إلى أين تمضي نقابتا الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل؟


المناضل-ة
2007 / 5 / 24 - 13:12     

ها قد مضت ست سنوات عن آخر مؤتمر للكنفدراالية الديمقراطية للشغل (ان جاز اعتبار ما شهدته العيون في مارس 2001 مؤتمرا)، ولم ينعقد بعد المؤتمر الخامس، علما أن قوانين النقابة تنص على مؤتمر كل أربع سنوات. لا بل ان المجلس الوطني سبق ان قرر عقد المؤتمر مصادفا لذكرى التاسيس في نوفمبر الاخير. ولم ُتعد مشاريع المقررات التي تقضي المادة 26 من القانون الاساسي بعرضها على نقاش القاعدة شهرين بالاقل قبل موعد المؤتمر. لم ينفذ الالتزام وحسب، بل لم ُيخبر المناضلون بالاسباب، ولا حتى بارجاء المؤتمر الى تاريخ لاحق. يضاف الى هذا ان المجلس الوطني ( جهاز القرار بين مؤتمرين وطنيين) اجتمع متأخرا بزهاء 3 اشهر(14 دجنبر2006)، ولم يبحث مسألة المؤتمر باي وجه. ومع هذا لم يصدر عن اجهزة المستويات الدنيا ( نقابات وطنية واتحادات محلية وفروع) ما يعبر عن استعداد او تطلع الى عقد مؤتمر وطني تعطل عامين بينما النقابة تعصف بها الهجمات البرجوازية وافتقاد الربان لأي بوصلة.

أما الاتحاد المغربي للشغل فقد سجل رقما قياسيا في تاريخ تأخير مؤتمراته، ففي ابريل القادم ستفصل 12 سنة عن آخر مؤتمر وطني. إذ حصل اطول تاخير في المؤتمر السادس (1979) الذي فصلته عن سابقه سبع سنوات. هذا بينما تقضي انظمة الاتحاد بعقد مؤتمر وطني كل اربع سنوات. وليس ثمة لحد الآن ما يشير الى أي استعداد لعقد المؤتمر الوطني العاشر، رغم ان النقابة مقبلة على انعطاف غير مسبوق ستشكله خلافة الامين العام الذي استكمل يوم 20 فبراير الجاري عامه الخامس والثمانين، قضى منها 52 سنة على رأس القيادة. وطبعا ليست ثمة اي امكانية لمعرفة مصير هذا المؤتمر المرتقب مادامت النقابة بلا صحافة، وما يجري بدواليبها يتدوال سرا في دائرة ضيقة.

مؤتمرات لاتنعقد، وجه لحالة أعم

ليس تأخر مؤتمرات النقابات العمالية الا الوجه الظاهر من حياة داخلية غير ديمقراطية البتة. فليس لدى الحركة النقابية المغربية تقاليد ديمقراطية حقيقية، حيث ولد الاستبداد التنظيمي مع ميلاد اول اتحاد نقابي مغربي باقدام الحركة الوطنية (ذات التوجه البرجوازي) على فرض المحجوب بن الصديق أمينا عاما رغما عن ارادة الاغلبية. [1]
كما أن تاريخ النقابتين- ام ش و كدش- حافل بمشاكل تنظيمية ناتجة عن انتهاك ابسط قواعد الديمقراطية الداخلية. ففي الاتحاد المغربي للشغل جرى التنكيل بالمعارضة النقابية التي مثلتها جامعة البريد في مطلع الستينات، لدرجة اختطاف المناضل عمر بنجلون وتعذيبه [2]، وادت الممارسات التسلطية الى تفكيك جامعات نقابية بكاملها، والى طرد العديد من الكوادر النقابية، باعلى المستويات، والى نفور عدد آخر، واطاحة اجهزة وتنصيب اخرى مصطنعة. وتعرض انصار حزب التقدم والاشتراكية لحملة اجتثات من الاتحاد المغربي للشغل بدءا من 1994، استعمل فيها عنف ضاري رغم امتثاليتهم الشهيرة. وعانت جامعتا البريد والبنوك من التسلط في منتصف التسعينات [3]. وجرت مضايقة مناضلي اليسار في مواقع تنظيمية عديدة، لدرجة الاستقواء بتيارات رجعية سلفية. وجرى التخلص من عبد الرزاق نائب الامين العام ( المتورط في نهب الضمان الاجتماعي وفضائح أخرى عديدة [4]) وسليم رضوان عضو الامانة الوطنية في مارس 2004 بكيفية لا تمت للديمقراطية بصلة، يتهم بشأنها سليم رضوان اليسار باشارة الى ما سماه "مشاركة اعضاء يدافعون عن حقوق الانسان في المهزلة" قاصدا بهذه اجتماع المجلس الوطني الذي قرر طرده يوم 11 مارس 2004 .[5]
انه باختصار تاريخ اسود تعطي عنه صورة اولية الحلقات التي نشرها حسن بزوي عضو الامانة الوطنية المطرود بجريدة "الإحداث المغربية" [6] مع انه لا شك في سكوته عن فضائح كثيرة بفعل ماضيه العريق في الجهاز البروقراطي.

