المجد للذكرى 160 لصدور (بيان الحزب الشيوعي) ملهم ومنظم ملايين البشر من اجل عالم جديد خال من الاستغلال!


صالح ياسر
2008 / 2 / 9 - 10:49     

في شباط من عام 2008 تصادف الذكرى الـ 160 لصدور (بيان الحزب الشيوعي) (وسنشير إليه لاحقا " البيان "). فخلال الفترة الممتدة بين أواخر عام 1846 وأوائل عام 1848 كتب ماركس وأنجلس " البيان " بتكليف من مؤتمر عصبة الشيوعيين المنعقد في لندن في شهر تشرين الثاني عام 1847. وفي شباط 1848 تم نشر " البيان " في لندن باللغة الألمانية، ثم ترجم الى اللغتين الانجليزية والفرنسية، وانتشر بعد ذلك تباعا بكل اللغات الحية، ليدخل في عداد الكتب الأولى في العالم من حيث عدد اللغات التي ترجم إليها وعدد الطبعات التي صدرت منه في كل تلك اللغات. ومن المفيد الإشارة الى أن الترجمة الأولى للبيان الشيوعي الى اللغة العربية تمت بعد ثورة أكتوبر العظمى مباشرة، وقد قام بهذه الترجمة ميخائيل خطايا المولود في دمشق في عام 1853 والمتوفي في موسكو عام 1924. وفي عام 1933 قام الرفيق المرحوم خالد بكداش بترجمة " البيان " الى اللغة العربية .

وبيّن مؤلفا الكتاب، في مقدمة إحدى طبعاته الألمانية (وهي طبعة عام 1872) أن عصبة الشيوعيين أرادت أن يكون " البيان " برنامجا مفصّلا للحزب، نظرية وتطبيقا، هادفة الى نشره لتعلن مبادئها وغاياتها.

جاء " البيان " بالدعوة الى إقامة حزب سياسي بروليتاري عمالي، في مناخ كانت مظاهر الغضب والاحتجاج تحصل بصورة عفوية وبدون تنظيم مركزي ورابط كفاحي منظم ، أي حزب يجمع الناس في نضال مشترك ويمنحهم أكثر قوة وأكثر تأثيراً على أرباب العمل والنظام السياسي الذي يساندهم ويعبر عن مصالحهم.

" البيان "، حسب الفيلسوف الفرنسي المعروف لوسيان سيف (لوسيان سيف: نظرية وسياسة، النهج العدد 50/1998، ص 139)، نص سياسي من أهم النصوص السياسية المكتوبة أبدا، وهو – رغم حرصه الى أن يكون شعبيا – نص نظري للغاية.

ينهض البيان الشيوعي من بدايته الى نهايته على " أربع أرجل " :
• مفهوم فلسفي: منظور التطبيق؛
• منهج منطقي: الديالكتيك الثوري ؛
• مفهوم عن التطور الاجتماعي: المادية التاريخية؛
• وعلى منظور أناسي: الانطلاق الحر للجنس البشري ولكل فرد كهدف بذاته للتاريخ.

أعمدة " البيان " وبنيته (هيكله)

" البيان " كما هو معروف بنيَ على أربعة أعمدة هي:
- قراءة واقع النظام الرأسمالي الجديد، وتحديد طبقتيه الرئيسيتين (البروليتاريا والبرجوازية) والعلاقة بينهما.
- رد التهم التي توجهها البرجوازية للشيوعيين.
- عرض الأسس التي يقوم عليها النظام الجديد.
- فضح الاشتراكيات غير الشيوعية.

ومن ناحية بنيته (هيكله)، يتألف " البيان " من أربعة فصول.

يكشف الفصل الأول منه والموسوم " البرجوازيون والبروليتاريون " عن الضرورة التاريخية للثورة البروليتارية بوصفها حصيلة التناقض الموضوعي بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج البرجوازية مما يولد احتدام التناقضات الطبقية بين البرجوازية والبروليتاريا. ومع تطور الصناعة الكبيرة تنسحب من تحت أقدام البرجوازية القاعدة التي كان البرجوازيون يمتلكون بها المنتجات التي كانت تضيّع مجهود الطبقة العاملة. وتنتج البرجوازية على هذا النحو " حفاري قبرها " حسب ما ذكر " البيان "، والطابع الانتقالي لأساليب الإنتاج.

