الجزء الأول :نقض النقد : متابعة الحوار مع السيد فؤاد النمري


معتز حيسو
2007 / 7 / 29 - 13:30     

يبدو إن الإستاذ فؤاد شديد التمسك بالممارسة النقدية بأشكالها المبتذلة التي لا ترقى لتكون ممارسة نظرية يرتقي فيها المشاركين عبر مفاهيمهم النظرية و أداوتهم المعرفية لتكريس حوار ديمقراطي نقدي بنّاء ، بقدر ما يهدف من ممارسته النقدية الحط من قيمة ومكانة الآخر .. محاولاً الظهور بمظهر البطل المنتصر زاعماً تملكه أدوات ومفاهيم معرفية مطلقة الصحة تخوله من امتلاك الحقائق الأزلية والمطلقة ، من دون أن يدري أنه يقع في جملة من المتناقضات النظرية والسياسية تدلل على عدم تملكه لأدواته المعرفية ، إضافة إلى عدم مراعاته الأمانة في الاقتباس ليثبت صحة مواقفه النظرية . ولن أدخل مع السيد النمري في المقارنة النصية إلا في مقطعين يزعم من خلالهما إنه يوجه لي ضربة قاضية وكأننا في حلبة قتال ، من جهة ثانية فأن الحوار وفق الأشكال التي يحاول السيد النمري العمل بمقتضاها تقيد مساحات الحرية ، ليبقى الحوار أسير النصوص التي يفترض التعامل معها على أنها متغيرة ومتطورة وفق السياق الموضوعي للتطور الاجتماعي بكافة مستوياته التي يكون فيها الإنسان صانعاً للحظة الزمنية المندرجة في السياق التاريخي على أساس التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج .
أبدء من حيث انتهى السيد فؤاد : قال ماركس في نقده لبرنامج غوتا.. " تعبر المجتمعات الاشتراكية بقيادة دولة دكتاتورية البروليتاريا وتموت وتضمحل وتتلاشى دولة دكتاتورية البروليتاريا بعد الإنتهاء من عبور الإشتراكية ". أورد السيد فؤاد هذا المقطع ليثبت بأن ماركس حدد شكل الدولة المستقبلي ، وإليكم المقطع كاملاً : ( لا مناص تاريخياً من مرحلة خاصة للانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية يناسبها شكل خاص للدولة هو الديكتاتورية الثورية البروليتاريا ). (1)
ــ ( بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي ، تقع مرحلة تحول المجتمع الرأسمالي تحولاً ثورياً إلى المجتمع الشيوعي وتناسبها مرحلة انتقال سياسي لا يمكن أن تكون فيها الدولة سوى ( الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا ). )(2)
بناءً على ما أرده السيد النمري بان ماركس حدد الشكل المستقبلي والنهائي للدولة بسيطرة الديكتاتورية البروليتارية على سلطة الدولة ، وهذه السيطرة كما يعلن كافة المنظرين الماركسيين ومنهم لينين بأنها دولة القمع الطبقي متجلية في المرحلة الانتقالية والمتمثلة في الإشتراكية المحققة في معظم التجارب الشيوعية بأشكالها المتنوعة ، والتي لم تتعدى أشكال رأسمالية الدولة التي أنتجت نظماً سياسية شمولية واستبدادية سمتها تقديس سلطة البروليتاريا المختزلة في سيطرة الحزب الشيوعي المختزل في شخص الأمين العام ، مولدة أشكالاً من البيروقراطية الحزبية .... من دون أن يعني هذا التغاضي عن ما تحقق من منجزات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي ... ، ولكن وبعد زوال الدولة في سياق تجاوز المرحلة الانتقالية كما أكده كافة المنظرين الماركسيين ما هو شكل أو أشكال الدولة المفترضة مع زوال سيطرة ديكتاتورية البروليتاريا ، وانتهاء سيطرتها الطبقية ، وكما نعلم بأنها متفاوتة في تجلياتها بما يتلاءم مع مستويات التطور الاجتماعي عموماً ، وإذا تصورنا بأن ماركس أو غيره وضع تصورات نهائية لشكل الدولة الغير موجودة والمتلاشية والمضمحلة في المرحلة الشيوعية بناءً على زوال الملكيات الخاصة وبالتالي انتهاء التناقض الطبقي ، وهذا غير دقيق بالمطلق ، ألا يمثل هذا مصادرة للتطور التاريخي وبالتالي وضعه في سياق الحتمية التاريخية والغائية الإرادوية( الشيوعية هي الشكل الضروري والأساسي المحرك للمستقبل القريب ، لكنها بوصفها هذا ليست هدف التطور الإنساني ، أو الشكل النهائي للمجتمع البشري ) (3)
