حول الديمقراطية السوفييتية


نايف سلوم
2003 / 12 / 11 - 08:58     

  في عبارة مهيبة لـ " لينين " تقول: " سوف نبني الآن على أرض أزيلت منها أنقاض التاريخ، البناء المهيب و الوضّاء للمجتمع الاشتراكي، و نخلق نموذجاً جديداً للدولة مجهولاً من قبل، و مدعواً بإرادة الثورة إلى تنظيف الأرض من كل استغـلال، و من كل عنف،  ومن كل استعـباد. .. الآن كـل معجزات  التقنية، و كل مكـاسب الثقافة ستصبح تراث الشـعب بأسره،  ومن الآن وصاعداً لا الفكر ولا العبقرية البشريان سيتحولان إلى وسائل عنف ووسائل اسـغلال"(1)

هكذا كان يتحدث لينين بعد الاستيلاء على السلطة بقليل. من بعد ذلك سوف يأتي الامتـحان الأكـبر لهذا الأمل  العظيم و للديمقراطية السوفيتية في روسيا. ولكن كيف لأمل بهذه الأبّهة وهذه العظـمة أن يبني مشـروعيته في الظروف الملموسة لروسيا الثورية و للثورة العالمية ؟

  كان البلاشفة، و هم منهمكون بمسألة الاستيلاء على السلطة في روسيا، يفكرون بالثورة العالمية، وكانـوا قد انقسموا تيارين على أرضية الأولويات: الثورة العالمية ( ألمانيا ، إيطاليا ) أولاً أم الثورة الروسية ؟ و هذه الإشــكالية كان قد صاغ لينين حلها النظري في عبارة موحية له تقول: " مع النضـال ضد الحرب [ الإمبريالية الأولى ]  كان يقوم رابط ملموس بين الطليـــعة الثورية [الروسية] و المؤخرة الأوروبية للثورة العالمية ". (2)

و يضيف لينين: " من واجب بروليتارية روسيا أن تصل بالثورة الديمقراطية البورجوازية إلى نهايتها بهدف إشـعال الثورة في أوروبا"(3). إن الشروط الموضوعية للحرب الإمبريالية تضمن لنا أن الثورة لن تقتصر على المرحـلة الأولى من الثـورة الروسـية [المرحلة الديمقراطية البرجوازية ] و أن الثورة لن تقتصر على روسيا ". (4)

 هكذا حلّت الإشكالية - نظرياً -  عند البلاشفة. أما منافسوهم المناشفة فقد كـانوا ينظرون بتحفظ لا يخلو من غبن واستكانةإلى المسألة.  و كانوا يطرحون المسألة على الشكل التالي: إذا انفجـرت الثورة في أوروبــــا يمكن أن نفكر باستلام السلطة في روسيا.  كان الشرط الأول لهذا الاندفاع البلشفي هو الحـرب الإمبريالية الأولى كشرط موضوعي قد يمكّن من تحويل الحرب الإمبريالية إلى حرب ثورية. ففي لحظة انشغال و إضعاف متبادل للإمبرياليات العالمية، كان الأمل أن يشعل الفتيل الروسي الثورة في أوروبا، خاصة في ألمانيــا الـتي كان لينين يرى في اقتصادها الاحتكاري الرفيع والفتيّ عشية الثورة الاشتراكية .

  فما كان يعطي عبارة لينين السابقة الذكر مصداقية تاريخية، هو هذا الشـرط العالمي، و هذا الانتظار لاشتعال الثورة الاشتراكية في أوربا الغربية .

و هكذا كانت الديمقراطية السوفيتية في روسيا تؤسس نفسها نظرياً من خلال دراسة الشروط العالميـة و المحليّة للثورة .

و كانت تؤسس لثباتها وتقدمها نظرياً وعملياً بالاعتماد على دعامتين، الدعامة الأولى: اشتعال الثورة في أوروبا خاصة في ألمانيا و إيطاليا على أرضية الحرب الإمبريالية و بتفعيل من دينامية الثــورة الاجتماعية في روسيا.

أما الدعامة الثانية فقد وضعت إلى جانب الأولى وذلك نظراً للوضع الروسي المعقّد، ونظراً لوجود غالبية من الفلاحين في روسيا. لقد وضعت هذه الدعامة لحل مشكلة من أكثر مشاكل الانتقال الاشتراكي إشكالية: ألا و هي الديمقراطيـة السوفييتية(الاشتراكية)، و مسألة علاقة بروليتاريا في طريقها إلى السلطة مع الفلاحين في ظروف بلد غالبيته الساحقة من البرجوازية الصغيرة المدينية والفلاحية. غالبية فلاحية متشبثة بالملكية الخاصة الصغيرة، و رجعية في الاقتـصاد، و محافظة في عقليتها. و أيضاً في علاقة هذه البروليتارية بعد استلامها للسلطة السياسية مع هذه الغالبية المفقرة .وكان هذا يشكل التحدي الأول والأكبر للهيمنة البروليتارية .

  في هذا السياق يمكن أن نفهم تصريحات لينين.  فـفي كانون الثاني 1918 كان يتـكلم أمام المؤتمر الثالث الروسي الكبير للسوفييتات . حيث أعلن ما يلي: " السلطة الوحيدة التي من شأنها البقاء في روسيا هي التي ستعرف كيف تحشد الطبقة العاملة و غالبية الفلاحين، كل الطبقات الكادحة و المستَغَلة في قوة واحدة موحدة بصـورة لا فكـاك منها ." و يضيف في كانون الأول 1921 أمام المؤتمر التاسع للسوفييتات: " إن المشكلة الأساسية ، المشكلة الجوهـرية، هي مشكلة موقف الطبقة العاملة حيال الفلاحين، هي تحالف الطبقة العاملة مع الفلاحين ."

