الماركسية والحزب في فكر فهد ونهجه


رسميه محمد
2007 / 6 / 22 - 11:22     

تحل في تموز من كل عام الذكرى السنوية لميلاد مؤسس حزبنا الشيوعي وباني كيانه الرفيق الخالد فهد. وتعد الذكرى السنوية لميلاده مناسبة طيبة من اجل تكريمه واستعادة تراثه النضالي المجيد, وإستلهام مايعزز نضال الحزب من اجل البديل الوطني الديمقراطي المنشود.

إن انتصار ثورة أكتوبر (1917) خلق انطباعا عاما بامكانية انتصار الاشتراكية. وتحول الانطباع العام الى مناخ تحركت في اطاره قوى ثورية عديدة.
انطلقت ثورة أكتوبر ولينين في نظرتها الى مستقبل نضال بلدان الشرق على أنه نضال تحرري ضد الاستعمار، وسيتحول نضالها الى نضال ضد الرأسمالية. وعلى هذا الاساس توجهت بنداءاتها الى ايران وتركيا ومصر والشرق العربي وشبه الجزيرة العربية. ولم يتم هذا التحول بسبب الانعطاف الذي حدث لدى قيادات نضال حركات التحرر نحو التفاهم مع الاستعما.
ثم توجهت ثورة أكتوبر ولينين بعد ذلك نحو ضرورة تشكيل أحزاب شيوعية في هذه البلدان قادرة على انجاز هذا التحول, الامر الذي كان يتطلب بلشفتها لضمان عدم الانزلاق نحو سياسة التفاهم مع الاستعمار(1). ولما وصلت الماركسية الى الشرق كان عليها تعديل مفهوم الصراع الطبقي ليتلائم مع الواقع المفروض بقوة الخصوصيات الشرقية. وتطلب ذلك التوصل الى ما سمي بالماركسية اللينينية, التي اعتبرت ماركسية عصر الامبريالية. وهي تعني ربط لينين وزملائه البلاشفة الصراع الطبقي بحركة التحرر الوطني في الشرق. وقد جعل لينين من الايديولوجيا، التي وضعها ماركس وانجلز رافعة كفاح ضد الاستغلال الطبقي في الغرب, الى ايديولوجيا للكفاح الوطني التي تتناغم مع كفاح الطبقات المستغلة ضد الطبقة الاستغلالية في توليفة اثبتت مصداقيتها بالتجربة الحية للحركة الشيوعية في الشرق الاقصى(2). وقد لعبت قرارات مؤتمرات الكومنترن، ولاسيما المؤتمر السابع بقيادة ديمتروف المتضمنة التأكيد على ضرورة تأسيس جبهات موحدة على صعيد كل بلد وعلى صعيد العالم دورا مهما في تطورحركات التحرر لبلدان الشرق. كما ادت هذه التحالفات لاحقا الى انتصار الديمقراطية في الحرب العالمية الثانية على الفاشية. ومن المعلوم بأن ديمتروف لم يكن وحده صاحب ذلك التوجه الجديد والقرارات التي عبرت عنها تلك التوجهات. فقد ساهم في اعداد التقرير الشهير الذي قدمه ديمتروف الى المؤتمر عدد كبير من قادة الحركة الشيوعية ومن كبار الخبراء والاختصاصيين في شتى ميادين المعرفة الذين كانوا يعملون في جهاز اللجنة التنفيذية للكومنترن. وبقدر مايتعلق بالعراق فقد كان للإقتران الزماني بين ثورة العشرين التحررية والثورة البلشفية في روسيا سببا في انتشار أفكار البلشفية في العراق لدرجة أن الرصافي ربط الاثنين بحس عفوي.
للانكليز مطامع ببلادكم لاتنتهي الا بأن تتبلشفو

