الوضع العالمي ومهام الثوريين


فرانسوا سابادو
2008 / 3 / 21 - 11:22     

فيما يلي تقريرعن الوضع العالمي قدمه الرفيق فرانسواسابادو (*) في ندوة Enlace – احد تيارات حزب اشتراكية وحرية بالبرازيل الذي ينشطه، ضمن آخرين، مناضلو الأممية الرابعة. الندوة انعقدت في ساو باولو في 15 و 16 ديسمبر 2007.




1- بعض عناصر الوضع العالمي

يؤكد الوضع العالمي توسعا للعولمة الرأسمالية وتعمقا لها. ويتسم بمواصلة هجوم الطبقات السائدة على شروط حياة مئات ملايين البشر، والعمال، وبمنهجة الإصلاحات الليبرالية المضادة، والمكانة المتنامية " لتمويل financiarisation " الاقتصاد العالمي، وأزمة بيئية تهدد توازنات الكوكب الحيوية.

1- أ) ترسم هذه العولمة مظهرا جديدا للسوق العالمية، حيث تحتد المنافسة بين الامبريالية الأمريكية، المحافظة على سيطرتها لكن المصابة بإضعاف، والقوى الأوربية، وصعود قوى جديدة - مثل الصين والهند- تتزايد حصتها من النتاج الداخلي الإجمالي العالمي بانتظام. تشهد الولايات المتحدة الأمريكية معدلات نمو ضعيفة، 2 إلى 3 نقط، بينما تشهد الصين والهند معدلات نمو من 8 إلى 10 نقط، وتشهد بلدان أخرى منتجة لمواد أولية (البترول بوجه خاص)، مثل روسيا وفنزويلا، معدلات نمو من 6 إلى 8 نقط. تجسد هذه التغيرات الاقتصادية الاجتماعية مقدما ميزان قوى جديد وتوترات عالمية جديدة.

1- ب) للعولمة عواقب على صعيد السياسة الدولية، حيث تلتقي مصالح برجوازية أمريكية شمالية ُمضعفة ومصالح قوى أوربية تريد الحفاظ على مكانتها في هذه المنافسة الدولية في أنظمة تحالفات جديدة، لا سيما بوجه الصين وروسيا. ولا يستبعد هذا بأي وجه السعي العدواني إلى حصص جديدة من السوق لصالح كل برجوازية، لكن الروابط بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي تجنح إلى التعزز. وتمثل العلاقات الجديدة بين فرنسا ساركوزي و أمريكا بوش مثالا جيدا عن هذا الانعطاف أو التغير. كان شيراك ضد الحرب بالعراق، بينما يؤيدها ساركوزي. لا بل انه في مقدمة المواجهة مع إيران. لكن بوجه أعم تدل جيدا عودة فرنسا المرتقبة إلى حلف الشمال الأطلسي، ودمج القوة العسكرية الأوربية فيه، على طبيعة إعادة التنظيم الجارية.

1- ج) إن احتداد المنافسة الدولية هذا، مع ميل متعاظم إلى تشكيل سوق عالمية لقوة العمل، يدفع الحكومات والطبقات البرجوازية إلى خلق الشروط السياسية والاقتصادية-الاجتماعية لرفع معدل الربح، وتمديد وقت العمل ووقت الاستغلال، وتجميد وحتى تقليص حصة الأجور من إنتاج الثروات.

1- د) إن لهذه السياسات بوجه خاص جملة عواقب في أوربا الرأسمالية، حيث تقوم البرجوازيات الأوربية الرئيسية، بقصد تأمين مكانتها في المنافسة الدولية، بالهجوم المباشر على "النموذج الاجتماعي الأوربي"، أي في الواقع على أنظمة الحماية الاجتماعية وحقوق الأجراء الاجتماعية، والخدمات العامة. هذه السياسة مركزة في "الميثاق الأوربي" الجديد الذي يستعيد الخطوط العريضة لمشروع الدستور الأوربي المرفوض من شعوب فرنسا وهولندا في 2005. وقد تعزز بالدمج الأوربي لبلدان أوربا الشرقية، هذا الدمج الذي يؤدي إلى تفكيك جملة مكاسب اجتماعية ويجذب من جراء ذلك إلى أسفل مجمل شروط عمل وحياة الطبقات الشعبية بهذه البلدان.

1- هـ ) الولايات المتحدة الأمريكية مقبلة عما قريب على انتخابات جديدة (متم 2008) قد تفضي إلى انعطافات أو تغييرات في السياسة الأمريكية. لكن الامبريالية الأمريكية أكدت في الفترة الطويلة الأخيرة سياسة إعادة انتشارها الاستراتيجي السياسي- العسكري. إن المقصود لديها، في وضع حيث تتعمق تبعية الاقتصاد الأمريكي للقروض العالمية، "الأسهم" و "السندات" و " سندات الخزينة"، التي بيد قوى مثل الصين او اليابان، هو تعويض ما أصابها من إضعاف بسياسة عسكرية عدوانية باحتلال العراق وأفغانستان ومواجهة مع إيران وبدرجات أقل بوجه روسيا والصين... كما تضم هذه السياسة "إعادة استعمار" بعض البلدان بهدف مواصلة وحتى تمديد التحكم بالموارد الطبيعية والمواد الأولية الإستراتيجية مثل البترول.

2- وبعض التناقضات...

