ملاحظات اولية عن لآثار الاقتصادية الاجتكاعية للنهج الاقتصادي البرالي للفترة 19922006 (روسيا نموذجا)


نجم الدليمي
2007 / 10 / 16 - 11:26     


المقدمة
ان عملية التحولات الاقتصادية- الأجتماعية التي امتدت منذ عام 1995 حتى عام 2006 في الاتحاد السوفيتي – روسيا خلقت أسرع استقطاب طبقي في التاريخ وأكثر إشكاله خصوصية، هذا الأستقطاب لم يأت نتيجة لسياقات تقليدية ، بل جاء كأستدارة حادة من حالة اللا إستقطاب الطبقي الذي ميز المجتمع السوفيتي الى حالة الأستقطاب الطبقي المرعب والمشوه، وقد جرى ذلك ضمن سياقات ومعدلات ومستويات متسارعة لم تشهد البشرية لها مثيلاً.
وتعد الليبرالية لون من الفلسفة السياسية والأقتصادية – الأجتماعية ظهرت في ظل الراسمالية ، فهي كانت ولا تزال تشكل برنامجاً ايديولوجياً واقتصادياً- اجتماعياً للطبقة البرجوازية، ففي السياسة تنعكس المصالح الأقتصادية والاجتماعية للطبقة سواء كانت حاكمة او غير حاكمة ، وبالتالي فِأن السياسة هي تعبيراً مكثفاً عن الاقتصاد، وهناك ترابط موضوعي بين السياسة والاقتصاد لا يمكن الفصل بينهما.
تناولت الدراسة الحالية الأثار الأقتصادية والاجتماعية للنهج الليبرالي الاقتصادي الجديد والذي تم تنفيذه عبر سيناريوهات متعددة ومنها سيناريو ((البيريسترويكا)) للفترة (1985-1991) وسيناريو ما يسمى بالاصلاح الاقتصادي للفترة (1992-2006) ، وحاولنا عكس بعض النتائج الأقتصادية والاجتماعية لهذا النهج الليبرالي الاقتصادي المتوحش.
وكما توضح الدراسة كيف خلقت السياسة الليبرالية الجديدة حيتاناً وديناصورات مالية وبسرعة فائقة، وكيف تم تحويل البلد الغني بكل ثرواته الى بلداً فقيراً ومشوهاً في تركيبته الأقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية... إنها فعلاً تجربة فريدة من نوعها في تاريخ المجتمع البشري تستحق المتابعة والدراسة والتحليل العلمي الموضوعي.
اولاً : إحذروا سيناريو الخطر ؟ !
ان إختفاء الاتحاد السوفيتي جاء على يد (قادة) ما يسمى بالبيريسترويكا والتي نفذها غوربا تشوف وفريقه، واستمر بوريس يلتسين وفريقه على نفس النهج ولكن تحت تسمية جديدة إلا وهي ( الاصلاح الاقتصادي) . في عام 1991، عقدت ((اتفاقية مينسك)) بين بوريس يلتسين الرئيس الروسي السابق ، وكرافجوك الرئيس الأوكراني السابق وشوشكيفيج رئيس البرلمان البيلاروسي السابق، وعند إنجاز وتوقيع هذه الاتفاقية اللاقانونية والتي كانت بالضد من أرادة الغالبية العظمى من الشعب السوفيتي، (طبعاً كان يلتسين في حالة يرثى لها –) ومباشرة قام يلتسين بالأتصال بالرئيس الامريكي بوش الاب وأخبره ((بالانجاز الكبير)) إلا وهو إختفاء الخصم رقم 1 للولايات المتحدة الامريكية و ((ماتت)) الشيوعية ، وكان مترجمه في تلك الفترة كوزوروف وزير خارجيته السابق.
لقد نفذ غورباتشوف وفريقه ويلتسين وفريقه ما عجز هتلر من تحقيق حلمه اللامشروع وكما حقق هؤلاء ((القادة)) ما كان يهدف إليه كل من ألان والاس وترومان... ، وكما لا يستعبد ان إستمرار روسيا على نهجها السياسي والأقتصادي – الأجتماعي الخطير والمتمثل بالنهج الليبرالي المتطرف من ان يكون مصير روسيا هو نفس مصير الاتحاد السوفيتي ، لأن المتطرفين في الأدارة الاميركية يسعون الى تفكيك روسيا الى (دويلات) صغيرة و ((مستقلة)) من خلال الأستمرار في تطبيق وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين، فالخوف من روسيا لا يزال قائماً عندهم، وكما يعتقدون إنها تشكل خطراً عليهم، وعليه لابد من تقويضها سياسياً واقتصادياً – اجتماعياً وعلمياً وثقافياً وعسكرياً ومحاصرتها وعلى مختلف الأصعدة الداخلية والخارجية.
ان النهج الليبرالي الجديد يكمن جوهره الرئيس في : ليبرالية الأسعار والتجارة والعمل على اضعاف دور ومكانة الدولة في الميدان الاقتصادي والاجتماعي ، والغاء دور القطاع العام وتخلي الدولة عن سياسة الدعم للقطاعات الأنتاجية والخدمية، مقابل ذلك العمل على تعزيز دور ومكانة القطاع الخاص المحلي والاجنبي في رسم السياسة الاقتصادية والاجتماعية... يهدف بناء الراسمالية.
اوعد ((الاصلاحيين- الديمقراطيين)) الشعب الروسي ببناء ((الجنة)) وقالوا ان الاشتراكية هي ((الجحيم)) ... ، وان الراسمالية هي ((النعيم)) و ((الخير)) وهي النظام الاقتصادي – الاجتماعي الذي يتمتع بالجدوى الاقتصادي الكبيرة وغير ذلك، فلنرى هل فعلاً ان اقوالهم وشعاراتهم وسياساتهم متطابقة قولاً وفعلاً مع الواقع الموضوعي.
نعرض بعض من ((انجازاتهم)) للفترة من عام 1992 حتى عام 2006 ونترك للقاريء الكريم التقييم الموضوعي
.
