للذاكرة والذكرى..!


باقر الفضلي
2008 / 3 / 27 - 11:08     

في الذكرى الرابعة والسبعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي..!

تمر اليوم أربعة وسبعون عاماً، ولا زال الحزب الشيوعي العراقي، وحتى اللحظة، مثار جدلٍ ونقاشٍ وتحليلٍ ودراسةٍ وتنظير، لا بصفته مجرد حزبٍ سياسي في الساحة السياسية العراقية حسب، وإنما بإعتباره أحد أطرافها الرئيسة على مدار سبعة عقود من السنين العاصفة في تأريخ العراق الحديث، وكونه يمثل رمزاُ تأريخياً للتيار الوطني الديمقراطي العلماني..!


فعلى مدار الأعوام المذكورة، كانت لمسات الحزب ظاهرةً على أبرز أحداثِها السياسية التأريخية، كطرفٍ فعالٍ وذي تأثيرٍ واضحٍ في المشهد السياسي العراقي، بل وطُبِعتْ بعضُ فصولِ أحداث هذا المشهد عِبرَ هذه الأعوام، بطابع سياسة ونشاطات الحزب سلباً كان الأمر أم إيجابا..!


ومن نافل القول، أن نؤكد في هذا المقال؛ بأن السِمةَ العامة التي طَبعتْ تلك السياسة والنشاطات، كانت في خصوصيتها، تتمحور حول أمرين بارزين، أولهما؛ يتلخص في الموقف الوطني الواضحِ والصلب من هيمنة النفوذِ الأجنبي، والوقوفِ بكل قوةٍ وحزمٍ بوجه كلِ محاولاتِ ربط العراق بذلك النفوذ؛ وفي هذه السياسةِ، كان لنهج الحزبِ في تعبئةِ مكوناتِ القوى الوطنيةِ في وحدةٍ وطنيةٍ متراصة، أثرُُ كبيرُُ وباعُُ طويلُُُ ُ يَعتَرِفُ به الجميع؛ أصداقاءُه والخصوم. وبسبب هذا النهج أيضاً، تشهدُ صفحاتُ التأريخِ على ما تعرضَ له أعضاءُه من إضطهادٍ وعَسفٍ بلغ حدَ إزهاقِ أرواح الألوفِ منهم وتغييبِ ألوف آخرين..!(*)


أما الأمر الثاني، فهو سجلُه الحافلُ في تنظيم وقيادةِ النضال الطبقي، وإحتضانه لمطالب الفئاتِ الكادحة، من العمال والفلاحين، ومن شغيلة الفكر، معززة بمواقفه الثابتة في دعم نضال المرأة من أجل مساواتها في حقوقها الإجتماعية والسياسية والإقتصادية مع أخيها الرجل، ناهيك عن مواقفه المشهودة في الكفاح من أجل إشاعة الديمقراطية والعدالة في المجتمع، وبالدفاع عن حقوق القوميات والأقليات الدينية والتآخي بينها في إطار وطن حر فدرالي دبمقراطي..!



ومن خلال هذا التكثيف المركز لوصف مسيرة الحزب الشيوعي العراقي، تبدو الصورة اليوم أكثر تعقيداً ويكتنفها الكثيرُ من الغموض، إذا ما نُظِرَ إليها في ظل الظروفِ الحالية، ومنذ إسقاط النظام الديكتاتوري، عن طريق الغزو والإحتلال في20/ آذار/2003، وعِبْرَ مسيرة السنوات الخمس المنصرمة..!


عددُُ غير قليلٍ من المراقبين السياسيين بل وحتى العديد من أعضاء الحزب وجملة غير قليلة من أصدقائه ومؤيديه ومن جماهيره، وجدوا أنفسهم في حالة من الذهول والإندهاش، قبل أن يجدوا التفسير المناسب للموقف السياسي الذي إعتمده الحزب في التعامل مع الظروف الجديدة بعد الإحتلال..!


