العولمة سقوط الاتحاد السوفياتي لا يعني سقوط الماركسيه


مصطفى العبد الله الكفري
2003 / 10 / 7 - 03:55     

                                            

اذا كان ماحدث في عام 1989 من اكثر احداث القرن العشرين درامية ، أي سقوط الاتحاد السوفياتي والانظمة الاشتراكية في دول اوروبا الشرقية ، فان هذا لا يعني سقوط الماركسيه كايديولوجيا ، لان النظم الساسية اذا كانت تسقط ، فان الايديولوجيات باعتبارها في المقام الاول انساقا مترابطة من القيم التي تتعلق بالتطور الاجتماعي ، قد تضعف ، وقد تتوارى وقد تتجدد ، ولكنها لا تسقط . فالماركسيه تهدف الى تحقيق اقصى درجة من درجات الحرية الانسانية في اطار من العدالة الاجتماعية الشاملة ، فكيف تسقط هذه القيم التي تعبر في الواقع عن اشواق الانسانية منذ فجر التاريخ الى الحرية والعدل ؟ وفي الوقت نفسه ، نقدت الاتجاه الذي كان قد بدأ يتبلور زاعما ان الرأسمالية قد صعدت وتربعت على المسرح العالمي بغير منافس بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ، وهو الاتجاه الذي تطور من بعد على يد فرانسيس فوكوياما في كتابه الشهير نهاية التاريخ ليتحول الى اكبر محاولة معاصرة لصياغة وعي كوني زائف ، الغرض منه اثبات ان الرأسمالية ستكون هي ديانة الانسانية الى أبد الابدين ! [1]

(( ماهي العوامل التي ادت الى بروز ظاهرة العولمة في الوقت الراهن ؟ وهل هذا يرجع الى انهيار نظام الدولة ذات الحدود المستقلة ؟ وهل العولمة تتضمن زيادة التجانس ام تعميق الفوارق والاختلافات ؟ وهل الهدف هو توحيد العالم ام النظم المجتمعة عن طريق الحدود المصنوعة ؟ وهل العولمة تنطلق من مصادر رئيسية واحدة ، ام تنطلق من مصادر متنوعة ومتداخلة ؟ وهل تنطلق من عوامل اقتصادية وابداع تقاني ام من خلال الازمة الايكولوجية ؟ وهل عبارة هي عن اتحاد لكل هذه العوامل ام انه لا تزال هناك ابعاد اخرى ؟ وهل العولمة تتميز بوجود ثقافات عامة ام مجموعة من الثقافات المحلية المتنوعة ؟ وهل العولمة غامضة ،ام انها تحول بارز على المدى الطويل بين العام والخاص ، وبين المحلي والخارجي ، وبين المغلق والمفتوح ؟ وهل هي استمرارلنمو الفجوة بين الفقراء والاغنياء على جميع المستويات ؟ وهل العولمة تتطلب وجود حكومة عالمية ؟[2] ان جوهر عملية العاولمة يتمثل في تسهيل حركة الناس وانتقال المعلومات والسلع والخدمات على النطاق العالمي . وتشمل الحركة والانتقالات التي تنتشر عبر الحدود ست فئات رئيسة وهي : البضائع ، الخدمات ، الافراد ، رأس المال ، الافكار ، والمعلومات والمؤسسات.

وكيف تحدث العولمة ؟ وبأي طريق او من خلال أي قنوات تتم حركة وانتقال البضائع والخدمات والافراد وراس المال والافكار والمعلومات والرموز والاتجاهات واشكال السلوك عبر الحدود ؟ وماهو دور الشركات متعدية الجنسية فس ذلك ؟

" في رأي روزنا. [3]تتم عملية الانتشار من خلال اربع طرق متداخلة ومترابطة :

1 ـ من خلال التفاعل الحواري الثنائي الاتجاه عن طريق تقانة الاتصال.

2 ـ الاتصال المونولوجي احادي الاتجاه من خلال الطبقة المتوسطة .

3 ـ من خلال المنافسة والمحاكاة.

