في ذكرى ثورة لا يمكن ان تُنتسى


احمد سعد
2007 / 11 / 6 - 12:00     

مفر من اتحاد سوفييتي جديد يضع "الحد على الزعرورة"

يوم الاربعاء من هذا الاسبوع تصادف الذكرى السنوية التسعون لانتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى، في الامبراطورية الروسية التي كانت اهم حدث سياسي في القرن العشرين اذ انها الّفت منعطفا تاريخيا هاما على ساحة التطور والصراع في عالمنا. كما انه، وللاسف الشديد، بعد اكثر من سبعة عقود، انهار النظام الاشتراكي في وطن ثورة اكتوبر كحدث مأساوي غيّر بشكل جذري طابع الصراع في عالمنا في غير صالح التقدم والعدالة الاجتماعية، والنمو الاقتصادي والحضاري للبشرية وخاصة لبلدان وشعوب العالم الثالث، او البلدان ضعيفة التطور في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية. وقد استغلت القوى المعادية للشيوعية والاشتراكية العلمية العاصفة الهوجاء التي عصفت بالاتحاد السوفييتي والانظمة الاشتراكية في اوروبا الشرقية لشن حملة مكثفة متعددة الجوانب جندت اليها خدام الرأسمالية والبرجوازية من منظّرين وساسة ورجال دين، لاثبات فشل الاشتراكية العلمية وان الفكر الماركسي – اللينيني استنفد دوره التاريخ وانه لا مصداقية بعد ولا ضرورة موضوعية بعد لوجود ونشاط احزاب شيوعية تناضل من اجل مجتمع العدالة الاجتماعية، مجتمع خال من استغلال الانسان لاخيه الانسان، وان النظام الرأسمالي، المجتمع الرأسمالي، هو الخيار الوحيد امام البشرية في تطورها الحضاري!!
صحيح ان التجربة السوفييتية في بناء المجتمع الاشتراكي انتكست بعد اربعة عقود من التطور، وانتكاسها وفشلها لا يعني ابدا فشل وعدم مصداقية الفكر الماركسي – اللينيني او مصداقية نضال البشرية لبناء مجتمع بديل لمجتمع الاستغلال الرأسمالي، لبناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية والدمقراطية وضمان حقوق الانسان السياسية والاجتماعية، وخالٍ من مختلف اشكال التمييز الطبقي والقومي والعنصري والطائفي والجنسي. ومهمة القوى التقدمية من احزاب شيوعية وعمالية وحركات تحرر قومي ووطني استخلاص العبر الصحيحة من التجربة السوفييتية واسباب فشلها. وذلك لمواصلة حمل الراية الكفاحية في المعركة السياسية – الجماهيرية ضد نظام الاستغلال الرأسمالي وطابع العولمة الرأسمالية الهمجي، في المعركة من اجل الاشتراكية العلمية. وكاتب هذه السطور شارك في عدة ندوات دولية بمشاركة ممثلين عن احزاب شيوعية وعمالية ويسارية وحركات تحرر وطني، حول اسباب انهيار الاتحاد السوفييتي وتجربة البناء الاشتراكي، ولا تزال اسباب الفشل حتى يومنا هذا قيد البحث والتلخيص من الناحية الفكرية والاقتصادية – الاجتماعية والعسكرية، وكذلك ابراز نقاط الضوء المشرقة التي برزت في حياة المجتمع الاشتراكي السوفييتي، اضافة الى استخلاص العبر والدروس الصحيحة من كل التجربة السوفييتية.
وفي سياق معالجة اليوم سأقف عند بعض القضايا المهمة التي يحاول اعداء الشيوعية طمسها والتي تعكس الاهمية التاريخية لثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى.