خلال/ 1917-1918 / آذار/  كانت تسيطر على فكر لينين و تصريحاته بصدد الديمقراطية السوفييتية الموضوعة التالية:

" أنها (الديمقراطية السوفييتية)  أكثر ديمقراطية بما لا يقاس من أفضل الجمهوريات البرلمـانية البرجـوازية، وليس لها معنى إلا بالمشاركة الفعلية للجماهير في العمل الإداري [ و الدمج بين الإدارة و التشريع ] . " إن هدفنـا [و الكلام للينين] هو تأمين المشاركة العملية لكل الفقراء دون استثناء في حكم البلد .. و جعل كل الشغيلة يضطلعون مجاناً بوظائف الدولة ما إن تنتهي ساعاتهم الثمانية في الإنتاج . "(7)

  بالنظر إلى دعامتي الديمقراطية السوفييتية: اشتعال الثورة العالمية  في أوروبا ، و مسألة التحالف الشعبي بين العمــــال و الفلاحين بقيادة العمال (الهيمنة البروليتارية)، بالنظر إلى هذين العنصرين الأساسيين يمكن القـول أن أول ضـربة وجهـت إلى الديمقراطية السوفياتية كان صلح بريست - ليتوفسك من حيث دلالته و مغزاه الرمزي على مستوى الأمل باشتعال الثورة في ألمانيا.  إن هجوم الجيوش الألمانية على ثورة شعبية فتية في روسيا يعني في أحد معانيه الأساسية أن الدور المساند الذي يمكن أن تلعبه البروليتاريا الألمانية ما يزال محبطاً و بعيداً. و هذا ما يظهر من الأسى الظاهر في عبارة لينين عام 1918؛  فترة مـا بعد توقيع الصلح مع الإمبريالية الألمانية بهدف وقف زحفها على روســـيا السوفييتية الجائعة و المنهكة.  يقول لينـين في 23 شباط 1918، اليوم الذي استأنفت فيه الجيوش الألمانية زحفها إثر قطع مفاوضــات السلام:

" كانت الثورة حتى الآن قد تبعت خطــاً تصاعديــاً، ماضية من نصر إلى نصر، أما الآن فلقد منيت بهزيمة خطيرة ". (8)  و في تلك الفترة بالـذات ظهرت موضوعة سوف تسيـطر على خطــاب لينين سنوات عديــدة تقــول: " ينبغي أن نعرف التراجع ". (9)

راح صلح بريست - ليتوفسك  يشير ، إذاً، إلى هذا التوجّس البلشفي من أن فشل الثورة العالمية - خاصة في ألمانيا - سوف يكون أكبر نكسة تمنى بها الديمقراطية السوفييتية، و لسوف يضيّق الخناق عليها، و يُترَك لها، هامش بائس للمناورة .

يقول مارسيل ليبمان:  إنه لذو مغزى أن يكون حدث هذا الإخفاق الأول على مستوى الاستراتيجية الأممية اللينينية و على مستوى الثـورة العالمية. هذا الإخفاق الأكثر حسماً، على مستوى الشروط التاريخية لانحطاط الديمقراطية السوفييتية، والذي سيكون متعذراً قهره بالرغم من كل الآمال و الجهود"(10)

مع زحف القوات الألمانية و المعنى الرمـــزي لهذا الزحـــف ( بوادر فشل الثورة في أوروبا ) كان ينمو تناقض آخر، و ليس بمعزل عن ضعف الآمال بقيام الثورة في أوروبا، سوف تعاني منه الديمقراطية السوفييتية الفتية  البِكْر، ألاوهو التناقض بين متطلبات البناء الاشـــــتراكي طويــل الأمد في بلد معزول و متخلف ( قوى إنتاجية متأخرة )، و بين الحـاجات المادية المباشرة و الفورية للعامل. و هذه المطـالب الفـورية كانت تشـكل الأرضية الخصبة للتحريض المنشفي، تحريض العمال ضد السلطة السوفياتية الفتية.  يقول مار سيل ليبمان: " كـان المناشــفة يثـيرون حنق لينـين بتـحريضهم الاجتماعي و إرادتهم دفع العـمال للجـوء إلى الإضـراب من أجـل الدفـاع عن مصـالحهم الفورية. و كانت النجاحات التي يلاقونها في هذا الحقل تشهد على استعادة للشعبية كانت تجعلهم أخطر مما كانوا منذ أكتوبر 1917.  من جهة أخرى، كان النشاط الذي يبذلونه في فترة الهزائم يهدد بزيادة حدة أزمة النـــظام " (11).  و هذا ما جعل لينين يتخذ موقفاً قاسيــاً حيــال الحزب المنشفي بمجمله .  كانت صرامته تتعزز " بمقدار ما كـان انتهاء الحرب الأهلية يكشف حالــــة الخراب في البـلد و الانعزال المأساوي للحزب الشيوعي "(12)

هكذا كان بناء الاشتراكية و تنظيم الحياة الجديدة في روسيا المعزولة و المتأخرة يتطلب عشرات السنين، حسب لينين نفسه،  على أرضية تفاقم التناقض بين متطلبات البنـاء الاشتراكي المديدة و بين الحاجات الفورية للعامل، كـان يتفاقم هذا التناقض مع زحف القوات الألمانية الإمبريالية، و مع ضعف وتردد قسم من الطبـقة العامـلة، ومع الأزمـــة الاقتصادية  الاجتماعية العميقة، مع ضغط و عطالة أغلبية من الفلاحين البورجوازيين الصغار الذيـن يشكلـون خزاناً دائماً لإفساد طلائع الطبقة العاملة الروسية .