اما الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، فقد بدأت ديمقراطية نسبيا، و تقدمت بانتقاد تبقرط ا.م.ش، طالما كانت في طور البناء، وبحاجة الى قوى عمالية، وهذا ما جعلها، علاوة على كفاحية اكبر ناتجة عن موقع الاتحاد الاشتراكي بالمعارضة واستعماله للنقابة، اطارا لنضالات عمالية كبيرة ( جرادة، لا سمير، القطاع العام،الاضرابات الوطنية العامة...). وساد السلم الداخلي طالما شكل مؤسسوها الاتحاديون اغلبية متراصة. لكن مع تنامي وزن قوى سياسية اخرى بدأ تساقط الطلاء الديمقراطي، فحوربت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بشراسة متنامية منذ مؤتمر نقابة التعليم السابع عام 1995، رغم أن مناضليها بوجه الاجمال يقاسمون قيادة ك.د.ش التصور الاتحادي للعمل النقابي [استعمال النقابة العمالية لخدمة خط معارضة برجوازية]، فكان الصراع مجرد تنافس على المناصب وفرص استقطاب كل طرف الى حزبه، وليس خلافا حول جوهر النضال العمالي[7]. كما اتخذت قرارات تعسفية ضد العديد من المعارضين، مثل طرد عبد الله موناصير واستبعاد نقابة البحارة [8]. وانكشف للملأ الطابع اللاديمقراطي العميق لما نشبت المعارك بين الاتحاديين بعد مشاركتهم في حكومة الواجهة، فاستعمل العنف والعنف المضاد، واللجوء الى المحاكم، و تدفق سيل الاتهامات بشتى صنوف التلاعبات، والاختلالات في التسييرالتنظيمي والمالي ،الخ. [9]

