من الإمبريالية إلى العولمة

جورج لبيكا
2007 / 8 / 25 - 09:14     

يقول لنا لينين، إن كتاب "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية-محاولة للتبسيط" الذي سيظهر سنة 1917 كان قد كتبه في ربيع 1916 وكان استجابة لحاجة ملحة، وهي ضرورة التفكير في طبيعة الحرب العالمية الجارية من أجل إبراز خصائصها ومن ثمة تحديد موقف الاشتراكيين منها. إن تلك الحرب مرتبطة بالمرحلة الجديدة التي وصلت إليها الرأسمالية، إنها إمبريالية وتمثل ظروفها الموضوعية "تمهيدا للثورة الاشتراكية"، هذه هي الأطروحة التي يدافع عنها، وهي في الآن نفسه اقتصادية لأنها تقرّ بأن الإمبريالية هي نتاج لتطور الرأسمالية وليست "سياسة" قد تكون متعارضة معها وهي سياسية كذلك بما أنها تندد بالاشتراكية الشوفينية المنضمّة إلى البرجوازية لأنها لا فقط تخون الاشتراكية بل وتظهر عاجزة عن فهم أن الحرب يمكن أن تمكّن البروليتاريا من فرصة لتحقيق النصر.

إن هذا التحليل يقصي كل حيادية، بل هو على العكس من ذلك يشخص "فصل الاشتراكية" وذلك بجعل الإصلاحيين الذين يمثل الوجه المعروف كارل كاوتسكي زعيم الاشتراكية الديمقراطية الألمانية ومفوّض أنجلز رمزا لهم، في تعارض مع التيار الثوري الذي تعبّر روزا لوكسمبورغ عن مبدئيته على الرغم من بعض ثغراتها.

إن نظرية الإمبريالية تشكل نقطة تمفصل لنضال متعدد الأشكال إيديولوجي واستراتيجي سيبلغ أوجه مع ثورة أكتوبر. وهذا يعني أنها تضم في رزمة واحدة مجمل تدخلات لينين سواء منها المتعلقة بنوعية الحروب وبالمسألة القومية وبحق الأمم في تقرير مصيرها بنفسها أو المتعلقة بشروط الثورة الاشتراكية و"الديمقراطية الكاملة" أو المتعلقة بـ"الحزبين" الذي يشقان العالم والأممية. "من نافل القول إنه من غير الممكن أن نطلق حكما تاريخيا ملموسا على الحرب الحالية دون أن نبني هذا الحكم على كشف كامل لطبيعته الإمبريالية، في بعديها الاقتصادي والسياسي في نفس الوقت" إن جورج لوكاتش هو الأول الذي سيؤكد سنة 1924 أن : "تفوق لينين يكمن في ما يلي : قدرته-وهو ما يعتبر عملا نظريا باهرا لا مثيل له- على الوصل الملموس والتام بين النظرية الاقتصادية للإمبريالية وجميع القضايا السياسية الراهنة، وعلى جعل مضمون الاقتصاد في هذه المرحلة الجديدة الخيط الموجه لكل الأنشطة الملموسة في عالم منظم بهذا الشكل".

إن تواضع العنوان الفرعي للكتاب : "محاولة للتبسيط" لا ينبغي له أن يجعلنا نقلل من الجهد العظيم الذي ثابر عليه لينين لإعداده. وقد تمّ تدوين ذلك في "كراسات عن الإمبريالية" التي كرست لها الصفحات التسع مائة للمجلد 39 من الأعمال الكاملة والتي لا تغطي إلا الفترة الممتدة بين 1915 و1916. إن كراسات الملاحظات تلك، المرقمة من البداية حتى النهاية والمدعمة ببعض الكراسات المبحثية (مثلا "الماركسية والإمبريالية" أو "معطيات حول فارس" ) وبـ"ملاحظات متنوعة" تتضمن مختارات مشروحة من 150 مؤلفا و240 مقالا نشرت في 49 دورية مختلفة بالألمانية والفرنسية والإنجليزية والروسية وتضمنت أيضا قوائم فهرسية تم وضعها أساسا انطلاقا من أصول كتبة زوريخ التي كان لينين يتردد عليها حينذاك باستمرار . فعلى مرات عديدة عمل فيها لينين على إعداد تخطيط الإمبريالية، أعلى مراحل ..." وذلك تخطيط "الإمبريالية وحق الأمم..." وتخطيط "الإمبريالية وانفصال الاشتراكية" فقام بفحص كل ما له علاقة بالاتحادات الاحتكارية (TRUST) (الكهرباء، النفط، الفحم الحجري، الحديد، السينما...) والنزاعات التنافسية على السيطرة والبنوك ومختلف الإمبرياليات والنظام الاستعماري. وقد اهتم خصوصا بكتابين مثــّلا مصدريه الأساسيين ـ كتاب ب ج أ هوبسن "الإمبريالية" وقد ظهر في لندن سنة 1902 وأفردت له كراسة رقم 5 أطول مختصر له (من ص 421 حتى ص 455) فاستخرج منه بصفة خاصة أمثلة على "الطفيلية" أنقلترا قامت بالحرب في الهند عن طريق السكان الأصليين (ص 435) واحتفظ منه بأن الدولة المهيمنة تعمل على إفساد الطبقات السفلى لتبقى هادئة أو بأن "السلالات البيضاء" تتخلص من العمل وتتصرف "مثل أرستقراطية عالمية لاستغلال السلالات السفلى"( ص 437) أو بأن "الصين بإمكانها أن تنهض" (ص 446) وسجل أن رأس المال ينجح في تحقيق تعاونه الدولي بسرعة أكبر مما يحققه العمال (ص 447)، أو أن انعدام المساواة بين البلدان هي ورقة رابحة بين يدي المهيمن عليها (ص 449)، ولكن كتاب الماركسي ر.هيلفردينق "الرأسمال المالي" الذي ظهر سنة 1912 بموسكو كان الأقرب إلى لينين والأكثر خدمة له لأنه يحيل عليه باستمرار.