( إن الشيوعية بوصفها التحقيق التام لأنسنة الطبيعة والتجسيد التام لطبيعة الإنسان ، هي الحل الحقيقي للتعارض بين الإنسان والطبيعة وبين الإنسان وذاته ، وهي الحل الحقيقي للتناقض بين الجوهر والوجود بين تجسيد قوى الإنسان وبين تحقيق ذاته بين الحرية والضرورة بين الفرد والنوع البشري ). (4)
. وإذا حاولنا مقاربة ما جاء سابقاً مع اللحظة الراهنة ، والتي يتم فيها تغييب دور الدولة أمام تنامي دور الشركات العابرة للقومية والمتعددة الجنسية ، وتزايد هيمنتها على القرارات والسياسات والاقتصادية جراء تزايد حدة تمركز الرساميل ، وتزايد معدلات الاندماج بين هذه الشركات ، وسرعة تنقل الرساميل بأشكالها المالية ،المضاربة ،الصناعية ، تزايد حدة الاحتكار ، وزيادة كتلة الأرباح العامة الكلية ... وبالتالي الهيمنة على السياسات الدولية ، وعلى الدولة بمؤسساتها المتعددة .. ، وتجوزها للقوانين التي وضعها الرأسماليون أنفسهم بما يتلاءم مع حرية حركة رأس المال لتكون تعبيراً موضوعياً عن مصالحهم ، هذه القوانين لم تعد تتناسب في اللحظة الراهنة مع حركة رؤوس الأموال المالية والصناعية المحطمة للحدود القومية بأشكال حركتها الجديدة والقائمة على حرية حركة الرساميل المطلقة ، خدمة لتعزيز التراكم الرأسمالي من خلال توسيع دائرة الاستثمار والتوظيف عالمياً ...... ألا يستوجب هذا التغير والتطور في أشكال تجليات الدولة بشكلها الراهن التوقف لدراسة هذه الظاهرة .
يورد الإستاذ فؤاد المقطع التالي من البيان الشيوعي ليثبت بالضربة القاضية بأن البيان الشيوعي يحتفظ بصحته الأزلية ، وبأنني أفتري على كارل ماركس : " بغض النظر عن مقدار التغيرات في الأحوال التي يمكن أن تكون قد حصلت خلال الخمس والعشرين سنة الأخيرة فإن المبادئ العامة التي ضمها المانيفيستو ما زالت بالإجمال صحيحة كما كانت أبداً " ، وإليكم المقطع بالكامل فقط لأرد سهم السيد فؤاد إلى نحره : ــ (رغم أن الظروف تبدلت كثيراً خلال الخمس والعشرين الأخيرة ، فالمبادئ العامة الواردة في هذا البيان لا تزال بالإجمال محافظة على صحتها ، وإن كان يجب إدخال بعض التعديلات على عدة من الفقرات) . (5)
ــ (ونحن لو عمدنا إلى إنشاء هذا المقطع اليوم لاختلف في أكثر من نقطة عن الأصل . وقد شاخ هذا البرنامج اليوم في بعض نقاطه ،نظراً للرقي العظيم في الصناعات الكبرى خلال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة ، وما رافق هذا الرقي من تقدم الطبقة العاملة في تنظيمها الحزبي ، ونظراً للتجارب الواقعية التي تركتها ثورة شباط أولاً ، ثم على الخصوص كومونة باريس حين كانت السلطة السياسية بين أيدي البروليتاريا لمدة شهرين فقد برهنت الكومونة بصورة خاصة بأن الطبقة العاملة لا يمكنها أن تكتفي بالاستيلاء على جهاز الدولة واستخدامه في غاياتها الخاصة ). (6)
أطلب من السيد فؤاد العودة إلى البيان الشيوعي ، ليعرف بأنه هو من افترى على ماركس في اجتزاءه المغرض والمشوه في سياق أثبات صحة معتقداته الأيديولوجية .
-----------------------------------------
1ــ ماركس : نقد برنامج غوتا ــ الصفحة / 5/
2ــ ماركس : نقد برنامج غوتا الصفحة / 33/
3ــ ماركس : المخطوطات الصفحة 99 / أوغست كورنر الصفحة 179
4ــ ماركس : المخطوطات / أوغست كورنر الصفحة 128 ــ 129
5ـ ماركس : البيان الشيوعي / الصفحة/ 8/
6ــ ماركس : البيان الشيوعي / الصفحة /8/