  إن الفقر المدقع و الأزمة الاقتصادية الخانقة و الهجـوم الألماني و الحرب الأهلية المنهكة كانت جميعها تخلف تردداً وسط الطبقة العاملة الروسية بالذات، و كانت تزيد من ضغط البورجوازية الصغيرة الفلاحية. هكذا كان فقر الدعم الأممي  للديمقراطية السوفييتية يفاقم إشكالياتها المحلية، ألا و هي تحالف البروليتاريا مع الفلاحين، و مشكلة المطالب المادية الفوريـة للعمال .*

 يمكن تفهم الطريقة اللامبـــالية الـتي وضع فيها أول دســـتور (صيغة النظام الجديد) للجمهوريات الاشتراكية الاتحـادية لسوفيتات روسيا في تموز 1918 من قبل أعضاء المؤتمر الخامس لسوفيتات روسيا. هذه اللامبـالاة في وضع دستور الجمهوريات السوفييتية كان يمكن تفسيرها بالأمل الذي يعلقه البلاشفة على قيام الثـورة العالمية، خاصة في ألمـانيا و إيطاليا.  بالتالي كان الكثير من الترتيبات يأخذ صيغة مؤقتة برسم انتظار الثورة العالمية،  يقول مارسيل ليبمان:" إن الشكل الذي كانت تتخذه الدولة الجديدة كان سيربح دون شك، إذا لم يطبع نفسه بكليشهات القانون: لاسيما أن الإطـار القومي الذي يحدّ نفسه به و الذي كان يحدّد بعض ملامحه سيجري بالتأكيد تخطيه في مستقبل قريب جـداً بمساعدة الثورة العالمية. و هو ما سيجعل الكثير من الترتيبات القانونية شيئاً من الماضي.  حيث ذاك لا يجب الاندهاش إذا ما كان وضع نصوص دستورية جديدة، تم بلامبالاة نسبية و امتنع القادة الشيوعيون الرئيسيون عن المشـــاركة فيه "(13)

  كان الدستور الجديد يمنح المؤسسات المركزية صلاحيات واسعة. بالإضافة إلى حق (آخر)  أن تحدد هي ذاتها طبيـعة تـلك الصلاحيات، و حق توسيعها عند الاقتضاء، ومع ذلك كانت المرحلة الأولى من النظام السوفييتي مرحلة استقلال غير محدودة للسوفيتات المحلية، سوفيتات قاعدية مفعمة بحيوية قوية متزايدة العدد و غيورة على سلطتها و كانت تعـطل السلطة المركزية بين حين وآخر. بل أجبرتها مرات عديدة على دفع جزية على مرور نفط باكو إلى العاصمة موسكو. لكن الحرب الأهلية و شراســة الثورة المضادة، وسعي هذه الأخيرة لتصفية المناضلين الشيوعيين و السوفيتــــات،  قضت على "النزعة المناطقية " للسوفيتات المحلية، بل أزيلت هذه السوفيتات فترة الحرب الأهلية .

" لقد توجب انتظار خريف عام 1918 لرؤية التفتت السريع لهذه السـلطات "القاعـدية ".  أما ما وضـع حداً لها، بالفعل،  فلم يكن إرادة السلطة المركزية بقدر ما كانت متطلبات الحرب الأهلية و آثارها "(14)

 لا شك أن الإرهاب "الأبيض"  كان مسؤولاً جزئياً عن ذلك، حيث أن انتصارات الثورة المضادة ترافقت أغـلب الأحيان ليس فقط مع إبادة عدد كبير من الشيوعيين بل كذلك مع القضاء على مناضلي السوفيتـات الأشــد نشاطاً، و في كل حال مع إزالـة تلك السوفيتات "(15)

 هذا الإضـعاف و التحطـيم للسوفيتات القاعدية من جانب الثـورة المضادة ترافق أيضاً مع تسهيل مهمة " اللجنة غير العادية لمكافحة الثورة المضـادة و التخريب "التشـيكا " في إزالة ما تبقى منـــها [السوفيتــات القاعدية] و فرض نفسها [ التشيكا ]  كسلطة مركزيـــــة وحيدة، ذات طابع بوليسي. ففي " أواخر 1918 و بداية 1919 و تحت ضغط الحرب الأهلية تمحّى السوفيتات تحت وقع سلطات مركزية معطاة  " للتشيكا"، و هذا ما أدى إلى ظهور هيئات و لجان من كل الأنواع من أهمها: " مجلس الدفاع العمالي و الفلاحي" نهــــاية تشرين الثاني 1918 الذي سرعــــان ما سيحل محل الحكومة بالذات. كـان يهتم بمشكلات الاقتصاد والتموين المرتبـطة بالحـرب، ولسـوف يتحـكم بمجـمل الحـياة العامـة على حساب السوفيتات "(16)

 هذا الانخماد لنار السوفيتات تحت وقع الحرب الأهلية الطاحنة لم يمنعها من تجديد نفسها مع انتهاء الحرب وعودة السلام " فمع عودة السلام و زوال التهديد المناهض للثورة، عادت سوفيتات محلية عديدة إلى الظـهور في الأرياف وأعلـنت الحكومة السوفييتية عن نيتها التخلي عن قسم من صلاحياتها و تمكين اللجنة التنفيذية لسوفييت عموم روسـيا  من استرجاع حقوقها. كان دستور 1918 كلف هذه اللجنة المركزية للسوفييت بالإشراف على نشاطات مفوضي الشعب، الاسم الذي كان يطلق على الوزراء السوفييت.