وإذا كان لينين يوافقه خصوصا على هذه الخلاصة أو تلك مثل "إن جواب البروليتاريا على السياسية الاقتصادية للرأسمال المالي على الإمبريالية لا يكون بحرية التجارة بل فقط بالاشتراكية" (ص 349) فإنه بالمقابل لا يتغافل عن التوقف عند "العيوب" التي ستتولى "إمبرياليته" هو إصلاحها. ومنها على سبيل المثال : الخطأ النظري المتعلق بالمال وتجاهله التام تقريبا لتقسيم العالم وتجاهله للعلاقة المتبادلة بين الرأسمالية المالية والطفيلية وبين الإمبريالية والانتهازية" ويعود لينين أيضا في علاقة باهتمامه المركزي بالإمبريالية إلى بعض كتابات ماركس وأنجلز المتصلة بأوروبا أو روسيا أو المسألة القومية أو الأممية أو الكومونة أو ايرلندا" وبطبيعة الحال من بين الماركسيين الذين دقق في نصوصهم لينين كان هناك كاوتسكي الذي أفرد له قسما خاصا به وذلك بإعداده لتخطيط الكراسة التي سيكرسها له وهو يقول إن كاوتسكي يقدم خدمة متمثلة في "تعرية بطلان الكاوتسكية الجوهري" في مسألة الإمبريالية (ص 113). فكاوتسكي يرتكب خطأ مزدوجا فهو من جهة يعتقد أنه بالإمكان مواجهة نهب الاحتكارات البنكية والقمع الكولونيالي بـ"رأسمالية نظيفة وسلمية" وبعبارة أخرى بـ"إصلاحية برجوازية صغيرة من أجل رأسمالية شديدة النظافة وشديدة الإتقان ومعتدلة ومنظمة" (نفس المصدر) تكف حينئذ عن أن تعتبر الإمبريالية مرحلة اقتصادية (نفس المصدر ص 277)، وهو من جهة أخرى ومن خلال أطروحته حول ما فوق الإمبريالية يكرّس الوهم بمستقبل آمن بفضل وحدة الرأسماليين.

لنكتف هنا بإبراز تكامل منهج لينين في العمل. إنه لا يختلف في شيء عن ذلك الذي أنجزه قبل بضع سنوات أثناء إعداده لكراسته ص"الدولة والثورة" لقد كتبت عنه : "النشاط التطبيقي: النضال ضد الحرب أثناء مؤتمرات زيمروولد وكينثال. النشاط النظري : أطروحات حول حق الأمم في تقرير مصيرها بنفسها وحول الاشتراكية والحرب وحول إفلاس الأممية الثانية وحول الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، النشاط الجماهيري والنشاط المكتبي : إن هذا الداعية هذا المناضل لهو قراض مكتبات يحبر كراسة تلو أخرى من ملاحظات مطالعاته...

التحليل الملموس للواقع الملموس : ففيما هنا تصنع الممارسة السياسية اللينينية الأدوات العلمية لتغيير العالم بالمعنى الدقيق جدا للكلمة، حيث نكون جميعا ملتزمين دائما فإن قعقعة أسلحة أخرى في أماكن أخرى قعقعة تفضح العنف الملازم لعلاقات الإنتاج الرأسمالية و تجرف الحركة العمالية نفسها وتصيب أفضل رموزها بالعماء" كان هذا، أصلا، درس "رأس المال".