ومع ذلك، فليس ثمة ما يثير القلق والإستغراب في ظروف معقدة مثل تلك، أن تأتي ردود الفعل أكثر حدة وإنفعالاً، بل وحتى تكتنفها حالات من التطير والإبتعاد قد تدفع بأصحابها أحياناً، الى إتخاذ مواقف تتسم بالتطرف وقد تجر الى الإنشقاق والتشرذم؛ وفي جميع الأحوال فهي ردود فعل عادة ما تفرزها الأحداثُ والمنعطفات الحادة في المشهد السياسي، وفي هذه الحالة لابد من التعرف على طبيعة الأحداث نفسها حتى يتوصل المرء الى تفهم أسباب الموقف السياسي الذي يتخذه أي حزب ما للتعامل مع تلك الأحداث. وهذا نفسه، في تقديري، ما يقف وراء إعتبارات الحزب الشيوعي العراقي التي إعتَقَدَها، تتلائم مع ظروف البلاد الجديدة بعد الإحتلال، وهوموقف سياسي بحت، تمليه الحاجة الموضوعية والآنية، قبل أن يكون إجتهاداً في النظرية أو الإيديولوجيا..!


فأية ظروف تلك، التي قد دفعت بالحزب الشيوعي العراقي الى تبني موقفه السياسي الحالي، والذي قد أثار غير قليلٍ من ردود الفعل التي أشرت اليها فيما تقدم..؟ ذلك هو السؤالُ الأكثرُ أهميةً والذي يمكن البناء عليه، من غيره من الأسئلة الأخرى التي ما أنفك يطرحها الكثيرون اليوم، والتي هي في الأعم الغالب، تَنْصَبُ على النتائج أكثر منها على الأسباب..!


ونتيجة لذلك، أَنْ كَثُرَتْ الإنتقادات والإتهامات والتي تتجاوز أحياناً حدود النقد العلمي، فمنها من تدعو الحزب الى التخلي عن موقفه السياسي المعلن، وتطالبه بترك المشاركة في "العملية السياسية" القائمة، متعللةً بتلكؤ العملية نفسها وتعثرها، وأخرى من ترى، أن الحل للخروج من الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد، يكمن في توحد قوى اليسار الديمقراطي، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي وباقي منظمات اليسار المُعلِنة عن نفسها، وذلك في جبهة موحدة مستقلة خارج إطار "العملية السياسية"، ولست هنا في وارد التعليق على ذلك، لتعلق الأمر بالحزب الشيوعي العراقي نفسه..!؟


في ظل هذه الاوضاع، وتحت ثقل تداعيات حالة الإحتلال، يبدو في رأينا، أن لا مناص أمام الحزب الشيوعي العراقي، وهو على أبواب إحتفاله بعيد تأسيسه الرابع والسبعين في الحادي والثلاثين من آذار/2008 ، وعلى أعتاب الإنتخابات القادمة؛ أن يبذل المزيد من الجهد لتقريب وجهات النظر مع جمهوره والرأي العام من خلال المزيد من إلقاء الضوء على الدوافع والأسباب والظروف الموضوعية والذاتية، التي وقفت وتقف وراء موقفه السياسي المعلن، فالأمر ليس بهذا اليسر والبساطة، أَنْ يتفهم الجميع، مثل هذا الموقف في ظل ظروفٍ شائكةٍ ومختلطةُ ُ أوراقُها بهذا الشكل المُعقد، وتتميز تناقضاتُها لدى تفسير البعض، في "تعارضها" مع المباديء العامة لسياسة الحزب..!؟


وفي جميع الأحوال، فهي مهمة الحزب الشيوعي العراقي نفسه قبل غيره، والذي في تقديري، أمامه الكثير من العمل بهذا الإتجاه، لتعزيز مواقعه بين جماهيره ومؤيديه، فرغم ما يعتقده من وضوح برنامجه، فهناك الكثير من أصدقائه ومؤازريه، مَنْ يعتقد بضرورة المزيد من وضوح الرؤيا في عدد من المواقف السياسية العقدية والمصيرية..!


وبمناسبة الذكرى الرابعة والسبعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي في 31/آذار/2008 ، أُحيي كافة الشيوعيين العراقيين وعوائلهم وأصدقائهم بعيد تأسيس حزبهم المجيد، وأحيي نضالاتهم الوطنية من أجل عراق حر ديمقراطي، وشعب ينعم بالسلم والأمان، والى شهدائهم الأبرار المجد والخلود..!
_________________________________________________
(*) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=60682