ثانياً: هل حَلت الكارثة الحقيقية في القطاعات الأنتاجية المادية؟
بسبب تطبيق سياسة ما يسمى بالاصلاح الاقتصادي، إنخفض الأنتاج في القطاعات الأنتاجية ما بين 60 الى 90 بالمئة، وكما إنخفضت إنتاجية العمل بـ(2) مرة، وبلغت نسبة الأندثار (الاستهلاك) في القطاعات الاقتصادية وخاصة الأنتاجية منها ما بين 55 الى 90 بالمئة(1) . ويشير البروفسور ف.ي بويارنيتسوف ، إنخفض الناتج المحلي الاجمالي خلال الفترة من عام 1992 حتى عام 2006 بـ(2) مرة، وتم اغلاق 70 ألف مصنع ويرجع السبب الرئيسي الى تنفيذ برنامج الخصخصة، وعملياً تم القضاء على تطور العلوم التي تخص تطوير القطاع الصناعي، وتحولت روسيا الى شبه مستعمرة ومصدرة لمواد الخام الأولية ومنها النفط والغاز...، من اجل إنقاذ الاقتصاد الراسمالي وخاصة الاقتصاد الاميركي، وتحتل روسيا المرتبة السابعة في العالم في احتياطي النفط، أما من حيث الأنتاج النفطي فأصبحت روسيا تأتي بعد السعودية وهذا يعني سوف يتم إستخراج النفط وبسرعة وهذا يصب لصالح الشركات المتعددة الجنسيات وحلفائها في الداخل وخاصة لمصلحة العناصر المتنفذة في الحكم من غير الروس وسوف تحرم الاجيال القادمة من هذه الثروة (2). وبسبب إنتهاج وتطبيق سياسة ما يسمى بالاصلاح الاقتصادي أرجعت روسيا في معظم مؤشراتها الاقتصادية – والاجتماعية الى الأربيعنات – الخمسينات من القرن الماضي (3). وفي عام 1991 ، أنتج الأتحاد السوفيتي 120 طائرة مدنية، اما روسيا ففي عام 2005 أنتجت ما بين 5-6 طائرة مدنية (4). وفي عام 1990 ، أحتلت روسيا السوفيتية المرتبة السادسة عالمياً في الأنتاج والأستهلاك ، اما روسيا، ففي عام 2005 قد احتلت المرتبة 73 عالمياً في ميدان الأنتاج والاستهلاك(5). وكما احتل الاتحاد السوفيتي خلال الفترة من عام 1928 حتى عام 1941 المرتبة الاول في التطور الصناعي في أوربا والمرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة(6) .
اما القطاع الزراعي، فقد حلت فيه الكارثة الحقيقية، فأن 35 مليون هكتار (وهناك تقدير أخر يؤكد على 40 مليون هكتار) أصبحت متروكة وغير مزروعة . وفقدت روسيا امنها وأستقلالها الغذائي ، فهي تستورد أكثر من 60 بالمئة من السلع الغذائية، وتستورد مدينة موسكو وبطرسبورغ أكثر من 80 بالمئة من السلع الغذائية (7). وخلال الفترة من عام 1992 حتى عام 2004 ، أختفت 13000 قرية في الريف الروسي، وأن 80 بالمئة من الألات والمعدات تحتاج الى تغير (استبدال)، وكما يعاني القطاع الزراعي من قلة التخصيصات المالية، فهو يحتاج الى 20 بالمئة في حين خصص له 1 بالمئة لعام 2006 ، وان 40 ألف تراكتر وتستهلك، يحل محلها 4000 تراكتر فقط(8). وبلغت نسبة المشاريع الزراعية الخاسرة في روسيا لعام 2004 بـ50 بالمئة ، في حين بلغت في الاتحاد السوفيتي نسبة 3 بالمئة لعام 1990 (9).

ثالثاً: بعض نتائج النهج الليبرالي الجديد في ميدان العلم وقطاع التعليم
كما هو معروف ان تطور قطاع التعليم وتطور العلم والبحوث العلمية تحتاج الى تخصيصات مالية كبيرة فبدون تدخل الدولة المباشر لا يمكن تحقيق ذلك ولا يمكن ان يتطور هذا القطاع الهام والحيوي، فيلاحظ ان النهج الليبرالي الجديد في روسيا ومنذ عام 1992 ولغاية اليوم إتسم بتقليص التخصيصات المالية وبشكل ملموس وكبير، فعلى سبيل المثال وخلال الفترة (1992-2006) تقلصت التخصيصات المالية بـ10 مرات لقطاع التعليم، وتقلصت التخصيصات المالية لقطاع العلم بـ(200) مرة بالمقارنة مع التخصيصات المالية في اميركا وبهذا الخصوص يؤكد البروفسور ف.ي . بويارنيتسوف، ان هذه السياسة اللاعملية قد أثرت وبشكل مباشر على هذا القطاع ، بدليل تقلص عدد المؤسسات العلمية البحثية بـ(8ر7) مرة، ومكتب التصاميم الهندسية بـ (6ر3) مرة ، ومؤسسات البحث الصناعي والتكنولوجي بـ(8ر1) مرة، وتبلغ نسبة مساهمة روسيا في انتاج التكنولوجيا الحديثة على الصعيد العالمي بـ1 بالمئة ، وتقلص عدد العلماء والباحثين العلميين بـ(2) مرة، وبلغ متوسط العمر للعلماء والباحثين في روسيا أكثر من 60 سنة ، أما الكارثة الأخرى التي حلت في قطاع التعليم والبحث العلمي الا وهي ((هجرة العقول)) فعلى سبيل المثال وخلال 15 عاماً هاجر 5 ملايين و 400 ألف عالم وباحث وأكثر هؤلاء المهاجرين هم من الشباب، ويعود السبب الرئيسي في ذلك للعامل الاقتصادي، ولكن بالرغم من اهمية هذا العامل، ولكن نعتقد، ان كل ذلك لم ياتي صدفة، بل يمكن القول انه كان عمل مخطط وبشكل ((جيد)) من اجل اضعاف قدرة روسيا العلمية(10).