وقد أورد تقرير للاستخبارات الانكليزية ان اخبار البلاشفة ومنشوراتهم متداولة في العتبات المقدسة وبينها كراس ( مبادئ البلشفية) المطبوع في حلب. وتلقى هذه الأفكار تأييدا لما فيها من عداء لبريطانيا. واشار التقرير الى أن المجتهد الكبير محمد تقي الشيرازي أصدر فتوى مفادها أنه يجب إعتبار البلاشفة أصدقاء للمسلمين. لقد كان لانتصارات الجيش الاحمر تأثير معنوي مزدوج. فبرز الاتحاد السوفيتي تلقائيا كسند قوي لثوار العشرين. كما أن انتصاراته العسكرية كانت دليلا على امكانية اخراج الانكليز من بقعة احتلوها بالقوة. في هذا الوقت وزع في أقطارالشرق (نداء الى شعوب الشرق)، الذي يشير الى أن روسيا ستساعد شعوب الشرق على استعادة استقلاله. ويستطرد التقرير قائلاً ( ايها المسلمون في الشرق أتراكا وعربا وهنودا وايرانيين ساعدوا روسيا كما ستساعدكم على الحصول على حقوقكم). هذه التطورات وانتشارالافكار أوجدت مناخا ورغبة لدى عدد من العراقيين لتكوين جمعيات بلشفية.وبعد ذلك تأسست جماعة الرحال الماركسية. ولكن بالرغم من ثورية هؤلاء الا انهم لم يستوعبوا اللينينية انما استنسخوا ماركسية أوربا بايديولجيتها المناوئة للدين. ولم يختلطو بالجماهير ولم يشاركوا في الفعاليات العامة الا ماندر. واقتصر نشاطهم على الكتابة والخطابة واحاديث المقهى(3). وحسب مذكرات الرفيق الراحل زكي خيري لم يجد الجيل الشاب من المثقفين الثوريين من يقوده. وكان هذا الجيل يبحث عن دعاة ليكتشفهم و حتى ولو في الكتب. في تلك الايام أخذ يتألق نجم يوسف سلمان يوسف (فهد) في جنوبي العراق الذي اعتنق الفكر الماركسي منذ 1927(4). ويجزم حنا بطاطو بأن فهد تلقى أول دروسه عن الشيوعية على يد مندوب الكومنترن بيوتر فاسيلي الذي عرف في الناصرية باسم (بطرس الخياط)(5). لقد تعامل فهد مع مفردات الماركسية اللينينية في ادق واصعب المراحل وهي مرحلة بناء الحزب. ففي هذه المرحلة وضعت الاسس التي تطورت واخذت أشكالا مختلفة وابعادا صراع تناحري في الداخل وفي الخارج. ولا زالت هذه الاسس هي التي يدور حولها الجدل حتى بعد دمجها بمسائل التجديد. لقد ادرك فهد منذ البداية أن الماركسية ليست خيار ذهني او فكرة للتداول والمساجلة انما هي دليل عمل, الامر الذي جنبه النقل الميكانيكي للتجربة الروسية على ظروف العراق. فقد عكف قبل كل شيئ على دراسة الواقع العراقي دراسة علمية. ولم يطبق تعاليم ماركس وانجلس ولينين بشكل عام, بل بما يتناسب مع ظروف العراق والمرحلة التاريخية التي يمر بها والبيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, وبما يؤهل الحزب بأن يصبح حزبا جماهيريا مكافحا. وانطلاقا من هذه الرؤية استوعب الرفيق الخالد فهد منحى التحرر الوطني في العراق وهو يخطط لتأسيس حزبه الشيوعي, مسترشدا بمقولات لينين حول مسألة التحرر الوطني في الشرق. وهكذا اتسم يوسف سلمان بالسمة الخاصة للحركة الشيوعية في الشرق والتي تجسدت في رسالتها كحركة للتحرر الوطني والتقدم الاجتماعي. ولم يكن تحويل هذه المنطلقات العامة الى خطة برنامجية ملموسة على ارضية الواقع العراقي عملا سهلا بسبب عدم نضج التجربة المحلية وتعقد الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. فقد كان فهد يتحرك في ظروف احتلال عسكري وحكومة انتداب وسياسة نهب منظم تقوم به البرجوازية المشوهة المتحالفة مع الاقطاع, المزروع بقوة القرار البريطاني في أحشاء الريف العراقي, مع وضع عربي متكامل في مكوناته مع وضع العراق. وكان عليه أن يخرج بالموقف السليم دون مراعاة أو تكتكة. فمن خصال فهد عدم باطنيته ونبذه للاسلوب الماسوني في العمل(6) . فكيف طبق فهد التوجهات المذكورة اعلاه لدى صياغة برنامج الحزب. أقر الحزب هويته الفكرية – الماركسية اللينينية, والاسس التي يقوم عليها تنظيمه – مبادئ المركزية الديمقراطية, وطبيعته الطبقية- طليعة الطبقة العاملة, وانتمائه الاممي للاممية الشيوعية (الكومنترن) ووجهه النضالي- حزب كفاحي جماهيري تحرري والافاق المستقبلية لنضاله – تحقيق الاشتراكية. كما أقر الاهداف العامة لبرنامجه المرحلي وهي:
1- النضال من اجل الاستقلال والسيادة الوطنية
2- النضال من أجل نظام ديمقراطي.
3-النضال من اجل تنمية الاقتصاد الوطني. 4- الدعاية والتحريض للافكار الشيوعية وللاشتراكية.

اما على الصعيد العربي.