وقد انطلق ماركس وأنجلس من الحقيقة القائلة بأن تاريخ كل مجتمع تطور في الماضي – فيما عدا النظام المشاعي البدائي – كان تاريخ صراع الطبقات. وأشارا الى أن سقوط الرأسمالية حتمي، وبيّنا الطريق الى تكوين نظام اجتماعي جديد. وفي نفس الفصل أوضحا المهمة التاريخية للطبقة العاملة (البروليتاريا) باعتبارها المحول التاريخي للمجتمع القديم، وباني المجتمع الجديد، والمدافع عن مصالح كل الجماهير الكادحة.

وعلى العموم يتكون النموذج الماركسي الأصلي من نموذج للمجتمع البرجوازي ينطوي على ثلاثة تنبؤات قوية كما أشار إليها بصواب جيوفاني اريغي وهي (لمزيد من التفاصيل انظر:جيوفاني أريغي: " الاضطراب الكبير " دار الفارابي، بيروت 1991):
1. ينـزع المجتمع البرجوازي إلى الاستقطاب في طبقتين، البرجوازية والبروليتاريا، معرّفة كطبقة من العمال الذين لا يستطيعون العيش إلا إذا وجدوا عملاً، ولا يجدون عملاً إلا إذا أدى جهدهم الى زيادة رأس المال (فكرة إنتاج فائض القيمة من طرف العمال).
2. ينزع التراكم الرأسمالي إلى إفقار وتقوية البروليتاريا في الوقت نفسه، وذلك في إطار المجتمع البرجوازي. ويرتبط تعزز دور البروليتاريا بموقعها كمنتج للثروة الاجتماعية. أما إفقارها فيرتبط بدورها حيث تتحول قوة العمل في هذا النظام الى سلعة، خاضعة لكل تقلبات المنافسة.
3. تنـزع قوانين منافسة السوق ، اجتماعياً وسياسياً، إلى دمج النـزوعين السابقين في عملية تفقد النظام الرأسمالي مشروعيته، مما يستحث أن يخلفه نظام غير تنافسي وغير استغلالي.
وإذ أشار " البيان " الى الدور التقدمي الثوري للنظام الرأسمالي في دفع القوى المنتجة الى الإمام، وتوسيع الصلات بين الأمم، ونشر المدنية، وجمع المقاطعات في دولة واحدة وأمة واحدة (فكرة الدولة/الأمة)، وغير ذلك، إلا أن " البيان " مع ذلك كشف الطابع الاستغلالي لهذا النظام وأثره على البروليتاريا والمجتمع، ودعا الى تجاوزه وإقامة نظام جديد يكون بداية لتشكيلة أرقى منه.

وفي الفصل الثاني الموسوم - " البروليتاريون والشيوعيون " – صاغ ماركس وأنجلس أهداف الصراع الطبقي والتغيرات التي تطرأ على المجتمع: البروليتاريا تتكون في طبقة، وهذا هو الشكل الأولي لإدخال الوعي الى الواقع الموضوعي.

وفي هذا الفصل أوضح ماركس وأنجلس الدور التاريخي لحزب الشيوعيين باعتباره حزب الطبقة العاملة وطليعتها. وقد قدم ماركس وأنجلس في هذا الفصل فكرة ديكتاتورية البروليتاريا، وشرحا علاقة الشيوعي بالعائلة والملكية والوطن، ووصفا الخطوط العامة للإجراءات الاقتصادية التي يتعين على البروليتاريا اتخاذها بمجرد توليها السلطة.

