الولايات المتحدة رأسمالية و إمبريالية متوحشة و تحت إدارة صهيونية!

عديد نصار
2007 / 10 / 2 - 11:35     

الولايات المتحدة رأسمالية و إمبريالية متوحشة و تحت إدارة صهيونية. إنها لم تكف يوما عن ذلك. إن إساءة استخدام السيد النمري للمنهج الماركسي تتجلى في هذه النقطة القاتلة بالتحديد. فبعد تحليل رائع في نقد الاقتصاد السياسي يفسر ماديا محطتين أساسيتين من محطات التحولات الكبرى في القرن العشرين أولاها سيادة الطبقة الوسطى في المراكز الرأسمالية بعد قمة رامبوييه انتشار قيمها الاستهلاكية و ثانيهما انقلاب الطبقة عينها على الثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي ما اوصل إلى انهيار أول مشروع اشتراكي حقيقي في التاريخ، ها هو يصنع بكلتا يديه الفخ المتفجر للمنهج الماركسي عندما يدعي إن سيادة الطبقة الوسطى في المجتمعات الرأسمالية تشكل إنقلابا طبقيا على نظامها الرأسمالي ليستنتج أن دول تلك البلدان، و أمريكا في مقدمها، لم تعد رأسمالية و بالتالي لم تعد إمبريالية ! لقد نسي السيد النمري أن طرفي الصراع الطبقي في المجتمع الرأسمالي هما طبقة العمال و طبقة الرأسماليين و أن الطبقة الوسطى ليست حاملة لأي مشروع، فهي في مندرجاتها العليا تشكل تابعا أمينا لطبقة سارقي الانتاج و في مندرجاتها الدنيا تتراوح بين الانتصار للطبقة العاملة في زمن الصعود و بين الانقلاب عليها في أيام التراجع، لذا فهي لا تمتلك القدرة على إنتاج التغيير الاجتماعي. إن انقلاب هذه الطبقة، في أي من الأنظمة الاجتماعية الطبقية، على طبقة مالكي وسائل الإنتاج لا يغير بحال من الأحوال النظام الاجتماعي القائم على الاستغلال و لا يغير في طبيعة الاستغلال السائدة. فلا يغير النظام الاجتماعي إلا الصراع الطبقي الحقيقي بين المنتجين و مالكي وسائل الانتاج. من هنا، فالطبقة الوسطى لا تستطيع ، و لا تمتلك المشروع الذي يخولها، من خلال انقلابها على رأس المال الصناعي أن تغير من طبيعة الاستغلال الرأسمالي للطبقة العاملة في هذا المجتمع. بل إن الاستغلال سيزيد و يتضاعف لأن الطبقة العاملة في هذه الحال تصبح واقعة تحت استغلالين جشعين في ظل مجتمع يستهلك أكثر مما ينتج ..... تصور !
لذا فسيادة الطبقة الوسطى في مجتمع رأسمالي على طبقة مالكي وسائل الانتاج لن تغير من رأسمالية النظام الرأسمالي ، بل تزيده شراسة و استغلالا و وحشية !
صحيح أن الطبقة الوسطى، في المجتمع الرأسمالي، تمتد من تخوم الطبقة العاملة إلى تخوم الطبقة الرأسمالية، غير أنها تعيش بطموحات الطبقة الرأسمالية و أفكارها، و عندما قيض لها أن تسود في المجتمع الرأسمالي على الرأسمال الصناعي فهي لا تنقلب عليه لتنقضه، إنما لتؤكد بشاعته و وحشيته الاستغلالية المفرطة من خلال إمبريالية فرضت شكلا جديدا من أشكال تقسيم العمل الدولي يستفيد من الظروف الناشئة عن التطور المرعب في وسائل الاتصال و القدرات العسكرية و هيمنة مطلقة لوسائل الاعلام.
هذا التقسيم الجديد للعمل الدولي يقوم على تحولات جذرية تطال البنى الاقتصادية و الاجتماعية في شتى المجتمعات البشرية تحت ضغط التفوق الاقتصادي و التقني و العسكري للإمبريالية و في غياب شبه كامل لقوى الثورة الاشتراكية كقوة موحدة فاعلة على الساحة الأممية، على النحو التالي:
1- المراكز الرأسمالية الكبرى و على رأسها الولايات المتحدة و من خلفها اليابان و أوروبا ( الدول الرأسمالية الكبرى ) حيث مراكز المال و التحكم باقتصاديات العالم و قيادة الترسانات العسكرية الكبرى، و الصناعات الاستراتيجية.
