حين ناقش وناقض - المطهري - المادية التاريخية.. البؤس الكبير


عماد البابلي
2008 / 3 / 3 - 10:41     

أشتهر في الأوساط الدينية في مدينتي ( مدينة الحشرات والديدان ) - كما أسميها - شائعة مفادها بأن العلامة والفيلسوف الإسلامي ( المطهري ) قد أنقض المادية التاريخية لماركس !! وبصراحة شدني الموضوع كثيرا وحاولت البحث أكثر في المسألة فوجدت أن كتابا أسمه ( المجتمع والتاريخ ) للفيلسوف المذكور يتضمن فصلا يناقش فيه المادية التاريخية وينقدها بطريقته الخاصة ( !! ) معلنا في نهاية الفصل بأنها فاشلة ولا تستحق حتى أن تكون نظرية ( !!! ) ، لمدة ثلاث أيام بعد أن قرأت الكتاب لبحث كيف أستطاع المطهري نقض تلك النظرية وجدت الفاجعة الكبرى بأن كتاب المطهري مخصص فقط للأطفال دون سن الخامسة حاله حال الأفلام الكارتونية الصامتة المخصصة للسن المذكور .. لست بصدد الدفاع عن الماركسية هنا ولكن بصدد موضوع أكثر خطورة وهو درجة الاستخفاف التي يمارسها أي قلم أسلامي حين يكتب عن نظرية غير أسلامية ، مشكلة القلم الإسلامي والعقل والإسلامي خاضع لمعادلة التضاد الشهيرة والتي تتضمن - حسب فهمي الخاص - الصراع المميت بين الضدين ومحاولة مسخ هوية المكوس الثاني بشكل كامل توكيدا لهوية الأول .. واليوم نجد تطبيق عملي عليها بين طيات هذا الكتاب ( الأسطورة !!! ) ..
قبل الولوج في عرض أدلة المطهري في كون النظرية المادية التاريخية فارغة من أي محتوى منطقي فلنتعرف أولا جانبين مهمين حتى تكتمل الصورة لدى القارئ العزيز :
- الجانب الأول ماهية المادية الجدلية - باختصار شديد - :
المادية الجدلية : تعرف أحيانا علم الاجتماع العلمي وهي نضريه وضعها ماركس في تفسير قوانين التطور الاجتماعي الذي يعتمد على العامل الاقتصادي ( قوى الإنتاج ) كمحرك أساسي لكل التغايرات التي تصيب أي مجتمع ، وفي ضوء المادية التاريخية فمراحل التطور الاجتماعي لابد أن تمر بالمراحل الآتية ( الشيوعية البدائية ، الإقطاعية ، الرأسمالية ، الاشتراكية ، الشيوعية العليا ) ، يقول ماركس في مقدمة كتابه ( نقد الاقتصاد السياسي ): إن الناس أثناء الإنتاج الاجتماعي لحياتهم يقيمون فيما بينهم علاقات معينة ضرورية مستقلة عن إرادتهم. وتطابق علاقات الإنتاج هذه درجة معينة من تطور قواهم المنتجة المادية.
- الجانب الثاني .. من هو المطهري ( ؟؟ ) :
ولد مرتضى محمد حسين المطهري في خراسان – إيران - عام 1338 هجرية ، وفي عمر السابعة عشر سافر لمدينة قم التي تعتبر مركز للحوزة العلمية الدينية في إيران ألتقى بأية الله الخميني وكان من أقرب طلابه ، برع السيد المطهري في الفلسفة الإسلامية كما تجمع كتب التراجم عنه حيث لديه الكثير من المؤلفات حول هذا الجانب ( !!!!! ) حين اندلعت الثورة بقيادة أطياف المعارضة الإيرانية كان المطهري من طلائع عصبة الخميني في مرحلة ما بعد الثورة حين استلمت العمائم السلطة خلال الشهور الأولى من الثورة ، وبعد سنتين وبالتحديد عام 1982 راح المطهري ضحية رصاصات من قاتل مجهول الهوية قرب أحد مساجد العاصمة طهران ، واليوم يعتبر المطهري من أبرز المراجع المعاصرة المعتمدة في العقيدة الشيعية الجعفرية وخصوصا الفلسفة الإسلامية ..
