الجزء الثالث : نقض النقد : متابعة الحوار مع : السيد فؤاد النمري


معتز حيسو
2007 / 7 / 31 - 11:58     

فيما يتعلق بتوصيف الإشتراكية بكونها مرحلة انتقالية للوصول إلى الشيوعية فإن هذا يتفق نظرياً مع كلاسيكيات الماركسية / الشيوعية ،لكن ما هو غير مفهوم هو أن الإشتراكية ،ولكونها مرحلة انتقالية ليست نظاماً اجتماعياً ، وبالتالي إذا لم تكن نظاماً إجتماعياً له أشكاله السياسية ومؤسسات الاقتصادية تقوم على أشكال اقتصادية في سياق نمط اقتصادي محدد فما هي إذاً ؟؟؟ الدولة السوفيتية ودول أوربا الشرقية تأسست على برامج اقتصادية (اشتراكية) تقوم على التخطيط والتوجيه ، وفي سياق تطوير البنى التحتية ، والترسانة العسكرية ، والقدرات الصناعية / الثقيلة، والفضائية / والتنمية البشرية ... ، تمتع المواطن في الإتحاد السوفيتي تحديداً ، و بلدان أوربا الشرقية عموماً بتوفر الخدمات الأساسية مجاناً و بمستوى من الرفاهية الشخصية وتحقيق العدالة الإجتماعية، وعاصر مرحلة ازدهار تفوق فيها السوفييت على الغرب وتحديداً في المستويات الاجتماعي ، وبعض القطاعات الصناعية ، لكن هذا لم يمنع من وجود ملكيات خاصة ، ولم يحول دون انتشار البيروقراطية بأشكالها المختلفة ، وانتشار الفساد ، وتجلي سلطة الدولة بكونها سلطة قمع طبقي يستهدف الفئات البرجوازية والفلاحية ، والمرتدين والتحريفيين حسب تعبير السيد النمري حتى الشيوعيين منهم / تروتسكي ، بليخانوف ، روزا لوكسمبورغ..... / وقائمة لا تنتهي من القياديين الشيوعيين والكوادر من تمت طردهم أو تصفيتهم فقط لكونهم اختلفوا مع شخص الأمين العام أو مع توجهات قيادة الثورة المقدسة مما ساهم في تشكيل حزب يعتمد المركزية البيروقراطية وقد عزز هذه الميول بشكل واضح السياسية التي اتبعها ستالين لاحقاً ...... فقط لتذكير السيد النمري بأن الإشتراكية التي قادها الحزب الشيوعي وفق ادعاء مفاده هيمنة البروليتاريا التي اختزلت بسيطرة الأمين العام القائد للحزب والشعب ، ولم تزل مستمرة حتى الآن في الصين بأشكال وتجليات مختلفة يمكن أن تكون مرحلة انتقالية ليس باتجاه الشيوعية بل في سياق الاندماج بالرأسمالية المعولمة ، ليس بفعل سياسات الحزب الشيوعي والإيديولوجيا الشيوعية ، بل بناءً على آليات التراكم والتمركز لرؤوس الأموال ، التي تميل إلى تحطيم الحواجز القومية متجهة نحو المنافسة والاندماج بالأسواق العالمية ( وهذا الشكل من الإنتقال يمكن أن يساهم في رسم تصور بأن المرحلة الإشتراكية المحققة كانت تطوراً اعتراضياً للتاريخ ، وبالتالي لم تكن تعبيراً موضوعياً وطبيعياً للتطور الاجتماعي ،ومن الممكن أن يكون سبب ذلك نشوء التجربة الاشتراكية في بلدان متخلفة تفتقد إلى التطور التقني وإلى غياب كثافة رأس المال في الإنتاج الصناعي ... ) ، وبتقديرنا هذا جوهر ومضمون قوانين تطور رأس المال كما وصفه ماركس في مؤلفه رأس المال ، متجلياً أيضاً في الاندماج بين الشركات على المستوى المحلي و العالمي ... هذه الميول وغيرها تؤكد مصداقية ماركس بكون الإنتقال إلى الإشتراكية سوف يكون من المركز وليس من الأطراف ، ومجتمعاتنا ستكون صوراً للمجتمعات المتطورة التي يحاول رأس المال صياغتها وتشكيلها ، لنكون الملتحقين بقاطرة التطور وليس من يتحكم بقيادتها .... ـــ ( إن انتباه الشيوعيين يتوجه بصورة خاصة نحو ألمانيا لأنها على أعتاب ثورة برجوازية ، لأنها ستقوم بهذه الثورة في ظروف تكون فيها المدنية الأوربية أكثر تقدماً ورقياً ، ومع بروليتاريا متقدمة ، ونامية أكثر مما كانت عليه في إنكلترا في القرن السابع عشر وفي فرنسا في القرن الثامن عشر . فالثورة البرجوازية الألمانية لا تكون بالتالي سوى بداية وعهد مباشر لثورة بروليتارية ). (19)
