أكتوبر 1917: ثورة اجتماعية عميقة

شارل باز
2016 / 10 / 19 - 09:41     

يتوجب علينا، بوجه الحقد والتحقير، وأنواع تزوير التاريخ التي اقترفها المضادون للثورة، والتي تنضاف إلى تلك التي ارتكبها الستالينيون، أن نعيد إلى الأذهان أن الثورة الروسية ، في العام 1917، لم تكن انقلابا جهنميا، بل ثورة اجتماعية عميقة كنست الملكية القيصرية وأنهضت ملايين العمال والفلاحين





كان 81 % من سكان روسا، البالغ عددهم 160 مليون، فلاحين ( 81 % منهم أميون)، وعلى شفا المجاعة. و كان العمال 3 ملايين ( نصفهم بمقاولات كبيرة جدا) يشتغلون 10 الى 12 ساعة في اليوم بأجور بؤس.وكان القمع السياسي شرسا: 3741 إعدام من 1906 إلى 1910. وأدت الحرب إلى الانهيار، وسقط البلد في التضخم وصنوف النقص. وإزاء سلبية الحكومة، تكفلت لجان وجمعيات بتدبير الشأن اليومي، وتنظم المستهلكون بتنظيم تعاونيات ضخمة لعشرات ألوف الأعضاء: لقد اهتزت حركة كبيرة صاعدة من أعماق المجتمع.
وأدى اعتماد بطاقات التموين في بتروغراد في فبراير 1917 إلى إضراب عام دام يومين. أطلق البوليس والجيش النار، فسقط 150 قتيل. وبينما لم يبادر أي من الأحزاب الثورية بأدنى خطوة، انتفض الجنود وصغار الضباط، مفعمين بمشاعر الندم: انه التمرد الثوري. واستولى الجنود والمتظاهرون على مستودع السلاح، واحتلوا بناية البريد، ومحطات القطار، ومركز الهاتف، وأسفرت المواجهات، حسب معطيات رسمية، عن 1433 ضحية. وانهارت الملكية القيصرية.
اجتاحت السياسة الحياة اليومية، وتغطت جدران المدينة بملصقات تعلن تجمعا، أو مؤتمرا، أو اجتماعا، أو برنامجا انتخابيا. وفي ظرف شهر ظهر ما لا يقل عن 150 جريدة يومية وأسبوعية في بتروغراد. ورفع عمال، وجنود، وفلاحون، ومثقفون يهود، ونساء مسلمات، ومعلمون أرمن،الخ، ملايين التوصيات، والعرائض والتظلمات عبر منظماتهم الى مجالس العمال [ السوفييتات]، كلها تصف بؤس الشعب والأمل الكبير الذي إثارته الثورة. وبين مارس ويوليو لم تبق مهنة لم تعبر عن مطالبها.