أصل الداء

ان وجود شريحة ذات امتيازات مشكلة من الطاقم المسير للنقابة، واندماج هذه الشريحة في مؤسسات الدولة ("الحوار الاجتماعي"، التمثيل في مجالس ادارية لصناديق الحماية الاجتماعية، مؤسسات الديمقراطية الزائفة ، ...) هو الاساس الموضوعي لتغييب الديمقراطية في المنظمات العمالية.
فالعلاقة الوطيدة التي نسجتها بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل مع النظام منذ بداية الستينات قائمة على تبادل الانتفاع، إذ يستفيد النظام سياسيا من عمل البيروقراطية على بقاء النضال العمالي في مستوى ضعيف، سمته التشتت والنزعة القطاعية، وابطال امكانية أي تراكم تنظيمي ونضالي يهدد جديا النظام، وقد كان سياق بداية جر الحكم لقيادة الاتحاد المغربي للشغل مطبوعا بصراعه الحاد مع يسار الحركة الوطنية الشعبوي الجذري. [10]
وبالمقابل يتيح النظام لطاقم قمة النقابة واتباعه الامتيازات و فرص الاغتناء، لا شك ان اكبرها كان الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي اطلق فيه النظام يد البروقراطية النهابة، لا سيما منذ أن كان بأمس حاجة الى السلم الاجتماعي عند انفجار نزاع الصحراء في منتصف سنوات السبعين. فانذاك بدأ تصرف اقطاب كبيرة من الاتحاد المغربي للشغل في اموال الضمان الاجتماعي بشكل اتاح لها التحول الى بورجوازيين كبار. [11]
لا يمكن لفئة مشدودة الى النظام على هذا النحو ان تسمح بسير عمل المنظمة العمالية بقواعد الديمقراطية الداخلية. بل انشأت جهازا وطنيا له تفرعات في كل اقليم ومدينة، يمسك بمقاليد الامور في المنظمة وفق سياسة القيادة العليا القائمة على نسف عملي لدور النقابة كمنظمة لتوحيد قوة العمال على صعيد وطني لمواجهة الطبقة البرجوازية.
لقد جعلت القيادة العليا من الاتحاد المغربي للشغل نقابات لا يجمعها عمليا غير الاسم، ومناسبة فاتح مايو، وقاعدة الاشتغال هي انزواء كل نقابة قطاعية، يتصرف بها قادتها كاقطاعية خاصة بهم، والحرص على " الاحترام المتبادل للحدود"، أي انتفاء أي خطة عمل موحدة. ليس الاتحاد المغربي للشغل باي وجه نقابة تعمل كاتحاد على الصعيد الوطني، يرصد الوضع العام ويتخذ اللازم من القرارات ويتابع تنفيذها، باعتماد سير عمل ديمقراطي. فالمعتاد ان يقاتل عمال كل وحدة صناعية او قطاع في حدود تربى الجميع على احترامها بقواعد غير مكتوبة، لكنها تشكل منطق الجهاز الذي يتعرض كل من خرج عنه للازاحة بتلاعبات تنظيمية او بالعنف. وتستنسخ العديد من القيادات الأدنى العلاقة القائمة بالحكم وطنيا على صعيد محلي. إذ لم يعد عدم استقلال العديد من القيادات المحلية عن ارباب العمل وعن السلطة بحاجة إلى إثبات، فما من اقليم الا وشهد فضائح عديدة. ان الدور الحقيقي لبروقراطية إ. م. ش هو اتقاء أي تطور يتيح تبلور قوة عمالية مناضلة ضد الاستبداد والاستغلال.
ويجري تغليف هذه الالية باكثار الكلام عن استقلال الاتحاد المغربي للشغل بالتركيز على الطبيعة الحزبية لقيادات النقابات الاخرى. تضع قيادة الاتحاد المغربي للشغل يدها في يد النظام، وتحرف الانظار عن ذلك بالتركيز على انه ليس نقابة لاي حزب، رغم علاقات البعض الخاصة مع الاتحاد الدستوري. ان التركيز على الاستقلال عن الاحزاب غايته حجب عدم الاستقلال عن النظام. ماذا فعلت، على سبيل المثال، قيادة الاتحاد المغربي للشغل طيلة ربع قرن، منذ انطلاق التقويم الهيكلي الذي حطم المكاسب الطفيفة وفتح للمغرب ابواب الجحيم النيولبرالي؟ لا شيء غير التظاهر بالمعارضة وشل المنظمة العمالية بما يتيح نجاح خطط الحكم واوصيائه الامبرياليين.
اين قيادة الاتحاد المغربي للشغل مما يجري من تفكيك للقطاع العام، و بيع البلد للشركات متعددة الجنسيات، وحليفها الراسمال الكبير المحلي؟ اين هذه القيادة من التقويض الجاري لما تبقى من مكاسب اجتماعية على الصعد كافة؟ ألا يستوجب هذا اضرابا عاما لوقف النزيف؟ الا يستدعي التعدي المتصاعد على عمال المغرب، على نحو لم يسبقه نظير، ان يدعو الاتحاد المغربي للشغل الى اضراب عام؟ هل ما يجري اقل من الدوافع التي جعلته يدعو الى اضراب عام بالدار البيضاء والمحمدية في 18 يونيو 1981؟ هذا هو محك الاستقلال عن الحكم، أما التستر وراء خطاب متظاهر بالرفض، والامتناع عن أي تصدي حقيقي للسياسات البرجوازية، فتبعية للحكم ليس الا.
الاستقلال عن البرجوازية ودولتها لا يكون الا بالنضال ضدهما.