ولابدّ أخيرا من توضيح يجنبنا الوقوع في خطأ صار كلاسيكيا. إن كلمة "أعلى" الموجودة في عنوان مؤلف لينين لا ينبغي أن تفهم أنها تعني "آخر" أو "نهائية" بالمعنى الأنطلوجي لنقل أي المرحلة التي لا يوجود بعدها تطوّر. إنه يعني فقط "معاصرة" أو "راهنة" وقد أوضح ذلك الكاتب بنفسه في مرات عديدة. فعندما فكر في العنوان كتب "الإمبريالية أعلى المراحل (المعاصرة) للرأسمالية" (كراس ب. ص 206) وقال في موضع آخر "الراهنة المعاصرة في مرحلتها المعاصرة" ص 236. وهو يكرر فعليا العنوان الفرعي لـ"رأس المال المالي" : "الطور الأكثر حداثة لتطور الرأسمالية" ص 345. وسنرى أن العولمة بهذا المعنى يمكن اعتبارها في نفس الوقت منتمية إلى المرحلة الإمبريالية أو ممثلة لتعبيرة جديدة فيها. ولقد ذكر لينين تعبير "الإمبريالية الجديدة" ليصف الفترة التي كان بصدد تحليلها أثناء نسخه لجملة هوبسون : "تختلف بنظرية وممارسة لإمبراطوريات متنافسة توجه كل واحدة منها نفس الطموحات في التوسع السياسي وفي الربح الاقتصادي وثانيا في أنها تسجل سيطرة المصالح المالية أو المتعلقة باستثمارات رؤوس الأموال"، وقد علق عليها لينين بـ"لاحظ جيدا : فرق بين الإمبريالية الجديدة والقديمة" وقد وضح تسلسلها التاريخي متبعا هذه المرة كتاب أ.أولبريشت "القوة العالمية والدولة القومية (التاريخ السياسي 1500-1815) : ماتت الإمبريالية القديمة في سانت هايلان مع نابليون، أما الجديدة فتوافق إنشاء بريطانيا العظمى لإمبراطورية عالمية جديدة تقود بقية الأمم وتؤدي إلى المزاحمة الاقتصادية مع بقية الشعوب.

فما هي أهم السمات التي تميز الإمبريالية حسب لينين ؟ إن الرسم الأكثر وضوحا الذي قدمه لينين عنها في "الإمبريالية وانشقاق الاشتراكية" يمكن أن يكون بمثابة الشبكة المساعدة على قراءة النصوص الأخرى. وهذا أهم ما جاء فيه :

1- إن الإمبريالية هي مرحلة تاريخية خاصة في الرأسمالية هي مرحلة الرأسمالية الاحتكارية التي تتجلي في خمسة أطوار رئيسية :

أ‌- الكارتيلات، النقابات (الأعراف) التروستات التي هي نتاج لتمركز الإنتاج

ب‌- البنوك الكبرى

ت‌- الاستحواذ على مصادر المواد الأولية من قبل التروستات والطغمة (الأوليقارشيا) المالية، لاحظ جيدا : رأس المال المالي = رأس المال الصناعي المحتكر + رأس المال البنكي

ث‌- التقسيم الاقتصادي للعالم الذي تقوم به الكارتيلات الدولية، لاحظ جيدا : عوّض تصدير رؤوس الأموال تصدير البضائع الذي هو خاصية الرأسمالية غير الاحتكارية.

ج‌- انتهاء التقسيم الإقليمي (أي المستعمرات) للعالم

لنضف أن الإمبريالية تاريخيا اكتملت ما بين 1898 و1914 (العلامات الدالة هي : الحروب الإسبانية-الأميريكية لسنة 1898 والأنقلو-بوورية ما بين 1899و1902 والروسية-اليابانية ما بين 1904 و1905 والأزمة الاقتصادية الأوروبية سنة 1900.

2- إن الإمبريالية هي رأسمالية طفيلية أو متعفنة

لاحظ جيدا : إن هذه الألفاظ المختلفة عن الأولى (كراسات فلسفية 1) من حيث أنها تعبر في الظاهر عن حكم قيمي هي مع ذلك ألفاظ اقتصادية أيضا ولكنها تظهر مسبقا استنتاجا سياسيا للتحليل فلدينا ما يلي :

أ‌- إن البرجوازية الإمبريالية رغم النمو السريع في كثير من الأحيان لبعض القطاعات الصناعية هي متعفنة لأنها انتقلت من جمهورية وديمقراطية كما كانت سابقا (في طور رأسمالية المزاحمة الحرة) إلى برجوازية رجعية.

ب‌- تشكل شريحة كبيرة من أصحاب الدخل يعيشون من "مجتزآت قسائم الدفع la toute des coupons

ت‌- تصدير رؤوس الأموال الذي هو "طفيلية جلية Parasitisme carré

ث‌- إن الارتكاس (التراجع) السياسي هو خاصية الإمبريالية، إنه أساس الارتشاء والفساد وهي تنتج "قبعات خفيفة من كل نوع" (كناية عن ستر الفساد : المترجم)

ج‌- استغلال الأمم المضطهدة : فالعالم "المتمدن" يعيش طفيليا على كاهل العالم غير المتمدن

لاحظ جيدا : إن هذا ينطبق أيضا على شريحة موسرة من البروليتاريا في أوروبا.

3- إن الإمبريالية هي رأسمالية مختصرة تؤشر إلى الانتقال نحو الاشتراكية وذلك بسبب مشركة العمل التي قويت أكثر مما كانت عليه في الرأسمالية .

لنحتفظ أيضا ببعض الخطوط :

- الإمبريالية هي نتاج حتمي لتطور الرأسمالية. لدينا إذن :

رأسمالية= منافسة حرة=ديمقراطية

إمبريالية=احتكارية=رجعية

فلنسجل الرابطة الحميمية بين الرسمين الاقتصادي (وضع قوى الإنتاج) والسياسي (طبيعة العلاقات الاجتماعية) وهي الرابطة التي بالنظر إلى ذلك تبرز هذا الحدث المتمثل في وجود تناقض ما بين الإمبريالية والديمقراطية.