4 ـ من خلال تماثل المؤسسات "[4]

ولكن روزنا ويتسى أوتيناسنى الدور الكبير والهام والرئيس للشركات متعدية الجنسية في عملية الحركة والانتقال وبخاصة في مجال البضائع والخدمات ورأس المال والتي تعد من أهم عناصر الانتقالات الكويتية .

يتسم النظام الاقتصادي العالمي المعاصر بعدد من الخصائص أهمها :

1 ـ انهيار نظام بيريتون وودز.

2 ـ تزايد دور واهمية الشركات متعدية الجنسية في الاقتصاد العالمي .

3 ـ تزايد دور وأهمية مؤسسات العولمه الثلاث ( صندوق النقد الدولي ، البنك الدولي ، المنظمة العالمية للتجارة).

4 ـ عولمة النشاط الانتاجي.

5 ـ عولمة النشاط المالي واندماج أسواق المال.

6 ـ تغير مراكز القوى الاقتصادية العالمية .

7 ـ تغير هيكل الاقتصاد العالمي وسياسات التنمية .

8 ـ تراجع أهمية ودور مصادر الطاقة التقليدية والمواد الاولية في السوق العالمية .

" وتبقى مسألة في منتهى الاهمية، وهي موقف المجتمعات المختلفة من العولمة، هناك معركة كبرى ايديولوجية وسياسية واقتصادية وثقافية تدور حول العولمة ، هناك اتجاهات رافضة بالكامل، وهي اتجاهات تقف ضد مسار التاريخ ، ولن تتاح لها النجاح. وهناك اتجاهات تقبل العولمة من دون تحفظات باعتبارها هي لغة العصر القادم، وهي اتجاهات تتجاهل السلبيات الخطيرة لبعض جوانب العولمة، وهناك اتجاهات نقدية تحاول فهم القوانين الحاكمة للعولمة . وتدرك سلفا" ان العولمة عملية تاريخية حقاً ، ولكن ليس معنى ذلك التسليم بحتمية القيم التي تقوم عليها في الوقت الراهن ، والتي تميل في الواقع الى اعادة انتاج نظام الهيمنة القديم ، وتقديمه في صور جديدة. وهذه الاتجاهات برزت في اوروبا وفي فرنسا على وجه الخصوص، من خلال الموقف الرافض للحزب الاشتراكي الفرنسي، والذي تبلور بشكل خاص في تقرير الحزب الصادر في 3 نيسان ، ابريل عام 1996 بعنوان : " العولمة واوروبا وفرنسا " وهو يتضمن أعنف نقد للعولمة الامريكية ، فضلاً عن ذلك ، بدأت تتصاعد داخل الولايات المتحدة الامريكية نفسها حركات فكرية مضادة للعولمة، لم تقنع بالنقد التفصيلي لكل جوانب العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية ولكنها ـ أبعد من ذلك ـ تحاول ان تقدم البديل ، ولعل ابلغ ما يعبر عن هذه الحركات النشطة حالياً الكتاب الذي حرره جيري ماندر وادوارد سميث عام 1996 وعنوانه : القضية ضد الاقتصاد الكوني ونحو تحول الى المحلية وهو يحتوي على اكثر من اربعين دراس متعمقة "[5]

                                            الدكتور مصطفى العبد الله الكفري

                                             جامعة دمشق – كلية الاقتصاد

                                   [email protected]

--------------------------------------------------------------------------------

[1] - السيد يسين ، في مفهوم العولمه، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحده العربية ، العدد 228 شباط 1998 ص 4.

[2] - انظر دراسة أحد ابرز علماء السياسة الامريكيين جيمس روزناو ، ديناميكية العولمه غوصياغة عملية ، قراءات استراتيجية ، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاعرام ، القاهرة 1997 نقلا" عن السيد يسن ، المصدر السابق ص 7.

[3] - أحد ابرز علماء السياسة الامريكين

[4] - السيد يسين ، المصدر السابق .

[5] - السيد يسين ، المصدر السابق، ص 12 ـ 13