ما الذي يميز الشيوعيون، بحسب ماركس وأنجلس، عن أحزاب الطبقة العاملة الأخرى ؟

إنهم يتميزون، كما جاء في " البيان " بما يلي فقط:
1. " في النضالات الوطنية لبروليتاريا مختلف البلدان يؤكدون على المصالح المشتركة لكل البروليتاريا بغض النظر عن قوميتها، ويبرزون ذلك في المقدمة.
2. في مختلف مراحل التطور، التي يجب أن تمر بها نضالات الطبقة العاملة ضد البرجوازية، يمثلون دوماً وفي كل مكان مصالح الحركة ككل".

وفي الفصل الثالث – " الأدب الاشتراكي والشيوعي " – قدم ماركس وأنجلس نقدا عميقا للاتجاهات البرجوازية والبرجوازية الصغيرة المتنكرة، آنذاك، تحت لواء الاشتراكية، وحددا موقفهما الخاص من المذاهب الاشتراكية والشيوعية الخيالية.

وفي الفصل الرابع - " موقف الشيوعيين فيما يتعلق بالأحزاب المعارِضة المختلفة القائمة " – عرض ماركس وأنجلس تكتيكات الشيوعيين إزاء الأحزاب المعارضة المختلفة. ويشرح هذا الفصل المبادئ الأساسية للإستراتيجية والتكتيك في الحركة الشيوعية مما يدل على أنهما لم يكونا ينظران الى الأهداف القريبة فحسب بل الى مستقبل الحركة أيضا. ويشيران هنا الى أن الشيوعيين يدعمون كل حركة ثورية ضد الأوضاع الاجتماعية والسياسية القائمة.

وينتهي " البيان " بالشعار الخالد : " أيها العمال في جميع إنحاء العالم اتحدوا ". وقد كتب (لينين) عن هذا العمل قائلا: " إن هذا الكتيب يستحق مجلدات بأكملها فحتى يومنا هذا لا تزال روحه تلهم وتوجه كل البروليتاريا المنظمة والمناضلة في العالم المتمدن ".


الفكرة الأساسية في " البيان " وأسسه المنهجية

إن الفكرة الأساسية التي يمكن ملاحظتها عبر كل " البيان " كما اسماها أنجلس في مقدمة الطبعة الألمانية عام 1883، أو عبر الأطروحة الأساسية التي تشكل نواة " البيان " حسب مقدمته للطبعة الانكليزية، هي:

" إن أسلوب الإنتاج والتبادل الاقتصادي السائد، والبناء الاجتماعي الذي يشترطانه يشكلان الأساس الذي يقوم عليه التاريخ السياسي لتلك المرحلة وتطورها.....، وهو الأساس الذي يمكن انطلاقا منه فقط توضيح كل مرحلة ".

تشكل هذه الأطروحة الأساسية جوهر الطريقة المادية والاقتصاد السياسي عند ماركس وأنجلس ونظريتهما حول الطبقات والصراع الطبقي. ويقدم " البيان " نموذجا مشخصا لاستخدامها لهذه الطريقة ببعديها الجدلي والتاريخي، على الحياة الاجتماعية في زمان ومكان محددين .