وقد استنتج لينين بنفسه من ذلك ما يلي : إن الفصل بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية هو فصل غير علمي، ذلك أنه في كل الأحوال تكرّس الإمبريالية انتصار الرجعية.

"إن الإمبريالية هي البنية الفوقية للرأسمالية : نجد هي الصياغة التي استعملها لينين في "تقرير عن برنامج الحزب" (19 مارس 1919). وهاهو معنى البرهنة : إن لينين وهو يستعيد حكم ماركس عندما صرّح بأن المانيفكتورا كانت بنية فوقية للإنتاج الكمي (رأس المال ، الجزء 1)، يعرض ثلاثة مقترحات :

1- أنه لا وجود لإمبريالية دون رأسمالية قديمة

2- أنه مع انهيار الإمبريالية "تتعرى الأسس"

3- أنه ينبغي بالتالي قراءة حساب لـ"سرداب هائل لرأسمالية قديمة"



لقد عمل لينين بنفسه على توضيح هذه البرهنة في حالة روسيا منذ "تطور الرأسمالية في روسيا" وحينما كان يحلل تشابك مختلف أنماط الإنتاج باعتباره السمة المميزة للبنية الاقتصادية للبلاد. ومن ناحيته يأتي لفظ "البنية القومية" لتخصيص (لتعيين) طبيعة الإمبريالية التي كما كتب هنرى لوفافر "مثلما هي شكل للرأسمالية (عنصر اقتصادي) فهي في الآن نفسه شكل من النشاط الطبقي للبرجوازية (عنصر اجتماعي) وشكل للدولة (عنصر سياسي)، كل ذلك من غير انفصال"

لن ننكبّ هنا (لأن الأمر يتعلق بمسألة أخرى) على عرض المناقشات العديدة التي تمت في تلك الفترة حول سمات الإمبريالية وحول تعريفها. فبين الماركسيين لوحدهم لم تكن الاختلافات قليلة حتى في صلب "اليسار" مع بوخارين الذي قسا عليه لينين بالرغم من أنه كان قد وضع له مقدمة كراسته أو مع روزا لوكسمبورغ حول ما قالته في "تراكم رأس المال" ولو بطريقة غير مباشرة أو مع أنتون باناكوك الذي "يسيء طرح موضوع الإصلاحية.

إن تساؤلنا عن راهنية الأطروحات وذلك خارج إطار السحر المثمن للإجابة التي يتوقعها القارئ، فالعولمة بالنسبة إلينا لا تعدو أن تكون شيئا آخر "سوى الإمبريالية الجديدة التي وصلت إلى مرحلة راقية من التطور عند لينين مع أن ذلك لا يثير كراهية كل المحتقرين الطلائعيين الذين يعتبرون كل لغة لا تعكس خضوعها للنظام المهيمن بالما قبل تاريخية.

إذ يجب الاعتراف بأنها مفردات تكون قدرتها في فهم الواقع غير فاقدة للنجاعة وينجر عن ذلك بأن الإمبريالية التي ستثمر شبكة مفهومية "كالرأسمالية، الاستغلال، الملكية، الطبقات، الصراع الطبقي، الديمقراطية الاجتماعية والتغيير الثوري مكّنها من المحافظة على معناها وإن كان التماثل والتشابه بين هذه المفاهيم يترجم عن نفس الماهية فإنهما لا يشكلان عيبا. وبالنظر إلى جملة الملاحظات السابقة يمكننا أن نقدم بعض الإضافات الجديدة اعتمادا على حيوية النقاشات الدائرة اليوم حول تعريف العولمة. والفترات التي مرت بها يحيل بالضرورة إلى جملة الحجج المصاحبة لها منذ بداية القرن ذلك أن الاعتراف بالإمبريالية : أي بعلاقاتها مع الرأسمالية سماتها المحددة تبادل بين الاقتصادي والسياسي ، أشكال المنافسة،ظهورها في السنوات 60 وهو ما أدى بالبعض إلى رفض كل أصالة خاصة بامتداد ظاهرة الرأسمالية سواء كان ذلك عاجلا أم آجلا.

بيد أن السوق العالمية تتداخل مع الحدث الخاص بعلاقات الإنتاج الرأسمالية وهو ما أثبته كل من ماركس وأنجلز في البيان الشيوعي على اعتبار وأن ماركس قد بين في كتابة رأس المال "بأن الإنتاج الرأسمالي يؤدي إلى خلق السوق العالمية" وإن كانت نشأة هذه الأخيرة تمثل احدى السمات المميزة للرأسمالية.