اما بيروقراطية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل فانها لا تستند على مصالح مادية من حجم ما تتربع فوقه الزمرة الطاغية في الاتحاد المغربي للشغل. فعلى هذا الصعيد، كانت الامتيازات مقتصرة على مناصب التفرغ النقابي، ومنافع الاسفار الخارجية، وفرص التدخل لقضاء اغراض مصلحية للاقارب والاتباع. وكان الكابح الاساس للديمقراطية الداخية متمثلا في اخضاع النقابة لسياسة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. ولدت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل قبل 28 سنة ذراعا نقابيا لهذا الحزب الذي كان آنذاك يحمل مشروعا برجوازيا قائما على بناء اقتصاد وطني يكون فيه للقطاع العام دور اساسي، في اطار "تحرر" من علاقات التبعية، مع سعي الى تقاسم ما للسلطة مع الملكية سمي " ملكية برلمانية"( المؤتمر الثالث 1978). استعملت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل اداة للهيمنة السياسية على قسم الطبقة العاملة، لا سيما بالوظيفة العمومية والقطاع العام. هذه الهيمنة استعملها الحزب للضغط على النظام، وحرص على استمرارها بالتحكم بالجهاز النقابي الذي كان اتحاديا بالكامل تقريبا. هذه الوظيفة تضع حدودا لتطور النضالات العمالية من جهة، ولحياة داخلية قائمة على الديمقراطية من جهة ثانية. لذا تقوم الحياة الداخلية للكونفدرالية على استبداد تنظيمي للحزب المهيمن، الاتحاد الاشتراكي سابقا والمؤتمر الاتحادي حاليا، و تمثيل قوى اخرى من اليسار لاضفاء تنوع ظاهري على النقابة.

ان المصالح المادية للبيروقراطية النقابية وارتباطها بالدولة ( الاتحاد المغربي للشغل بشكل اوثق) او باحزاب تستغل العمال سياسيا ( الكونفدرالية اساسا) هي السبب الجوهري لانتفاء الديمقراطية الداخلية بوجه عام، وتعثر السير التنظيمي و بوجه أخص المؤتمرات الوطنية.

المؤتمر المفقود

لا يقتصر مشكل مؤتمرات المنظمات النقابية على تاخر عقدها، بل يطال كيفية تحضيرها ومضمونها، أي دورها الفعلي في تحديد مسار تلك المنظمات. إن الحقيقة التي يعلمها كل نقابي هي ان المؤتمرات انما ُتعقد لوضع خاتم "تنظيمي" على اجهزة معدة سلفا، وأن اعداد مشاريع مقررات ليس سوى طقوسا شكلية، قد ترتجل في زمن قياسي كما حدث قبيل مؤتمر الكونفدرالية الرابع.
ان تحضيرا ديمقراطيا للمؤتمر يستلزم اعلاما نقابيا حقيقيا، وتثقيفا نقابيا حقيقيا ونقاشا حقيقيا. فالعامل الاساس الذي يلغي دور المؤتمر هو انتفاء شروط تبلور وجهات نظر بناء على معرفة بمميزات الوضع الاقتصادي والاجتماعي وحالة المنظمة النقابية ذاتها وتقييم النضالات. لا بل تستشري الامية داخل القاعدة النقابية، وبوجه اخص في قطاعات اليد العاملة النسوية، وقطاعات اليد العاملة القروية الاصل كالصيد البحري، والمناجم، وتستشري الأمية النقابية حتى داخل الجهاز المكون مع ذلك الى حد بعيد من مستخدمي التعليم والوظيفة العمومية.
هذه الحالة المؤسية ناتجة عن تغييب الصحافة النقابية القادرة على تسليح المناضلين بالمعارف المتعلقة بمرامي ارباب العمل ودولتهم، وبمراكمة الدراية النضالية بالافادة من المعارك، وغياب نشرات داخلية حقيقية تكون منبرا للنقاش والبلورة الفكرية.
كما يفقد تحضير المؤتمر كل مضمون إذا انعدم امكان نقاش حقيقي قائم على التعبير عن الاختلاف في الجريدة والنشرات، و امكان انتخاب المؤتمرين وتشكيل الاجهزة على قاعدة وجهات نظر حول القضايا الاساسية للنضال العمالي.