 استعادت الانتخابات إلى السوفيتات عام 1920 جزئياً طابع الحرية الذي كان طبعها في بدايتها و شارك بـها المناشفة بنشاط.  إلا أن هذه الآمال قد تبدّدت بفعل نشاط جديد للثـورة المضادة مع انحطـاط الوضع الاقتصادي و الاجتـماعي أيضاً  ومع الهجوم" الأبيض " بقيادة فرانغل .

إن أزمة خريف 1920 و شتاء 1920- 1921 أدت إلى انهيار تلك الآمال بانتعاش الديمقراطية السوفييتية " فمع تمـرّد الأرياف ضد السلطة السوفييتية و الاستياء المتنامي للطبقة العاملة، و إرادة الشيوعيين المستبسلة للبقاء في السلطة، رغم تراجع شعبيتهم و حالة الخراب على الصعيد الاقتصادي و إحباط السكان و الانعزال المتزايد لبلد مهدّم و أمة منزوفـة، كانت جميعها تشكل المستنقع الذي غرقت فيه كل إمكانية لانبعاث ديمقراطية سوفييتيــة. و هذه جميعها تشكل الشروط التاريخية الفعلية التي أدت إلى انحطاط الديمقراطية السوفييتية الفتية وولادة الأحادية الحزبية و الاستبداد البيروقراطي السوفييتي، و فيما بعد تكريس عزلة البلد الاشتراكي الأول في التاريخ و فكرة ستالين القائلة بإمكانية بناء " الاشتراكية في بلد واحد " ومارافق ذلك من صعود نجم البيروقراطية السوفييتية و انحطاط البلشفية و روحها الجماعية و النقدية الحية. و قبل أن ندخل في شرح نتائج هذه العزلة وهذا الارتياب،  و النتائج المأساوية لعقيدة " بناء الاشتراكية في بلد واحد"، سوف  نقارب و نتفحص مصير الجمعية التأسيسية في روسيا بعد استلام البلاشفة للسلطة و ممارسة شعار،" "كل السلطة للسوفييت " .

 إن وجود جمعية تأسيسية و الدعوة لانعقادها كان يعني في روسيا ازدواج الســلطة و عدم حسم مسألة " كل السلطة للسوفييت ".  ففي كانون الثاني 1918 كانت السوفيتات في روسيــا لا تزال، و أكثر من أي وقت، المؤسسة الشعبية البروليتارية و العامية بامتياز، تلك التي أتاحت كل فتوحات الثورة، و التي كانت ترمز إليها . لذلـك الســبب كـانت كل القوى المحافظة و الرجعية معادية لها، و تضع آمالها في الجمعية التأسيسية التي كانت تنتظر منها إلغاء الفـــوضى الثورية و إعـــــادة النظام " (17)

إن تفحص مصير الجمعية التأسيسية، هكذا بالمطلق و بشــكل مجرّد ، أي من دون النظر إلى الظروف الاجتماعيــــة؛ ظروف الصراع الاجتماعي السياسي، يعني النظر إلى الأمور السياسية مع غياب للمجتمع و طبقاته المتصارعة.  وهذه مسألة تطرحها البورجوازية الليبرالية حين تضعف مواقعها، لكنها تنساها حين تقتطع طوال الوقت الحصة الكبرى من ثروة الأمة.

إن النظرة إلى الديمقراطية على أنها مجموع أصوات أفراد الأمة الانتخابية دون النظر إلى واقع الصراع الاجتماعي الطبقي هي نظرة مؤدلجة و مضللّة و هي تعمل لصالح أغلبية في كنف البورجوازية و سيادتها و تطرح مســألة في غاية الأهمية و الخطورة ، مسألة تتجاوز الوضع الروسي لتشكل إحدى إشكاليات الثورة الاشتراكية على المستوى العالمي. إنها مسـألة علاقة الاشتراكية بالمهام الديمقراطية، خاصة المسألتين القومية و الزراعية ؛ أي مسألة الوحدة القومية و السيادة القومية و مسألة العلاقة مع الفلاحين .

في كل مرة، كان الاقتراع العام يشتت اندفاع الثورة : 1848 في فرنسا و كمونة باريس 1871 ، و روسيا 1917 ، وفي ألمـانيا 1918.  في كل مرة، كان الاقتراع العام يشتت اندفاع الثورة تحت ثقل العدد الكبير و بفعل قوة جمود و عطالة تنتصب في وجه هذه الأخيرة ( الثورة ). وكما يقول ليبمان :" إن الثوري ناخب رديء و الناخب ثوري تافه "

لا تستطيع البروليتاريا كسر طوق العدد الكبير و الجمود و كسب الانتخابـات ( البطاقات الانتخابية ) و جعلها تعمل لصالحها ، إلا في حالة واحدة ألا وهي فن قيادة البروليتارية للمسائل الديمقراطية الكبرى لأمة من الأمـــم [المسـألة القومية (مسألة الوحدة القومية) و المسألة الفلاحية ؛ علم الهيمنة وفنونها.