وعلى ذلك فقد أكد ماركس فيما يخص هيمنة الرأسمال المالي بأن "العلاقات الرأسمالية تدرك شكلها الأرقى بفضل الرأسمال الهادف إلى تحقيق المصلحة" ولنفترض بأن A-A أي ما يسمى بالأصنام الآلية أو بصورة أدق "القيمة التي توضع في قيمة أخرى مثلما أن المال يوجد المال"

ومن ثمة فالمال يكتسب القدرة على خلق القيمة ليعطيها بعدا نفعيا (وتلك هي المخادعة الرأسمالية في شكلها الأكثر شراسة) ومع ذلك فإن خصوصية هذه الإمبريالية الجديدة لا يمكن أن تسيء تقديرها مهما كانت الفوارق الحافة بتعريفاتها وبالفترات التي مرت بها.

وبدون شك فإن السمات الأساسية التي توصل إليها المنظرون الأوائل هوبسن، هارلفردينق ولينين قد وقع متابعتها وإن ركزوا على الترابط المتسارع لثلاثة ظواهر جديدة وهذه الظواهر تتحقق أساسا في هيمنة الرأسمال المالي/التحولات التكنولوجية وتحديدا في مجال الاتصال والمعلومات وسقوط الدول الشيوعية.

ومن هنا فإن سيلان رؤوس الأموال قد لعب دورا هاما منذ بداية القرن إلا أنه قد أفضى إلى اندماج جاهز يسمح للمحتكرين في اعتبار العالم بوصفه حقلا شاملا يخدم مصالحهم وبصورة أدق فإنهم يهيمنون عليه بواسطة المؤسسات العالمية الخاضعة لرقابتهم وهذه المؤسسات تضطلع بوظيفة الهيمنة العالمية (البنك العالمي ، FMI , OMC ) ولهذا فإن نهاية كل منافسة بين الكتل المتضادة قد ترك المجال مفتوحا أمام القوة الهائلة للولايات المتحدة الأمريكية التي تمارس هيمنتها في كل المجالات الاقتصادية والعسكرية والاستراتجية السياسية والقانونية والعلمية والتكنولوجية واللغوية والثقافية مما يقيم الدليل بأنها قد تتميز بقدرة مطلقة لم تدركها أي دولة أخرى من قبلها أو لنقل بأن الولايات المتحدة الأمريكية قد احتلت المكانة والدور الذي كانت تضطلع به بريطانيا العظمى.

ولمحاولة الكشف عن دور هذه الأخيرة فإن لينين قد توقع تحول السلطة عندما لاحظ في سنة 1915 "بأن الولايات المتحدة تجسد الدولة الطلائعية للرأسمالية الحديثة وبالتالي فإن هذه الدولة قد مثلت النموذج والمثال لحضارتنا البرجوازية من خلال العديد من العلاقات"

وبالاستناد إلى هذا الاختلاف فإن الإمبريالية تدخل في منافسة مع هذا الثالوث الذي يكمن في الولايات المتحدة، أوروبا، اليابان على أن العلاقات التي تحكم هذه الدول ليست علاقة مساواة وإنما هي علاقة تبعية أي تبعية الأصغر للأكبر وبالتالي فإن الإفراط في القوة المهيمنة لا تمثل إلا إخضاعا وإذلالا بشكل تام. وهكذا فإن العولمة تتطابق مع الأمركة أو بالأحرى ذلك هو الخطأ بالنسبة لبربرية الدول الموحدة وبالنسبة لهذا الفصل سنحافظ على نسيان الأنظمة السياسية والأديولوجية الخاصة بالتمثلات التكميلية ، إذ نكتفي ببعض الملاحظات المختصرة لأن العديد من الأشياء قد أصبحت واضحة على اعتبار وأن الليبرالية قد تغنت بنصر كانت أيامه معدودة منذ سقوط جدار برلين.

وبالنسبة للأول هناك ثلاثة عناصر أخذها بعين الاعتبار:

أ‌- إن رد الفعل الذي يبقى بعيدا ولكن يكون بواسطة ملاحظة تراجع السلطة الدولية يجعل الدولة في خدمة حاجيات الشركات المتعددة الجنسيات إذ أن الأمر يتعلق هنا بالخوص بالمرونة وبالتحويل من خلال ثوابت تحقيق المهام والتمشيات وذلك بالتخلي عن السيادة الضرورية لصالح التجمعات الاقتصادية (المنافسة) والسياسية (الاتحاد الأوروبي) وعلى ذلك فإن تحطيم المصالح العامة ولكن بالتوازي مع تدمير قانون الشغل وشطب كل أشكال الاستغلال الثقافي "ذات الاسثناء الفرنسي" وخاصة في نطاق المادة السينمائية.

ب‌- ان انضمام الديمقراطيات الاجتماعية وحديثا الأحزاب الشيوعية الى النظام الرأسمالي من أﺠل المحاﻓظة على المكاسب اﻹجتماعية التي وقع تكريسها دون الأﺨﺫ بعين اﻵعتبار البحث في اتفاق المواطنين.

ت‌- إن الإخفاق الناتج عن انحلال الحركات الثورية (العمال+الشيوعية) بالنظر لاصطدامها المضاعف بالعولمة من ناحية (ص 20) وسقوط الحزب الشيوعي الذي لا يبدو وأنه يسمح بمهاجمة الشيوعية كما هو الحال في السنوات 15-16 وإن كان يعلن عن موت الأمل.