ومن ناحية أسسه المنهجية، لا بد من الإشارة الى أن " البيان " ليس مرجعا في المنهج، وقد لا نجد بين مؤلفات ماركس وأنجلس مثل هذا المرجع، بل قد يكون على الباحث أن يتلمس المنهج في دراساتهما ومؤلفاتهما كلها. ويمكن الاتفاق مع باحثين آخرين الى انه يمكن تلمس ثلاثة أسس منهجية واضحة في " البيان " هي:
• الرؤية التاريخية: فالظاهرة تدرس في سياق تطورها، ارتباطا بأسبابها ومقدماتها، ومتابعة لسيرورتها والتمعن بخصائصها وحركتها وتحولاتها، والتنبؤ على أساس معلل لما تنطوي عليه من أجندة مستقبلية. لم يتناول واضعا " البيان " الرأسمالية بوصفها كيانا مستقلا، بل توغلا في عمقها التاريخي مبينين صلتها بما سبقها من أنظمة اقتصادية – اجتماعية وتولدها في أحشاء التشكيلة الإقطاعية، وتراكم عناصرها، تدريجيا، لتتحول الى نظام سائد. كما انهما لم يغلقا التاريخ على هذا النظام، فأشارا الى سيرورته المقبلة استنادا الى ما سبق.
• الانطلاقة المادية: فـ " البيان " من المؤلفات الماركسية المبكرة التي تنطلق من القضايا التالية:
- إن الوجود المادي هو أساس الفكر ومكونه ؛
- وان المفاهيم والقيم والأفكار كلها هي انعكاس للواقع، تتطور بتطوره. في هذا المجال يشير " البيان " الى ما يلي : " ... هل يحتاج المرء الى تعمق كبير ليدرك أن نظرات الناس ومفهوماتهم وتصوراتهم الفكرية، أو باختصار، إدراكهم، يتغير مع كل تغير يطرأ على ظروف حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية وشروط معيشتهم الاجتماعية ؟". لكن تأكيد ماركس وأنجلس هذا، على أولوية الواقع المادي، لا ينفي دور الفكر في تغيير الواقع، فالفكر – وفقا لمادية " البيان "، ليس سلبيا، ولا يؤدي دورا تابعا. فمع تفسخ العلاقات القديمة تتفسخ الأفكار المعبرة عنها والمنبثقة منها، وتقوم الأفكار الجديدة بالمساهمة في هذا التفسخ. إن " البيان " يضع علاقة الفكر بالواقع في سياقها السليم، فالفكر انعكاس، لكنه انعكاس ايجابي، فاعل، ينشأ من الواقع ويواكب التطور ويؤثر فيه.
• المنهج الجدلي: فماركس كما معروف كان تلميذا نجيبا لهيغل، وعلى دراية جادة بالجدل الهيغلي، ومطبقا مبدعا له في حقل العلوم الاجتماعية حيث " أوقف ذلك الجدل على قدميه " كما معروف. وماركس وأنجلس في " البيان " وما سبق من أعمال، مشتركة أو غير مشتركة، كانا يدرسان الظواهر في إطار نشوئها وتطورها من خلال الكشف عن تناقضاتها الداخلية، والسيرورة الناجمة عن صراع هذه التناقضات في إطار وحدة الظاهرة المدروسة والمتخذة شكل نفي الصورة القديمة للظاهرة من قبل جديد يتكون على التدريج وعبر تراكمات متتالية. هذا المنهج الجدلي يبرز في عرض " البيان " لتكون النظام الرأسمالي وتطوره ومآله التاريخي المتوقع.

مفاتيح لقراءة " البيان "
قراءة " بيان الحزب الشيوعي " اليوم، مهمة ذات مفاتيح متعددة، تشكل بمجموعها كلاً واحدا ومتكاملاً، ومن الممكن طبعا، حسب المفكر الفرنسي جورج لابيكا (انظر: جورج لابيكا: حول البيان، الشيوعية اليوم، قراءة البيان، النهج عدد 50/1998، ص 123 ولاحقا) تقديم هذا المفتاح أو ذاك، شريطة أن لا ننسى أننا بصدد دراسة قضية معاصرة.

أولاً: وضع النص (البيان)
1. طابعه الاستثنائي، إن لم يكن الفريد هو الإيجاز (إذ تتألف الطبعة الأولى من 23 صفحة)، بالقياس لانتشاره الواسع جدا والذي وحده يستحق الدراسة.
2. تُرجم الى كل اللغات ونُشر في جميع البلدان.
3. قرأه جمهور واسع جدا.
4. لم يكن موضع منازعة، ولا رفض، على العكس من الأعمال الأخرى لماركس أو أنجلس ككتاب " رأس المال " مثلا.
5. مكتوب بصيغة ايجابية، بخلاف معظم الأعمال الأخرى ذات الطابع النقدي أو الهجومي.
6. شكّل البيان لبَّ كتابات ماركس، فهناك ما قبله وما بعده.