اما قطاع التعليم في روسيا اليوم، فقد حلت به فعلاً المأساة الحقيقية وطبقت فيه سياسة اللامعقول في هذا القطاع الهام، بعد ان كان هذا القطاع في ظل الاشتراكية والسلطة السوفيتية قطاعاً يحتذى به ونموذجاً رائعاً، بدليل كان الاتحاد السوفيتي يحتل المرتبة الثانية عالمياً، ولكن بسبب تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي ِإحتلت روسيا الاتحادية المرتبة 42 عالمياً فيما يخص مستوى التعليم (11). وكما يلاحظ ان روسيا قد تخلفت تخلفاً كبيراً عن بعض البلدان الرأسمالية فيما يخص في اعداد الطلبة اذا ما قورنت بعدد السكان، فعلى سبيل المثال لكل 10 الف (عشرة) الف نسمة في روسيا يقابلها 179 طالباً، في حين في كندا (229) طالباً، وفي استراليا (227) طالباً، وفي بلجيكا (224) طالباً، وفي فلندا (220) طالباً، وفي اسبانيا (187) طالباً (12). وخلال الفترة من عام 1992 حتى عام 2005 ، بلغ عدد الأميين من الاطفال الذين لم يدخلوا المدارس بـ10 مليون طفل (13) .
وتشير احصاءات منظمة اليونسكو، عام 1953، كانت روسيا السوفيتية تحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعدد العلماء الشباب، اما اليوم فحتلت روسيا الاتحادية المرتبة (40) عالمياً بعدد العلماء الشباب ، وهناك تقدبر أخر يؤكد على المرتبة 47 عالمياً. ان هذه السياسة قد تركت أثاراً سلبية على تقلص عدد الطلبة للمرحلة الأبتدائية والمعاهد المتوسطة كذلك على الماهد والجامعات ، بديل تقلص عدد المعلمين والمدرسين في الريف الروسي إلى 70 بالمئة ، وفي عام 2005 تقلص عدد المدارس الى 1000 مدرسة وخلال 5 سنوات (2001-2005) تقلص عدد طلاب المدارس من 20 مليون طالب الى 15 مليون طالب، ورجعت الأمية وخاصة وسط الشباب، بدليل ان كل جندي من اصل عشرة جنود هو أمي أي لا يقرأ ولا يكتب ، وليس غريباً من ان الراسمالية المتوحشة ان تعيد الامية والبطالة ... علماً ان الأشتراكية في الاتحاد السوفيتي قد قضت وبشكل نهائي على أخطر امراض المجتمع المتمثلة بالامية والبطالة ... منذ الثلاثينات من القرن الماضي ؟!.
رابعاً:- بعض نتائج ((الوصفة السحرية)) في ميدان الصحة والسكان
منذ عام 1992 ولغاية اليوم طبقت روسيا الاتحادية وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين. وتركت هذه الوصفة أثاراً سلبية في ميدان الصحة والسكان ، بديل تقلص متوسط عمر المواطن الروسي اليوم بـ(10) سنوات ، وبلغ متوسط عمر الرجل اليوم في روسيا 58 عاماً، بعد ان كان في ظل السلطة السوفيتية أكثر من 73 عاماً، وبسبب تدهور القطاع الصحي من خلال ابعاد دور الدولة عن هذا القطاع الهام، وقلة التخصيصات المالية، وهجرة الكوادر الطبية والمهنية، وتقادم الأجهزة الطبية، وسوء النظام الغذائي للمواطن الروسي وغير ذلك، فأن هذا أدى الى زيادة معدل الوفيات على معدل الولادات بمليون شخص في السنة ، أي ان روسيا بسبب تطبيق النهج الليبرالي المتطرف خلال الفترة (1992-2006) فقدت 14 مليون شخص، وكما تشير الدراسات الى ان اجمالي الخسارة السكانية في ظل تطبيق هذا النهج للفترة من عام 1992 حتى عام 2005 بلغت ما بين 20 الى 25 مليون شخص يشير البرفسور جازوف، وزير الصحة السوفييتي السابق، بأنه خلال عام 2004 فقط، فقدت روسيا الاتحادية (2370000) شخص بسبب الجلطة الدماغية والسكتة القلبية. وخلال الفترة (2001-2005) فقدت روسيا سنوياً (1825000) شخص، وتحتل روسيا المرتبة الأولى في العالم في عملية القتل، اذ يقتل سنوياً 60 ألف شخص وتحت ذرائع وحجج مختلفة وخلال الفترة (1995-2003) فقدت روسيا 500 ألف شخص ولأسباب مختلفة (17). اذا علمنا ان الاتحاد السوفيتي وخلال عشرة سنوات في افغانستان فقد 13 ألف عسكري بين قتيل ومفقود.
ان تطبيق النهج الليبرالي الجديد قد ترك اثاراً سلبية أخرى ومنها على سبيل المثال، الوفيات ضعف الولادات وتفشي الامراض التي تم القضاء عليها قبل أكثر من نصف قرن، حيث يوجد في روسيا اليوم 2 مليون شخص مصابين بمرض التدرن ، وتفقد روسيا سنوياً 300 ألف شخص بسبب مرض السرطان، وبسبب تلوث البيئة تفقد روسيا سنوياً ما بين 300 الى 350 ألف شخص، وتحتل روسيا الاتحادية اليوم المرتبة الثانية في العالم في ظاهرة الأنتحار اذ تبلغ عدد حالات الانتحار سنوياً بـ60 ألف حالة، منها 2500 حالة إنتحار وسط الاطفال ، وزادت نسبة الوفيات وسط الشباب وبأعمار تتراوح ما بين 15 إلى 19 سنة الى 40 بالمئة، وتبلغ عدد الوفيات وسط الاطفال سنوياً بـ70 ألف طفل، وكما تفقد روسيا سنوياً بسبب استهلاك الكحول غير الجيدة بـ54 الف شخص (18) كما افرز هذا النهج المأساوي إفرازات أخرى ومنها فيما يخص عدد العاملين في الاقتصاد الوطني ، فمن اصل 20 مليون شخص قادر على العمل منهم : 2,5 مليون عاطل عن العمل، 4 مليون يتعاطى الكحول بشكل مفرط، مليون شخص يقبع في السجون ولأسباب مختلفة، مليون شخص يتعاطى المخدرات بأفراط، أي (5ر8) مليون شخص من اصل 20 مليون هم عملياً خارج النشاط الاقتصادي، وكما يلاحظ أيضاً ان عدد الاطفال المشردين في روسيا هو اكثر من 4 ملايين طفل وتبلغ عدد حالات الاجهاض السنوية الى اكثر من 4 ملايين حالة، وحتى عام 2005 ، يوجد في روسيا 13 مليون معوق، ويتوقع ان يصل العدد الى 22 مليون معوق حتى عام 2015 ، ورجعت روسيا في إنتاج الدواء الى مستوى الأنتاج في عام 1914 ، وان 30 بالمئة من الأدوية المستوردة مزورة (مغشوشة) وتبلغ مبيعات الدواء المغشوش بـ(5) مليار دولار(19). وخلال 10 سنوات (1992-2002) تقلص عدد المستشفيات في روسيا الى 30 بالمئة، ويوجد في روسيا اليوم 406 ألف طبيب وطبيبة وهناك تقدير أخر يؤكد على وجود 667 ألف طبيب وطبيبة حتى عام 2005 (20).