يسيطر النظام الرأسمالي على نحو واسع على كل النشاط الاقتصادي والاجتماعي على الكوكب. ولا تكف كلفة هذه السيطرة عن الارتفاع، سواء على الصعيد الاقتصادي أو البيئي. وتغذي بشكل دائم تناقضات داخلية وخارجية للنظام تفضي إلى نضالات طبقية و نضالات اجتماعية بمعنى واسع، معبرة عن رفض الطبقات الشعبية للنظام النيوليبرالي والرأسمالي.

2-أ) تؤكد أزمة النظام المالي والبنكي بالولايات المتحدة الأمريكية، ومنها أزمة «subprimes» (قروض بأسعار فائدة متغيرة تدمر ملايين الأمريكيين وتؤدي إلى إفلاس جملة بنوك ومؤسسات مالية قارضة) هشاشة التوسع الاقتصادي الراهن. يدل هذا على "الحساسية الفائقة" للرأسمالية الأمريكية إزاء تمويل financiarisation الاقتصاد العالمي. وتعزز أزمة النظام المالي العالمي هذه أوجه الضعف الهيكلية للتطور الرأسمالي الراهن، وبوجه خاص ضعف الاستثمارات المنتجة، "برفع أسعار" الفائدة وتشديد شروط القرض. ولأزمة الاستثمارات هذه مضاعفات على معدلات الإنتاجية، وفي آخر المطاف على معدلات النمو في قلعتين من قلاع الاقتصاد العالمي: الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا. وللأزمة المالية الراهنة مضاعفات مباشرة على تباطؤ النشاط الاقتصادي بالولايات المتحدة الأمريكية وعلى خطر تحول هذه الأزمة إلى انحسار اقتصادي. وتؤثر هذه العوامل مجتمعة على هوامش المناورة المتاحة للطبقات السائدة وللفرق الحاكمة بتلك البلدان لتدبير العلاقات الاقتصادية والاجتماعية وقد تفضي إلى أزمات منظومة.

2- ب) اتخذت الأزمة البيئية في السنوات الأخيرة أبعادا جديدة. وتهدد عواقب احترار الكوكب بالتسبب في النهاية في كوارث جديدة بيئية واجتماعية وإنسانية. ورغم كل الجهد السياسي والإعلامي للسلطات القائمة لجعل اشتغال النظام الرأسمالي، أي السعي المتزايد جموحا إلى الربح، متطابقا مع البيئة، ينبثق وعي جديد بأن "الحياة أكثر قيمة من الأرباح الرأسمالية" وأن كلفة اشتغال النظام تهدد أكثر فأكثر توازنات الكوكب الحيوية. يجب ان يستعمل الثوريون هذه المسالة الحاسمة في السنوات المقبلة للتشهير بالعواقب المدمرة للرأسمالية على المشاكل البيئية، وتأكيد أهمية اقتصاد متحكم به ومخطط بشكل دائم حسب الحاجات الاجتماعية وليس حسب الربح الرأسمالي.

2 – ج) تتجلى هذه التناقضات بشكل حاد في الفشل الذي منيت وتمنى به الامبريالية الأمريكية في العراق. وقد عادت وسائل الإعلام الأمريكية بشكل مألوف إلى تعبير " فيتنام جديدة" لوصف وضع الجيش الأمريكي بالمنطقة. إنه توحل سياسي وعسكري حقيقي تشهده إدارة بوش. وقد تبخرت كل الدعاية حول تتبيث الاستقرار والديمقراطية بالمنطقة. إنها عملية عدوان و إعادة استعمار تقليدية لبلد ولمنطقة. و يمثل رفض الاحتلال الأمريكي مع مقاومة الشعب الفلسطيني لسياسة العدوان والاستعمار الإسرائيلي إحدى العوامل الكبرى المزعزعة لاستقرار النظام الامبريالي العالمي.

2- د) تؤدي العواقب الاقتصادية الاجتماعية للعولمة الرأسمالية، وبعدها المسلح، إلى توترات ومواجهات اجتماعية وسياسية وعسكرية جديدة. فبضغط من متطلبات الأسواق المالية، وبضغط من الامبريالية الأمريكية بوجه خاص، وفي وضع غياب أو تراجع أو حتى أزمة هيكلية للحركة العمالية التقليدية أو القومية البرجوازية، قد تكتسي ردود الفعل الاجتماعية شكل منظمات أو تيارات أو جماعات عرقية او دينية ذات توجه رجعي بوجه الإجمال. هذا ما يتشكل حول الوضع بباكستان وبأفغانستان . كما انه مصير ميولات إلى تشظي جملة دول بأفريقيا.