2- مناطق شرق و جنوب شرق آسيا ذات الاكتضاض البشري حيث تتركز صناعات الدرجة الثانية و ما دون في ظل تنافس عمالة يؤدي إلى خفض حاد في تكاليف الانتاج، و على مقربة من مصادر الطاقة الرخيصة و مصادر المواد الأولية الضرورية بحيث تتحول هذه البلدان إلى بروليتاريا العالم،
3- مناطق الثروات النازفة و هي بلدان البداوة و القبائل و الطوائف و المذاهب التي تقيم على بحر من النفط و الموارد ( الوطن العربي و إيران و أواسط آسيا) حيث التأسيس لاقتتال دائم بين هذه المكونات هو السبيل الأكيد لتمكين السيطرة الامبريالية و تأبيدها،
4- المناطق المحسوبة خارج التاريخ و هي مناطق إحتياط الثروات المؤجلة في أفريقيا المفخخة بعشرات الحروب الأهلية......
5- الحديقة الخلفية للولايات المتحدة ، أمريكا اللاتينية ، و لا بأس أن تنعم بشيء من الديمقراطية الآن كونها لا تستطيع إلا أن تبقى مصدرا لليد العاملة الرخيصة و للعديد من المواد الضرورية لحاجات المجتمع الأمريكي االذي يجب أن ينعم ببعض فتات الإمبريالية كرشى تقدم نظير هدوئه و استكانته و إن أمكن، دعمه للسياسات الإمبريالية حتى تأتي و كأنها انعكاس لإرادة شعبية تشهر الديموقراطية في وجه الشعوب " البربرية " أو" الدول الشمولية" أو" الدكتاتوريات" موضوع الحروب الأمريكية و الإمبريالية.
إن نجاح تقسيم العمل الدولي بهذه الطريقة يؤدي إلى:
1- تأكيد الهيمنة الاقتصادية و المالية للرأسمالية العالمية بمراكزها المعروفة و على رأسها الولايات المتحدة. من خلال قوتها العسكرية المنتشرة في كافة البحار و معظم البلدان و بواسطة اتفاقيات تلزم بلدان العالم بالتعاون القانوني و التجاري.
2- استمرار تدفق فائض القيمة من بلدان الأطراف أو المجتمعات البروليتارية في شرق و جنوب شرق آسيا باتجاه مراكز الهيمنة الإمبريالية من خلال البضائع متدنية التكلفة التي تتدفق عليها.
فالكل يعلم أن تكلفة العامل الأمريكي تعادل تكلفة ثمانين عاملا آسيويا . و مع احتساب فروقات الإدارة و أسعار الطاقة و المواد الأولية و الضرائب ، تصبح تكلفة السلعة المنتجة في أمريكا مثلا أكثر بمائة مرة من تكلفتها في آسيا! ألا يعد هذا استغلالا متوحشا للعمال؟ أو ننكر على عمال آسيا انتماءهم الطبقي بحجة أن التصنيع هبط عليهم من السماء و لم يتولد نتيجة تطور تلقائي؟؟؟
إن عرق العمال الآسيويين ينزف مع ما ينتجون من بضائع باتجاه الغرب تاركهم في شقائهم!
3- استمرار و تأبيد السيطرة على منابع الطاقة في البلدان العربية و أواسط آسيا هو المدخل الذي لا غنى عنه لتأبيد السيطرة على العالم! و لن يكون ذلك ممكنا و دائما في ظل وجود دول كبيرة حتى لو أكدت تحالفها و اعتمادها على الإمبريالية، لأن الإمبريالية لن تبقيَ نفسها في أي ظرف من الظروف تحت رحمة دول كبيرة قد تتمرد يوما. هذا ما جعل الولايات المتحدة تشن حروبها في أفغانستان و العراق و تحشد لحروب مماثلة في سوريا و إيران ثم تزرع الفتن و الفوضى و الحروب الأهلية الدامية المريعة لتجعل من إمكانية إعادة اللحمة إلى المجتمعات أمرا يلامس المستحيل. فتؤسس لكيانات طائفية و مذهبية و عرقية صغيرة متناحرة لا تقوى على الاستمرار إلا بحماية و مساعدة الراعي الامبريالي. لقد قالها كولن باول بصراحة فضة قبيل الحرب على العراق، إننا سنعيد رسم خارطة المنطقة بما يناسب المصالح الأمريكية. ثم جاهرت بها رايس عندما قالت في خضم العدوان على لبنان ، إنها آلام مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد. و اليوم ، و بعد إذكاء نار الفتن في العراق، يصدر قرار مجلس الشيوخ الأمريكي بتقسيم البلد !تجسيدا لذلك.