وللتذكير فقط نرى أنه من الضروري التأكيد على أن أسباب انهيار التجربة الإشتراكية ليست بسبب انحطاط الأخلاق البرجوازية ( وكلنا يعلم مدى عمق التربية الأخلاقية التي اشتغل عليها المنظرين الشيوعيون لترسيخها في المجتمعات الشيوعية ) ، أو المرتدين الشيوعيين ... رغم دورهم الممانع في انتشار الإشتراكية المبني على مصالحهم السياسية والاقتصادية المتناقضة مع الإشتراكية ،ولا يتحمل انهيار التجربة الإشتراكية خالد بكداش أو غيره كما يفترض السيد النمري ، ويعبر هذا التحليل لسقوط التجربة الإشتراكية عن ابتذال واضح للتجربة ذاتها ، وتبخيس لها ، لأنها و بحكم عوامل القوة التي امتلكتها أعظم وأقوى من أن تكون هذه الأسباب هي التي قادت إلى سقوطها ، رغم أنها عوامل مساعدة . بل ما ساهم في انهيار هذه التجربة جملة من العوامل الداخلية والدولية المترابطة موضوعياً ، وبذلك يكون الشرط الدولي أولاً كأحد العوامل الرئيسية في انهيار التجربة الإشتراكية ، مترابطاً بذات الوقت مع غياب الديمقراطية السياسية وسيادة العنف والقمع التي شكلت إرثاً لهذه التجربة من لحظة انتصار الثورة مروراً بسياسية الجمعنة والحرب ضد الفلاحين التي ذهب ضحيتها الملايين والتي قال عنها ستالين بأنها تشابه حربه ضد الأجانب ، وسياسة التهجير والتخوين والتكفير والإعدام الإيديولوجي .... وساهم أيضاً في انهيار التجربة تضخيم نجاح الخطط الخمسية المعبرة عن معدلات النمو البلدان (الإشتراكية)، والتي أثبت التاريخ أن التطور السوفيتي كان عاجزاً عن مواكبة و منافسة التصنيع الغربي إضافة إلى سوء العلاقات البينية بين الإتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية، إضافة إلى ممارسة سياسة إرادوية وقسرية في السياسة الاقتصادية والصناعية ( الثقيلة حصراً هنغاريا ... ) لضمان هيمنة الدولة السوفيتية على دول أوربا الشرقية والدول الحليفة ... كل هذا وغيره كثير ساهم بانهيار التجربة السوفيتية التي تجلت بكونها رأسمالية دولة ، وليست دولة اشتراكية ، وهذا ما أكد عليه لينين بين عامي / 1921ــ 1928 / من خلال سياسة النيب ، بعد فشل محاولة تطبيق شيوعية الحرب .
وبالتالي عن أي اشتراكية يريد السيد النمري جرنا إليها وأية ديكتاتورية بروليتارية يتحدث عنها ويريد إنجازها ونحن نمانع لكوننا ندافع عن حرون التحريفيين والتفكيكيين بحجة الديمقراطية وكأن الإشتراكية والشيوعية منجزة أمامنا أو قاب قوسين .. ونحن نتمنع عن الإنتقال إليها ( أليس هذا تعبيراً إرادوياً في الفهم النظري والممارسة السياسية في ظل رأسمالية معولمة ، يغيب عنها توفر الظروف الموضوعية والذاتية للانتقال إلى الإشتراكية ، وهذا لا يلغي بأن بعض الحركات السياسية والمدنية المعارضة لتناقضات الرأسمالية والنظام الرأسمالي المعولم في البلدان الأوربية والأمريكية بدأت تتشكل ، لكنها حتى اللحظة تعبيرات جنينية )، ألا يعلم السيد النمري بأن الديمقراطية بمستواها السياسي والاجتماعي تمثل ركناً أساسياً من أركان الإشتراكية ، ومدخلاً رئيسياً لإنجازها في حال توفر باقي الظروف الموضوعية والذاتية ، أم أن الديمقراطية باعتقاد النمري تمثل تعبيراً برجوازياً لا يعبر عن الإشتراكية وبالتالي يجب محاربتها لتتفرد البروليتاريا بممارستها السياسية وهيمنتها الطبقية لتكون غطاءً أيديولوجياً باسم هيمنة الطبقة العاملة بقيادة حزبها الشيوعي المطلق الصلاحية في قمع الأعداء الطبقيين ( داخل الحزب الشيوعي وخارجه ) وقمع أي تمايز سياسي و إنساني داخل (الاشتراكية المحققة الذي يدعي السيد النمري بأنه يمثلها ، وأنه هو من ساهم في ترسيخها ....... ) وهو بالتالي لا يمكن أن يرى أن المنظومة المعرفية الماركسية تحتمل التعدد ، وبناءً على مستوى إدراكه فإن أي شخص أو تنظيم سياسي يتقدم بمنظومة معرفية متخالفة نسبياً عن النص الماركسي ، حتى لو كانت تعتمد التحليل الماركسي الذي لا يستطيع أياً كان الادعاء بأنه الممثل المطلق والشرعي له فهو أما مرتد أو خائن أو تحريفي .... وأريد أن أذكر السيد النمري بأن ماركس هو من قال بأنه ليس ماركسياً مدللاً على أن المنظومة المعرفية الماركسية بقوانينها الأساسية والتي تشكل حتى الآن الأساس الموضوعي للتحليل الاقتصادي والاجتماعي في سياق تطوره العام ، وتجلياتها المتحولة والمتغيرة هي منظومة منفتحة ومفتوحة على التطوير لتكون مواكبة ومستغرقة لمجريات التطور الموضوعي ، وليست نصاً إيديولوجياً دوغمائياً مغلقاً ونهائياً وفق الأشكال التي صاغها ماركس وانجلز .