ثانياً: تحضير البيان
1. الكتابات التحضيرية المباشرة: قوانين رابطة الشيوعيين، مشروع " إعلان مبادئ " شيوعي، مبادئ الشيوعية.
2. النصوص السابقة للبيان: الكتابات الأولى (تقدم الإصلاح، ...الإيديولوجية الألمانية، حول فيورباخ.....، بؤس الفلسفة).
3. الحركات والتنظيمات الاشتراكية والشيوعية، نشاطات ماركس وأنجلس.

ثالثاً: معناه
1. الخطة والتنظيم.
2. قطيعة في الحركة الاشتراكية: مع الطوباويات المساواتية ومع الإصلاح البرودوني.
3. تجديد في البرنامج السياسي.
4. أول مؤلف يقدم بديلا للرأسمالية ويبشر بالثورة (1848).
5. إدخال عدد من المفاهيم التي تشكل هيكل المادية التاريخية:
- منها تلك المتعلقة بنظام الإنتاج (إقطاعي، برجوازي، شيوعي)،
- وبالطبقات الاجتماعية (البرجوازية، البرجوازية الصغيرة، الطبقات المتوسطة، البروليتاريا، البروليتاريا الرّثة)،
- " وجهة نظر طبقية "، أزمة، سلطة، هيمنة/استغلال، نضال (سياسي، اقتصادي)،
- تحالفات، أحلاف، حزب، أممية.
- وفوق كل التعريفات اثنان هما الديمقراطية والثورة.

" البيان " وإشكالية الديمقراطية
كما معروف، صدر " البيان " في مرحلة خاصة ودقيقة من تاريخ أوربا الحديث، تتسم بسمات هامة عديدة، منها أنها مرحلة بحث جاد من قبل قوى اجتماعية عديدة ومفكرين متنوعي المذاهب والمرجعيات، عن أشكال جديدة للديمقراطية.

وكانت البرجوازية الصاعدة وهي تخوض معاركها ضد الإقطاع قد طرحت شعارات تقدمية كالحرية والإخاء والمساواة، وحق الفرد في التعبير وتأسيس الأحزاب، وغير ذلك من شعارات ديمقراطية، وجدت فيها معادلا سياسيا للحرية الاقتصادية التي بدأت تروج لها وهي تؤسس لمشروعها الجديد.

كانت مسيرة البرجوازية نحو الهيمنة تقتضي جناحين: حرية اقتصادية، وحرية سياسية، وبهذين الجناحين حلقت مخلفة وراءها علاقات الإقطاع المتخلفة.

أما دعاة الاشتراكية والعدالة، المعبرون عن مصالح الكادحين، فقد وجدوا في الحل الرأسمالي لمشكلة الديمقراطية حلا ناقصا، لأنه لا يحقق العدالة. وكان عليهم أن يقدموا مقاربتهم الخاصة في هذا المجال. ومن هنا جاء طرح " البيان " والماركسية لمشكلة الديمقراطية طرحا خاصا، يمكن إيجازه باختصار بما يلي:

- الطبقة المسيطرة اقتصاديا، تفرض سيطرة سياسية مماثلة، وتضع أشكالا لهذه السيطرة متجلية بالقوانين والمؤسسات التي تحدد مستوى الديمقراطية المناسب لإعادة إنتاج هيمنتها واستمرار تسلطها ونموها.
- وهي بهذا المعنى قوانين لا تحقق العدالة التي تريدها الطبقة العاملة والفئات الكادحة، التي عليها من اجل تحقيق مصالحها النقيضة أن تنتزع الديمقراطية، أي تتحول الى طبقة حاكمة تتمكن من إقامة نظام اجتماعي يزيل الاستغلال.