وفيما يخص الثاني "أي الأديولوجي " فإنه يضع في المقدمة الديمقراطية بوصفها نموذجا بالنسبة لدول أوروبا الغربية التي تعلم بأنها تتماثل (تتطابق) مع السوق والخطاب الحقوقي "دولة القانون" و"حقوق الإنسان" و"القانون الدولي".

وحديثا تزيين "حق التدخل" الذي يكمن هدفه في ترسيخ ظهور TINA وفي الخضوع إلى قدرة الليبرالية الجديدة. إن عيوب هذا الشيء لا تعدو أن تكون إلا إجابة عن الإحجام السياسي، وهذه الإجابة هي إجابة وطنية ودينية من أجل عدم الاعتقاد في الخواء اليومي للامساواة التي لا تدخر أي مجهود لتخصيص جزء هام من الدخل للتعليم والصحة.

وبكل وضوح إن الهبات التي تلتحق بكل شيء لها منحى آخر وهذا المنحى يتعين في العولمة التي تؤمّن لنا بكيفية افتراضية تحقيق النمو بالنسبة للجميع، احترام الاختلافات، التنمية الاجتماعية، الإدراك الحر للمعلومة والتجوال دون حواجز داخل "القرية الكونية" إلى درجة أن دفعت بالبعض إلى التفكير في نواياها السيئة والطيبة ليحتفظوا بها في النهاية كخيار.

ولذلك فإن الراهنية بمعنى الإمبراطورية التي نجد صورتها في روما كما هو الحال بالنسبة للإمبريالية الجديدة في عصرنا الراهن.

ويبدو أن الدرس يتدرج بلا انقطاع في البداية، في الأثناء وفي النهاية ، وليس من المؤكد أن Zbigmew Brzezinsti الذي يأكل القطع بكبرياء السيد الذي يتوقع دائما العكس إذ حتى التبر الذي يتهاطل من السماء يتعين "في سقوط الاتحاد السوفياتي الذي يساهم في الصعود السريع للولايات المتحدة الأمريكية بوصفها القوة الوحيدة والأولى الحقيقية عالميا" فأمريكا تجسد تشكلا كليا للمستقبل وكل مجتمع نموذجي ينبغي عليه محاكاتها وبالتالي فإن المصطلحات الغليظة التي وظفت مع الإمبراطوريات على مرّ التاريخ تتمثل في ثلاثة أوامر جيو-استراتجية يمكن تلخيصها على النحو التالي :

- تجنب التصادم بين المصالح والمحافظة عليها داخل الدول التابعة بما يبرر المحافظة على سلامتها

- زرع الطاعة في الذوات المحمية

- منع البربرية من تشكيل تحالفات هجومية

- التحكم في ظهور القوى العالمية الجديدة كتشكل لا يجعل الهيمنة الأمريكية في خطر وعلى ذلك "فإن اتساع أوروبا والـOTAN يخدم الأهداف السياسية الأمريكية سواء على المدى البعيد أو القريب، إلا أن العولمة لا تعدو أن تكون لفظا مخادعا للإمبراطورية، فالانتشار اللامتكافئ للرأسمالية على المستوى العالمي هو ما دفع ليس فقط الأخصائيين بواقع عصرنا لاستعادة الأطروحات اللينينية وإنما نجد أيضا S.DE Brunboff و W.Andreff قد أكدوا على راهنية القانون اللامتكافئ للتطور، وفي هذا السياق فقد كتب D.Collin قائلا : "إن الليبرالية الجديدة لا تعدو أن تكون إلا تعبيرا عن إعادة إحياء لحرية الرأسمالية التنافسية في القرن الماضي أو بالأحرى هي عبارة عن تنظير وتشريع لما يمكن أن نسميه الإمبريالية بالمعنى الذي يذهب إليه Hilferding ولينين أما A.Catone فقد بين من جانبه "بأن كل المظاهر المميزة للإمبريالية التي كشف عنها لينين قد شهدت تطوراكبيرا ، إذ أن المحتكرين،اتحادات الشركات والتجمعات الصناعية قد أصبح عددهم يقدر بالملايين فنحن لا نحتاج قراءة لينين للإمبريالية بوصفها المرحلة الأرقى للرأسمالية كي نقتنع بتطور الأوليغارشية المالية (الأقلية المالكة لرؤوس الأموال). وقد فسر G.Sonos ذلك في كتاباته بالاستمرار في الحد من التطور التكنولوجي داخل البلدان الغنية ماليا حيث نجد العديد من أصحاب الدخل يعيشون تحت وطأة الاستغلال وهنا يتجلى اضطهاد الدول الغنية للدول النامية.

فليس من المدهش بأن التجليات الراهنة لتلوث الإمبريالية قد أصبح أكثر تعددا وأكثر عمقا خلافا لملاحظة لينين في نهاية فترة الاستقرار الرأسمالي ولذلك لا ينبغي أن نفوّت الإشارة إلى صورة بلادنا الجميلة عندما استعاد لينين المعادلة التالية لـM.Sembat التي بين من خلالها "بأن التاريخ المالي لفرنسا المعاصرة إذا ما كتب بشيئ من الشفافية فإنه سيكون عبارة عن سلسلة من الدفوعات الخاصة التي تذكرنا بنهب المدينة التي وقع احتلالها".