ومن الأخطار الأخرى التي تواجه المجتمع الروسي اليوم وحسب تقديرات وزارة الداخلية الروسية، وخلال سنة فقط تم ((تصدير)) 15000 طفل روسي وبعمر يتراوح ما بين شهر حتى 5 سنوات ، وتم ((تصدير)) 49000 طفل الى امريكا فقط، ويشكل الأطفال الروس (المقصود من الناحية القومية) بـ 25 بالمئة من ((السلع المصدرة)) !! وقسماً من هؤلاء الاطفال يتم استخدامهم لاغراض مختلفة منها بيع اعضاء الجسم وغير ذلك، هذه هي بعض أفرازات النهج الليبرالي الجديد.
تشير الاحصاءات الرسمية دَخل الى روسيا أكثر من 10 مليون شخص بشكل غير قانوني، منهم 5 بالمئة فقط دخلوا الى روسيا بشكل قانوني، نعتقد، ان هذه السياسة هي جزء من معالجة خاطئة لمعالجة النقص في السكان وكذلك استغلالهم استغلالاً بشعاً من قبل ((القطط السمان)) في الاعمال الخدمية وغيرها مقابل دفع اجور زهيدة جداً لا تكفي إلا لسد الرمق المعيشي اليومي(21).
وحسب تقديرات الخبراء الامريكان سوف يتقلص عدد سكان روسيا حتى عام 2050 الى (118) مليون نسمة، وهناك تقدير أخر يؤكد ما بين 50 الى 70 مليون نسمة ان التناقص السكاني وخاصة من القومية الروسية ، فان خسارة كل 10 مليون شخص من الشعب الروسي ، منهم 9 مليون من القومية الروسية، أي لها حصة الأسد من هذه الخسارة السكانية . ان قبول 30 مليون شخص من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق من غير القومية الروسية، هدفه الرئيسي هو اضعاف وشل القومية الروسية سكانياً وكذلك شل دورهم وعلى مختلف الأصعدة ، وإِلا لماذا لم وتحل مشكلة 25-30 مليون مواطن روسي خارج روسيا- أي في جمهوريات الاتحاد السوفيتي، اذ فقدوا معظم حقوقهم في العمل والسكن والتعليم... وخاصة جمهوريات البلطيق؟!.
هناك ارتباط وثيق بين معدل النمو السكاني والقطاع الصحي، فكلما زادت التخصيصات المالية للقطاع الصحي، ساعد ذلك على معالجة الامراض وتوفر الدواء والأجهزة الحديثة... اضافة الى ذلك تحسن النظام الغذائي السليم كل ذلك وغيره سوف يساعد على معدل النمو السكاني وبشكل سليم ، إلا انه وفي ظل النهج الليبرالي الجديد فأن الحكومة الروسية على سبيل المثال خصصت لمعالجة تلوث البيئة 93ر0 بالمئة من ميزانيتها في حين يتطلب ذلك 4 بالمئة وفي عام 2007 خصصت الحكومة الروسية 8ر2 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي لقطاع الصحة في حين يتطلب ذلك أكثر من 5 بالمئة (22).
خامساً: وصفة صندوق النقد الدولي في ميدان السياسة الأجتماعية
يدعي صقور وصفة صندوق النقد الدولي الى ان الهدف الرئيسي من تطبيق هذه الوصفة هو إجراء الاصلاحات الاقتصادية التي تهدف الى زيادة النمو الاقتصادي وزيادة انتاجية العمل ، والعمل على معالجة البطالة وتحسين مستوى المعيشة ، وتوفير كافة الضروف والمستلزمات امام القطاع الخاص من اجل ان يلعب دوره القيادي في الاقتصاد الوطني ، وتعتبر روسيا الأتحادية احدى الدول التي طبقت هذه الوصفة السحرية، فما هي بعض نتائجها في الميدان الأجتماعي.
في عام 2006 ، بلغ عدد العاطلين عن العمل رسمياً بـ(3ر5) مليون عاطل (واقع الحال هو أكثر من ذلك وخاصة وسط الشباب...) وهؤلاء يشكلون 7 بالمئة من مجموع القوى العاملة بالمقارنة مع عام 1990 ، وتقلص متوسط الأجور لعام 2005 بـ(3ر1) مرة ومتوسط المرتب التقاعدي بـ5 مرات ، ومنحة الطالب بـ7 مرات لنفس العام.
ومن بعض إفرازات هذه الوصفة، فأن روسيا، احتلت المرتبة 70 في العالم فيما يخص مستوى تطور الانسان والمرتبة 117 فيما يخص متوسط عمر المواطن والمرتبة الخامسة في الرشوة في العالم(23). وكما إحتلت روسيا المرتبة 97 عالمياً في حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي وهي تقع بين البرازيل والسلفادور(24). وفي ظل السلطة السوفيتية ، احتلت روسيا السوفيتية المرتبة 5 عالمياً بمستوى التطور الاقتصادي – الاجتماعي للفرد الواحد، في حين أحتلت روسيا الأتحادية وحسب تقديرات خبراء منظمة الأمم المتحدة لعام 2006 ، المرتبة 62-63 عالمياً في مؤشر مستوى التطور الاقتصادي- الاجتماعي للفرد الواحد (25) .