الى اين تمضي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل؟

اتضح منذ سنوات ان التوجه الرسمي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل يزداد ابتعادا عن هموم الشغيلة. فبعد أن تخلص الاتحاد الاشتراكي من الكونفدرالية لانتفاء الحاجة الى المناوشة بها، وصنع لنفسه نقابة داعمة للحكومة بشكل سافر، اكدت قيادة الكونفدرالية انها ترفض ان تكون ما تسميه "سندا اجتماعيا للحكومة"، لكنها لم تقدم بديلا مطابقا لمصالح الشغيلة، وواصلت خط مصاحبة اجراءات أرباب العمل والدولة، وخطت خطوة اضافية بتبني السياسة الرسمية المسماة "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية". ورغم تهافت الموقف وعدم اكتراث الدولة به، لم تعر القيادة النقابية أي اهتمام للمشاغل الحقيقية للاجراء، وسايرت الاجراءات الحكومية في تعديل قوانين الوظيفة العمومية، والسعي الى ضرب مكاسب صناديق التقاعد، وامتنعت عن أي تصدي للعزم على المس بحرية الاضراب، وسارت في لعبة "حوار" مع الحكومة سرعان ما اتضح طابعه الكاذب، و استنكفت عن انخراط فعال في حركة مناهضة غلاء المعيشة.
ثم اخيرا اكد اجتماع المجلس الوطني يوم 14 دجنبر 2006 ان سياسة القيادة تندرج ضمن منظور شامل ما فتئ يتعمق لدور النقابة العمالية اليوم يسميه تقرير المكتب التنفيذي المعروض على المجلس "ثقافة وطنية جديدة". يعتمد التقرير منظورا خاطئا، لا بل مضللا، للوضع ببلدنا، إذ يعرضه كحالة من الهجوم على امة المغرب، التي باتت كيانا مهددا لا مناص له من مواجهة الخطر ككتلة واحدة، مغيبا أي منظور طبقي.
وقد بدأت هذه "الثقافة الوطنية الجديدة" تعبر عن نفسها بوضوح قبل عشر سنوات، ايام التحضير لما سمي حكومة تناوب. جاء في احدى ادبيات المؤتمر الثالث للكونفدرالية(1997):" المطلوب والرهان المطروح هو خلق انسجام اكبر بين الشركاء الاجتماعيين لمواجهة تحديات العولمة، فالاطراف الاجتماعية محكوم عليها ان تتعلم كيف تتفتاوض جماعيا... لا بد اذن من توفير شروط وظروف مواجهة العولمة بين الشركاء الاجتماعيين كل من موقعه"
وعلى خط اتصال مباشر بهذا المقطع يؤكد تقرير المكتب التنفيذي الاخير:" ما نزال مصممين على تصحيح ما اختل وعلى مواجهة كل التحديات الموضوعية، في زمن العولمة الظالمة، جنبا الى جنب مع كل الشرفاء والمخلصين من صناع القرار وارباب العمل وكافة شرائح المجتمع المدني على قاعدة العدل والمساواة ."
انه منظور خال من أي حس طبقي، وناسف للاساس الذي تقوم عليه أي نقابة عمالية جديرة بالاسم، لأنه يتجاهل ان المصير الذي القي اليه المغرب من صنع قسم من المغاربة انفسهم، أي الطبقة السائدة المستفيدة منه الى جانب اوصيائها الامبرياليين. إن أي حديث عن المغرب بصيغة عامة، بلا تحديد طبقي، وبتجاهل علاقة التبعية للامبريالية التي يستفيد منها قسم من المالكين، خديعة تخدم النظام باسم وطنية زائفة.
ان جوهر تقرير المكتب التنفيذي سياسة افساد منهجي لوعي العمال، أي استبدال ادراك العمال لمصالحهم الطبقية المتعارضة على طول الخط مع مصالح الراسماليين المحليين والاجانب، بوهم مصلحة مشتركة. ويسمى هذا الافساد "تطويرا للوعي التاريخي للطبقة العاملة" يفرضه، حسب التقرير،" الشرط التاريخي الجديد بغاية التوجه نحو المستقبل، بإرادة وطنية جماعية، قصد الانفلات من جهة، من المخاطر المتولدة عن العولمة".
و بلغ التقرير مستوى ترويج اضاليل من قبيل أن الحكومة لا تساير عمليا مبادرات الملك، وأنها "لا تمتلك منظورا وتصورا واضحين في تدبيرها للشأن العمومي للمغاربة والمغرب". فمنذ متى اصبحت الحكومة عاصية للتوجيهات الملكية ولو قيد انملة، ومن لا يعلم انها مجرد طاقم موظفين منفذين؟ وما الذي يمسك الملك عن ردها الى جادة الصواب إن هي زاغت فعلا؟ ألا يقصد كتاب التقرير انهم متاهبون لتسلم مقاليد الحكومة لتنفيذ التوجيهات الملكية على نحو افضل؟ و اليست السياسة النيوليبرالية التي تطبقها الحكومة بحفز من صندوق النقد الدولي والاتحاد الاوربي منظورا وتصورا واضحا في تدبير الشأن العمومي على نحو يخدم الراسماليين محليين واجانب؟ إن المفقود هو المنظور المضاد، منظور الدفاع عن مصالح العمل ضد الراسمال، المفترض ان تقدمه النقابة العمالية.
ولم يات التقرير باي ذكر لما تتعرض له الطبقة العاملة من هجمات على الصعد كافة، ناهيك عن سبل التصدي لها، وبدل ذلك سيطر هاجس الانتخابات البرلمانية المرتقبة في العام 2007. ولا شك ان سوء المعاملة التي تعرض لها في الانتخابات السابقة حزب التيار المسيطر في جهاز الكونفدرالية تحدو به الى ابداء حسن سلوك ازاء الحاكمين، بتجميد النقابة العمالية، طمعا في تحسين المكانة في الآلية السياسية المسماة كذبا مؤسسات ديمقراطية.
طبعا ليس حال القاعدة الكونفدرالية على نفس طول موجة المكتب التنفيذي، فالقاعدة المكتوية بتفرعن ارباب العمل, وبتدابير الحكومة المقوضة لما تبقى من مكاسب، تتصدي وتقاوم. ويتجلى هذا في التحرك النضالي لوحدات انتاج و قطاعات لعل ابرزها في الاونة الاخيرة اضرابات شغيلة الجماعات المحلية ضد اتفاق 19 يناير الذي وقعته القيادات مع وزارة الداخلية.