مقاربة " البيان " هذه لمشكلة الديمقراطية، حددت موقفا وممارسة استمرا، بهذه الصيغة أو تلك، طيلة الأعوام المائة والستين تقريبا. ويمكن الاتفاق مع العديد من الباحثين والمفكرين الماركسيين بأن هذه المقاربة تتيح بلورة جملة من الاستنتاجات، من بينها:
1. إن الماركسية هي بالأصل محاولة ديمقراطية، اجتهاد لحل مشكلة الديمقراطية التي يسعى إليها الإنسان. وهي رد على الحل الرأسمالي لهذه المشكلة، لأنه حل ناقص، يقف على قدم واحدة (الديمقراطية السياسية) بإغفاله مشكلة العدالة (الديمقراطية الاجتماعية)، حل يفضي الى ديمقراطية تفيد من يملكون وسائل الإنتاج ويتحكمون بالثروة.
2. الماركسية هي بالأصل فكر ديمقراطي أرادت التأسيس لحركة ديمقراطية، لأنها فكر ينطلق من دور الناس، الجماهير الكادحة، ودور الوعي في تغيير الواقع.
3. الماركسية مشروع ديمقراطي، لأنه يرمي الى إزالة الاستغلال، وتخليص الكادحين من حالة الضياع والاغتراب، وإطلاق طاقات البشر بعد تحريرها من قيود العلاقات الإنتاجية الاستغلالية.

حزبنا وتطوير مبادئ " البيان " والمستقبل
كما جرت الإشارة في البداية، فان كتابة " البيان " ارتبطت بظروف تاريخية محددة. واليوم بعد مرور مائة وستين عاما على ظهوره نجد أنفسنا مدعوين الى قراءته قراءة جديدة محكومة بزماننا، وبتلك التغيرات التي طرأت على لوحة العالم، خصوصا مع بداية التسعينات من القرن العشرين. فقد وضع ديالكتيك تطور التاريخ المعاصر ومفاجئاته الماركسية ومنظريها والمروجين لها أمام منعطف كبير، وزجهم في جو التحولات والانعطافات السياسية بأبعادها المحلية والإقليمية والعالمية وما تثيره ذلك من زوابع وأسئلة جديدة تحتاج الى إجابات واضحة وليس تقديم أجوبة معلبة " صالحة لكل زمان ومكان ".

وقراءة " البيان " محكومة بهدف آخر هو التطلع الى نهضة قادمة مهما اختلف شكل هذا القدوم وصورته وصيرورته. و " البيان " يستمد شرعيته في هذا الجانب من النظرة الجدلية لقوانين التطور الاجتماعي التي تؤكد أن نضال البشر من اجل التقدم الإنساني على الصعيد المعرفي والاجتماعي والحضاري سيستمر، ولكن وتيرته تتوقف على عوامل كثيرة، من بينها كفاءة الشيوعيين والماركسيين عموما وحرصهم على تطوير الماركسية وتفعيل ديناميكيتها وروحها الحية، وتعزيز صلتها بالعصر ومشكلاته وأسئلته التي لا تتوقف.

يعيش حزبنا في بداية القرن الحادي والعشرين مثله مثل بقية الأحزاب في العالم، مرحلة معقدة ومتشابكة، دقيقة وحاسمة. فالتبدلات التي طرأت على الوضع الدولي وما رافقتها من تطورات طرحت أمامه، كما على الآخرين، مهمة يتوقف على حلها دخولنا الى القرن الجديد، الى المستقبل كقوة سياسية وطنية وأممية ليس أقل درجة عن المستوى الذي جسدناه خلال تاريخ يمتد الى 74 عاما مضت.

لقد تجسدت رؤيتنا لحل هذه المهمة في وثائق مؤتمراتنا: الخامس والسادس والسابع والثامن في حدودها العامة استراتيجيا وتكتيكيا عبر حوار ديمقراطي واسع، وان تفاوتت وتائره من مرحلة لأخرى.