2- هـ) إن للتوحل الأمريكي عواقب دولية، وبوجه خاص في أمريكا اللاتينية. ليس المقصود بخس تقدير الضغط الذي لا تزال "الإمبراطورية" تمارسه على قارة ما زالت تعتبرها فناء خلفيا لها. لكن يجب تأكيد الضعف الذي أصاب قدراتها على التدخل في القارة. فعلى الصعيد العسكري يصعب عليها التدخل بالعراق وبأفغانستان و والاستعداد لتدخلات بأمريكا اللاتينية. إن "خطة كولومبيا" قائمة وكذا القواعد العسكرية في باراغواي، ولا تزال مساعدة اليمين"الانقلابي" أو "الليبرالي- الاستبدادي" قائمة دوما. لقد فشلت منطقة التبادل الحر للأمريكيتين، لكن الاتفاقيات الثنائية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجملة بلدان بأمريكا الجنوبية قد أبرمت. باختصار لم يتراجع اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بأمريكا الجنوبية، لكن لا جدال أن ثمة ميزان قوى جديدا بين الامبريالية الأمريكية وجملة بلدان بالقارة الأمريكية اللاتينية، والتي ليست قليلة الأهمية، وبوجه خاص مجوعتي بلدان. تتكون المجموعة الأولى من البرازيل و الأرجنتين وأوروغواي وباراغواي. فبالاستفادة من طور نمو اقتصادي جديد، ومن قدرة لدى الحكومات – لولا بالبرازيل وكيشنر بالأرجنتين وتاباري فازكيز بأروغواي- على التحكم ودمج الحركات الجماهيرية، أو بوجه الدقة أقسام كاملة من قيادات تلك الحركات، لا سيما قيادات حزب العمال والاتحاد النقابي البرازيلي CUT والبيرونية السياسية والنقابية بالأرجنتين (رغم أن لولا على يمين كيشنر)، كسبت الطبقات السائدة بهذه البلدان هوامش مناورة جديدة للتفاوض وفرض جملة أهداف اقتصادية على الامبريالية الأمريكية. وتواصل لحسابها الخاص، وبطريقتها الخاصة، السياسات النيوليبرالية، مع إرفاقها بسياسة "مساعدة اجتماعية"، واندماجها في السوق العالمية، لا سيما بسياسات الصادرات الزراعية وعلاقاتها الخاصة بالنظام المالي العالمي. المجموعة الثانية من البلدان، التي تفرض اليوم تجربة قطع جزئي جديد مع الامبريالية الأمريكية، تقودها فنزويلا، وتليها بوليفيا و إكوادور، وكلها مدعومة من كوبا. تحاول كل هذه البلدان، كل بخصوصيتها، إرخاء كماشة الديون، واستعادة التحكم بمواردها الطبيعية، وتأمين برامج اجتماعية للتغذية والصحة و التعليم، واستعادة سيادتها الوطنية ضد الضغوط الأمريكية والأوربية (لا سيما الاسبانية).

3- الهجوم والهجوم المضاد في فنزويلا وبوليفيا

يمثل انتصار التصويت الرافض في استفتاء 2 ديسمبر 2007 انعطافا في الوضع السياسي في فنزويلا. قلة من المهتمين فقط توقعت التصويت بالرفض. إنها هزيمة لتشافيز رغم تواصل السيرورة البوليفارية. لا بل إنها أيضا هزيمة للقوى التقدمية في فنزويلا وأمريكا اللاتينية.

يجب ألا نخطئ، إنها ليست "هزيمة لتشافيز و... نصر للقوى الشعبية"! كما تقول بعض التيارات العصبوية . ان انتصار التصويت الرافض يخدم مباشرة قوى اليمين "الانقلابية" او المعتدلة. انه يتيح لهم تجديد قواهم وإعادة تنظيم صفوفهم والاستعداد للمعارك القادمة في أفضل الشروط. ان انتصار التصويت الرافض يضعف تشافيز في علاقاته بالامبريالية الأمريكية، وحتى مع الفرق الحاكمة بالبرازيل و الأرجنتين. سيشتد الضغط لدفع تشافيز إلى "الاعتدال" و اقتياده إلى سياسات تسويات مخزية... لهذا أيدنا بلا تردد ولا تحفظ التصويت لصالح الدستور بغض النظر عن تقييم هذه أو تلك من مواده. لكن يجب النظر في الأسباب التي أدت إلى انتصار التصويت الرافض.

إننا نشاطر إجمالا التفسيرات التي قدمها رفاقنا في تيار "المد الطبقي والاشتراكي"(1). كيف فقد تشافيز 3 ملايين ناخب – والأمر ليس هينا- قياسا بآخر انتخابات؟ ثمة طبعا تكالب وسائل الإعلام على السلطة، وحملة الكذب، والافتراءات، باختصار كامل ُعدة اليمين الفنزويلي، لكن ثمة مسؤولية خاصة بالقيادة التشافيزية. إن مصدر هذا الفشل أبعد من فترة الدستور. يجب اليوم إطلاق نقاش واسع حول أسباب التصويت الرافض، نقاش يساعد على وضع سياسة للأسابيع والأشهر المقبلة. لقد اشرنا إلى أن آليات الدستور وبعض مواده تعزز "المظاهر البونابارتية" لسلطة تشافيز، وأن دستورا جديدا لن يفضي إلى الاشتراكية دون التعرض لمشاكل إعادة توزيع الثروات والملكية... لكن ظواهر جوهرية أكثر هي التي تفسر ابتعادا ما لقسم من الشعب البوليفاري عن رئيسه. ثمة أولا مشاكل متصلة بحاجات السكان الحيوية: التغذية، القدرة الشرائية، الاستخدام، شروط العمل... وكان لمشاكل التموين بالمواد الغذائية الأساسية تأثير قوي.

وبوجه أعم، شهدت مشاكل التغذية و الصحة والتعليم تقدما هاما، لكن تمويلها جرى بعائدات البترول – وهذا شرف للنظام البوليفاري- بيد أن بنى البلد الاقتصادية والاجتماعية لم تشهد أي تغير أساسي. وتستمر أشكال التفاوت. ارتفعت المداخيل المالية بنسبة 40 %. ولم تتغير بنيات الملكية. ان تحسين مستوى حياة غالبية السكان – أجراء، وعمال بالقطاع غير المهيكل، فلاحون، موظفون- هو المهمة الأولى لتعميق السيرورة. وإذا اقتضى هذا اقتحام السلطة السياسية للحياة الاقتصادية، وللمقاولات، ولشبكات التموين والتجارة، وللتحكم بالقطاع البنكي لصالح العمال، ولتملك الأرض وتوزيعها، فيجب ألا يكون ثمة تردد حتى إن أدى الأمر إلى مواجهة مع البرجوازية وقطاعات من جهاز الدولة، حتى الموالي للحكومة.