تعتبر روسيا الاتحادية البلد الأوروبي الوحيد الذي بلغ فيها الحد الادنى للاجور لعام 2007 هو 2000 روبل (أي ما يعادل 60-63 دولار حسب سعر الصرف) وهذا يشكل 35 بالمئة من الحد الادنى الضروري للعيش وان 62,5 بالمئة من العاملين الروس يحصلون على أقل من متوسط الاجر، ويبلغ متوسط المرتب التقاعدي بـ(2877) روبل (أي مايبعادل 102 دولار) وان اكثر من 38 مليون متقاعد نصفهم يتقاضون اقل من متوسط المرتب التقاعدي (2877 روبل) و45 بالمئة من المتقاعدين مرتبهم التقاعدي يكفي للغذاء فقط، و48 بالمئة من المتقاعدين لا يكفيهم حتى للغذاء، من اجل ابعاد شبح الموت(26). اما النفقات الأخرى مثل نفقات شراء الدواء والملابس وترميم البيوت ودفع اجور خدمات التلفون والشقة... فأن هذه النفقات الضرورية أصبحت تشكل كارثة حقيقية على هذه الفئة، فنحن لا نتكلم عن السينما والمسرح وشراء الكتب والمجلات والجرائد ، فهذه أصبحت مستحيلة لهذه الفئة المظلومة التي ضحت بحياتها وقوة عملها وبنت (شيدت) دولة عظمى سياسياً واقتصادياً وعسكرياً... وهاهم اليوم قد حصلوا على العقوبة الجماعية بسبب تضحياتهم الكبيرة. فهل هذه هي ((الجنة)) الموعودة للغالبية العظمى من الشعب الروسي – أي الراسمالية؟!.

سادسا: اللامعقول في الميدان الاقتصادي- الاجتماعي- الدليل والبرهان
ان النهج الليبرالي الجديد الرافض للعدالة وللمحاسبة والرقابة القانونية والشعبية، وأدت السياسة الليبرالية الجديدة ومنذ عام 1992 ولحد الأن الى اللامعقول في كافة الميادين ، فعلى سبيل المثال وخلال الفترة من عام 1992 حتى عام 2002 ، استحوذ 100 شخص من ((القطط السمان)) وما يطلق عليهم بالأغنياء الروس على 25 بالمئة من الدخل القومي، وكما استحوذ 15 بالمئة من الأغنياء الروس على 85 بالمئة من الدخل القومي(27). وزاد عدد المليارديرية من 6 مليارديرعام 1997 الى 60 ملياردير عام 2007 (28). وليس غريباً من ان الكلفة الشهرية لأطعام كلب الأوليغارشية الروسية قد بلغ 4500 دولار، في حين ان المرتب الشهري للبروفسور الروسي يتراوح ما بين 250-300 دولار، وتشير بعض التقديرات الى ان النفقات الشهرية لقطة الاغنياء الروس هي 3200 روبل ، في حين تبلغ معونة الطفل الروسي شهرياً بـ 70 روبل(29) ؟!.
ان من أخطر نتائج السياسة الاقتصادية الليبرالية الجديدة هي تفشي الرشوة في المجتمع ، إذ أصبحت تشكل ظاهرة خطيرة ومنتشرة في جميع مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية فهي اشبه ((بمرض السرطان)) المنتشر في الجسم، بدليل بلغت الرشوة في عام 2000 ما بين 33 إِلى 40 مليار دولار، اما في عام 2005 بلغت 319 مليار دولار، وهذا أكثر من دخل الميزانية الحكومية بـ(7ر2) مرة، وزادت الرشوة خلال الفترة (2000-2005) بـ10 مرات ، وكما شكلت الرشوة في عام 2001 نسبة 11 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي ولعام 2005 نسبة 43 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي(30).
ان ميزانية الحكومية تعكس قوة ومتانة وتطور الاقتصاد الوطني، فعلى سبيل المثال في عام 1990 بلغت الميزانية الحكومية الروسيا السوفيتية بـ600 مليار دولار، في حين بلغت الميزانية الحكومية لروسيا الاتحادية 20 مليار دولار لعام 1998 ، ولعام 2000 بـ(75) مليار دولار (31).
حسب تقديرات مجلس الدوما (البرلمان) ، بلغت الخسائر المادية للشعب الروسي بسبب تنفيذ برنامج الخصخصة للفترة من عام 1992 حتى عام 2005 بـ 2تريليون دولار، أي اكثر مما خسره الشعب السوفيتي في حربه العادلة ضد النازية الألمانية للفترة (1941-1945) بـ2,5 مرة (32). وخلال الفترة من عام 1992 حتى عام 2004 تم بيع بعض مؤسسات القطاع العام والبالغ عددها (125000) مؤسسة بـ7 مليار و 200 مليون دولار، في حين قدرت قيمتها الحقيقية تريليون دولار(33). وتبلغ دورة رأس المال ((الاقتصاد المافوي)) او ((اقتصاد الظل)) في موسكو فقط بـ1 تريليون دولار(34). يشير البرفسور ف.ي بويارنيتسوف والبرفسور ل.ك. فينوما، بلغت الأموال المهربة خارج روسيا خلال الفترة من عام 1990 حتى عام 1997 بـ7تريليون دولار، اما خلال الفترة (1998-2007) فكم بلغت الأموال المهربة ؟!. اما خسارة روسيا من ((هجرة العقول)) فقدرت بـ(800) مليار دولار (35).