 لقد كان البرنامج الديمقراطي أحد الأسس الكبيرة لانتصار البلاشفة في روسيــا. فقد طرح البلاشفة في برنامجهم مسائل السـلم و مسألة الأرض و حق الشعوب في تقرير مصيرها، هكذا كسبوا " الأغلبية" لفترة قصيرة. يقول ليبمان: "إذا فكرنا بالمجابهات الاجتماعية الكبــرى للحقبة المعاصــرة و بالحلقات الأكثر حسماً للصراع الطبقي، نلاحظ في فرنسا و ألمانيا كما في روسيا أن الدينامية الثورية اصطدمت دائماً بالقوة الشالّة أو بكابح الآلية الانتخابية، حتى بشـكله ( الكابح ) الديمقراطي المتمثل بالاقتراع العام . حدث ذلك في باريس 1848 حين هاجمت البروليتاريا في الشــارع و حين ردت البورجوازية بالبنادق وأوراق الاقتراع . وحصل ذلك أيضاً عـــام 1871 ، حين تمكنت الجمعية الوطنية، بمواجهة الكومونــة، من التباهي بإضفاء صفة ديمقراطية للشرعية لم يكن يمتلكه عمال باريــــس، صفة توهم بأنهم لم يكونوا ممثلو السيــــــادة القومية "(18) ففي كل مرة كانت الثورة الاشتراكية تجابه بالنزوع القومي كنزوع معاد لها كانت تفشل فشلاً ذريعاً . و هذه إحدى أكبر أخطاء و مآسي البيروقراطية السوفييتية الروسية، حين خلقت في بلدان أوروبا الشرقية (بولونيا ، المجر ، تشيكوسلوفاكيا)  وضعاً ملتبساً تجابهت فيه الاشتراكية البيروقراطية المحمولة بواســطة الجيش الأحمـر مع الـنزوع القومي و السيادة القومية لهذه البلدان ذات الغالبية الفلاحية البورجوازية الصغيرة. فلم تكن السيادة القومية لهذه الشعوب سوى درع إضافي يلبسه الجندي السوفييتي الروسي في صراعه مع الإمبريالي أثناء الحرب الباردة .

كانت السياسة التي اتبعتها البيروقراطية السوفييتية تجاه بلدان أوروبا الشرقية (" الديمقراطيات الشعبية ") ليست نابعة  من الصراع الاجتماعي في كل من هذه البلدان ، و لا من مصالح البناء الاجتماعي و الاقتصادي و تحقيق النمو " الطبيعي " و " المستقل " لهذه البلدان، بحيث تتابع هي (كل بلد) ديناميتها الخاصة و الذاتية الدفع لإكمال البناء الاشـــتراكي  ولإنجاز تكامله مع روسيا السوفييتية . بل كانت تنبع من سياســــة الكتل و الحرب الباردة و مناطق النفوذ. يقول جان بول سارتر: " كانت السياسـة التي استلهموهـــا (البيروقراطيون) هي سياسة الكتل والحرب البــــاردة " (19)

كانت القوى الاشــتراكية المتحسسة لأوضاعها الخاصة تُمنَع من أخذ فرصتها (في هذه البلدان) لفرض وجودهـــا،  وكان بدل ذلك يتم تنصيب أفراد لا همّ لهم سوى السلطة مع ضمانات بولاء  مطلق  لموسكو .

 بعد وفاة ستالين (1953) كانت الريبة و الشك بالآخرين و الاتهامات المجانية بالتآمر ضد بلد الاشتراكية الأوحد تغدو فائضة على المجتمع السوفييتي في روسيا . فالريبة و الشك جاءت من ظروف بلد يبني نفسه في شروط من العزلة الدوليـة و العداء . أما و قد حقق ثقته بنفسه عبر بناء شاق لاقتصاده ، وبعد نمو عضوي للاقتصاد القومي الروسي و عبر تعاضد المجتمع السوفييتي بفعل التصنيع و تشريك الصناعة باتت البيروقراطية زائدة و مقيتة.  و باتت شكوكــها مضحكة و تعكس  شك البيروقراطي السوفييتي "الثوري" بالفني و التقني ابن الجيل الجديد و ابن التقنية الجديدة .

كان التناقض الذي يحكم المجتمع السوفييتي فترة نزع السـتالينية هو تناقض بين قوى إنتاجية متطورة و بين البنية السياســية و الإدارية القديمة أو المتقادمة و التي يمثلها كنموذج البيروقراطي " الثوري " القديم و المتأمّر . كان النزاع بين الفني و التقني من جهة واحدة و بين البيروقراطي الأوامري "الثوري " من الجهة الثانية .