السوفييتات
حصل العمال على يوم العمل من 8 ساعات، والتأمينات الاجتماعية، والرقابة على الاستخدام والتسريح، وإلغاء الغرامات والتدابير التنكيدية، وزيادات في الأجور. وفي بضعة أسابيع غطت البلد برمته مئات السوفييتات، وألوف لجان المصانع والأحياء، وميليشيات الحرس الأحمر، ولجان الفلاحين: كلها مساحات نقاشات ومبادرات ومواجهات.
غالبا ما جمعت السوفييتات العمال والجنود، وحتى الفلاحين أحيانا. وغالبا ما كان ثمة جمع عام، ولجنة تنفيذية، تسير فعلا، مع فروع ولجان أحيانا: اغلبها كان لجان دفاع وتموين. .. وتؤمن لجان المصانع، المكونة من أعضاء منتخبين، الرقابة على الاستخدام والتسريح، ومنع إغلاق المصانع والحفاظ على نمط من الانضباط. وكان لكل مصنع كبير ببتروغراد" حرسه الأحمر" للتصدي لكل محاولة إغلاق، ومتأهب للدفاع عن الثورة. وبالمدن الكبرى كانت المليشيات بعلاقة مع لجان المصانع، وبالمدن الأصغر مع السوفييت. وكان أكثر من 20000 عامل مسلحا ببتروغراد في 1917 و 12000 بموسكو. وتكفلت لجان الأحياء بالشؤون المحلية وجمعت كل من له استعداد للدفاع عن الثورة. وبالجيش أصبحت الهوة بين الضباط والجنود غير قابلة للسبر. لم يكن الجنود، الفلاحون بمعظمهم، يرون فيما جرى ثورة سياسية بل ثورة اجتماعية. انشغلت لجان الجنود بالإستراتيجية العسكرية، و دعت إلى العصيان، و نحت هذا الضابط أو ذاك، زاعمة على انتخاب آخرين جدد.
بلغ خبر نزول القيصر عن العرش القرى والبلدات الصغيرة ببطء. واجتمعت تجمعات القرى، وكتب " الكتاب العموميون" ( معلمون وكهنة) عرائض مطالبة بمصادرة أراضي الدولة و كبار الملاكين العقاريين الدولة وتوزيعها، وعبروا عن مثال ديمقراطية زراعية، حيث يحصل كل فرد على قطعته بحسب عدد من يعيلهم. ثم أحدثت لجان زراعية، على صعيد القرية، والإقليم، يسيرها في الغالب المثقفون القرويون. وبجانب هذا تكاثرت مجالس الفلاحين. وبدءا من ابريل تعاظم نفاذ الصبر، واستولت اللجان على الأراضي وتخلصت من الأسياد ( 100 انتهاك للقانون في ابريل و 1000 في يونيو).

العمال والفلاحون
على صعيد سياسي، استعرت المعركة بين من يرون في الحرب وسيلة للقضاء على الثورة من يرون في الثورة وسيلة لإنهاء الحرب. وفي غضون ذلك تواصلت الثورة. وزال كل شكل للسلطة.
وبوجه التقدم الألماني غادر الجنود الجيش. وكانوا ألوفا عديدة كل يوم. وكان بعضهم يقتل الضباط. وقام الجنود، عبر انتفاضة فلاحية هائلة، بنهب بيوت الملاكين وإحراقها وتوزيع الممتلكات. واحتل العمال المصانع، واشتد طابع الإضرابات العنيف، مع مصادرة أرباب العمل. وبوجه توقف الإنتاج تجذرت لجان المصانع وطالبت بالرقابة العمالية على التسريحات والمخزونات والتموين، مع شكل حكومة آخر، وبالسلطة للسوفييتات، وبتأميم المقاولات.
وكان نشاط البلاشفة (ما بين 000 100 و000 200 عضو في أكتوبر 1917) يسير في اتجاه تطلعات الأغلبية. أنشأت " لجنة عسكرية ثورية" ، ونظمت تجمعات كبيرة، حيث التهليل للثورة: أصبح النقاش حول الانتفاضة عموميا. وفي بضع ساعات استولى آلاف الجنود والبحارة والحرس الأحمر على قصر الشتاء، بأقل من عشرة ضحايا. ويوم 25 أكتوبر 1917 أعلن لينين أمام المؤتمر الثاني للسوفييتات:" أيها الرفاق، لقد تحققت ثورة العمال والفلاحين[...]. ماذا تعني ثورة العمال والفلاحين هذه؟ إنها تعني بالمقام الأول انه ستكون لدينا حكومة سوفييتات، سلطتنا جميعا، بلا أدنى مشاركة من البرجوازية. ستخلق الجماهير المضطهدة ذاتها السلطة". في هذه اللحظة ليس المستقبل مكتوبا. لم تجر بعد الحرب الأهلية المرعبة، ولا محاصرة الثورة من قبل الجيوش البيضاء، ثم انعزالها. ورغم ذلك ستتواصل هذه الثورة ، وستقلب التنظيم الاجتماعي، وأنماط الحياة، قبل أن تفشل بوجه الثورة المضادة. لكن هذه قصة أخرى.
شارل باز