الأدلة التي ناقض بها المطهري المادية التاريخية :
من صفحة 126 من الكتاب الأنف الذكر إلى صفحة 146 ينقد فيها المطهري المادية التاريخية ويورد ستة نقاط يدمر فيها وجهة نظر ماركس وأنجلز ، النقاط هي - وسأنقلها بشكل كامل - :
1 / ( صفحة 129 )(( فقدان الدليل : أول مناقشة في هذه النظرية لا تعدو فرضية من دون دليل فكل نظرية فلسفية تاريخية لا بد لها أما الاعتماد على التجارب التاريخية حول الأحداث في زمانها ثم يعمم لسائر الأزمنة أو الاعتماد على الشواهد التاريخية وتعميمها للحاضر والمستقبل أو يكون إثباتها عن
طريق القياس والاستدلال المنطقي على أساس الأصول العلمية ، أو المنطقية الفلسفية التي تكون مقبولة مسبقا . وفرضية المادية التاريخية لا تبتني على شيء من المذكورات .. ))
2 / ( صفحة 130 ) (( تبدل رأي المؤسسين : ذكرنا مرارا أن ماركس يعتبر العامل الاقتصادي أساس المجتمع وساير العوامل هيكل البناء .. وماركس في عبارته اعتبر العمل الاقتصادي صاحب الدور الأصلي وغير الأصلي في التأثير .. وأعجب من ذلك أن أنجلز في هذه الرسالة بالذات ويحمل ماركس قسما من المسؤولية هذا الأمر هذا الخطأ ويقول – أي أنجلز - : ( أني وماركس نتحمل قسما من مسؤولية هذا الأمر الذي جعل الشباب يهتمون بالعامل الاقتصادي أكثر من حقه .. ) .
3 / ( صفحة 141 ) (( نقض التطابق الضروري بين الأساس والبناء العلوي : بناءا على النظرية المادية التاريخية لا بد من تطابق بين الأساس والبناء العلوي .. وقد تقدمت الدول الكبرى كبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة تقدما صناعيا عظيما ووصلت فيها الرأسمالية إلى قمة المرحلة وخلافا لتوقعات ماركس الذي أعتبر هذه الدول في مقدمة الدول التي تحقق ثورات عمالية وتؤسس دولا اشتراكية ، لم يتغير نظامها السياسي والحقوقي والديني وكل ما يعتبر من أجزاء البناء العلوي .. )).
4 / ( صفحة 143 ) (( عدم التطابق بين الموقع الطبقي والموقع الأيديولوجي : بناءا للمادية التاريخية لا يمكن للبناء العلوي أن يتقدم على الأساس أبدا في أي مرحلة من مراحل التاريخ .. ولكن الثابت في مرحلة العمل والخارج خلاف ذلك فكثير من الفلسفات بقت دون أن تضمحل كما يرى ماركس .. ))
5 / ( صفحة 144 ) (( استقلال التطور الثقافي : تقول المادية التاريخية : أن الثقافة والعلم والسياسة والدين متعلق بالعامل الاقتصادي كما يدعي ماركس .. وأعلن ( ك . شمولر ) حيث قال : لا شك أن الوضع الاقتصادي شرط ضروري للبروز الثقافي الممتاز ولكن لاشك ابظا في أن الحياة المعنوية والخلقية تتطور باستقلال .. )) .
6 / ( صفحة 146 ) (( المادية التاريخية تنقض نفسها : تقول المادية التاريخية بأن كل فكر وكل نظرية فلسفية لا يمكن أن تكون نظرية مطلقة ولكنها تختص بزمنها .. وبناء على ذلك فالمادية التاريخية مشمولة بهذا القانون .. )) .