1- تحقيق التحالف مع حركات التحرر وليس مع الحكومات. 2- نبذ شعار الوحدة الاندماجية وطرح فكرة الاتحاد , كتصور معقول وديمقراطي 3- مقاومة المشروع الصهيوني وتبني مشروع فلسطين الموحدة. ومن أجل تحقيق مهام الحزب البرنامجية، ناضل فهد ضد الانحرافات اليمينية واليسارية في الحزب، واوضح جوهرها وجذورها الاجتماعية. واعتبر فهد ان تسلح أعضاء الحزب بالماركسية اللينينية كفيل بحمايتهم من هذه الانزلاقات. واقر فهد حرية الاجتهاد في العمل الحزبي شريطة الا يؤدي ذلك الى الاخلال بوحدة الحزب وعرقلة نشاطه. فما هي أهم الدروس التي استخلصها من دراسته النظرية ومن معايشته لتجربة الثورة الاشتراكية في برنامج الحزب وتكتيكه في تلك المرحلة. 1- يمر طريق العراق الى الاشتراكية عبر التحرر الوطني وانجاز مهام الثورة البرجوازية الديمقراطية وتحولها الى ثورة اشتراكية. 2- يتطلب تحقيق هذه المهمات اعداد الحزب تنظيميا وتوسيع صفوفه ليتغلغل الى قلب الحركة الجماهيرية في كل المواقع، وليكون قادرا على التصدي لقيادة الحركة الشعبية وتبني مطالبها وتحقيق اهدافها. 3- من اجل تحقيق تحالف اجتماعي بين العمال والفلاحين يستوجب على طليعة العمال تبني مطالب الفلاحين والدفاع عنهم تمهيدا لقيادتهم. 4- العمل من اجل اقامة جبهة وطنية تضم جميع القوى المناهضة للاستعمار، بما في ذلك البرجوازيين الوطنيين الذين لم ترتبط مصالحهم الاقتصادية بمصالح الاستعمار. 5- يتطلب التأثير المتبادل لنضالات الحركات التحررية في الشرق العربي العمل من أجل تحقيق تحالف هذه الحركات وتواجدها المتبادل؟؟ في نضالات كل منها.
6- الدعاية للافكار الاشتراكية وجذب جماهير الشغيلة لتبنيها والنضال في سبيلها.
بعد هذا الاستعراض أود اعادة طرح السؤال الذي سبقني اليه الكثيرين من المهتمين بشخصية الرفيق الخالد فهد ترى هل كان فهد معصوما من الخطأ في النهج والممارسة؟ وهل تطاله الانتقادات التي وجهت الى الحركة الشيوعية في النصف الاخير من القرن الماضي؟
- عاش فهد في فترة عبادة الفرد لستالين، ودرس المبادئ الماركسية في موسكو في عهد الاخير، وعاصر الكومنترن والتزاماته المتشددة. فلا بد في هذه الحالة ان يكون لذلك انعكاس في نشاط فهد وفي بعض طروحاته ومواقفه.

اهم الاستنتاجات

1- لقد عبر فهد عن مصداقيته المتناهية للمبادئ والمثل التي نادى بها, باختتام نضاله المتفاني في سبيل قضية الشعب والحزب بمواجهة باسلة للموت على مشنقة نظام عميل. 2- لم ينظر فهد الى الحزب نظرة جمود وتقديس بل كاداة نضالية لتحقيق قضية الشعب العادلة. فالحزب من وجهة نظره ينمو ويتغير تبعا لتغير الظروف. وكذلك حال النظرية، فهي الاخرى تتغير وتتجدد تبعا لتغبر الواقع الموضوعي. هذه الاستنتاجات تقودني الى الاستخلاص الاخير, هو ان الرفيق فهد لو عاد الى الحياة لبادر من دون تردد وبالاستناد الى منهجه المادي الجدلي الى اعادة النظر جذريا في الكثير من طروحاته ومواقفه ولاصبح الرائد الاول لدمقرطة وتجديد الحزب تنظيميا وسياسيا وفكريا.
أرى ان خير طريقة نحتفي فيها بالذكرى السنوية لميلاد الرفيق الخالد فهد ,هو ان نغير طريقة تفكيرنا وان نعيد الاعتبار لما هو اساسي في فكر ماركس ولكل مامن شأنه استعادة حقيقية لجوهر مشروعه الانساني العظيم لتغيير العالم.
الهوامش
1- النهج عدد/49 ص146
2- هادي العلوي/النهج عدد 53 ص165
3- ث ج ملف خاص عدد302 ص22
4- زكي خيري/ صدى السنين/ص51
5- حنا بطاطو الجزء الثاني من كتابه الحزب الشيوعي ص57
6- هادي العلوي النهج/ عدد 53 ص 168