الايكولوجيا الاشتراكية


ذياب مهدي محسن
2007 / 11 / 18 - 12:09     

مقدمة
يعد حقل الايكولوجيا السياسية بأن يصبح مجالا مهما للنظرية السياسية والفلسفة الاجتماعية تماما كما ا نتقلت الأخلاق البيئية لتصبح في بؤرة مناقشات الأخلاق التطبيقية....جون كلارك
تطور حقل الايكولوجيا السياسية بسرعة منذ عهد قريب متزامنا مع سعي المنظرين والفلاسفة السياسيين لاعادة تعريف موضوع بحثهم استجابة للاهتمام المتزايد بالقضايا البيئية وللأزمة البيئية الحادة ولانبثاق النظرة الايكولوجية الى العالم بما هي نموذج ارشادي رئيسي في الفكر المعاصر وفي النظرية الاخلاقية الحديثة أنتجت هذه العوامل ذاتها أشكالا من التوسع الخلقي حدث بموجبها تطبيق لمبادئ وطرائق النظريات الأخلاقية التقليدية المتنوعة على المسائل البيئية كما ألهمت أيضا انبثاق نظريات أخلاقية جديدة تحولت بشكل أساسي من خلال التفكير الايكولوجي وتحدث الآن تطورات مماثلة في النظرية السياسية والأخلاق الاجتماعية مولدة طيفا من المواقف التي تعبر عن الاهتمامات البيئية وتجسد المفاهيم الايكولوجية الى درجة واسعة التنوع
فان معظم المغامرات في حقل (الايكولوجيا السياسية)بقيت على مستوى البيئي او مستوى التوسعية الخلقية كما ان اغلب المناقشات للأسئلة الايكولوجية التي جرت من منظورات حفاظية او ليبرالية او جماعية تحررية او اشتراكية قد طبقة فحسب المقولات الموجودة مسبقا على القضايا البيئية مع قلة في التأمل في التحدي الذي يطرحه التفكير الايكولوجي على هذه المقولات .....لكن ثمة استثناءات حرية بالانتباه فمثلا بعض الماركسيين في اكثر من اتجاه ايكولوجي باستكشاف الصلات بين الفكر الجدلي والايكولوجي اضف الى ذلك ان الكثير من مناصري النسوية الايكولوجية والايكولوجياالاجتماعية والاقليمية الحيوية سعوا عن قصد الى تطوير مقاربة سياسية تتأصل بوضوح في النظرة الايكولوجية الى العالم وكنتيجة لهذه المساعي اصبحت الايكولوجيا السياسية حقلا نابضا بالحياة وسريع التطور
الايكولوجيا الاشتراكية
في الأعوام الأخيرة التمست مجموعة منوعة من النظريات الايكولوجية الاشتراكية اثبات الصلة بين النظرية الماركسية والقضايا البيئية وقد انبعث في هذا السيتق مجموعة ضخمة من الاعمال النظرية والكثير من هذه الاعمال يمكن العثور عليها في مجلة/الرأسمالية,الطبيعة،الاشتراكية/ التي اصبحت طوال عقد من النشر النادي الرئيسي لتطوير الايكولوجيا الاشتراكية والواقع ان مستوى النقاش النظري الجاري فيها لقضايا الايكولوجيا السياسية لايضاهيه اي منشور باللغة الانكليزية يتعامل مع مثل هذه القضايا
واحد ابرز التطورات في النظرية الاشتراكية الايكولوجية يمثلها تطبيق جميس اوكونور للتحليل الماركسي لشروط الانتاج على قضايا البيئية واطروحته الناجمة عن ذلك وفحواها ان الازمة البيئية هي (التناقض الثاني للرأسمالية)ويوضح اوكونور ان ....السياسة الحمراء الخضراء....تفترض ان الازمة البيئية لا يمكن حلها دون تحول جذري في علاقات الانتاج الرأسمالية وان الازمة الاقتصاديةلايمكن حلها دون تحول جذري مماثل لقوى الانتاج الرأسمالية ويشدد الاشتراكيون الايكولوجيون على ان التنافس العالمي قاد الى...الغاء التكاليف الاجتماعية والبيئية....مما نجم عنه تدهور شروط العمل والشروط البيئية وبما ان هذه المشكلات واسعة الانتشار وتتجاوز الحدود الاقليمية والقومية فلا يمكن حلها عبر العمل على المستوى المحلي كما يؤكد على ذلك من الخضر والاقليميين الحيويين والايكولوجيين الاجتماعيين وحتى المشكلات التي تبدو محلية مثل وسائل النقل وتكاليف السكن وتجارة المخدرات هي في الواقع قضايا عالمية تتعلق بطريقة توضع رأس المال النقدي عبر العالم وبالتالي تتطلب فعلا سياسيا منسقا على مستوى العالمي ويستخلص اوكونور ان الشكل السياسي الوحيد الملائم لكل المشكلات البيئية الخاصة بموقع معين والقضايا العالمية هوالدولة الديموقراطية دولةتكون ادارة تقسيم العمل الاجتماعي فيها منظمة ديموقراطيا