سابعاً: بعض الاستنتاجات وبعض المقترحات
لقد أتصف دعاة ((البيريسترويكا)) أي عملية التغيير و ((الاصلاحيين- الديمقراطيين)) من السوفيت- الروس بالتطرف السياسي والاقتصادي-الاجتماعي بدليل إنهم أنتقلوا من ((الاشتراكية المتطورة)) الى ((الراسمالية المتوحشة)) ومن المجد الى لينين وستالين والشيوعية الى مهاجمة قادتهم وبشكل فج والتمجيد لأقتصاد السوق، والأنتقال من القطاع العام الى القطاع الخاص الطفيلي ، ومما يؤكد ذلك ان الوزن النوعي اليوم للقطاع الخاص يتراوح ما بين 80 إِلى 85 بالمئة ؟!.
يدعي ((الاصلاحيين-الديمقراطيين)) الروس ان تطبيق النهج الليبرالي الجديد قد أنقذ روسيا من خطر الحرب الاهلية وخطر تفكك روسيا على غرار سيناريو يوغسلافيا، وان الدولة السوفيتية كانت غير فاعلة ومؤسساتها العامة لا تتمتع بالجدوى الاقتصادية ويعتقدون ايضاً، ان الحل الوحيد هو اعطاء الدور القيادي للقطاع الخاص في عملية التحولات الاقتصادية والاجتماعية ، لانه قطاع ناجح ويحقق معدلات نمو اقتصادية كبيرة وبالتالي يساعد على معالجة البطالة والتضخم ورفع مستوى المعيشة...!! وكما يحافظ هذا القطاع على وحدة روسيا وغيرها من الحجج.
نعتقد ، ان هذه الحجج ليست دقيقة وليس لها سند علمي موضوعي فالحقائق والأدلة والبراهين الملموسة التي تم ذكرها تؤكد عكس ذلك تماماً ، فنمو معدلات البطالة والجريمة وتفشي الرشوة، وتعمق الهوة الاقتصادية-الاجتماعية بشكل مرعب ومخيف لصالح ((القطط السمان)) وتهريب الاموال والخراب المادي الذي حَلّ بالقطاعات الأنتاجية المادية وخاصة في القطاع الصناعي والزراعي ، ونمو المافيا وهيمنة، ((الاقتصاد المافوي)) على اهم مفاصل الحياة الاقتصادية- الاجتماعية ، واشعال الحروب في شمال القوقاز... ناهيك عما حدث ويحدث اليوم في قطاع التعليم والصحة... إلادلة دامغة وموضوعية تؤكد فشل النهج الليبرالي الجديد في روسيا الأتحادية ، ونعتقد، وبسبب الأستمرار في تطبيق السياسة الليبرالية الجديدة فأن كل الأحتمالات قائمة اليوم في روسيا من تقسيمها الى ((دويلات مستقلة)) على غرار ما حدث للأتحاد السوفيتي خلال فترة حكم ميخائيل غورباتشوف وفريقه الى اشعال الحرب الاهلية.


أ- بعض الأستنتاجات
1- ان الهدف الرئيس من تطبيق وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين والتي تمت تحت مسميات عديدة، وتطبيق النهج الليبرالي الجديد، هو العمل على تفويض الأشتراكية في الأتحاد السوفيتي وتصفية منجزاتها وعلى مختلف الميادين السياسية والاقتصادية-الاجتماعية والثقافية والعسكرية... والأستحواذ على ثرواته الطبيعية وبأي طريقة كانت لصالح الشركات المتعددة الجنسية وحلفائها في الداخل من ((القطط السمان)) . إذا علمنا ان روسيا تعتبر بلداً نفطياً، وتملك 30 بالمئة من الاحتياطي العالمي من الغاز وتحتل روسيا المكانة الأول في العالم في الغابات والمياه العذبة، أي ان روسيا تملك 40 بالمئة من الموارد الطبيعية العالمية، ومن هنا ينبع هدف المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية والشركات المتعددة الجنسية من اجل تحويل روسيا الاتحادية الى بلداً مصدراً لأهم مواد الخام الاولية (نفط، غاز...) .
2- لقد اثبتت الحياة بما لا يقبل الشك الى ان المؤسسات المالية والأقتصادية الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها ما هي إلا ادوات سياسية واقتصادية منفذة للسياسة الاميركية بهدف الأستحواذ على ثروات شعوب العالم وقيادته وتوجيهه لصالح الولايات المتحدة ، وبناء رأسمالية تابعة ومتخلفة في العالم.
ان النهج الليبرالي الجديد قد فشل في خلق النظام السياسي والأقتصادي – الاجتماعي البديل والأفضل ، بل حدث العكس، فقد تفاقمت وتعمقت الأزمة في البلدان التي طبقت هذا النهج وروسيسا نموذجاً ملمومساً على ذلك، وشملت هذه الأزمة كافة الميادين، وبالتالي فأن العالم يواجه اليوم وضعاً دولياً متأزماً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً قابل للأنفجار في أي وقت وستكون نتائجه وخيمة على الجميع.
3- ان هدف الولايات المتحدة وحلفائها في أوربا ومن خلال التأثير على المؤسسات المالية والأقتصادية الدولية هو العمل على ((تصدير)) الراسمالية وبأساليب مختلفة وتحت شعارات متعددة ومنها على سبيل المثال ما يسمى بالبيريسترويكا في الاتحاد السوفيتي و ((ثورة الألوان)) كما حدث في جورجيا وأِوكرانيا.. وكذلك تم استخدام الأسلوب العسكري للتدخل في شؤون الدول وتحت مبررات عديدة.كما حدث في يوغسلافيا وافغانستان والعراق.
4- ان من اخطر الأفرازات السياسية والاقتصادية-الاجتماعية للنهج الأقتصادي الليبرالي المتوحش هو العمل على تفتيت وحدة المجتمع وخلق العشرات، بل المئات عن الأحزاب والمنظمات السياسية والمهنية ويتم مساعدة وتمويل معظم هذه الأحزاب والمنظمات من الخارج من اجل تحقيق اهداف محددة وكذلك العمل على افساد وتخريب العمل السياسي النظيف والشريف والذي يستند على ايديولوجية واضحة ومن اهم أفرازات هذا النهج هي: تعمق الهوة الأقتصادية –الاجتماعية في المجتمع لصالح النخبة الحاكمة ، وانحطاط المستوى المعاشي للغالبية العظمى من المواطنين ونمو معدل البطالة وخاصة وسط الشباب، وتنامي معدل الجريمة والمخدرات وتفشي الرشوة والأمراض وزيادة معدل الوفيات على معدل الولادات والعزوف عن الزواج ولأسباب عديدة اقتصادية وغير أقتصادية ، وعودة الأمية وهروب رأِس المال الوطني، وظهور المافيا الاجرامية التي هيمنت على اهم مفاصل الاقتصاد الوطني وخلق ((رأسمالية مافوية) طفيلية، وفقدان الأمن الغذائي وتحويل البلد الى مستهلك للسلع الأجنبية، وتنامي معدل المديونية الداخلية والخارجية واشعال الحرب ذات النزعة والطابع الطائفي- الديني-القومي، والعمل على تفتيت وتجزئة البلد وتحت مبررات عديدة.