 لقد بات الإداري – البيروقراطـي القديم فائضاً عن قوى إنتاجية متقدمة، و عن مجتمع صناعي روســي يشــد من أزره القومي هذا التصنيع بالذات و ما يعنيه من بنية اجتماعية - اقتصادية جديدة . بينما كانت بلدان أوروبا الشرقية تشعر بأن نزع الستالينية يعني تحللها من هيمنة "أجنبية " مفروضة بالقوة (قسراً) ؛ قوة " أجنبية " تدعم زمرة حاكمة فاقدة لشعبيتها . كانت السيادة القومية مع أفول الستالينية تفرضها التقنية الجديدة و تعززها الصناعة الثقيلة و التقدم المحرز في القوى الإنتاجية، بينما كان التصنيع القسري في بلدان أوروبا الشرقية يزعزع السيادة القومية و يربك هذه البلــــدان، و يتطلب (كمطلب فاسد ) التدخل المباشر من وقت لآخر للجيش السوفييتي في شؤون هذه البلدان ( غزو المجر 1956، و غزو تشيكوسلوفاكيا1968من قبل الجيش السوفياتي- الروسي). كان التدخل المباشر يربك أيضاً البيروقراطية المحلية و ينسف الأرضية الاجتماعية و السياسية لشرعيتها في الحكم .

إذاً في الوقت الذي كانت الستالينية توضّب رحيلها من المجتمع السوفياتي في روسيا ، كانت تعاني تناقضاً خطراً في بلدان أوروبا الشرقية ، تلك البلدان كانت تعيش وقتها تناقضات مماثلة لتلك التي عانت منها روسيا السوفياتية بعد ثورتها الاشتراكية مباشرة . ألا و هو التناقض بين البروليتاريا و غالبية فلاحية بورجوازية صغيرة ، و أيضاً ، التناقض بين متطلبات البناء الاشتراكي البعيدة المدى و بين مطالب العمال الفوريـــــــة ( اليومية ) .

يكتب سارتر :" التناقض الأول في المجتمع السوفياتي : أعني به تعارض مصالح البناء الاشتراكي البعيدة الأمد مع المصالح المباشرة للطبقة العاملة ( الشغيلة ) " (20)  " في بولونيا الجديدة يتجلى هذا التمزق الفعلي للشغيل في المرحلة الأولى من بناء الاشتراكية بشكل مثير للفضول في تعايش مجالس الإدارة و الأجهزة النقابية المنتخبة من العمـال أنفسهم في بعض المنشآت " (21)

تمثل المطالب الفورية من الناحية السياسية نزوعاً بورجوازياً صغيراً و قلة صبر الطبقة العاملة في محيط من أغلبية فلاحية، و في شـــروط قوى إنتاجية متأخرة ، بالتالي تنضاف عطالتها إلى الأغلبية الفلاحية و نزوعها البورجوازي الصغير، و تمسكها بالملكيات الصغيرة . لتشكل عائقاً حقيقياً في وجه الطريق الاشـــتراكي و نموّه في فترات الانتقال التاريخي من الرأسمالية إلى الاشتراكية.  

يبدو من المفيد مقارنة هذا الوضع مع الثورة الصينية المتواصلة، ووضع الشيوعيين الصينيين الذين استفادوا بطريقة لا تخلو من لمعان من المسألة القومية الديمقراطية لدعم جهودهم من أجل الثورة الاشتراكية و البناء الاشتراكي . في الثورة الصـــينية كانت المسألة القومية الديمقراطية تعمل لخدمة الثورة الاشتراكية ، و ليس العكس .

تقول الكاتبة إنريكا كولوتي بيشِل في كتابها " الثورة المتواصلة،  عرض وتحليل لتطور الثــورة الصينية و أطروحاتـها الإيديولوجية و السياسية "،  في سياق العلاقة بين المســـألة الاجتماعية (الطبقية)  و بين المسـألة القومية الديمقراطية،    و تحت عنوان " طبيعة الصراع الطبقي في الصراع المعادي للإمبريالية " تقول: " إن الصياغة الواضحة و العميقة لمشكلة التناقضات ضمن المجتمع الصيني في علاقتها مع التسلط الإمبريالي كانت واحدة من مساهمات ماو العظمى في اختيار و تنفيذ الاستراتيجية الثورية في الصين ، حيث فسحت اختيارات الشيوعيين السياسية و الاجتماعية، في أعوام مقاومة اليابانيين، المجال أمامهم لإعطاء حرب العصابات الفلاحية المعادية لليابان، صفة سمحت بتحطيم جهاز القمع المحلي التقليدي في مناطق واسعة من الصــين، و من ثم فسحت المجال أمامهم لتحضير نصر ثوري قريب بعد انتهاء الحــرب، و فضلاً عن ذلك فإنها حملت منظورات جديدة إلى عملية التحليل الماركسي لمسألة الإمبريالية و الظاهرة القوميـــة " (22)

وفق هذه التجربة الثورية و هذا التحليل " ينظر إلى التســلط الإمبريالي على أنه استغلال و قمع طبقي على مستوى دولــــي [قائم على بنية رأسمالية استغلالية في المراكز ذاتها]  حيث يكرّس ماو هنا الأولوية الحاسمة للتـناقض بين الإمبريالـية ( الطبقة المستغِلّة و المسيطرة في البلدان الرأسمالية ) و بين الشعوب المستعبَدة و المستغَلّة "(23)  ما يعطي تحليل ماو قيمة إضافية تأكيده على أن قيادة البروليتارية للفلاحين في هذا الصراع تعطي للفلاحين وزناً ثورياً عظيماً ، خاصة فقراءهم .