الى اين يمضي الاتحاد المغربي للشغل؟

يستحيل أي حديث عن نشاط الاتحاد المغربي للشغل كجسم واحد منحكم بخط نضال نقابي على الصعيد الوطني. فليس ثمة سوى تحرك بعض الجامعات، اغلبها بلا قاعدة فعلية، ونضالات عمال وحدات القطاع الخاص المشتتة والمعزولة. اجتماعات الاجهزة الوطنية نادرة ولا وقع لها على السير الفعلي للمركزية. ولعل الامتناع المقصود عن اصدار جريدة وطنية، ولا حتى موقع على انترنت، لابلغ تعبير عن نية ابقاء هذه النقابة مفككة الاوصال.
ان نضالا حقيقيا لتغيير اوضاع الاجراء، ولو في حدود تحسينها في ظل نظام الاستغلال القائم ذاته، يقتضي منظمة وطنية توحد قوى النضال بجميع فروع الانتاج واماكن العمل وفق منظور نقابي شامل.
فما الذي يجعل الجماعة المتحكمة بالاتحاد المغربي للشغل تعطل هذه الوظيفة الاولية؟ علما ان هذا التعطيل هو الذي فتح باب اكبر تمزيق للوحدة النقابية بتأسيس الكونفدرالية. فهذه ليست مجرد نقابة اسسها انتهازيون، كما تصفها ادبيات ا.م.ش ، بل كانت قناة تنفس منها توق العمال الى النضال، واطرت فعلا كفاحات ضارية في عقدي الثمانينات والتسعينات، وانعكس ذلك تنظيميا بازاحة ا.م.ش من قطاعات اساسية.
ليس للسؤال الانف من جواب غير طبيعة العلاقة التي تشد قيادة الاتحاد المغربي للشغل الى الحكم. إن تعطيل دور النقابة بما هي اتحاد وطني للعمال هو المقابل الذي تقدمه البيروقراطية لقاء الامتيازات وفرص الاغتناء بالنهب. هذا ما تكرس طيلة 45 عاما، مقنعا بكلام ناقد للاوضاع الاجتماعية وللديمقراطية الزائفة. فمقررات المؤتمرات وبيانات الاجهزة الوطنية لا تكف عن مهاجمة لفظية لتعديات ارباب العمل والحكومات المتعاقبة، و اعلان رفض "المسلسل الديمقراطي"، لكنها لم تنظم ابدا نضالا وطنيا حقيقيا ضد ذلك كله. وقد برز هذا بجلاء منذ تصاعد الفتك بالعمال وعموم الكادحين مع تطبيق سياسة التقويم الهيكلي، ثم مع التصعيد الخطير للسياسة النيوليبرالية التي اتت على الاخضر واليابس من مكاسب الجماهير الشعبية. فبدل برامج نضالات وحملات جماهيرية ضد سياسة الدولة البرجوازية، وبدل عمل تنظيمي متابر، تختتم اجتماعات اجهزة القرار القيادية بجمل من قبيل بيان المجلس الوطني في سبتمبر 2004 الذي "يدعو تنظيمات الاتحاد وعموم العمال الى الوحدة والتعبئة في اطار منظمتهم ا.م.ش والاستعداد للدفاع عن حقوقهم وحماية مكتسباتهم بتنفيذ كل قرارات المجلس الوطني." أو "يدعو "الطبقة العاملة الى توحيد صفها وتقوية تنظيمها من اجل الدفاع على ارضية النضال وفي جميع فروع النشاط الاقتصادي ومؤسسة مؤسسة عن مصالحهم وكرامتهم وبالوسائل الملائمة" [15].
ناضلو كل واحد على حدة، وبما ترونه ملائما من وسائل، هكذا تقود القيادة العليا الجيش العمالي!