لقد ولّدت ثورة اكتوبر العظمى بقيادة الحزب البلشفي برئاسة ف. أ. لينين نمطا جديدا من الدمقراطية ارقى من الدمقراطية في اكثر البلدان الرأسمالية تطورا. ولّدت واوجدت "سوفيتات العمال" و"سوفيتات الجنود" وسوفيتات الفلاحين.. والسوفييت – الاتحاد عبارة عن شكل من اشكال الدمقراطية حيث تشارك الجماهير من الحلقات القاعدية (عمال مصنع، جنود فرقة، عمال وفلاحو سوفخوز وكلخوز) وحتى رأس الهرم في الدولة السوفييتية (سوفييت المقاطعة او الجمهورية وحتى مجلس السوفييت الاعلى) في صياغة وتنفيذ القرارات المتعلقة بالتطور السياسي والاقتصادي – الاجتماعي والثقافي على مختلف الصعد المحلية والقطرية على نطاق الدولة السوفييتية. فاعطاء الجماهير الشعبية حريتها السياسية والاقتصادية – الاجتماعية في ان تكون صاحبة البيت والمسؤولة عن ادارة شؤونه وليس بأيدي عصابة من مصاصي دم علاقة الاستغلال الرأسمالي، هذا النمط من الدمقراطية احدث طفرة وقفزة نوعية في تطور الاتحاد السوفييتي خلال فترة وجيزة من الزمن، فخلال الفترة من انتصار ثورة اكتوبر في العام 1917 حتى اواسط العشرين، ورغم الحرب الاستعمارية العدوانية والقوى المعادية للثورة في روسيا للقضاء على "البيضة قبل ان تفقس" كما قال الاستعماري الانجليزي وينستون تشرتشل، خلال هذه الفترة الوجيزة زمنيا قفزت روسيا من درجة التخلف واشغال المرتبة الـ 13 في التدريج العالمي للدول المتطورة الى المنافسة على المرتبة الثانية في مجال حجم الانتاج القومي، فبالمشاركة الجماهيرية الواسعة المشحونة بالوعي والتحزب لمجتمعها الجديد، جرت عملية عصرنة البلاد بكهربة شاملة لبلد يؤلف سُبع مساحة العالم، وبنجاح الثورة الثقافية التي قضت على الامية وجعلت العلم والتعليم في جميع مراحله مجانيا وفي متناول يد الجميع فبرزت الابداعات والاختراعات السوفييتية في شتى المجالات كما برز التطور السوفييتي في مجال الرياضة والفنون.
لقد ادرك زعيم الثورة والدولة ف.أ.لينين في مطلع العشرينيات، وبعد دفن الثورة المضادة المدعومة استعماريا، انه لا حاجة بعد "للشيوعية العسكرية"، أي للنظام المتشدد المبني على "التبادل الطبيعي" او الاقتصاد الطبيعي، أي بدون قوانين السوق، فالواقع الموضوعي – كما رآه لينين، ولضمان تطور الاتحاد السوفييتي اقتصاديا وسياسيا، يحتّم الاخذ بالاعتبار الانماط الاقتصادية – الاجتماعية المتعددة، والتي لكل نمط منها مصالحه الخاصة، فبقيادة لينين جرى انتهاج سياسة "النيب" وتعني سياسة اقتصادية جديدة، في مطلع العشرينيات، مبنية على قوانين اقتصاد السوق، التبادل البضاعي، ومنافسة ستة انماط اقتصادية – اجتماعية، الاقتصاد الرأسمالي الكبير، نمط صغار المنتجين من حرفيين وفلاحين اقتصاد التعاونيات الفلاحية، اقتصاد قطاع الدولة – صناعة ثقيلة مؤممة وتجارة خارجية، ولكن الدولة الاشتراكية تدعم وتساند وتضع بأيدي القطاع العام والملكية الجماعية الاشتراكية رسن قيادة المجتمع في هذه المرحلة الانتقالية.
