تسعون عامًا على ثورة اكتوبر: عالم جديد ممكن


الحزب الشيوعي الاسرائيلي
2007 / 11 / 9 - 12:40     

قبل تسعين عامًا، في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، قامت في روسيا الثورة الاشتراكية العظمى، فلاحون وعمال من جميع أنحاء روسيا، بقيادة الحزب الشيوعي (البلشفي) استولوا بشكل منظم وناجح على مراكز الحكم الروسي، بهدف إقامة نظام جديد في الدولة- نظام اشتراكي. وكانت مطالبهم تتلخص بإدارة الدولة بشكل دمقراطي، توزيع عادل للأراضي على الفلاحين، ولزيادة المساواة بين المواطنين، وبايجاد ظروف عمل ملائمة، ولايقاف الحرب العظمى (الحرب العالمية الأولى)، ولإحلال السلام بين الشعوب، ولإنشاء مجتمع بدون استغلال الانسان لأخيه الانسان.
لقد عبّرت الثورة عن فهم انه في القرن العشرين لا يمكن تأجيل التغيير الاشتراكي أكثر للمستقبل البعيد، وإنما يجب تحقيقه في الحاضر. كما عبّرت الثورة عن فهم، ان تغيير المجتمع لا يحدث تلقائيًا وانما يتطلب تنظيمًا وعملا سياسيًا حازمًا لإحداث تغييرات ثورية. تغييرات في عمق الترتيبات الاجتماعية والاقتصادية القائمة. وخلال أشهر قليلة استطاعت مجالس الفلاحين والعمال ان تقلب رأسا على عقب ترتيبات نظام الحكم القديم، وهذا بالرغم من المحاولات المحلية والدولية غير المتوقفة للتآمر ضد انجازات الثورة. فقد وُزعت الأراضي من جديد على الفلاحين، كما انسحبت روسيا من الحرب، وانتقلت المصانع الى سلطة العمال فيها وقُلصت ساعات العمل، وارتفعت الأجور، وأُمّمت البنوك، وأقيم نظام حكم يعتمد على تنظيمات دمقراطية محلية (مجالس، "سوفييتيات") وجمعية ممثلي هذه المجالس، وأقيمت الحكومة الثورية الأولى لروسيا، بزعامة لينين، زعيم البلاشفة.
السنوات الاولى بعد قيام الثورة كانت سنوات تحدّ كبير للنظام الجديد. الثورة جبت ثمنا باهظًا من أصحاب الاقطاعيات الكبيرة، ومن رؤوس المال المحليين والأجانب، ومن طبقة اجتماعية كاملة اعتاشت من استغلال عمل الفلاحين والعمال. كما قطعت الثورة كل الترتيبات الدولية التي كان القيصر في علاقاته مع انجلترا وفرنسا ملتزما بها. وقد أظهرت الثورة أن الظلم الاجتماعي ليس أمرًا مفروغًا منه. كشفت الثورة امام العمال في العالم انه بواسطة التنظيم الصحيح وبدمج القوى، بامكانها تحسين ظروف معيشتهم بشكل عملي. ان التهديد الذي مثلته الثورة على نظام الاستغلال كان واضحًا. وهذه القوى الاقتصادية والسياسية الكبيرة أدارت في السنوات الاولى بعد نشوب الثورة صراعًا شديدًا ضد النظام الجديد: من الداخل- حربًا أهلية بتمويل أجنبي، ومن الخارج- غزو جيوش 14 دولة وبضغط اقتصادي دولي.
وخلال النضال البطولي، لضمان بقاء النظام الجديد، نجح الشيوعيون خلال السنوات في اصلاح بلادهم بعد الخراب الذي خلّفته الحرب العالمية الأولى. فقد عملوا على تقدم اقتصاد روسيا المتخلّف نحو مرحلة جديدة من ناحية التصنيع والعلوم المتقدمة، نجحوا في رأب الصدع بين الشعوب المختلفة الذي أوجده نظام الحكم القيصري. والاتحاد السوفييتي، رغم الظروف الصعبة، فقد حقق انجازات اجتماعية كبيرة في المجال الثقافي والتعليم العالي، الصحة، الرفاه، مكانة المرأة، العمل، السكن والعلوم. كما كان للاتحاد السوفييتي الدور الكبير في النصر على النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية، وكان له دور في انقاذ ضحايا النازية بمن فيهم انقاذ اليهود من براثنها. والاتحاد السوفييتي دعم على مدار السنين معارك التحرر الوطني لشعوب كثيرة في العالم، وبضمنها فقد أيد الغاء الانتداب البريطاني على بلادنا وباقامة دولتين مستقلتين لكلا الشعبين في هذه البلاد.