يكمن السبب الأساسي الثاني لابتعاد قسم من الشعب في معاينة – قام بها عدد من الملاحظين- لعملية تبقرط قطاع حكومي يستخدم السلطة بدل أن يخدمها. وهكذا جرى التنديد هنا وهناك بظواهر فساد. كما لوحظ تطور سياسة مواجهة مع الحركات الاجتماعية والنقابات، لا سيما من طرف وزارة العمل. كل هذا أبعد عن السلطة جملة قطاعات لم تقطع مع ذلك مع السيرورة البوليفارية. يجب اليوم إعادة الوصل مع تلك القطاعات وإعادة تعبئتها لتعميق السيرورة. وتتمثل المهمة الثانية في تعميق التعبئة ودمقرطة السيرورة البوليفارية بمزيد من السلطة للشعب ومزيد من السلطة لهيئات الثورة، للمجالس الشعبية بالأحياء، ولمنتخبي القاعدة في المقاولات، وفي البلديات. يجب توسيع عملية التسيير المشترك وتسيير المقاولات، وتنظيم مؤتمر موحد وديمقراطي للحركة النقابية للاتحاد الوطني للعمل. ان المضمون الاجتماعي والديمقراطي للثورة هام بقدر ما ستواجه السيرورة دوما " قطاعا انقلابيا"، وستتعرض أيضا لمناورات سياسوية أكثر. سيكون عليها ان ترد على "ضربات سوط الثورة المضادة التي تدفع الثورة إلى أمام" – جملة شهيرة لتروتسكي يكررها تشافيز بانتظام- ، لكن ليس هذا وحسب، فعليها أيضا الرد على "مبادرات" و"اقتراحات غير شريفة" ترمي إلى إفقاد السيرورة الثورية حيويتها، وتهميشها لتدميرها في النهاية. .. الوضع مهدد إذن بالتعقد.

يوجد تشافيز في مفترق طرق: إما ان يتنازل لضغوط إضفاء الاعتدال على السيرورة... ويفقد دعم قطاعات هامة من قاعدته الاجتماعية والسياسية، أو يتقدم، ويعيد الوصل مع القطاعات الأشد كفاحية، ويلبي المطالب الشعبية الأساسية، وتتعمق من جراء ذلك السيرورة الثورية البوليفايرية، وسيكون لذلك مضاعفات بأمريكا اللاتينية برمتها.

كما تتسارع الأزمة في بوليفيا، حيث لم يعترف اليمين و "الطبقات الغنية البيضاء" المتركزة في سانتا كروز واقليم الغرب، منها 4 مناطق أعلنت مؤخرا حكمها الذاتي، بالتصويت على الدستور الجديد الذي دافع عنه ايفو موراليس وغالبية السكان العظمى، من عمال وفلاحين وهنود. إن الثوريين يقفون إلى جان حزب موراليس- الحركة نحو الاشتراكية- من أجل تطبيق هذا الدستور وتلبية الحاجات الحيوية للسكان الأفقر في بوليفيا. لكن البلد الأساسي هو فنزويلا. إذا هزمت السيرورة البوليفارية فستكون للأمر مضاعفات فورية في بوليفيا وإكوادور ناهيك عن كوبا. إن تدهورا إجماليا لميزان القوى سيشجع في كوبا أنصار "انتقال على الطريقة الصينية"- أي الحفاظ على سلطة الحزب الشيوعي الكوبي مع تطور الرأسمالية. لكننا بعيدون عن ذلك، والمرحلة الحاسمة هي استئناف السيرورة البوليفارية مع تعميق التجربتين البوليفية والأكوادورية.

4- و أوربا...

يوجد الوضع الأوربي في مركز تسارع السياسات النيوليبرالية. ويتمثل أحد الأهداف الأساسية للطبقات السائدة على صعيد عالمي و بأوربا في إنهاء "النموذج الاجتماعي الأوربي"، هذا بينما تدفع ضغوط السوق العالمية إلى توحيد سوق قوة العمل، وجر الأجور إلى أسفل، وتفكيك تدريجي لأنظمة الحماية الاجتماعية، وتصفية الخدمات العامة. يتقدم دكاك السياسات النيوليبرالية بانتظام، لكنه يولد بالقدر ذاته من الانتظام مقاومات اجتماعية. ان عالم الشغل، وأغلبية السكان، متمسكان بجملة مكاسب اجتماعية. وقد عبر عن ذلك صراحة بفرنسا إيديولوجيو حكومة ساركوزي بالقول إنه يجب تدمير برنامج المجلس الوطني للمقاومة لعام 1945 وكل المكاسب الاجتماعية المحققة مذاك. يصرح ساركوزي انه يريد "الإصلاح أكثر من مارغريت تاتشر" ... وسجل جملة نقط، لا سيما بتطبيق إصلاحه المضاد للمعاشات وأنظمة التقاعد الخاصة ( لعمال سكك الحديد، والكهرباء والغاز)، لكنه لم يهزم بعد الحركة العمالية. وليست مشاعر العمال، لا سيما بعد إضرابات شغيلة السكك، مشاعر هزيمة. لم تمن الحركة العمالية بأوربا بهزيمة كبرى من نوع "هزيمة عمال المناجم الانجليز" في سنوات 1980، ولا تزال أمامنا نضالات هامة ومواجهات كبرى، لكن لا بد من إبداء 3 ملاحظات:

النضالات ذات طابع دفاعي لا تنجح في وقف مسار الإصلاحات المضادة، ناهيك عن قلب اتجاهه. وتكتسي شكل انفجارات أو نضالات جزئية قد تزعزع الأنظمة القائمة... لكن ذلك لا يوقف سيرورة الإصلاح المضاد.
هذه النضالات متفاوتة بأوربا حسب البلدان. يظل مستواها مرتفعا إلى حد ما بفرنسا- يجري الحديث عن " الاستثناء الفرنسي" بأوربا- وكذا بايطاليا التي شهدت في متم سنوات 1990 ومطلع سنوات 2000 أيام إضراب عام للحركة النقابية متداخلة مع حركة من اجل عولمة بديلة وضد الحرب. و كانت ألمانيا مؤخرا مسرحا لإضراب هام لعمال سكك الحديد، رغم أنه لم يحظ بتضامن باقي النقابات وقسم هام من اليسار النقابي. و يظل مستوى النضالات الاجتماعية في اسبانيا والبرتغال متدنيا جدا، وفي بلدان شمال أوربا، رغم هجمات قوية، تظل الحكومات وقيادات الحركة النقابية متحكمة بالوضع، ويظل مستوى النضالات منخفضا إلى حد ما.
لا بد، في البلدان ذات مستوى معين من النضالات، ملاحظة وضع متناقض: ثمة تفاوت بين مستوى النضالات ومستوى الوعي. قد تكون ثمة نضالات تفجرية جزئية لكن لا نمو عضوي لموجة نضالات طبقية- مستوى النضالات الإجمالي، ارتفاع عدد المنظمين بالنقابات، وأحزاب عمالية أو تيارات سياسية كفاحية أو ثورية- كما في نهاية سنوات 1960 و1970 لا سيما جنوب أوربا. ومن ثمة تواجه النضالات صعوبات في إيجاد تعبير سياسي على أساس نضالات طبقية.

5-خياران في اليسار !

يواجه اليسار والحركة العمالية والحركات الاجتماعية، في الظرف العالمي الراهن، توجهين كبيرين إزاء العولمة الرأسمالية: توجه تكيف مع الرأسمالية الليبرالية، وتوجه آخر – توجهنا نحن- خط مقاومة ونضال ومعركة مناهضة للرأسمالية. لدينا في فرنسا صيغة لوصف هذا الوضع :" ثمة يساران" كما نقول. طبعا ثمة في الواقع تنويعات "يسار" عديدة لكننا نواجه حقيقة خيارين أساسيين: قبول هذه العولمة الرأسمالية أو رفضها.

5 أ) اختارت الغالبية العظمى من القيادات التقليدية للحركة العمالية – الاشتراكية الديمقراطية، الستالينية السابقة وما بعد الستالينية – أو القومية البرجوازية في بعض البلدان النامية، التكيف. إنها نتيجة سيرورة كاملة من الاندماج في المؤسسات وفي النظام الرأسمالي. لكن سيرورة الاندماج في العولمة الرأسمالية الراهنة تفضي إلى تغيرات نوعية، إلى تغيرات هيكلية، لكل هذه التشكيلات السياسية. أدت متطلبات العولمة الرأسمالية إلى تقليص حاد لهوامش المناورة لبناء مساومات اجتماعية بين الطبقات السائدة والحركات الإصلاحية. تُرغم المجموعات الاقتصادية الكبرى والأسواق المالية و قمم الدولة القيادات الإصلاحية على قبول الإطار الذي يمليه السعي إلى أقصى الأرباح بتمويل financiarisation متنام للاقتصاد العالمي. ومن ثمة تتحول الاشتراكية الديمقراطية إلى اشتراكية ليبرالية. لقد انتقلنا من اشتراكية ديمقراطية تدعم النظام الرأسمالي مقابل إصلاحات اجتماعية إلى أحزاب اشتراكية غدت "أحزابا إصلاحية بدون إصلاحات"، و حتى " أحزاب إصلاحات ليبرالية مضادة". و في أوربا يشكل الاتحاد الأوربي إطار التعاون بين الديمقراطية المسيحية والاشتراكية الديمقراطية لتعميم الإصلاحات المضادة لأنظمة التقاعد وتصفية أنظمة الحماية الاجتماعية والخدمات العامة. و لا يستبعد هذا تركيبا بين برامج مساعدة للفئات الأشد فقرا – نظام دخل أدنى، برنامج "منحة الأسرة" بالبرازيل...- وإصلاحات مضادة تصيب النواة الصلبة للحقوق والمكاسب الاجتماعية العمالية.