وقد حققت هذه السياسة الاقتصادية الجديدة انجازات هائلة في مجال التقدم الاقتصادي والمعيشي لشعوب الاتحاد السوفييتي قاطبة ولكن النقص الاساسي – حسب رأينا – انه مقابل السماح بنشاط الانماط الاقتصادية المختلفة في السوق لم يجر السماح بتعدد الاحزاب السياسية التي تمثل مصالح هذه الانماط والشرائح الاجتماعية المختلفة. ولعل من ابرز ما تستخلصه الاحزاب الشيوعية العالمية وحركات التحرر الوطني هو، عدم مصداقية نظام الحزب الواحد في مرحلة الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية وحتى في المرحلة الاشتراكية الطور الاول من بناء الشيوعية. فحتى في جمهورية روسيا الفدرالية الاتحادية، في المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي بقيادة زيغانوف، حيث كان لي شرف المشاركة في اعماله، طرح الحزب موضوع التحالفات، اقامة تحالف مع قوى فلاحية وعمالية بقيادة الشيوعيين في المعركة من اجل الاشتراكية.
لا احد يستطيع ان ينكر ان النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي وفي منظومة البلدان الاشتراكية قد اوجد نمطا جديدا نوعيا على ساحة العلاقات الدولية. نمطا مدلوله السياسي الدعم الاممي الاشتراكي المساند للبلدان النامية في مواجهتها لطاغوت الاستغلال والعدوان الامبريالي الرأسمالي، فمن ناحية مبدئية فكريا وسياسيا انطلق الاتحاد السوفييتي من اهمية الفرز الطبقي – السياسي على الحلبة الدولية – وحدة القوى الثورية الثلاث – الانظمة الاشتراكية والاحزاب الشيوعية في بلدان رأس المال وحركة التحرر الوطني في البلدان النامية المستعمرة سابقا – في مواجهة محاور الامبريالية والرجعية الدائرة في فلكها. ولا احد يستطيع انكار الدور الحاسم للاتحاد السوفييتي في انقاذ البشرية من الوحش النازي الهتلري وتحرير الجيش الاحمر السوفييتي للعديد من شعوب اوروبا من نير الاحتلال الوحشي الفاشي. لا يوجد شعب ناضل للتحرر من الهيمنة الاستعمارية ومن العدوان الاستعماري الا وتلقى المساعدة العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية – السياسية من النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي. بمساعدة الاتحاد السوفييتي تصدّت مصر الرئيس جمال عبد الناصر للمستعمرين البريطانيين والفرنسيين والامريكيين ومخفرهم الاستراتيجي اسرائيل، كما بنت مصر بالمساعدة السوفييتية القاعدة الصناعية في مصر وسد اسوان العملاق وطاقتها العسكرية في مواجهة المعتدين.
ولن ينسى الشعب العربي الفلسطيني الدعم السوفييتي له في شتى المجالات العسكرية والمادية والثقافية والسياسية تضامنا مع حقه الوطني المشروع في الدولة والقدس والعودة. ومختلف البلدان النامية من مختلف القارات تدين بالشكر والعرفان للاتحاد السوفييتي، لوطن اكتوبر الاشتراكية، الذي ساعدها في بناء كوادرها العلمية والتقنية بتخريج الالوف المؤلفة من العلماء والاطباء والمهندسين والخبراء في شتى المجالات الذين تخرجوا من اعلى الجامعات والمعاهد العليا السوفييتية.
اننا اليوم ونحن نواجه الانياب المفترسة للعولمة الرأسمالية وللهجمة الاستراتيجية الامبريالية الامريكية وجرائمها ضد الانسانية في العراق وافغانستان ومخططها للهيمنة في منطقتنا والعالم، ونحن نواجه الدرع البلطجي للامبريالية العدوانية، المحتل الاسرائيلي وعربدته الدموية ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية وضد وحدة لبنان الوطنية، عندما نواجه هذا وغيره نؤكد القول انه لا مفر من اتحاد سوفييتي جديد يضع "الحد على الزعرورة" لاعداء الانسانية من انظمة همج البشر الرأسمالية