وينجر عن ذلك ضرورة القيام بخطوة إلى الأمام داخل هذا التميز مع المضي قدما في بيان أن هذه الوضعية التي أفضت إليها الإمبريالية الجديدة هي أسوأ مما كانت عليه في سنوات 1910 حيث شهدت استقرارا نسبيا بشكل يتجاوز وضعها المتأزم مما جعل من لينين يمتنع عن الحديث عن البطالة وعن بؤس الفقراء. زد على ذلك أن "الظاهرة الخاصة بتعدد الجنسيات لا تجسد فحسب ما اكتسبته اليوم من تواجد في كل مكان " وإنما هناك العديد من المظاهر الأخرى التي ازدادت ووقع تركيزها بشكل فعال.

إن الأمر أصبح يتعلق بالدولة التي تتقلص وظيفتها في مجال التنظيم الاجتماعي وبـ"الدولة القومية" كما كانت قبل الحرب العالمية الأولى والتي تعينت وظيفتها في تركيز وضم الشركات وفي التحكم في رؤوس الأموال وفي منح القروض، ومن هنا فإن القراءة الممكنة لنصوص لينين تتمثل في الاستعاضة عن المعطيات التي تحف برصدها، ولذلك فإن النتيجة تكون واضحة فيما يخص "التضييق الذي يمارسه المحتكرون على أولئك الذين لا يخضعون لإرادتهم" وكذلك أيضا حول "ممارسة علاقات الهيمنة والعنف من طرق المحتكرين" إضافة إلى الخطط البنكية والتداخل بين الرأسمال البنكي والرأسمال الصناعي، الأوليغارشية المالية، شركات المضاربة ووهم الديمقراطية المزعوم بالنسبة إليها و حول تدنيس السياسي والعديد من المجالات الأخرى بواسطة الرأسمال الاحتكاري" ثم تقدير رؤوس الأموال في شكل قروض.

السباق في اتجاه الهيمنة على الموارد الأولية وحول استقلال الدول التي من المفروض أنها تحصلت على استقلالها وفيما يتعلق أيضا بمنافسة الإمبريالية العالمية ومشاريع أوروبا وأمريكا وكذلك أيضا فيما يتعلق بتنامي الهجرة في اتجاه هذه الدول الإمبريالية أي هجرة اليد العاملة من الدول المتخلفة.

وبالإضافة إلى ذلك نلاحظ بأن الأرقام الخاصة بهذه المعطيات حسب الإحصائيات الرسمية تظهر الفوارق المذهلة، وكما نعلم فإن المثال الذي يخص الرأسمال التأملي إزاء مشهد العولمة بعد التخلي عن اتفاقيات Breton Woods وبعد نهاية نسق العملة الذي يتأسس على عيار الذهب من ذلك أن 50 مليارا من اليورو التي اعتبرت مزعجة سنة 1969 قد أصبحت 8000 مليارا.

إذا ما أخذنا بعين الاعتبار في النهاية العناصر التي وقع تجاهلها من طرف "الإمبريالية الجديدة" لأنه لا يوجد بكل بساطة على الأقل سلما مماثلا لأهمية الالتزامات وقيمتها إزاء المؤسسات المالية العالمية التي قادت إلى تداعي قارة بأكملها (إفريقيا) وهنا لا أرى أية مجال للشك بأن تهديدات الأسلحة النووية والمخاطر المنجرة عن تلوث المحيط والنقص المتوقع في الطاقة المائية والبضاعة المعممة التي وصلت إلى حد المتاجرة بالأعضاء وكذلك المتاجرة المكثفة بشرف الأطفال تجعلنا لا نتردد في الحديث عن جريمة حقيقية بخصوص الاقتصاد العالمي، كما أن تهريب المخدرات يمثل عنصرا آخر وقع تجاهله مع أن هذا العنصر يأتي في قمة التجارة العالمية على اعتبار وأن عائدات المخدرات هي الأرفع وبالتالي يمكن القول بأنه ليس فقط وجود الشبكات الاقتصادية "بوصفها جنة اصطناعية" والمؤسسات البنكية المتخصصة في تبييض الأموال وإنما هي منظومة بكاملها، وهذه المنظومة خاضعة لنظام داخلي.

وعلى الرغم من الإنكار (النفي) الأخلاقي ومظاهره القمعية الكاذبة فإن البلدان المتطورة أي القوية والغنية تعمل على حماية هذه القنوات بما أنها هي الأكثر استفادة. ولذلك فإن هذه الهبات تندمج داخل حملة من الأنشطة الرسمية مما يكشف عن استحالة التمييز بين الأموال الوسخة والأموال النظيفة.

ومن ثمة فإن الفساد الذي اخترق كامل الجسد الاجتماعي وبوجه خاص السياسة مما يجعلها في مواجهة أحد الدوافع المؤدية إلى فقدانها لثقتها بمكانتها.