ويحاجج هارفي بان عدم ملاءمة القيم الاقتصادية يصبح بيّنةعلى نحو متزايد كلما اخذنا اكثر باعتبارنا وقائع هي كليات معقدة اكثر من كونها كيانات منفصلة ففي حين يمكن عزو القيم المالية وان بشكل غير كاف الى الاجزاء الفردية من منظومة بيئية الا انها لا يمكن ابدا ان تطابق القيمة الايكولوجية التي تعد تابعا للعلاقة المعقدة بين الاجزاء المتنوعة ضمن الكلية ولعلاقة كل هذه الاجزاء مع الكلية ويحاجج هارفي بان القيمة الاقتصادية تفشل ايضا عندما نتوسع في تقييمنا عبر الزمن فيؤكد ان الممارسة الاقتصادية اذ تسقط من حسابها قيمة اي سلع يمكن ان توجد في المستقبل تكون بذلك غير عقلانية من الناحية الايكولوجية ذلك ان الخبرات الطبيعية الاساسية البيولوجيةهي الشرط المسبق لوجود اي نوع اخر من القيمة بما في ذلك القيم الاقتصادية ثم اخيرا بان الفهم الاقتصادي الاساسي للعواقب البيئية باعتبارها تكاليف خارجية يتناقض اساسا مع تحليل الايكولوجي الذي ينظر الى السيرورات الطبيعية بما هي اجزاء مترابطةجوهريا ضمن كلية
ان تركيز الجهود مباشرة على مشروع مقاربة جدلية جذريا باكثر مما يفعله معظم المفكرين في التقليد الماركسي الذين تحظى بالاولوية النظرية لديهم غالبا قضايا الطبقةوالاستغلال الاقتصادي والايديولوجيا والازمة الاجتماعية والعوامل التاريخية والتحول الاجتماعي الثوري ويمنح هذا التركيز تميزا ايكولوجيا قويا لتحليل هارفي مفقود في كثير من طبعات الايكولوجيا السياسة سواء كانت اشتراكية ام لا وكما يشير( يمنح الفكر الجدلي الاولوية لفهم السيرورات والتدفقات والتقلبات والعلاقات عند تحليل العناصر والاشياء والبنيات والمنظومات العضوية)وكذلك يمنح الفكر الايكولوجي الاولوية لهذه الوقائع ذاتها وان جهوده في اقامة الارتباط بين الفكرين تجعل مقاربته احدى اكثر المحاولات نجاحا في اضفاء الطابع الايكولوجي على الماركسية
وعند الطرف الآخرمن الطيف الاشتراكي الايكولوجي قدم ديفيد بيبر دفاعا قويا عن اشتراكية ايكولوجية تظل من وجوه عديدة اكثر قربا الى ماركسية اكثر تقليدية ففي رأيه ان الماركسية ايكولوجية وبالضبط نظرا الى اهتمامها المتمركز بشكل كامل بالرفاه البشري ونظرا الى ان النمو الاقتصادي الاشتراكي لا بد ان يكون تطورا عقلانيا مخططا لمنفعة الجميع وجب بالضرورة ان يكون سليما من الناحية الايكولوجية ويراهن بيبر على ميراث التنوير الماركسي ويرفض النقد ما بعد الحداثي الاخضر لكل من المركزية البشرية ومشروع الهيمنة على الطبيعة فالماركسية كما يقول ترفض السيادة على الطبيعة التي تتضمن الاخضاع او التدمير لكنها تقترح شكلا من الهيمنة على الطبيعة سوف يحل في الواقع المشكلات البيئية وتتألف الهيمنة من التحكم الجماعي الواعي من قبل البشر بعلاقتهم بالطبيعة كما انها تتضمن الاشراف وليس التدمير.... ليست المركزية البشرية بذاتها هي الهدامة بيئيا بل المركزية البشرية الفردية قصيرة المدى ولذلك الالتزام الاشتراكي التقليدي بالتخطيط المركزي من اجل انجاز سياسات تكون لمصلحة البشرية في المدى الطويل ولنرفض الحلول اللامركزية باعتبارها
يوتوبيا ساذجة علينا ان نجعل الاهمية المحورية لمنظمات الطبقة العاملة في تطوير حركة اشتراكية ايكولوجية مع رؤيتنا لدور مهم ايضا لخطوات انتقالية من قبيل الاشتراكية المحلية ومنظومة التوجه الموضعي
وفي حين يلتمس بعض المفكرين الاشتراكيين الايكولوجيين الابقاء على كثير من الماركسية التقليدية اثناء اضفاء الطابع الايكولوجي عليها ...يستمر المزيد من الاشتراكيات الايكولوجية الاكثر حدة بالظهور ومع انهيار الاشتراكية الموجودة فعليا فان الماركسية والاشتراكية حول الممارسة هي في حالة يمكن وصفها اما بالتشوش او بالتخمير الخلاق وبالتالي نجد بعض الاشتراكيات الايكولوجية التي تبدو على شبه الليبرالية البيئية او الديموقراطية الاجتماعية اما الاخرى التي تقترح لا مركزية جذرية وديموقراطية تشاركية فانها تذكرنا بالايكولوجيا الاجتماعية والبعض الاخر يدمج المزيد من الافكار الماركسية التقليدية في مفهوم دولة العمال المركزية المسؤولة ايكولوجيا وكذلك ثمة بعض الاشتراكيات الايكولوجية الاخرى التي تقترح اشتراكية (ما بعد حداثية) انتقائية يلهمها المذهب البيئي والحركات الاجتماعية الجديدة الآخرى
********************************
الفلسفة البيئية/مايكل زيمرمان/ترجمة:معين شفيق رومية/مطابع المجموعة الدولية
***************