نعتقد ، هناك سمات مشتركة بين ما حدث ويحدث اليوم في روسيا الأتحادية والعراق، وقد وضع لكل بلد سيناريو خاص به، فروسيا وضع لها سيناريو ما يسمى بالبيريسترويكا والاصلاح الاقتصادي والعراق سيناريو الاحتلال العسكري المباشر، وليس غريباً، ان معظم ان لم نقل كل افرازات النهج الليبرالي الجديد الموجودة في روسيا والتي تم ذكرها اعلاه هي موجودة والتي إتسم بها المجتمع والاقتصاد العراقي والسبب يعود (طبعاً مع الفارق الكبير بين البلدين في المؤشرات الأقتصادية والاجتماعية...) الى ان البلدان الراسمالية بزعامة الولايات المتحدة والمؤسسات المالية والاقتصادية الدولية وخاصة صندوق النقد والبنك الدوليين، قد فرضوا على روسيا والعراق ((ضرورة)) تطبيق ((الوصفة السحرية)) والنهج الليبرالي الجديد، والهدف الرئيسي من ذلك هو الأستحواذ على ثروات هذه الشعوب وخاصة (النفط والغاز...) . من اجل تصريف وانقاذ أزمة النظام الامبريالي العالمي وانقاذ اقتصاده وخاصة الاقتصاد الاميركي من الأنهيار.
5- نعتقد، لا يمكن لروسيا ان تصبح دولة عظمى من الناحية السياسية والاقتصادية-الاجتماعية والعلمية والعسكرية ... إلا في ظل الاشتراكية، وهذا ما أكدته وزكته الحياة في الواقع العملي والموضوعي، وعندما تحولت روسيا من الأشتراكية الى الرأسمالية ، أصبحت دولة ضعيفة سياسياً واقتصادياً وشبه تابعة للغرب الامبريالي وخاصة في المجال الاقتصادي. ان قسمة العمل الدولية اليوم لن تسمح لروسيا الأتحادية من ان تصبح دولة راسمالية متطورة، ناهيك عن الاعتبارات الأخرى.


ب - بعض المقترحات
اولا:- من الضروري اعطاء حق الشعوب في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي- الاجتماعي الذي تريده ، وليس اجبار وخداع الشعوب وتحت اساليب وشعارات عديدة من اجل فرض نظاماً يرفظه الغالبية العظمى من السكان، بدليل ان الشعب السوفيتي وشعوب دول أوربا الشرقية لو أتيح لهم اليوم الخيار الديمقراطي الشعبي الحقيقي والأستفتاء الحر والنزيه، فأن أكثر من 80 بالمئة يؤيدون العودة الى الاشتراكية كنظام سياسي واقتصادي – اجتماعي يحقق لهم العدالة والتقدم والرخاء والمساواة.
نقترح على قادة هذه الشعوب وغيرهم من قادة الدول النامية اذا كانوا فعلاً ديمقراطيين ويؤمنون بالديمقراطية حقاً، الرجوع للشعوب واعطاؤهم حقهم المشروع في أختيار النظام السياسي والاقتصادي-الاجتماعي على أساس مبدأ الديمقراطية الذي يلبي طموحاتهم المشروعة.
ثانياً: الأقرار بتعدد الانماط الاقتصادية وخاصة في المرحلة الأنتقالية، واعطاء الأولوية للقطاع العام في قيادة عملية التحولات الاقتصادية والاجتماعية لصالح المجتمع ويتأتى هذا من خلال تعزيز دور ومكانة الدولة في الميدان الاقتصادي والأجتماعي. ان القطاع الخاص الراسمالي غير مؤهل لتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع، ويجب ان يكون دوره مكملاً لدور القطاع العام وتحت اشراف وتوجيه الدولة.
ثالثاً: العمل على دمقرطة المجتمع من خلال بناء المؤسسات التشريعية والتنفيذية على أساس مبدأ الديمقراطية والكفاءة والنزاهة والأخلاص ، وأقرار التعددية السياسية السليمة والصحيحة وعلى اساس ايديولوجي واضح المعالم والأهداف، واقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة، ونبذ العنف والتطرف بكل اشكاله وألوانه في العمل السياسي واحلال مبدأ التعايش السلمي بين الشعوب.
رابعاً: الدعوة للعمل على تاسيس منظمات اقتصادية ومالية وتجارية... دولية خاصة بالبلدان النامية تظم الدول الوطنية والتقدمية وغيرها من الدول الرافظة لمشروع الهيمنة الأميركية ونهج القطب الواحد وتقوم هذه المؤسسات الدولية على اساس مبدأ الطوعية والديمقراطية والتكافؤ والأحترام المتبادل وتحقيق النفع والمصلحة المشتركة، والهدف الرئيسي لهذه المنظمات الدولية الجديدة هو العمل الجاد لأزالة التخلف الاقتصادي- الاجتماعي وتحقيق العدالة والتقدم الاجتماعي والرفاهية لهذه الشعوب.
