ثورة أكتوبر الاشتراكية كانت تغييرا للعالم لا تفسيرا له


حميد كشكولي
2009 / 11 / 7 - 14:12     

لا شك أن ثورة أكتوبر 1917 غيرت مسير التاريخ الإنساني المعاصر تغييرا دراماتيكيا كبيرا بدخول الطبقة العاملة مسرح التاريخ ومحققا لأحداثه ومسجلا لها ، إذ لا تقل أهميتها للبشرية عن أهمية معركة الماراتون التي جرت بين الإيرانيين و الإغريق عام 490 قبل الميلاد حيث انهزم الفرس و انتصر الإغريق فانفتحت أمامهم و كل أوروبا الآفاق للتقدم وفق إرادتهم ، ووضعوا حجر الأساس لعصر الثقافة الأوروبية و التمدن الأوروبي . ولا تقل أهمية ثورة أكتوبر الاشتراكية عن الثورة العمالية في كومونة باريس التي كانت إعلانا عن موت العالم الإقطاعي القروسطية المتعفن ، وبداية عصر التنوير للبشرية.
لكن تتميز ثورة أكتوبر عن معركة الماراتون و كومونة باريس بأنها كانت يشرى لبداية تاريخ حقيقي للإنسانية ، ونهاية لصراع طبقي طويل بانتصار الطبقة العاملة في جزء مهم من العالم.
ففي معمعان الحرب العالمية الأولى التي أشعلها الرأسماليون و راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر قتلى وجرحى و محطمين ، و عشرات الآلاف من القرى والبلدات المحترقة و المدمرة. في هذه الأثناء خيم اليأس والقنوط والظلمات على البشرية و مستقبلها ، فجاءت ثورة أكتوبر العظمى، بقيام سلطة السوفييتيات ، أملا ونورا تطارد كل هذه الظلمات واليأس.
لقد اكتشف الشيوعيون حينئذ أن مفتاح تحقيق التغيير والانقلاب الجذري في المجتمع هو التنظيم المحكم لصفوف العمال والكادحين في الحزب الشيوعي الثوري الذي تمثل في الحزب البلشفي.
لقد اختار الحزب البلشفي الوقت المناسب لتوعية العمال والجماهير، إذ كان نفسه أداة هذه التوعية والتثقيف والقيادة الثورية.
من منجزات الثورة العظمى الأكثر أهمية و مصيرية إقامتها سلطة المجالس " السوفييتات" التي مثلت بعمق حركة عمالية ثورية أممية .
الحزب البلشفي بقيادة لينين هيأ الظروف لنجاح الثورة بإقامة السوفيتات في ثورة عام 1905.
و شعاع هذه الثورة سرعان انتشر في أوسع مساحة في المجتمع الروسي، لتعميق تجربة المجالس سياسيا وجماهيريا، و تحولها إلى مؤسسة تقف بوجه المؤسسات الحكومية القيصرية.
رغم أن سوفييتات عام 1905 لروسيا قُمعت، ألا أن فكرة السوفييتات ظلت جذوتها تتقد في كيان الطبقة العاملة الروسية.وقد أدرك العمال أنه آن الأوان لمواجهة الحكومة القيصرية و تحقيق أرادتهم الثورية وذلك عن طريق تشكيل مجالسهم العمالية التي كانت أنجح وسيلة لتحقيق أهدافهم الاشتراكية.
وبعد القمع الدموي للحركة العمالية لعام 1905 فقد ظل الهدف السوفيتي حقيقة قائمة تنبض بالحياة في قلب الحركة العمالية، و ملهمة للعمال في انتصارهم في ثورة أكتوبر 1917.
تعتبر ثورة أكتوبر اليوم بعد كومونة باريس أول ثورة عمالية منتصرة في العالم تحت شعار جماهير روسيا العريضة " كل السلطة للسوفييتات" .

هذه التجربة على اليسار الماركسي في العراق تعلم أبلغ الدروس منها في حركاته الثورية في سبيل تحقيق أهداف العمال والكادحين في بناء الاشتراكية ومجتمع الحرية والمساواة.

