هل نكذب ماركس؟؟؟


حميد الحريزي
2008 / 1 / 21 - 10:57     

منذ أكثر من قرن ونصف تقريبا وصف المفكر الألماني المشهور ( كارل ماركس ) ان الصراع الطبقي هو المحرك الحقيقي للصراع الاجتماعي وان تاريخ الحضارة الإنسانية هو تاريخ الصراع الطبقي وهو الحافز الحقيقي وراء مختلف الحوادث التاريخية .
وان الدولة هي لا تعدو ان تكون سلطة الطبقة الحاكمة والمهيمنة على السلطة السياسية في فترة تاريخية معينة وبذلك فهي تعمل على ترسيخ حكم هذه الطبقة والسهر على رعاية مصالحها الطبقية بكافة الوسائل ومنها استخدام العنف والقوة للحجم وقمع الطبقات المنافسة والمناوئة وان الدولة ستضمحل باضمحلال الطبقات في ظل النظام الشيوعي لذلك فان الطبقة الحاكمة يجب ان تكون هي الأولى ويجب ان تكرس السلطة السياسية الحاكمة في الدولة كل جهودها لخدمة الطبقة الحاكمة الإقطاعية , البرجوازية.
في ظل الهوس الديمقراطي والنيوليبرالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية رائدة العولمة الرأسمالية , جرت حملات إعلامية ضخمة جدا لتصور السلطة المهيمنة على سدة الحكم للدول هي فوق الطبقات وتعمل من اجل عموم المجتمع بغض النظر عن الانتماء الطبقي وهي تسهر على رعاية عموم الشعب .. وبهذه الطريقة ترى ان نظرية الطبقات الاجتماعية وصراعها نابع من خيال مريض ومن عقدة الإحساس بالاضطهاد الوهمي لماركس منظر الماركسية الأول , حيث يسعى ومؤازريه ومشايعيه لهدم الحضارة الإنسانية وبث روح الصراع والعداء بين إفراد المجتمع المتصالح مع نفسه تحت خيمة سلطة البرجوازية في العصر الراهن .
ان من يلقي نظرة بسيطة وضمن ابسط المعايير القيمية لواقع السلطة العراقية كواحدة من السلطات السياسية في العالم وهو محل شاهدنا هنا .. يرى كيف استأثرت الطبقة السياسية الحاكمة والممسكة بصولجان الحكم وان استلمته ولا زالت تقبض عليه بمعونة أمريكا سيدة العالم على اعتبارها تمثل اغني واثري واكبر واقوي طبقة رأسمالية في العالم نقول سوف يرى كيف استأثرت هذه الطبقة بالثورة والجاه وكما يقول هشام علي حافظ في كتاب كيف تفقد الشعوب المناعة ضد الاستبداد ص247
( فمع سقوط ثقافة السلطة الشهية في يد الإفراد والنخب , أدركوا أنهم وضعوا أيديهم على امتيازات مخيفة , فالعرش لذيذ , ومغر لا بعد الحدود عندما تجتمع كل السلطات بيد شخص أو حزب أو عائلة أو طبقة أو طائفة تحتكرها لنفسها وتتميز بها )
ان تدرج سلم الرواتب يبدأ من (140 ) إلف دينار أي لا يزيد على مئة دولار في الشهر فقط ليصل في اعلي السلم إلى أكثر من (30) مليون دينار عراقي .. طبعا فان الغالبية العظمى من العراقيين خارج الطبقة السياسية السائدة فتتراوح رواتبها الشهرية بين 140 – 250ألف دينار أي بين 100 إلى مئتين دولار شهريا . وهم حتى في مثل هذا الدخل البائس محسودين من قبل إخوانهم البؤساء والمعدومين ممن ليس لديهم عمل بالمرة حيث ان هناك أكثر من 50% من أبناء الشعب العراقي رجالا ونساءا عاطلين عن العمل أو يعملون إعمالا توصف بالبطالة المقنعة تستهلك الأجساد والنفوس .
وان العديد من المظاهرات والاحتجاجات للمعلمين والعمال والمهن الصحية والمتقاعدين والعمال والفلاحين والطلبة على الرغم من استشراء الإرهاب أو التضييق على مثل هذه الممارسات تحت ذريعة تردي الوضع الأمني الذي أصبح الدرع الواقي للسلطات من احتجاجات جماهير الكادحين للمطالبة بحقوقهم .
نقول ان مثل هذه المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات لخير دليل على ما نقول .
ورغم هذا الواقع البائس أخذت السلطات تعمل لتجريف الخدمات العامة التي تقدمها الدولة للمواطن العراقي حتى أيام الديكتاتورية كالبطاقة التموينية والدراسة المجانية ودعم الأسواق المركزية وتزويد الطلبة بالكتب والقرطاسية مجانا , في الوقت الذي يرمى هذا العام أكثر من 15 إلف طالبة وطالب على أرصفة الجامعات والكليات المساندة لعدم حصولهم على مقاعد دراسية في الجامعات والكليات والمعاهد الحكومية ولأول مرة في تاريخ الدولة العراقية , علما ان اغلب هذه الكليات والجامعات الأهلية إنما تعود لأصحاب الثروة والمال والسلطة لتكون وسيلة لمزيد من الأثرياء , وكذلك لتكون وسيلة طاردة لأبناء الفقراء والكادحين من مواصلة تعليمهم .
يصرح مسئول في وزارة الصحة لجريدة المدى ان حصة المواطن العراقي لا تزيد على 15 دولار من الدواء !!! وهو ما يشبه العدم أو مزيدا من تردي ما هو سيء ألان إلى ما هو أسوأ . وتكون ضحيته الطبقات الفقيرة والكادحة وجزء من الطبقة المتوسطة ايضا .
الإجحاف الصارخ بحق أكثر من مليون وربع المليون متقاعد برواتب لا تسد رمقهم ورمق عوائلهم والتي لا يوازي راتبهم الشهري وجبة غذاء واحدة لبعض المسئولين . في الوقت الذي تقر ميزانية أعضاء مجلس النواب في جلسة سرية مغلقة لتغدق عليهم وعلى إفراد حكومتهم ومن لف لفهم المزيد من الهبات والمخصصات التي يفرخ بعضها بعضا لتكون بيضة الذهب البترولية في سلة الطبقة الحاكمة ( المنتخبة ) وبيضة النار في سلة الطبقة المحكومة ( المنتحبة ) جوعا وتشردا وسجونا وإذلالا تطاردهم أفاعي الإرهاب والمرض والجوع والجهل وهراوة بعض إفراد الأجهزة الحكومية المتهورين .
فهل لنا بعد كل هذا ان نشتم ( ماركس ) لأنه قال بوجود صراع الطبقات وان السلطة السياسية الحاكمة سلطة الطبقة المهيمنة وليست سلطة عموم الشعب المحكوم . فان اخذ العصر يدين أساليب الثورات ومصادرة السلطة بالقوة ( ديكتاتورية البرولتاريا ) لتعاد للعمال والفلاحين وصغار الموظفين حقوقهم فلا بد لهم ان يعوا مصالحهم وينظموا صفوفهم مهنيا وسياسيا لتكون غالبية مقاعد البرلمان من حصتهم بعد ان خطفت أصواتهم تحت أقنعة مزيفة وبضغط عاطفي نحو الطائفة والعرق بعيدا عن مصالحهم وضمان رفهاهم وسعادتهم .