أما الإشكال الأخير فيكمن في التساؤل عن طبيعة العلاقة القائمة بين الإمبريالية والتحول إلى الاشتراكية؟

أليس ما يجعل من النظرية بكاملها لاغية إﺫا علمنا استنادا إلى يقينية علم التاريخ أن المسيرة الثورية في سنة 1917 لم تحقق وعودها وإنما وقع تعتيمها أيضا مع المنظومة السوفياتية سنة 1989؟

ومن ناحية أخرى فإن الرأسمالية بما أنهاتمثل حجة على الحيوية التي لا يمكن الشك فيها قد نجحت في تجاوز الأزمات وفي تشكيل توازن بفضل شموليتها بشكل يسمح لها بآستكمال ماهيتها وذلك بإضفاء سيطرة جيوستراتجية شاملة لا نظير لها، ومع ذلك فإن هذه الحجة لا يبدو وأنه قد وقع المحافظة عليها بالنظر إلى سلسلة من الأسباب المترابطة حميميا فيما بينها. وهنا نستحضر أولا هذه المعاينة الصريحة التي تكشف بأن العولمة هي تمش في طور التشكل كما أن طريقها لم يكتمل بعد.

فمن الصعب التوقع بها، إذ أن من يقول بالتمشي في مستوى الإعلام العام فإن ذلك لا يعدو أن يكون إلا ضربا من التناقض بفعل المفاجئات المألوفة للأسواق الخاضعة لتعتيم الاقتصاديين بمعنى "أن اليد الخفية تفعل في النهاية ما تريد" وتحت تأثير ما يحدث في الدول النامية مثل البرازيل والصين هو أكثر من المنافسة. ولهذا فإن Z. Brzezinsti لا يتناول البتة "القومية" إلا في مستوى جيل معين، كما أنه لا يستبعد إلا الوضعية الماقبل ثورية التي هي في طور التشكل.

ومن اليقيني من ناحية أخرى بأن لينين كان ينتظر الكثير من الاشتراكية في الوقت الذي تسارع فيه نسق الإمبريالية إزاء الرأسمالية القديمة التي تراهن على المنافسة الاقتصادية.

وإذا ما انتظرنا في غياب الصراعات انفتاح المرحلة الثورية على الصراعات العالمية فإن ذلك يعتبر شاهدا على الضعف الذي وقع إصلاحه على المستوى السياسي في الولايات المتحدة وأوروبا وهذا لا يمكن تعيينه فقط في بعض الميولات المتفائلة الخاصة بمزاجه وإنما بالوضعية المحسوسة وبالحدس الذي يعيشه.

إن لينين يعتبر أيضا من أعلام التنوير ليقترب بذلك من أستاذيه إذ أنه لا يمثل بالنسبة إلينا شاهدا ووريثا لقرن من الدماء ،من المجازر ومن الإبادة بحيث أنه لا يرى في هذا العصر إلا مقدماته التي يمكن لنا أن نتجرأ على تسميتها بالحداثة والتي فرضت علينا التخلي عن كل الأشكال الحتمية بما في ﺫلك الثورية منها. غير أن ﻫﺫا التشاؤم ﺇﺫا أردنا تسميته ﻫﻜﺫا يرسخ هو أيضا في سياق معين.إنه انعكاس ﻹمبريالية اليأس المتجسدة في العولمة لأن الافتراضات اﻹيجابية لم تدرك. فاﻹنتباه الواضح يجد نفسه مصادرا من قبل القوة العظيمة للسلبي الملازم للنظام الرأسمالي.وﻟﺫلك،وبمفارقة ظاهرة، يحافظ التشخيص اللينيني على توافقه حتى ضمن خلاصته التعاقبية لأنها مسألة نظام وﻫﺫا النظام الرأسمالي بقي على طبيعته ﻤﻨﺫ رأس المال وصولا الى تحولاته اﻹمبريالية التي من خلال الاضطرابات الهامة التي نقلهارأس المال والتي غيرت رؤانا للعالم، وعلى وقعها،عملت على تأكيد إضراره لدرجة تأكيد "في شكل حقيقة حياتية" ضرورة تغييره.فلا يجب البحث عن الحداثة في الخارج.فهي ﺠﺫرية.ومهما تكن قوى المعارضة في حالة ﺴﻴﺌﺔ ومفككة لأسباب متشابهة وظرفية فليس لها نفس المهمة.فالأعراض الأكثر حداثة تتضاعف وتوحي بإنتاج وحدوث نقاط التقاء حيث البرنامج ليس بالتأكيد جاهزا ولكن غايته غير قابلة للنقاش.

فهل أن العولمة ﺫاتها ﺒﺂعتبارهاحلم كل دولاني لا يمكن الظفربها؟

إن حكم R.Luxemburg الذي يقرّ بأن الإمبريالية لم يعد لها أية أسرار هو ما أفضى بها إلى عجز مطلق. فالرأسمالية لا تتحدد قياسا بتجسيد العولمة على اعتبار وأن تناقضاتها الداخلية هي التي تؤدي إلى فنائها في مرحلة أولى بمعنى أن الاشتراكية هي بمفردها التي يمكن أن تؤول إلى العولمة.

تعريب : م.ح. – ف.ق.

مراجعة: م. ز.

حزب العمل الوطنيّ الدي