*************************************
مناقشة ..
الكتاب أثار غثياني بصراحة وخصوصا درجة اللمعان التي ترافق أسم المطهري حين يذكر في أي مجمع ديني ، لن أبين رأي الشخصي في نقاط السيد المطهري وهي مكشوفة لأي عقل عن افتقارها لأبسط قوانين النقد العلمي والفكري وسأترك للقارئ العزيز الحكم في ما ورد ، ولكن سأكتفي بهذه الملاحظات :
- أتهم المطهري ماركس بفقدان التجارب التي تدعم نظريته ( !! ) كيف ( ؟؟ ) الكل يعرف بأن خلاف ماركس في الأممية الأولى مع أتباع " لا سال" و " برودن " كان حول تلك النقطة بالذات ، ماركس نزل لعمال المصانع وبشّر بأفكاره ولم يبقى أسير الورق والكتيبات مثل " فورييه " .
- يقول المطهري بأن ماركس كان أزدواجيا في أفكاره بحيث ناصر المادية التاريخية في بعض كتبه وفي بعضها الأخر لم يناصرها ( !! ) ، نتحدى هنا المطهري فيما لو قرأ كتابا واحدا لماركس وقد أعترف بذلك ضمنا حين قال بأنه لم يقرأ الماركسية ألا عن طريق كتب تنقد الماركسية وقد ذكر كتابين كانا مصدره الوحيد في كتابه السالف الذكر .
- النقطة الثالثة منطقية بعض الشيء ولكنها ليست نقطة سلبية تؤخذ على ماركس حين لم تطبق في الدول الغربية .
- كان ماركس يقصد شيء أخر وهو تطبيق النظرية بشكل عملي وليست كأفكار مجردة على خلاف ما ذهب المطهري في نقطته بحيث عممها بشكل فظ .
- لا نعرف ولم أسمع بالاسم( ك . شمولر ) الذي أعتمد عليه المطهري في استقلال العامل الثقافي .
- ذكاء المطهري المفرط تحول هنا إلى غباء على ما يبدو ، لأن المادية التاريخية هي نفسها تنقسم إلى مراحل تاريخية وليست مطلقة لزمن معيين كما فهم المطهري .
وكما أسلفت لست بصدد الدفاع عن الماركسية ( لكوني شيوعي طوباوي على الطريقة السان سيمونية ولست ماركسيا من الناحية العملية ) ولي الشرف في الدفاع عن المملكة الفردوسية التي تركها لنا ماركس ذات يوم . المطهري صاحب نظرية أ ن الإسلام أخلاق قبل أن يكون شريعة يورد في كتابه السابق بعض العبارات القبيحة التي تنم على سوء روح وعمق قذر ، نختار من بعضها الأتي :
- ( واليوم أيضا نرى أفراخ الماركسية المعاصرين أذا أرادوا تفسير حركة تاريخية يتبجحون بكلمات غير مفهومة .. ) صفحة 108 .
- ( وأفترق ماركس عن الماركسية في بعض نظرياته من جهة أنه كان وأذكى وأفطن من أن يكون ماركسيا كاملا ، فالماركسي يحتاج إلى أكثر من قليل من الحماقة .. ) صفحة 128
- ( وقد أكتسبه - أي المادية التاريخية - ماركس من سلفه الملحد فيورباخ ومن أمامه الأخر هيجل ) صفحة 88 .
**********************************
من قصيدة " كانت الصحراء فحسب " للشاعر الشاب سعيد السوقايلي أختار لكم المقطع الأتي كخاتمة لمقالتي هذه :
(( تعال لنجمد قلب الصحراء
ونتمشى كبطريقين متجاورين
كأسطورتين باردتين
لم يسمع بهما البدو قط ))