لكن هذه الخيارات بارزة أكثر على الصعيد السياسي، وتتجلى في تطور الاشتراكية الديمقراطية الأوربية نحو "طريق ثالث"، وفي الدعوة –في ايطاليا أو في فرنسا حاليا- إلى تحويل الأحزاب الاشتراكية التاريخية إلى أحزاب ديمقراطية على الطريقة الأمريكية... هذا ما جرت معاينته كذلك بالبرازيل حيث اجتاز حزب العمال في ظرف 15 سنة فقط مسار زهاء قرن من تطور الاشتراكية الديمقراطية التاريخية: تحول حزب العمال من حزب طبقي إلى حزب اشتراكي ليبرالي. لا يستبعد هذا التطور سياسات مساعدة تعطي قاعدة اجتماعية لتلك الأحزاب في بعض قطاعات السكان. تلك حالة لولا في البرازيل الذي يحافظ على شعبية ببرنامج "منحة الأسرة".

يندرج هذا التطور الاشتراكي الليبرالي في ميل عام، و لا يشكل في جملة بلدان سيرورة متكاملة، كما تحتاج الطبقات السائدة في نظام سياسي للتناوب إلى "إمكان الاختيار بين اليمين واليسار". لذا ليست تلك التشكيلات الاشتراكية الليبرالية أحزابا برجوازية كباقي الأحزاب. و تظل ثمة فروق بين اليمين واليسار، لاسيما في شعور قطاعات شعبية، لكن الاشتراكية الديمقراطية وحلفائها يشهدون في كل مكان سيرورة الاندماج في العولمة الرأسمالية وحركة "نحو اليمين".

5. ب) ثمة في القطب الآخر من اليسار القوى التي ترفض العولمة الرأسمالية، وتقاوم وتدافع عن توجه مناهض للرأسمالية. ثمة طبعا قوى ترفض الليبرالية الفائقة، وترفض خصائصها المفرطة مع التطلع إلى رأسمالية بوجه إنساني. وثمة أيضا بأمريكا اللاتينية عودة إلى مشاريع "تنموية جديدة" – مشاريع برجوازية وطنية تدعي إرخاء كماشة السيطرة الامبريالية. لكن ما ينقص هذه القوى بوجه عام هي القدرة والإرادة على القطع الفعلي مع كل المنطق النيوليبرالي- منطق يمتزج بمنطق النظام الرأسمالي- ولا سيما العزم على مواجهة الطبقات السائدة للإجابة على التطلعات الشعبية. هذا ما يقود على العموم تشكيلات سياسية – مثل حزب العمال والبيرونية، كل بطريقته- الى التكيف مع الرأسمالية الليبرالية فور وصولها إلى السلطة رغم انها قد تدعي في المعارضة مناهضة النيوليبرالية. وهنا يكمن، حتى اليوم، الفرق الكبير بين لولا وكيشنر وتباري فازكيز من جهة وتشافيز وموراليس وكوريا من جهة أخرى: الصنف الأول تكيف كليا مع المنطق النيوليبرالي بمرافقته بواسطة "برامج اجتماعية" لفائدة السكان الأشد فقرا. إنهم يشكلون الشركاء الأوفياء للأسواق المالية. بينما لم يتردد الثلاثة في الصنف الثاني في مواجهة الطبقات السائدة والامبريالية الأمريكية من أجل تطبيق برامج إصلاحاتهم، رغم بقاء تلك الإصلاحات جزئية. لكن القطع الحازم مع الليبرالية يستدعي القطع مع الرأسمالية.

6- من أجل أحزاب جديدة معادية للرأسمالية...

هذا برنامج الأحزاب والتشكيلات السياسية التي نسعى إلى بنائها. إنه برنامج عمل أو انتقال مناهض للرأسمالية يدافع عن المطالب آنية ( أجور، استخدام، خدمات عامة، توزيع الأرض، التحكم بالموارد الطبيعية...)، وديمقراطية (مشاكل السيادة الشعبية والوطنية بالبلدان التابعة)، و انتقالية تفضي إلى ضرورة توزيع مغاير للثروات ووضع الملكية الرأسمالية للاقتصاد موضع سؤال.

يستلزم تطبيق هذه البرامج حكومات في خدمة العمال مستندة على التعبئة والنشاط الذاتي للطبقات الشعبية. تستتبع هذه المعركة – وهي معركة مركزية اليوم- رفض أي مشاركة أو مساندة للحكومات الاشتراكية- الليبرالية لتسيير شؤون الدولة والاقتصاد الرأسمالي. لقد دفعتم ثمن ذلك غاليا في البرازيل بمشاركة تيار ديمقراطية اشتراكية (2) في حكومة لولا، لكن محنتكم أفادتنا واستخلصنا دروس تجربة البرازيل لنرفض في فرنسا وايطاليا والبرتغال واسبانيا كل مساندة لحكومات اشتراكية ليبرالية.

هكذا باتت من جديد مسألة المشاركة في هذا النوع من الحكومات، أو رفضها، مسألة أساسية في إستراتيجية السلطة في أوربا كما في البلدان الرئيسية بأمريكا اللاتينية.

هذه المرجعيات هي ما يمثل أساس الأحزاب المعادية للرأسمالية التي يجري بناؤها – مثل كتلة اليسار في البرتغال- التي تعرفون منذ سنوات عديدة- أو ستبنى في الأشهر والسنوات المقبلة بأوربا، وبوجه الدقة في فرنسا و ايطاليا، مع خصوصية كل حالة. إنها بكيفية ما معادل لحزب الحرية والاشتراكية عندكم.