ولا شك أن الحل الصحيح لهذه المهمة ترتبط بجملة من القضايا من بينها:
- مواصلة النضال عبر الحفاظ على هويتنا النظرية وإثرائها؛
- مواصلة نهج التجديد عبر تقديم الأجوبة المعللة على القضايا الاستراتيجية والتكتيكية التي تطرحها حركة الواقع وتناقضاته الفعلية راهنا ومستقبلا، وما تعيشه بلادنا من تحولات عاصفة وآفاق مفتوحة وصراعات محمومة حول شكل ومضمون الدولة ونظام الحكم؛ وإنهاء الاحتلال واستعادة السيادة والاستقلال الناجزين، وبناء عراق ديمقراطي فيدرالي موحد.
- مواصلة دمقرطة حياتنا الحزبية والمساهمة الفاعلة في دفع سيرورة دمقرطة المجتمع، رغم كل الصعوبات ؛
- العلنية كأساس لخطة حزبنا كحزب جماهيري مستقل يتحالف مع قوى طبقية وسياسية متنوعة المرجعيات الفكرية والسياسية لحل مهام مشتركة في مرحلة تاريخية محددة، دون أن يفقد هويته الطبقية ورهاناته الإستراتيجية التاريخية الكبرى.

تتيح هذه الملاحظات القول بأنه يتعين علينا قراءة " البيان " بفكر نقدي تاريخي يؤمن بأنه من حق كل جيل أن يتصدى للمهام الحية التي تواجهه، دون أن يتوهم بأن جميع أسئلة الحاضر والمستقبل قد قيلت، وان أجوبتها موجودة في " لوح محفوظ "، وانه يكفي أن تحفظ عن ظهر قلب صيغ الماضي لتجد جوابا على كل شيء.


خلاصــــــــــــات
تتيح الملاحظات السابقة استخلاص جملة من القضايا من بينها:
1. كان " البيان " أول تعبير علمي وعميق ومتماسك عن الوعي الثوري للطبقة العاملة في بلدان أوربا الصناعية المتقدمة. وكان سلاح البروليتاريا النظري الذي كشف دورها التاريخي ورسالتها التاريخية العالمية، وهي الرسالة التي يتوقف على النجاح في انجازها تحرير الإنسانية قاطبة وبناء المجتمع اللاطبقي الخالي من الاستغلال.
2. وبالمقابل فالبيان منهج عمل، فهو إذن نص سياسي بل والأدق نص نظري – سياسي.
3. وإذا ما كان للتاريخ اللاحق من دروس لا بد من التعلم منها فان هناك الدرس الأهم وفحواه: أن لا شيء ولا أحد يمكنه تحطيم الإرادة الواعية للطبقة العاملة والكادحين لتغيير المجتمع. صحيح, ربما كان هناك العديد من الهزائم ذات الطابع المأساوي: هزيمة ثورة 1848, و كمونة باريس, وانهيار التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي السابق وبعض البلدان الاشتراكية، وما يخصنا: انقلاب شباط الدامي في عام 1963 وحملات البعث الصدّامي على حزبنا في أواخر السبعينات من القرن العشرين ....الخ. ولكن, في كل تلك الحالات, كان العمال والكادحين عموما يستخلصون الدروس الكبرى من آثار كل نكسة ويعودون إلى طريق النضال, ومن أجل سبب قوي وهو بالأساس أنهم لا يملكون أي بديل غير طريق التحرر من ربق الاستغلال والعسف ومن اجل بناء مجتمعات خالية من كل هذا، محررين أنفسهم والمجتمع عموما.
4. ولكن بالمقابل, يعلمنا التاريخ أيضا درساً آخر هو أنه من أجل النجاح, ليس كاف أن يكون المرء مستعدا للنضال، بل إنه من الضروري أيضا النضال بوعي من جهة؛ وأن يكون مسلحا ببرنامج عمل من جهة ثانية.

وبغض النظر عن كل محاولات خصومها من مختلف المشارب، تبقى الماركسية – وهي التي تستجمع معها وفي إطارها وتحت راياتها ملاينا من البشر في كل أرجاء المعمورة - قادرة على التغلب على التحديات، ومواجهة الانتكاسات، والانطلاق مجددا الى آفاق مشروعها الكبير الرامي الى " تغيير الواقع ". وطبعا لم يكن ذلك ممكنا بمعزل عن اللبنات الأولى التي صيغت في " البيان ". اجل نحتاج الى روح " البيان " من اجل أن لا يفقد البشر آمالهم وتطلعاتهم المشروعة في الخلاص من عذاباتهم وقيودهم ومستغليهم.
--------------------------------------