وبالتالي فإن القراءات المتجددة والجديدة للماركسية ، وتحديداً من المنظرين الماركسيين لا تعبر عن إحباطهم ، ولا يمثلون قوة نقيضة و مضادة للماركسية المطلقة القوى والصلاحية وفقاً لما يراه السيد النمري ، بل هي نتاج تطور موضوعي للمجتمعات البشرية وللفكر البشرية في مواجهة تفاقم حدة التناقضات الرأسمالية بفعل تطورها المستمر الذي يقود إلى تزايد حدة الاحتكار والتمركز لرؤوس الأموال ،وهيمنة القطب الرأسمالي عالمياً ، وبالتالي زيادة معدلات الاستقطاب والفقر ... وفي سياق هذا التطور الموضوعي يتم تكييف الطبقة العاملة والمجتمعات عموماً بما يتناسب مع مصالح رأس المال بأشكاله ومستويات تطوره الراهنة . وبالتالي فإن التنظيرات الماركسية بأشكالها الجديدة ، التي تحاول التعبير عن الواقع بأشكاله الجديدة والمتجددة وتجاوزه ، تمثل أشكال جديدة لتجليات الفكر الماركسي ، وليس لأنهم محبطون في مواجهة الماركسية كما يدعي السيد النمري ، وأنهم يريدون أن يتخلى السيد النمري وأمثاله عن التراث والمنجزات التي تحققت في ( الإشتراكية الدولانية السوفيتية )، والتي يثبت التاريخ بأنها ليست كما يدعي السيد النمري ، وما تم إنجازه في البلدان الإشتراكية ليس تعبيراً حقيقياً عن التراث الماركسي ، بل كان تجلياً مشوهاً لهيمنة دولة سلطة القوة والقمع المغيّبة للديمقراطية بأدنى أشكالها ، والمسيّرة وفق سياسات إرادوية سلطوية .. أكدت في نهاية المطاف بأن الإشتراكية مرحلة لا يمكن الوصول إليها أو عبورها إلا بتجاوز الرأسمالية في سياق التطور الموضوعي ، ومن البلدان الصناعية الكبرى حصراً ، وبتقديرنا هذا ما أكد عليه ماركس .
وألفت انتباه السيد النمري أخيراً بأن الديمقراطية داخل المنظومة المعرفية والفكرية الواحدة المتجلية بالتعددية السياسية تعبيراً موضوعياً عن الغنى النظري للماركسية ، لكونها لا تختزل تحليل الواقع وفق شكل دوغمائي وأيديولوجي واحد ومطلق . وهذا لا يعني بالمطلق نقض وهدم القوانين الأساسية والرئيسية التي أثبت السياق الموضوعي للتاريخ موضوعيتها حتى اللحظة ( المادية الديالكتيكية بقوانينها الثلاث ) . هذا إضافة إلى أن المنظومة الفكرية الماركسية يمكن اعتبارها مرشد للعمل السياسي المبني على أسس التحليل الماركسي ، والتي يفترض أن تكون تعبيراً عن الواقع الاجتماعي والسياسي المتباين والمختلف ، وبالتالي فإن التعدد والتنوع في التجليات السياسية للفكر الماركسي عالمياً تعبيراً موضوعياً عن غنى الماركسية المعبرة عن التنوع الاجتماعي الذي لا يمكن استغراقه بمنظومة معرفية عقائدية مقدسة .
والتنوع بالتالي ووفق هذه الأشكال ليس المقصود به تهديم الماركسية ، ومحاصرة الصراع الطبقي ، لكنه تعبيراً موضوعياً عن التنوع الاجتماعي الذي يفترض التنوع والتعدد في أشكال تجليات الصراع الطبقي القائم في تحليله السياسي على أساس المنظومة الفكرية الماركسية وقوانينها الديالكتيكية الثلاث المعبرة عن تجليات الواقع الملموس بأشكال ومستويات مختلفة ومتباينة .
.......................................................
19 ــ كارل ماركس : البيان الشيوعي / الصفحة / 43/