إن ما ادعاه السيد النمري أن الولايات المتحدة لا حاجة لها بالاستيلاء على منابع النفط لأنها كما يدعي قادرة على شراء كل نفوط العالم بأوراقها الخضراء التي تستطيع أن تطبع منها ما تشاء. هذا كلام سخيف يقصد منه التضليل و لكنه لا يؤدي الغرض منه لمدى سخفه. فمن قال إن دولة قوية تقبع على أكبر احتياطي للنفط في العالم ستظل تقبل بتلك الورقة الخضراء ما شاء لها الأمريكان أن تقبل؟
4- لا أحد ينكر و لا أحد يستطيع أن يقدر الإمكانات الضخمة التي تحبل بها القارة السمراء. لهذا فإن الامبريالية حريصة كل الحرص أن لا تمس كي تبقي عليها احتياطا مؤجلا طالما أنها اليوم بصدد أن تستفيد و بشره من النزف الحاصل لثروات العرب و آسيا. و هي بذات الحرص على استمرار النزاعات و التخلف الذي يلف القارة كي تبقى غير قادرة على استغلال ثرواتها. و ما الصراع على دارفور إلا طريقة لإبعاد قوى أخرى عن القارة و في مقدمها الصين.
5- إن استمرار تدفق المال المنهوب باتجاه المراكز الإمبريالية يؤدي إلى تحولات كبرى في المجتمعات الغربية حيث ترتقي الطبقات باتجاه الأعلى فتنحسر الطبقة العاملة و تحصل على الكثير من الضمانات و التأمينات و ترتقي الطبقة الوسطى بكافة شرائحها ما يعزز وضع النظام و يجعله أكثر قدرة على إدارة معاركه. من هنا نلحظ تزايد قوة الاتجاهات اليمينية في تلك المجتمعات و اضمحلال أي دور لقوى يسارية أو عمالية.
لم تعد المجتمعات تعيش في أطر تعزلها عن بعضها و تترك لكل منها إمكانية لتحاشي الهيمنة الإمبريالية. فعندما يرى السيد النمري أن معظم المجتمعات في بلدان المراكز الرأسمالية تتحول إلى طبقة وسطى عليه أن يرى كيف أن معظم مجتمعات العالم الأخرى تتحول إما إلى بروليتاريا العالم ( شرق و جنوب شرق آسيا ) و إما إلى مجتمعات قتال دائم ( أواسط آسيا و إيران و البلدان العربية ) و إما إلى مجتمعات مهمشة تقف على فوهات براكين حروب أهلية ( أفريقيا ).
و إني على يقين أن الولايات المتحدة الرأسمالية و الإمبريالية على استعداد لتخوض المزيد و المزيد من الحروب المباشرة أو بالواسطة من أجل تكريس هذا التقسيم الدولي للعمل و لو أدى ذلك إلى مقتل مائة ألف من جنودها النظاميين و المرتزقة و إلى خسائر مادية بترليونات الدولارات. فلا قيمة لكل هذا عند الإمبرياليين أمام استمرارية و وحشية نظامهم الرأسمالي.
بل أكثر من ذلك، إن الإمبرياليين على استعداد لتمزيق الولايات المتحدة نفسها إلى دويلات صغرى إذا رأوا أن ذلك يخدم استمرارية هذا النظام.