لقد كان مناضلو الاتحاد المغربي للشغل بالقاعدة الاكثر تعرضا للسجن بالفصل 288 من القانون الجنائي، وحوكم به المناضل في شركة كوماغري المخصخصة على الزرزوري 6 مرات، لكن المطالبة بالغائه بقيت حبرا على ورق، رغم ان المؤتمر التاسع جدد المطالبة بالغائه الفوري، قبل 12 عشر سنة! ما دلالة تلك المطالبة دون الاقدام على أي فعل نضالي طيلة 12 سنة؟ اليس بوسع الاتحاد المغربي للشغل ان ينظم حملة وطنية ضد الفصل 288، قوامها تعبئة في اماكن العمل وبالشارع ، وتجمعات، و حركات احتجاج، ويضعه ضمن مطالب اضراب عام؟
ما نفع الاتحاد المغربي للشغل كنقابة وطنية لما تعرض العمل النقابي للاجتثاث بالقطاع الخاص بالرباط –سلا بالقمع والإغلاق؟ وما نفعه لما تعرضت نقابة بحارة الصيد الساحلي بموانئ الجنوب للتحطيم بالقمع وطرد آلاف البحارة؟ وهلم جرا.
انها امثلة من عديد الامثلة الكاشفة لحقيقة كلام البيانات و مقررات المؤتمرات.

ما العمل ؟
يسعى المناضلون من أجل تحرر الطبقة العاملة الشامل إلى جعل النقابات العمالية أدوات نضال حقيقية لتحسين أوضاع الشغيلة ماديا وثقافيا لما في الأمر من رفع لقدراتهم الكفاحية (درجات البؤس القصوى تحطم هذه القدرات)،ولما تمثله معمعة النضال اليومي من مدرسة حرب تؤهلهم لإطاحة الرأسمالية.
لكن،الى جانب القمع وسعي البرجوازية الحثيث إلى إضفاء الهشاشة على أوضاع الشغل، يؤدي التسلط البيروقراطي إلى إضعاف الحركة النقابية بدوره الكابح، وحتى الناسف، للنضالات، وخنقه للديمقراطية المؤدي إلى الحد من جماهيرية المنظمات العمالية. وقد نال هذا الإضرار من الحركة النقابية بالمغرب على نحو يغني عن كل تبيان.
وقد غلب في تعامل اليسار المناضل في النقابات مع المعضلة البيروقراطية موقفان:
موقف الصدام المباشر مع البيروقراطية من قبل عناصر أو أقلية ضئيلة جدا، سرعان ما يفضي إلى إبطال مفعولها بالتخلص منها " تنظيميا" أو بالعنف. ويسهل هذا كثيرا على البيروقراطية في قطاعات اليد العاملة حيث تستشري الأمية، وحيث ُيربي المنضمون الجدد على مفهوم للنقابة بما هي محامي يقوم مقام العمال، أي نقابة الإنابة بدل المشاركة.
موقف مسايرة البيروقراطية، والتزام الصمت حيال جرائمها، لتفادي الإقصاء من مراكز المسؤولية والقرار. وتتعامل البيروقراطية مع هذا الموقف برسم الحدود بصرامة تجعل المسايرين في آخر المطاف مجرد منفذين لدى الجهاز.
كلا الموقفين لم يخضع للنقاش، وتلك حال المعضلة البيروقراطية من شتى أوجهها. لذا يستدعي الحرص على جعل النقابات ادوات حقيقية للنضال وضع موضوع البيروقراطية على بساط البحث والنقاش [16] . نقاش يقوم على تقييم العديد من النضالات وتجارب العمل التنظيمي التي ارتطمت بجدار البيروقراطية. فتكريس الصمت الذي اعتاده اغلب مناضلو اليسار، والحديث سرا عن جرائم البيروقراطية، لا يحمي منها، بقدر ما يؤدي إلى استغفال أفواج العمال الملتحقين بالنقابة، وجعلهم فريسة للبيروقراطية.