كانت لجان المعامل والمصانع أبرز مثال على أن العمال قد مسكوا بزمام شؤون المجتمع سعداء أحرار في قيادة عمليات البناء الاشتراكي ، والحرية التي لم يتمتع بها البشر قبل انتصار ثورة أكتوبر 1917.

حين توقع ماركس أن الثورة الاشتراكية سوف تشرع أولا في انجلترة باعتبارها البلد الصناعي الأكثر تطورا و نضجا ، لكن وقعت الثورة في روسيا 1917 و رفعت طلائع البروليتاريا هناك حيث البلد الرأسمالي الأكثر تخلفا، رايات الاشتراكية ، فهل وقع ماركس والماركسية في خطأ؟ وهل أن من يعتبر ثورة أكتوبر حركة مضادة للتاريخ و للماركسية، وغير مسنودة ماركسيا ولا تنطبق مع مبادئ المادية التاريخية؟
فالثورة في نظر جمع من المنتقدين لا تتفق مع المادية التاريخية، وأنها معاكسة لمسرة التاريخ، حيث يرى هؤلاء النقاد أن الثورة ليست ناتجة عن النضال الطبقي، بل هي نتاج نمو قوى الإنتاج، وأن الماركسية أداة معرفة قوى الإنتاج في المجتمع الرأسمالي.
للرد على انتقادات كهذه ، لا بد من معرفة دور الفرد والإنسان في تطور المجتمع الرأسمالي. فالإنسان وفق الماركسية هو نتاج تاريخي ، وبالتالي فهو خالق الإشتراكية ، وكان من المفروض أن يقوم بالثورة الاشتراكية في انجلتره أولا ثم في فرنسا ، والمانيا حسب درجات تطور علاقات الإنتاج في كل بلد. لكن هذا الإنسان الثوري الخلاق ظهر في روسيا، لأنه كان بمقدوره وواثقا من قواه الذاتية وظروف المجتمع الروسي أنه قادر على بناء الاشتراكية هناك. إذن فما النقيض للماركسية أن يظهر الإنسان الخلاق الاشتراكي في روسيا أولا وليس في انجلترة؟
إن الموضوعية في الماركسية هي النشاط الحسي والذاتي للإنسان التاريخي الذي يغير الظروف لصالح المجتمع ولصالحه و يتأثر بالتغيرات التي يحدثها بدوره. وإن النظرية تتحول إلى قوة مادية للتغيير حين تصبح سلاحا بيد الجماهير . فثورة أكتوبر لم تكن سوى تطبيقا لمقولة ماركس بأن الفلاسفة اكتفوا لحد اليوم بتفسير العالم، لكن المسألة هي تغييره. نعم تغيير هذا العالم المقلوب.
إن أشعة ثورة أكتوبر وذكراها ستبقى خالدة أبدا، و بلا شك فبدونها لجرى التاريخ في مسير مختلف عما نعيشه اليوم ونشهده. فهذه الثورة و تأثيراتها لا تخص الماضي فقط ، بل أنها تخص المستقبل أيضا . الطبقة العاملة العالمية، وخصوصا طبقة العمال والكادحين في العراق الجريح، يمكنها تعلم الدروس والعبر العظام من تقاليد و منجزات ثورة أكتوبر العظيمة في دفع حركتها النضالية إلى أمام في مواجهة البرجوازية التابعة للرأسمال الإمبريالي.
الطبقة العاملة العراقية و الكادحين في العراق في نضالهم لمواجهة البرجوازية الرعناء وسيدتها الإمبريالية المحتلة الجشعة، ليس أمامهم سوى إقامة تنظيماتهم الثورية التي باتت اليوم ضرورتها ملموسة أكثر من السابق.
إن خلق التنظيمات تحظى بأهمية فائقة و خاصة للطبقة العاملة العراقية، لكن الأفكار التي ستبنى عليها هذه التنظيمات تحظى بأهمية أخص.