ففي فرنسا تعلمون أن الرابطة الشيوعية الثورية حققت نتائج جيدة في انتخابات الرئاسة الأخيرة، بحصولها على 1.5 مليون صوت. لكن للرابطة بوجه خاص ناطق باسمها، اوليفييه بوزانسنو، وهو ساعي بريد شاب، يقف بانتظام إلى جانب العمال المناضلين أو المضربين، لا سيما في إضراب عمال السكك الأخير. وقد منحه ذلك منذ أشهر عديدة شعبية كبيرة. بل إن المكانة السياسة لأوليفييه، وتيار التعاطف الذي يستثير، يتجاوزان إلى حد بعيد مكانة الرابطة الشيوعية الثورية والتعاطف معها.

يأتي هذا بعد جملة أحداث منذ زهاء 12 سنة، حيث جرت مقاومات اجتماعية، وتجارب سياسية ضد الإصلاحات الليبرالية المضادة، ونقاشات حول نوع البديل السياسي، خلقت كلها شروط بناء حزب جديد.

سيكون هذا الحزب حزبا مناهضا للرأسمالية، ونسوانيا و بيئيا وأمميا. وسُيدرج معركته في التقاليد الثورية للحركة العمالية. وثمة في مركز المشروع مرجعيات سياسية أساسية: النضال الطبقي، و وحدة عمل العمال ومنظماتهم، و الاستقلال إزاء المؤسسات المركزية للدولة الرأسمالية، و الديمقراطية الاشتراكية. هكذا سيكون لهذا الحزب تحديدات برنامجية وإستراتيجية مناهضة للرأسمالية في منظور استيلاء العمال على السلطة، لكنه سيترك مفتوحة جملة أمور حول نوع ثورة القرن 21، وأشكالها ومضامينها. لكنه، إذ ينغرس في النضالات الطبقية، سيخضع مواقفه الانتخابية والمؤسسية لتطور التعبئات الاجتماعية وللنشاط الذاتي للحركة الجماهيرية. إن هدف هذا الحزب الجديد هو تجميع مناضلين وتيارات متحدرة من أصول مختلفة - شيوعيون واشتراكيون ونقابيون، ولاسلطويون وثوريون- على قاعدة برنامج يكون " فهما مشتركا للأحداث والمهام"، وليس على قاعدة مرجعيات إيديولوجية أو تاريخية عامة. كما انه ليس هدفنا تجميع الثوريين وحدهم، إنها محاولة بناء تمثيل سياسي جديد للعمال والشباب، رغم انه ليس إلا جزئيا ولا يشكل إلا خطوة أولى في إعادة تنظيم إجمالية للحركة العمالية. وهكذا لن يكون هذا الحزب، وهو يحافظ على علاقاته بالأممية الرابعة، حزبا "تروتسكيا". سيحاول، كما اشرنا أعلاه، صهر أفضل التقاليد الثورية كلها.

وفي ايطاليا، انطلاقا من تاريخ وتجارب مغايرة، أقدم قسم كامل من حزب إعادة تأسيس الشيوعية على القطع مع هذا الحزب لإطلاق عملية بناء حزب جديد مناهض للرأسمالية. بعد فترة سياسية كاملة، حيث دفعت قيادة حزب إعادة تأسيس الشيوعية بسياسة رفض للنيوليبرالية و اندماج بالحركة المناهضة للعولمة وحفز لها- وهو توجه أيدناه- يدعم هذا الحزب اليوم حكومة برودي (رئيس سابق للاتحاد الأوربي ليبرالي جدا) ويشارك فيها. وبمشاركته في حكومة برودي، ساند حزب إعادة تأسيس الشيوعية كل برامج التقشف النيوليبرالية، وإصلاحا لأنظمة التقاعد، وبوجه خاص إرسال جنود ايطاليين إلى جانب الجنود الأمريكيين في أفغانستان. و في هذه الشروط، قرر رفاق الأممية الرابعة، وكذا تيارات أخرى، ونقابيون يساريون، ومنشطو المراكز الاجتماعية والحركة المناوئة للحرب الشروع في عملية تشكيل حزب جديد مناهض للرأسمالية... إننا إذن نشارك في بناء حزب جديد، تمثله اليوم حركة اليسار النقدي، على قاعدة معركة ضد اليمين وأرباب العمل الايطاليين، لكن أيضا بالقطع مع الاشتراكية- الليبرالية التي جرت حزب إعادة تأسيس الشيوعية بايطاليا.

الخلاصة:

بدأنا النقاش حول أحزاب جديدة مناهضة للرأسمالية منذ مطلع سنوات 1990، معتبرين نهاية مرحلة تاريخية كاملة- القرن الوجيز الذي بدأ مع حرب 1914-1918 وانتهى بانهيار الاتحاد السوفييتي في 1991- وإعلان حقبة تاريخية جديدة مطبوعة بالعولمة الرأسمالية، والتحول الاشتراكي- الليبرالي للحركة العمالية، والانحدار النهائي للستالينية و الموجة الجديدة للمقاومات الاجتماعية.

بدأت تتأكد اليوم، على قاعدة مقاومات اجتماعية وتجارب سياسية، لا سيما التسيير الحكومي الاشتراكي- الليبرالي، معالم تشكيلات سياسية جديدة مناهضة للرأسمالية.

حزب الحرية والاشتراكية بالبرازيل، كتلة اليسار بالبرتغال، حركة اليسار النقدي بايطاليا، حزب جديد مناهض للرأسمالية في فرنسا، هذا أفق الأشهر والسنوات المقبلة. انه تحدي كبير للثوريين. لا بد من قدر كبير من الجرأة والمرونة التكتيكية لبناء أحزاب مناهضة للرأسمالية واسعة، بالاستناد على كفاحية العمال والشباب، وعلى الدروس السياسية المستخلصة من التجارب الأخيرة حيث تواجهت توجهات مختلفة – من الاشتراكية الليبرالية إلى مناهضة الرأسمالية.