بقلم محمود جديد


احالات:
1- راجع الفصل الرابع من القسم الخامس بكتاب البير عياش الحركة النقابية بالمغرب، الجزء الثالث (1949-1956). دار نشر لارماتان- باريس -1993
2- راجع رسالة عمر بنجلون الى المحجوب بن الصديق بكتاب الطيب بوعزة ميلاد الحركة النقابية العمالية الحرة بالمغرب. دار النشر المغربية –1992 .
3-راجع مقال" المحجوب بن الصديق يخوض حربا باردة ضد الجامعة الوطنية للبريد والمواصلات" اسبوعية المستقل 12 يوليو 2002 .
4-راجع مقال محمود جديد "وفاة ثاني قادة الاتحاد المغربي للشغل التاريخيين". جريدة المناضل العدد 12
5-أنظر مقال سليم رضوان "مستقبل الاتحاد المغربي للشغل"، بجريدة الصباح- 13 ماي 2004
6-حلقات نشرت بجريدة "الاحداث المغربية" من 16 اكتوبر الى 13 نوفمير 2004، يضيف فيها الكاتب معلومات جديدة الى ما سرد في كتابه "الاتحاد المغربي للشغل، الحلم والواقع" . دار النجاح الجديدة . الدار البيضاء- 1993.
7-الامر جلي في وثيقة اللجنة التنظيمية لمنظمة العمل " ندوة وطنية حول العمل النقابي -10 فبراير 1998".
8-راجع كراس"صرخة نقابي كفاحي، ملف طرد عبد الله موناصير من الكنفدرالية الديمقراطية للشغل".
9-انظر على سبيل المثال عرض شناف عبد الرحمان-جريدة الاتحاد الاشتراكي-22 و 23 يونيو 2002. و الندوة الصحفية لكدش بعد حرب المقرات النقابية –جريدة الرهان الاخر 21 فبراير 2002
10-انظر مخطوط عمر بنجلون "أمراء النزعة الانحرافية العمالية". حلقات بجريدة الاحداث المغربية –دجنبر 2002 – يناير 2003
11-راجع كراس علي مريمي "الضمان الاجتماعي بالمغرب" –منشورات نادي التثقيف العمالي. اكادير.
10-انظر تقرير اللجنة النيابة لتقصي الحقائق حول الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي – الجريدة الرسمية عدد 5041 (23 سبتمبر 2002).
12-انظر تقرير المكتب التنفيذي بعنوان "مسؤولية الدولة ومسؤولية المجتمع" بموقع http://www.cdt.ma
13-راجع المقرر الاجتماعي والمطلبي للمؤتمر الكونفدرالية الثالث- ص. 36
14- بيان المجلس الوطني لــ إ.م.ش في يونيو 1996
15-للإحاطة الفكرية بمسالة البيروقراطية راجع: أندري هنري« العمل النقابي الكفاحي والحزب الثوري»، وهنري فيبر « في الستالينية والبيروقراطية» موقع جريدة المناضل-ة بانترنت