وحقيقة هي، ان الاتحاد السوفييتي واجه فشلا وضعفًا خطيرين، ونحن في الحزب الشيوعي الاسرائيلي، لا نتجاهل ذلك. وقد فرضت سنوات الحرب الأهلية على النظام الذي كان في مرحلة التأسيس أن يدافع عن نفسه، بوسائل عنيفة أمام القوى الاجنبية وغير الثورية. ومع الوقت، وبعد وفاة لينين سنة 1924، اقام ستالين في الاتحاد السوفييتي نهجًا غريبًا عن القيم الشيوعية مع المس الشديد بالدمقراطية، جرائم وتشويهات واستبداد وانتشار كبير للبيروقراطية. وهكذا انتج من جديد وتعمّق الجفاء بين العمال وبين الدولة واماكن العمل. وبعد فترة حكم ستالين وبعد ادانة نهجه لم تستطع القيادة السوفييتية تنفيذ التغيير المطلوب لاقامة جهاز دمقراطي متقدم. وتراكم المشاكل ادى الى أزمة، ومع الضغوط الخارجية وتصورات الزعماء فقد ادى كل ذلك الى انهيار الأنظمة في الاتحاد السوفييتي وفي دول شرق أوروبا. وفي أعقاب هذا الانهيار فقد نشأ في هذه الدول نظام رأسمالي شديد بشكل خاص، وقد امتاز بالفوارق الاقتصادية العظيمة بين الأغنياء والفقراء، فقد عادت البطالة والفقر وظروف المعيشة المتدنية لشرائح واسعة من السكان. وظروف السكن، الصحة والتعليم بدأت تتدهور مقابل اغتناء اجرامي لقلة مجرمة نهبت ثروات الدولة.
في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي وانظمة دول شرق أوروبا كان هنالك من حاول اقناعنا انه لا يمكن تغيير العالم، او أنه لا يمكن تغييره بشكل ثوري. ونحن لا نتفق مع هذا الموقف. في واقع القرن الواحد والعشرين يتضح لنا تمامًا: الوضع الاجتماعي القائم في العالم- فوارق اقتصادية- اجتماعية خطيرة، ضائقة، فقر، حروب، متاجرة بالعلاقات الانسانية، انهيار شبكة الأمن الاشتراكي، تدمير بيئي، هذا الوضع الخطير يستلزم تغييرًا ثوريًا، ومن خلال التجربة التاريخية للقرن العشرين تعلمنا انه يجب اجراء التغيير الثوري هذا، بشكل أفضل اكثر، وبشكل يمتد لفترة طويلة وبشكل دمقراطي.
نحن لا ننظر الى الوراء من منطلق الحنين الى الماضي (نوستالجيا) والاشتياق- نحن ننظر الى الأمام- فثورة اكتوبر قامت لمواجهة مشاكل صعبة وحقيقية: فقر، فوارق اقتصادية، تدهور في ظروف العمل، حروب مستمرة. وكثير من هذه المشاكل ما زال يلازمنا. الرأسمالية لا تقدم لها أجوبة، ولمشاكل الماضي تنضم تهديدات جديدة ومشاكل جديدة.
نحن لا ننظر بنوستالجيا (الحنين الى الماضي) نحو القرن العشرين: التغيير الثوري الذي نحاول ان نقوده يجب ان يتماشى مع ظروف القرن الحادي والعشرين، ضد اعداء القرن الواحد والعشرين، وفي الوسائل (الآليات) التي يوفرها لنا العصر الراهن في هذا النضال. نحن ننظر الى المستقبل بأمل.
فالعام التسعون لثورة اكتوبر سيخصصه الحزب الشيوعي الاسرائيلي لدراسة تاريخ الثورة، لتنظيم حوارات واسعة في الموضوع ولكن مع دراسة الحاضر، التحديات التي يضعها أمامنا والامكانيات لعالم أفضل والكامنة فيه.
نحن نعتقد أن عالمًا جديدًا يلغي استغلال الانسان لأخيه الانسان، والحروب وكل أشكال الاضطهاد، بالامكان تحقيقه، عالم كهذا يصبح حقيقة اذا تعلمنا من التجربة التاريخية، واذا تنظمنا بشكل صحيح وفعال، واذا أبدينا عزيمة ونفَسا طويلا، وكذلك اذا عرفنا ان نوحّد القوى العاملة، وناشطي البيئة، وحركات السلام، والحركات النسائية وجميع ضحايا الاستغلال والاضطهاد.