لكن لا بد أيضا من إدراك حدود بنائنا لهذه الأحزاب، لأن ثمة تفاوتا كبيرا بين الموقع السياسي الذي نتبوأ والواقع السياسي التنظيمي لقوانا. إذ أن ثمة تفاوت بين شعبية الناطقين باسم منظماتنا و وزن منظماتنا، سواء بفرنسا (بين شعبية اوليفييه بوزانسنو وواقع الرابطة الشيوعية الثورية) أو بالبرازيل (بين شعبية ايلويزا إيلينا و واقع حزب الحرية والاشتراكية).

طبعا يستند اوليفييه و ايلويزا على ظواهر حقيقية في المجتمع – ظواهر كفاحية و وعي، لكن تبوؤهم لمكانة سياسية كهذه نتيجة "الانزياح اليميني" لليسار التقليدي (الحزب الاشتراكي أو حزب العمال) الذي يترك مساحات واسعة يسارا، أكثر مما هو ناتج عن حركة نمو عضوي لصعود النضالات الطبقية، أنهم يشغلون مساحة خلفها "الانزياح اليميني" للأجهزة الإصلاحية.

ومن جهة أخرى لا تشغل قوى معادية للرأسمالية آليا هذه المساحة. ففي ألمانيا ثمة حزب إصلاحي يساري، ناتج عن اندماج ستالينيين سابقين وجناح يساري من الاشتراكية الديمقراطية بقيادة اوسكار لافونتين، هو الذي شغل تلك المساحة، وسيشارك في تحالف حكومي اشتراكي ليبرالي مع الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر. هذا لأننا لسنا إزاء مستوى عال من النضالات، وتزايد عدد المنظمين نقابيا، أو أعضاء الأحزاب اليسارية أو بزوغ تيارات "صراع طبقي" نقابية او سياسية.

إننا نريد بناء أحزاب مناهضة للرأسمالية لكن مئات من المتعاطفين و المناضلين لا يتجهون صوبنا سوى لأننا يسار يناضل، يسار لا يتخلى عن أي شيء، يسار حقيقي. انه وضع غير مسبوق، ويجب طبعا النظر إلى هذه الظاهرة بايجابية. لكن في سياق لم يبلغ فيه نشاط الجماهير مستوى عاليا، قد تكون الضغوط الانتخابية والإعلامية، و المؤسسية في بعض الحالات، قوية جدا. يجب ان يدعونا هذا إلى التركيز على ما يجب أن يكون مركز ثقل الأحزاب التي نريد بناءها، أي أحزاب نضال طبقي وطابعها المعادي للرأسمالية والثوري: بالاندماج في نضالات العمال الجارية، والصلات بالحركات الاجتماعية، وتوازن عملنا الانتخابي والمكانة الحاسمة لتدخلنا الاجتماعي، والرقابة على منتخبينا، والتكوين السياسي لأعضائنا. اكرر، انه تحدي كبير للثوريين لكنه أفضل وسيلة للإجابة على المرحلة التاريخية التي نعيش.

* فرانسوا سابادو، من قادة الرابطة الشيوعية الثورية، الفرع الفرنسي للأممية الرابعة وعضو بالمكتب التنفيذي للأممية الرابعة.

المصدر: مجلة انبركور عدد 534-535 يناير –فبراير 2008

تعريب: جريدة المناضل-ة




1- المد الطبقي والاشتراكي تجمع مناضلين من اليسار الثوري، منهم قادة نقابيون للاتحاد الوطني للعمل، ومناضلون بدؤوا بناء حزب الثورة والاشتراكية وقرروا الانضمام إلى الحزب الاشتراكي الموحد الذي أطلقه تشافيز. نشرت مجلة انبركور وجهة نظر هذا التيار في العدد 532-533 نوفمبر –ديسمبر 2007 - توجد بموقع المناضل-ة

2- ديمقراطية اشتراكية، تيار ساهم في تأسيس حزب العمال بالبرازيل، ويضم المناضلين أنصار الأممية الرابعة، قرر مساندة مشاركة احد أعضائه، ميغيل روسيتو، في حكومة لولا وزيرا للإصلاح الزراعي. أدت سياسة حكومة لولا بسرعة إلى توتر داخل يسار حزب العمال، وخاصة تيار ديمقراطية اشتراكية، حيث تم طرد إحدى قادته عضو مجلس الشيوخ ايلويزا إيلينا من حزب العمال بسبب معارضتها للإصلاحات المضادة لتلك الحكومة. قررت إيلويزا إيلينا، مع عدد من النواب المطرودين من حزب العمال وقطاعات هامة من يسار حزب العمال (منه أقلية تيار ديمقراطية اشتراكية)، بناء حزب جديد، حزب اشتراكية وحرية. يضم تيار Enlace داخل حزب اشتراكية وحرية مناضلي الأممية الرابعة الذين قطعوا مع تيار ديمقراطية اشتراكية الذي ظل مساندا للحكومة.

عرضت مجلة انبركور النقاش بين قيادة تيار ديمقراطية اشتراكية من جهة وأقليته وأغلبية الأممية الرابعة من جهة أخرى، وبالعدد 526/527 - أبريل 2007 ملخص له.


موقع المناضل-ة
http://www.almounadil-a.info/article1372.html