خامساً: العمل على تكوين جبهة وطنية وشعبية على صعيد كل بلد، ثم على الصعيد العالمي تظم الاحزاب السياسية والمنظمات المهنية والشعبية تقوم على اساس مبدأ الأستقلالية الأيديولوجية والاحترام والتكافؤ من اجل مقاومة ما يسمى بالعولمة المتوحشة وأخطارها الخطيرة على فقراء العالم، والعمل على رفض ومقاومة كل اشكال التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية وتحت أي مبرر كان، ونبذ اسلوب تصدير ((ثورة الألوان)) سيئة الصيت التي تهدف الى بناء مجتمع رأسمالي متخلف وتابع. ان الهدف الرئيسي للجبهة الشعبية العالمية هو العمل على اقامة نظام اقتصادي-اجتماعي عالمي، عادل وخالي من الأستغلال والقهر والأذلال والحروب غير العادلة واعطاء حق الشعوب في أختيار نظامها بحرية كاملة.
سادساً: العمل على رفض ومقاومة وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين والنهج الاقتصادي الليبرالي الجديد والمطبق اليوم في عدد من دول العالم وبكل الأساليب المتاحة والممكنة ، لأن هذه ((الوصفة السحرية)) وهذا النهج، يُعدان كارثة حقيقية على الشعوب، وان النهج الليبرالي الجديد المتطرف يُعد نهجاً مأساوياً يفقر ويحرق ويذل الشعوب، ويضع شعوب العالم امام مفترق الطرق الخطيرة والكارثية.
ان الأشتراكية هي النظام الأقتصادي – الأجتماعي العادل ، وهي هدف وأمنية الشعوب الفقيرة، وهي نهاية التاريخ، أما الراسمالية هي النظام الذي يزيد الفقراء فقراً والأغنياء غنى، وبهذا الخصوص أشار كارل ماركس الى ((ان الراسمالية ذلك النظام الذي يجر الأفراد والشعوب عبر الدم والوحل والأذلال)).


ثامنا - المصادر
1- جريدة البرافدا، 18-21/11/2005 باللغة الروسية.
2- جريدة روسيا السوفيتية، 16/1/2007 باللغة الروسية.
3- انظر الجريدة الاقتصادية رقم 40، اكتوبر، السنة 2005 باللغة الروسية ، مجلة الحوار العدد 8 آب السنة 2002 باللغة الروسية ، وجريدة روسيا السوفيتية ، 6/4/2002 ، وجريدة البرافدا، 11-13/6/2002 باللغة الروسية.
4- جريدة روسيا السوفيتية، 21/7/2005 باللغة الروسية.
5- جريدة البرافدا، 25-28/11/2005 باللغة الروسية.
6- جريدة البرافدا، 7-8/6/2005 باللغة الروسية.
7- جريدة روسيا السوفيتية، 16/1/2007 باللغة الروسية.
8- جريدة البرافدا، 11-14/11/2005 باللغة الروسية، والتلفزيون الروسي 13/11/2005.
9- جريدة البرافدا، 7-8/6/2005 باللغة الروسية.
10- جريدة روسيا السوفيتية، 16/1/2007 باللغة الروسية.
11- الجريدة الاقتصادية، رقم 40، اكتوبر، السنة 2005 باللغة الروسية، وجريدة روسيا السوفيتية، 16/1/2007 باللغة الروسية .
12- جريدة روسيا السوفيتية ، 16/1/2007 باللغة الروسية.
13- جريدة روسيا السوفيتية، 8/10/2005 باللغة الروسية ، وجريدة باتريوت رقم 43، أكتوبر، السنة 2005 باللغة الروسية.
14- انظر جريدة روسيا السوفيتية، 16/1/2007 باللغة الروسية.
15- جريدة روسيا السوفيتية، 16/1/2007، جريدة باتريوت، رقم 40، أكتوبر السنة 2005 باللغة الروسية، جريدة روسيا السوفيتية 19/11/2005 باللغة الروسية .
16- جريدة باتريوت، العدد 32، آب، السنة 2005 باللغة الروسية.
17- جريدة باتريوت، العدد 32، آب، السنة 2005، جريدة باتريوت، العدد40، أكتوبر، السنة 2005 باللغة الروسية.
18- جريدة باتريوت ، العدد43، اكتوبر، السنة 2005 باللغة الروسية، جريدة روسيا السوفيتية، 16/1/2007 باللغة الروسية.
19- جريدة باتريوت، العدد32 آب، السنة 2005، باللغة الروسية، جريدة باتريوت رقم 43، اكتوبر، السنة 2005 باللغة الروسية، جريدة روسيا السوفيتية، 16/1/2007 باللغة الروسية.
20- جريدة البرافدا، 13-14/9/2005 باللغة الروسية.
21- جريدة باتريوت العدد 28، تموز، السنة 2005 باللغة الروسية.
22- جريدة روسيا السوفيتية، 16/1/2007 باللغة الروسية.
23- جريدة البرافدا، 25/8/2005 باللغة الروسية.
24- جريدة الغد، رقم 40، اكتوبر، السنة 2005 باللغة الروسية.
25- جريدة روسيا السوفيتية، 16/6/2005 الملحق رقم 67، وجريدة روسيا السوفيتية، 16/1/2007 باللغة الروسية.
26- جريدة روسيا السوفيتية، 16/1/2007 باللغة الروسية.
27- جريدة روسيا السوفيتية، 4/8/2005، الملحق رقم 71 باللغة الروسية.
28- التلفزيون الروسي، 18/6/2005، جريدة الصباح، 25/4/2007 .
29- أنظر جريدة روسيا السوفيتية، 14/7/2005 باللغة الروسية.
30- جريدة روسيا السوفيتية، 16/8/2005 جريدة روسيا السوفيتية 18/8/2005، ملحق رقم 72، جريدة الغد، رقم 36، ايلول، السنة 2005 باللغة الروسية.
31- جريدة روسيا السوفيتية، 31/1/2004 ، 12/2/2004 باللغة الروسية، جريدة باتريوت، رقم 22، حزيران، السنة 2005 باللغة الروسية.
32- جريدة باتريوت، رقم 28، تموز ، السنة 2005 باللغة الروسية.
33- جريدة الغد، رقم25 ، حزيران، السنة 2005 باللغة الروسية.
34- جريدة الغد، رقم 33 ، ايلول، السنة 2005 باللغة الروسية.
35- جريدة روسيا السوفيتية، 16/1/2007 بالغة الروسية.
بغداد
9/5/2007