في صهيونية الإدارة الأمريكية:

" ويقول رفيقنا "الشيوعي" أن الطبقة الوسطى التي انقلبت على الطبقة الرأسمالية وأصبحت طبقة رأسمالية استعمارية هي طبقة صهيونية في الجوهر !! لنا أن نسأل رفيقنا "الشيوعي".. هل الصهيونية نمط من أنماط الإنتاج لم يكتشف حتى الساعة؟ " ( فؤاد النمري: العداء الكاذب لأميركا و إسرائيل)
إن ما قلته بالحرف هو:
" أوليس للحركة الصهيونية أسس إقتصادية؟ أوليست التعبير السياسي الأكثر فضاضة للطبقة الوسطى البرجوازية في المجتمع الرأسمالي؟؟؟؟ ألم تصدر الحركة الصهيونية من بين ظهراني أرباب المال من اليهود في الأساس ؟ ثم، جميعنا يعلم من موّل الحروب الإمبريالية لقاء وعود كوعد بلفور و غيره. إنّ الحركة الصهيونية هي الحركة الأبرز و ربما الحركة الوحيدة الناشئة عن الطبقة الوسطى الرأسمالية بمشروع سياسي له امتداده العالمي بدءً بفلسطين وصولا إلى قمة الإدارة الأمريكية." ( عديد نصار: الطبقة الوسطى و أمريكا و الصهيونية)
إنه منتهى الاستهزاء بالقارئ ! من قال أن الصهيونية تشكل طبقة اجتماعية؟ إنها حركة سياسية ذات مشروع سياسي نعم ناشئة عن الطبقة الوسطى و ليس عن غيرها. فالصهاينة بالأساس لم يعملوا إلا بوسائل إنتاج الطبقة الوسطى : مال، تأمين، إعلام، تجارة، خدمات أخرى ... ثم عندما أقول " طبقة وسطى رأسمالية أعني الطبقة الوسطى التي تعيش في إطار النظام الرأسمالي لا الإقطاعي مثلا. ثم إن الطبقة الوسطى تنسب إلى النظام الاجتماعي الذي تنتمي إليه. إنها لا تعيش منفردة في فضاء ! إنها، في ظل النظام الرأسمالي تحمل فكر و طموحات الطبقة الرأسمالية لا الإقطاعية أو غيرها...
إنه نفس الأسلوب الذي يعتمده السيد النمري في التضليل و الخداع!
نعم إن الحركة الصهيونية استطاعت في غضون بضعة عقود و بالتحالف مع متصهينين من أصول مختلفة في أمريكا، من بينهم المحافظون الجدد استطاعت أن تهيمن على الإدارة الأمريكية في مجالي الدفاع و السياسة الخارجية بعد أن تمكنت من الهيمنة على قطاعات المال و الإعلام. إن الإدارة الأمريكية اليوم تعمل تحت إشراف أعداد من الصهاينة يمسكون بكافة مفاصل القرار الأمريكي و يسخرون السياسة الأمريكية الدفاعية و الخارجية لأهدافهم الإمبريالية. فبعد أن كانت الصهيونية الحليف الأقرب للإمبريالية تحولت اليوم إلى الوجه الأبشع لها. إن السياسة الأمريكية اليوم تجاه الكيان الصهيوني و الصهاينة عموما تكاد تكون صهيونية تماما. نعرف ذلك من إلغاء قرار الجمعية العامة الذي يساوي الصهيونية بالعنصرية و من التقديس للهولوكوست الذي أصدرت الأمم المتحدة قرارا بشأنه بإيعاز و ضغط من أمريكا. ليس ذلك فقط، فالإدارة الصهيونية لأمريكا لا تزال تغطي كل الإرتكابات الصهيونية بحق الشعبين الفلسطيني و اللبناني و ما يقوم به الكيان الصهيوني من مجازر تطال مراكز و قوات الأمم المتحدة مرات عدة. فليتفضل السيد النمري و ليقل لي ماذا كان سيحصل لو أن حزب الله ارتكب حماقة و قصف أحد مراكز الأمم المتحدة في جنوب لبنان إبان العدوان الصهيوني؟ ثم، ألا يتنافس العديد من أركان الإدارة الأمريكية و بصلافة في التعبير عن دورهم في جعل السياسة الأمريكية تصب في دعم الكيان الصهيوني و حمايته و الحفاظ على تفوقه؟
إن إساءة استخدام المنهج الماركسي بالشكل الذي يروج له السيد فؤاد النمري يفرغ الماركسية من كافة مضمونها النضالي و يحيل الصراع الطبقي على التقاعد! فأي عامل أو مستغل أو مضطهد سيؤمن بعد كلام هذا السيد بصراع طبقي سيكون وقوده حتى إزالة كافة أشكال القهر و الاستغلال؟
إن مواصلة النضال على طريق وحدة الحركة الشيوعية استنادا إلى أسس المنهج الماركسي و ثوابته المادية خيار لا بد منه بدءً من رؤية شيوعية موحدة وصولا إلى وحدة الموقف و التنظيم. فانكشاف العالم للوحش الامبريالي لا يمكن أن يرد عليه إلا بوحدة الحركة الشيوعية و التي عليها أن تلتزم وحدة الطبقة العاملة العالمية و من ورائها كل المضطهدين في عملية الصراع المديد وصولا إلى هزيمة الامبريالية في عقر دارها مرة واحدة و إلى الأبد، لتزيل بعدها كل أشكال الاستغلال و التمييز و القهر.