إن منطلقات ماو من وجهة النظر هذه ، تأخذ و تحدّد و تتمّم منطلقات لينين [ و تروتسكي في الثورة المتواصلة ] وتجعلها أكثر عصريــة و إن كانت لا تغنيها إغناءً جوهرياً "(24)

لقد واجهت الثورة الألمانية 1918 ، أيضاً ، هذه الإشكالية لكن بشكل مقلوب و مأساوي: " ففي برلين أعلن المحافظون الذين كانوا لا يزالون في العشية داعمين حازمين لمَلكية نصف استبدادية و نظام نصف إقطاعي، أعلنــوا أنفسهم بين ليلة و ضحاها جمهوريين و ديمقراطيين ، أنصار سيادة شعبية، أي بصورة ملموسة جداً أنصار الجمعية القومية التأسيسية. "ففرق المتطوعين" بالذات رواد النازية، جعلت أعضاءها يقسمون يمين الولاء لهذه المؤسســة "الديمقراطية"  و على العكس كان السبارتاكيون، الجناح الثوري - الشيوعي في الاشتراكية الديمقراطية الألمانية بعد الحرب العالمية الأولى بقيادة روزا لوكسمبورغ ، هم الذين رفضـوا دعوتها [ الجمعية القومية التأسيسية ] للانعقاد وواجهوا مبدأ هذه المؤســــسة بالذات، بمبدأ "ديمقراطية المجالـــس" [ السوفيتات الألمانية ] . ففي صحيفتهم "روت ماهني " جرى تقديم الجمعية التأسيسية على أنها الـحل البورجوازي، و مجلـس العمــال و الجنود [السوفييت ] على أنه الحل الاشتراكي "(25) [لاحظ أيها القارئ المقابلة الميكانيكية بين المؤسستين والتي أدت إلى كارثة بالنسبة للإشتراكيين].

في أحد الأسباب العميقة لفشل الثورة الألمانية الاشــتراكية بعيد الحرب الأولى و عزلتها الداخلية ، هذا الافتراق التاريخي، بل هذه الفرقة بين الثورة الاشتراكية و المسألة القومية الديمقراطية . فقد تم توحيد ألمانيا من قبل البيروقراطية البروسية بالتحالف مع الملاكين العقاريين . بينما شكلت البورجوازية الكبيرة الألمانية ذات النمو المتأخر سنداً لهذا التحالف. كذلك تم تجاوز التأخر الألماني الصناعي تحت قيادة و إشـــراف التحالف السالف الذكر، وهي الفائدة التي جنتها البورجوازية الألمانية الكبيرة من التسوية السياسية مع الحلف الرجعي البيروقراطي- الأرستقراطي البروسي. هكذا فقدت الاشتراكية الألمانية تاريخياً روافعها الديمقراطية، الوحدة القوميــة و التصنيع .

إن السؤال الإشكالي و المأزقي: جمعية تأسيسية أم اشتراكية ؟ يماثل في حدته و التباسه السؤال: قومية أم اشتراكية ؟

هذه الإشكالية يتوجب أخذها بغاية الاعتبار لما للمسألة القومية الديمقراطية من أهمية قد تكون حاسمة أحيانا في الصراع من أجل قضية الاشــتراكية . (الثورة الاشـتراكية و البناء الاشتراكي )، خاصة في شــروط بلد متخلف و في ظل ظروف الهيمنة الإمبريالية الأمريكية و في شروط التجزئة العربية، والنظام القطري العربي.

يتوجب على النضال من أجل الاشتراكية الاستعانة الفعالة بالمســـالة القومية عن طريق ربط نضاله هذا ربطاً عضوياً مع النضال من أجل القضية القومية الديمقراطية ومن أجل تجاوز التخلف و إنجاز التصنيع على شاكلة بلد أكثر تطوراً من الناحية الصناعية. و أن يتجنب الشيوعيون وضع أنفسهم في سيــاق يظهرون من خلاله أنهم أعداء الأغلبية و أعداء الســـيادة القومية و النزوع القومي الوحدوي الديمقراطي عند الشعوب العربية .

 لقد فتح النقاش حول الجمعية التأسيسية في روسيا 1918 و موقف البلاشفة تجاهها ، الباب أمـام مسـألة منهجية خطيرة  في الاشتراكية و الديمقراطية، و بشكل عام في المادية التاريخية. و يمكن من خلال ذلك الخروج بموضوعة هي راهنة بشكل لا يمكن إغفاله و هو أن النضال من أجل الاشـــتراكية،  و حتى لا تشلّه بطاقات الانتخابات، يجب أن يربط نفسه بالنضال الديمقراطي ربطاً عضوياً، غير ذرائعي ( النضال من أجـل توحيد و قيادة القوى المعادية للإمبريالية و القوى ذات النزوع القومي الوحدوي) . على الشــيوعيين الأمميين أن يسيروا نحو الأمام بأقدام ديمقراطية، خاصة بعد أن انفصلت الديمقراطية عن الليبرالية البورجوازية الاحتكارية و غدت هذه البورجوازية رجعية في الإيديولوجيا و السيـــــاسة في ظل جميع النظم مع ظهور الاحتكار و هيمنة ملكية رأس المـــال المـــالي . يقول لينين في كتابه الإمبريالية: " الإمبريالية هي عهد الرأسمال المالي و الاحتكارات التي تحمل في كل مكان النزعة إلى السيطرة، لا إلى الحرية . ونتائج هذه النزعة هي الرجعية على طول الخط في ظل جمـيع النظم السياسية و تفاقم التناقضات لأقصى حد كذلك في هذا الحقل "(26)

 لا يكون النضال من أجل الاشتراكية نضالاً شعبيا حقاً ، خاصة في بلد متخلف، إلا إذا دمج عضوياً النضال من أجل الديمقراطية ( من أجل الوحدة القومية ) و النضال من أجل الديمقراطية السياسية و الحـريات العـامة و دولة القانـون مع النضال من أجل الاشتراكية في عصر الإمبريالية. إنها وحدة النضال و تداخـله من أجـل الديمقراطية السياسية و الوحدة القومية الديمقراطية و المسالة الاشتراكية تحت هيمنة هذه الأخيرة .

