبل دول الشرق الأوسط وتطور أمنها الوطني / الإقليمي يرتبط بنتائج تنازع مشروعي التبعية والإلحاق ومشروع الارتباط المتوازن الذي تحدده جملة من الوقائع التي تتطلب الفحص والتدقيق ولكن قبل تشخيص تلك الوقائع لابد لنا طرح السؤال التالي: ـ ما هي مضامين مشروع الارتباط المتوازن ؟ . ما هي ركائزه الأساسية ؟ . وقبل هذا وذاك ما ذا نعني بمشروع الارتباط المتوازن ؟ .
في محاولة للإجابة على تلك التساؤلات أحاول صياغة مضامين مشروع الارتباط المتوازن استناداً إلى الموضوعات التالية: ــ
أولاً:ــ نعني بمشروع الارتباط المتوازن بناء تنمية وطنية كابحة لميول قانون الاستقطاب التخريبية من خلال صيانة الدور الفاعل للدولة الوطنية وضبط نسيجها الوطني عبر توازن مصالح مكوناتها الاجتماعية.
ثانياً:ــ، بسبب وحدة التشكيلة الرأسمالية وترابط مستوياتها المتقدمة منها والمتخلفة يشكل مشروع الارتباط المتوازن بديلاً عن المشروع التحرري المسمى بالتنمية المستقلة وفك الارتباط وذلك لانعدام شروط تنمية مستقلة بخيار اجتماعي غير رأسمالي.
ثالثاً: ــ يقود نهج الارتباط المتوازن إلى صيانة القوى العاملة من الإقصاء والتهميش من خلال إلزام الدولة والشركات الدولية على توسيع المراكز الإنتاجية / الخدمية وصيانة حقوق المواطن الأساسية.
رابعاً: ـــ يفضي الارتباط المتوازن إلى إطلاق حركة النزاعات الاجتماعية على قاعدة ربط الديمقراطية السياسية بمثيلتها الاجتماعية.
خامساً: ـــ يفضي مشروع الارتباط المتوازن بشقيه الوطني / الإقليمي إلى بناء قاعدة سلام حقيقية بين دول المنطقة ويشكل مناخاً تعاونيا قادرا على بناء توازنات إقليمية سياسية / اقتصادية.
إن نجاح مشروع الارتباط المتوازن الهادف إلى إبعاد الدول الوطنية عن الميول التخريبية لقانون الاستقطاب الرأسمالي يعتمد على الوقائع التالية: ـ
الواقعة الأولى: ـ قدرة القوى الرأسمالية الجديدة الروسية / الصينية / الهندية على بناء عالم رأسمالي متعدد الأقطاب وما يحمله ذلك من تخطي الهيمنة الأمريكية وبناء هامش لحركة الدول الوطنية.
الواقعة الثانية:ـ قدرة الدول الوطنية على بناء ركائز الارتباط المتوازن في الطور الجديد من التوسع الرأسمالي بهدف مناهضة الشروط التدميرية للشركات الاحتكارية والمراكز الرأسمالية.
الواقعة الثالثة: ــ قدرة الأحزاب والمنظمات الديمقراطية على المساهمة في تحويل الأنظمة الاستبدادية إلى أنظمة ديمقراطية تترابط ومصالح مكوناتها الاجتماعية.
إن الوقائع المشار إليها هي التي تحدد في نهاية المطاف نتائج النزاعات الإقليمية / الدولية المنبثقة من مشروعي التبعية والتهميش والإلحاق أو مشروع الاندماج المرتكز على توازن المصالح وما يشترطه من وجود دول قوية تتمتع بمنظومات سياسية ديمقراطية وسلطات وطنية.

الهوامش
1: ـ هناك عدة أنظمة سياسية في دول عربية تبنت الفكر الاشتراكي منها اليمن الديمقراطية، الصومال، الجزائر، تحتاج إلى دراسة طبقاتها الوسطى ومواقعها الاجتماعية وتغيراتها الأيديولوجية.
2: ــ تخلي مصر عن أيديولوجيتها القومية في عهد السادات وعقدها اتفاقية سلام مع الدولة العبرية 1997 عبر عن تحول سياسي في توجهات القوى الاجتماعية الحاكمة لصالح القوى الاجتماعية الناهضة وبهذا جرى إخراج مصر من النزاعات القومية وإضعاف دورها الإقليمي. وبذات المسار فان تحول الدولة الاستبدادية في العراق إلى دولة إرهابية على الصعيدين الوطني والقومي أفقدها إمكانية التحول إلى دولة إقليمية فاعلة.
3: ـ أشرفت السلطات السياسية في دول الشرعية الانقلابية إلى بيع مؤسسات قطاع الدولة وممتلكاتها إلى القطاع الخاص الأمر الذي أفضى إلى اشتداد تبعية وترابط البرجوازية الناهضة خاصة شرائحها المالية / التجارية / الخدمية مع الشركات الدولية.
4: ـ برزت إيران كقوة إقليمية منافسة، ليس فقط لإسرائيل إنما أيضا للولايات المتحدة الاميركية..... وهي تشكّل تهديداً للهيمنة الإقليمية التي ( تمارسها) الولايات المتحدة الاميركية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
أنظر: ـ باتريك سيل هل تندلع الحرب في الشرق الأوسط خلال هذا الصّيف؟ الحياة - 25/04/08//
5: ـ غياب الدور الديمقراطي للطبقة الوسطى في دول الخليج العربي والناتج عن أسباب كثيرة ــ اندماجها في مؤسسات الدولة الإدارية/ العسكرية، ومنها تعدد أصولها القومية ــ يحتاج إلى دراسة أكاديمية خاصة...