لقد باتت القضايا الديمقراطية الكبرى و التي كانت قبل عصر الإمبريالية الرأسمالية من مهام البورجوازية - الليبرالية، بما فيها "مجتمع مدني" خال من الامتيازات الدينية و الاثنية والبيروقراطية(بما فيها الليبرالية الديمقراطية كما ظهرت مع الثورة الفرنسية)،  باتت من المهام الأساسية للشيوعيين ** ذلك أن النضال من أجل الوحدة القومية و من أجل دولة قانون ، و النضال ضد التخلف و الفقر و الفساد يعني في النهاية تعزيز النضال ضد الإمبرياليــــة، و بالتالي تمهيد الطريق نحو المستقبل .

 

 

هوامش

 

(1)- نقلاً عن مارسيل ليبمان : " اللينينية في ظل لينين " الجزء الثاني   ص 7

راجع مارسيل ليبمان " اللينينية في ظل لينين " ترجمة كميل داغر، دار الحصاد 1988

الكتاب في جزئين . سنشير للجزء الأول بـ 1 و الثاني بـ2عند الاستشهاد .

(2)- نقلاً عن مارسيل ليبمان-1  ص 152- 153 مرجع مذكور .

(3)- نقلاً عن مارسيل ليبمان-1   ص  241 . مرجع مذكور

(4) نقلاً عن مارسيل ليبمان-1  ص  242 . مرجع مذكور .

(5) ليبمان- 2  ص 49

(6) ليبمان- 2  ص 49 

(7) ليبمان- 2  ص  20

(8) ليبمان- 2  ص  25

(9) ليبمان- 2  ص  26

(10) ليبمان- 2 ص  27

(11) ليبمان- 2  ص  80

(12) ليبمان- 2  ص  79

(13) ليبمان- 2 ص 27

(14) ليبمان- 2 ص  29

(15) ليبمان- 2 ص  29

(16) ليبمان- 2 ص  30

(17) ليبمان- 2 ص 37

(18) ليبمان- 2 ص  29 

(19) جان بول سارتر " شبح ستالين " ترجمة جورج طرابيشي . دار الآداب من دون تاريخ ص  106

(20) سارتر " شبح ستالين " مرجع سابق . ص 107

(21) سارتر " شبح ستالين " مرجع سابق . ص  109 

(22) إنريكا كولوتي بيشِل " الثورة المتواصلة " ، عرض و تحليل لتطور الثورة الصينية و أطروحاتها الإيديولوجية

و السياسية " ترجمة فؤاد مرقص و نبيل مهايني . دار الحقيقة، بيروت . الطبعة الأولى 1971

ص  259 - 260 

( 23 ) إ.ك.بيشل . " الثورة المتواصلة " مرجع سابق. ص 260

( 24 ) إ.ك.بيشل . " الثورة المتواصلة " مرجع سابق. ص260

( 25 ) مارسيل ليبمان " اللينينية في ظل لينين " مرجع سابق. ص 39

( 26 ) لينين " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية " ترجمة دار التقدم،  من دون تاريخ.  ص  164

* يقول غر امشي في  " الأمير الحديث " :" إن الهيمنة تستلزم تضحيات ذات طابع اقتصــادي - نقابي من قبل الطبقة السائدة .  فقد سمح الحزب الشــــيوعي الصيني بحرية اقتصادية كبيرة [ اقتصادية - نقابية لأغلبية من الفلاحين البورجوازيين الصغار و ببعض الاستثمارات لرأس المال الاحتكاري ] ، في الوقت نفسه لم يسمح بحرية سياسية من أي نوع . و ذلك اعتباراً من عام 1978.  أيضاً نرى ظاهرة  مشــابهة و إن كانت في ظروف مختلفة قليلاً و هي السياســة الاقتصادية الجديدة أو الـ  NEP التي اعتمدتها الحكومة البلشفية بداية العشرينيات من هذا القرن.

** يقول مارسيل ليبمان :" أدى استيلاء الطبقة العاملة الروسية في أكتوبر 1917 على السلطة السياسية إلى تغييرات كثيرة مهمة ، و أحياناً إلى خضات كثيفة في حياة روسيا الاجتماعية . إن مطالب مدونة منذ زمن بعيد في برنامج الديمقراطية ، و إن كانت تقدمية وبورجوازية ، جرى تحقيقها إبان انتفاضة أكتوبر ، ووجدت روســيا نفسها ،و هي التي كانت بالأمس بالغة التأخر ، في طليعة التقدم في بعض المجالات . و إن التشريع في ميدان الأحوال الشخصية يبرز ذلك بوجه خاص ." م . ل . جزء 2  ص 157  مرجع مذكور .